مخيّم الحربية

سيدي: أطلب الإذن بالهبوط!
إعداد: ريما سليم ضومط

اليوم الثاني

 

«أطلب الإذن بالهبوط سيدي الملازم» يصرخ جيوفاني بأعلى صوته قبل أن يهبط بالحبل من سطح مجسّم بعلوّ 15 مترًا. إلى جانبه مجموعة من رفاقه الطلاب الذين ينتظرون دورهم لتنفيذ التمرين المماثل للهبوط من طوافة أو من سطح مبنى مرتفع. ترى الخوف من المجهول في أعينهم وهم يتزودون عدة الهبوط، لكن حب المغامرة يغلبه. وبعد أخذ التعليمات من المدربين العسكريين تراهم ينزلون الحبال بارتياحٍ، واثقين من أيدي العسكريين الأمينة التي تمسك بالحبل من جانبيه، خلال الإشراف على عملية الهبوط.


هو مشهد معبّر يعكس علاقة الثقة التي تربط شباب لبنان بجيشه، واندفاع طلاب المدارس للتمثل بالعسكريين، ويمكن الجزم أن هذا المشهد كان عنوان اليوم الثاني من المخيم التدريبي لطلاب المدارس في المدرسة الحربية.
 
انضباط المحترفين!
في الثامنة صباحًا، انطلق الطلاب من الكلية الحربية باتجاه ثكنة فوج المغاوير، وهي محطة كانوا يتوقون لزيارتها لا سيما وأنهم علموا ما ينتظرهم فيها من تدريباتٍ عسكرية تحمل الكثير من التحدي والمغامرة. بعد التعرف إلى الفوج ومهامه من خلال محاضرة وفيلم مصوّر عن المناورات العسكرية، بدأ العمل: توجّه الجميع إلى الحقل الميداني حيث تراصف الطلاب بالقطار الثلاثي بكل احترام وانضباط، حتى لتكاد تحسبهم من بين العسكريين المحترفين. وإثر توزيع الفصائل على ثلاثة نشاطات: هبوط حبل من على ارتفاع 15 مترًا، تسلّق حبال على علو عشرة أمتار، وقتال شوارع، انطلقت كل فصيلة باندفاعٍ كبير لتنفيذ التمرين المطلوب.
 
فرصة نادرة
كانت مفاجأة المدربين كبيرة حين لاحظوا تسابق عناصر الفصيلة 11 للمشاركة في تمرين الهبوط، فيما كان الظن السائد أن الأكثرية ستخشى التنفيذ. وعن سبب الإقبال أوضح الطالب إيلي بو شديد أنّ «الفرصة التي أتاحها لنا الجيش اليوم نادرة ويجب الاستفادة منها، ولا خوف من الخطر لأننا بين أيادٍ أمينة». وبدوره أكّد الطالب جورجيو جرجس أن «التجربة مميزة وتتيح لنا أن نختبر نمط حياة مختلف نخرج خلاله لفترةٍ قصيرة من عالمنا المريح إلى العالم العسكري بكل ما فيه من تحديات وصعاب وروح المغامرة».

أما اللافت، فكان المشاركة الكثيفة للطالبات الإناث اللواتي أبدَين حماسة شديدة، وقد زاد من اندفاعهن كلام الرائد شربل خوري الذي طمأن الطلاب إلى أنّ الفوج اتخذ جميع وسائل الحيطة والوقاية لحمايتهم من أي خطر محتمل في أثناء الهبوط.

في الجهة المقابلة للهبوط، كان طلاب الفصيلة 12 يخضعون للتدريب على القتال المتقارب الذي يعمل على تعزير القدرات الجسدية والثقة بالنفس. كانوا ينفّذون توجيهات المدربين بكل نشاط وحيوية رغم الشمس الحارقة والحرارة المرتفعة، الأمر الذي لفت أحد المدربين المدنيين وجعله يثني على انضباطهم ودقتهم في التنفيذ قائلًا: «ما راحو ضيعان اليومين بالحربية، تعلمتو الانضباط والدقة، برافو عليكم». لم يكن لأي عامل أن يبدد حماستهم الشديدة، خصوصًا في مرحلة التطبيق التي قضت بأن يقوموا بمواجهات ثنائية تمثّل القتال المتقارب. واللافت في ذلك التمرين، كان تشجيع الطلاب لبعضهم البعض والتصفيق القوي للفائزين في القتال، ما عكس روح التآلف السائدة التي توحي بأن هؤلاء الشبان والشابات تجمعهم صداقة قديمة، فيما الواقع أنّهم آتون من مدارس مختلفة، ولم يمضِ على تعارفهم سوى يومين. هي صورة مصغرة عن اللحمة التي تجمع عناصر المجتمع العسكري، والتي تنمو في أثناء مشاركتهم الصعوبات والنجاحات.
 
الانتصار على الخوف
في حقلٍ قريب، كان عناصر الفصيلة 13 يقومون بتسلّق الحبال على علو عشرة أمتار. المشهد نفسه يتكرر هنا: الطلاب يهتفون بالتشجيع لرفاقهم الذين ينفّذون التمرين، فيما يحرص العسكريون على سلامة التنفيذ ويحفّزون المتسلقين على المثابرة وعدم الاستسلام. وسط الهتافات والتشجيع، تمكن البعض من اجتياز نصف الطريق فيما حقق آخرون هدفهم بالوصول إلى القمة، وفي الحالتَين، شعر المشاركون بفرح الانتصار لأنّ المحاولة بحد ذاتها تحمل انتصارًا على الخوف الأمر الذي يُعدّ من أبرز الأهداف في كل تمرين عسكري كما أوضح أحد المدربين للطلاب.
 
عقوبة؟!
لا يمكن أن يجتمع ما يفوق المئة والثلاثين طالبًا من دون أي مشاغبة! لذلك لم يكن مستغربًا رؤية بعض الطلاب يقومون بتمرين السواعد والزحف أرضًا كعقوبةٍ لهم نتيجة تهاونهم في تنفيذ الأوامر. ما بين الجد والضحك، كان الطلاب المعاقبون يطلبون الرحمة وإنهاء العقوبة من دون أن يلاقوا آذانًا مصغية لدى المدربين. هي فرصة تعرّفوا خلالها على أهمية الانضباط واحترام القوانين وعواقب الإخلال بهما!
 
«دوركن بكرا»
عند الظهيرة، أنهت الفصائل الثلاث التدريبات ضمن المحطات الثلاث، وتوجّه الطلاب مع مدرّبيهم إلى حقل الرماية حيث نفّذ عناصر من فوج المغاوير ومن الكلية الحربية رماية بالذخيرة الحيّة. وإذ اعترض الطلاب على عدم السماح لهم بالمشاركة في الرماية، أكّد لهم المدربون: «دوركن بكرا، فرجونا براعتكن». وضحك الجميع خاتمين يومًا مرهقًا بأجواء البشاشة والمرح.
 
ماذا تعلّموا؟
أخيرًا، حان وقت العودة إلى الكلية، بعد أن اختبر الطلاب، في المحطات الثلاث التي شاركوا فيها، مواقف مختلفة عبّروا عنها ببساطةٍ وصدق.

الطالبة جورجيا واكد أوضحت أن التجربة مميزة وتزيدنا ثقة بأنفسنا وتقرّبنا من جيشنا الذي نثق به لحماية الوطن.

الطالب إيلي ضاني أكّد أن التدريبات العسكرية وخصوصًا القتال المتقارب تخلق جوًا من الحماسة والتآلف بين الطلاب، كما أننا تعرّفنا إلى جانب مهم من الحياة العسكرية وخصوصًا الانضباط واحترام القوانين.

الطالبة رزان حجازي أشارت إلى أن التجربة مفيدة جدًا، تعلّمنا خلالها الاتكال على الذات والعمل كفريقٍ منسجم، وأعتقد أن هذا ما يؤدي إلى النجاح في المعارك العسكرية وكذلك في معركة الحياة.

الطالب جيوفاني الحاج موسى اختصر التجربة قائلًا: أتاح لنا الجيش أن نعيش نمط حياة مختلف، اندمجنا خلاله بسرعةٍ مع بعضنا البعض، وتعلّمنا أهمية النظام واحترام القوانين والتعليمات، والأهم من ذلك كله، تعرّفنا عن كثب على حياة العسكريين والصعوبات التي يعانونها ما أضاف إلى عامل الثقة التي نكنّها لهم، عامل التقدير للجهود التي يبذلونها.
 
تمرين سير ليلي
بعض المشاركين الذين يأتون من عائلات فيها أب أو أخ أو قريب عسكري سمعوا من قبل عبارة «تمرين سير ليلي» وهم يعرفون ماذا يعني ذلك إلى حد ما، لكنّ آخرين لم يخطر ببالهم أن يستفيقوا قبل منتصف الليل بقليلٍ على أصوات المدربين تحثّهم على النهوض فورًا لتنفيذ تمرين سير، وهذا ما اختبروه ولن ينسوه في حياتهم... فاليوم الحافل في ضيافة المغاوير لم ينتهِ مع العودة إلى الكلية الحربية، بالأحرى بدأ من جديد في الحادية عشرة ليلًا إذ هبّ الطلاب لتلبية أمر المدربين بالاستيقاظ والانطلاق فورًا في تمرين السير. معنوياتهم العالية وحماستهم فاجأت المدربين وأفرحتهم، ساروا مسافة 6 كيلومتر تقريبًا في منطقة بعبدا، وخلال ذهابهم وإيابهم كانت هيصاتهم وأغانيهم تعبّر عن فرحتهم. طالبوا أن تكون المسافة أطول، لكنّ البرنامج محدد ولا بد للتمرين أن ينتهي، فغدًا يوم آخر ونشاطات كثيرة.