دراسات وأبحاث

بوابة الصين الغربية على طريق الحرير عقب آخيل المارد الصيني

ردّد الكثير من وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة أخبار الإضطرابات التي وقعت في إقليم سينكيانغ وتدخّل قوات عسكرية صينية لوقف هذه الإضطرابات والقلاقل. فأين يقع الإقليم وما هي الأسباب التي أدّت الى حدوث هذه الإضطرابات التي أودت بحياة عدد لا بأس به من الضحايا، والتي تدفع السلطات الصينية الى التدخل بقوة لمنع وقوع حوادث مشابهة في المستقبل؟ إن محاولة الإجابة على هذه التساؤلات قد تلقي الضوء على الجانب الأكبر من هذه المشكلة الدائمة، والتي تؤرق جفون السلطات الصينية منذ عقود، وربما منذ قرون ايضاً.

الموقع والحدود والمساحة
إذا نظرنا الى خارطة الصين الإدارية نرى أن إقليم سينكيانغ يقع في أقصى الغرب من جمهورية الصين الشعبية (PRC).
تبلغ مساحة الإقليم حوالى 1.660.000كلم2 (أي ما يقارب مساحة إيران)، ويحده من الشمال روسيا ومن الغرب كل من كازاكستان، قيرغيزستان، طاجكستان، أفغانستان، باكستان والهند، ومن الجنوب إقليم التيبت وجزء من الهند، أما من جهة الشرق فتحده جمهورية منغوليا ويتصل بباقي الأراضي الصينية شرقاً ايضاً، وتشكل هذه المساحة الشاسعة حوالى 6/1 مساحة الصين البالغة 9.6 ملايين كلم2.

الإقليم في الجيوبوليتيك
يبلغ عدد سكان إقليم سينكيانغ حوالى 21 مليون نسمة (2007) وهم يتوزعون وفق الاتنيات الآتية:
- ويغور: 45٪.
- هان: 41٪.
- قازاق: 7٪.
- هوّي: 5٪.
- قيرغيز: 1٪.
- منغول: 0.8٪.
يضاف اليهم أعداد قليلة من إتنيات أخرى مختلفة.
سكان الإقليم بمعظمهم يعتنقون الدين الإسلامي السني ما عدا الهان فهم قومية صينية غير مسلمة (كونفوشية وغيرها). أما الهوّي فهم من العرق الصيني ولكنهم يدينون بالإسلام.
يمتاز الإقليم بطبيعته الجبلية والصحراوية ذلك أنه يتشكّل من حوضي «زنغاريا» في الشمال و«تاريم» في الجنوب تفصل بينهما سلسلة جبال تيان شان (Tian Shan) (الجبال السماوية)، التي يبلغ أعلى ارتفاع لها 7349م (Victory Peak)، وفي شرقها منخفض توربان (Turpan) بمعدل 155م تحت سطح البحر، وهذه السلسلة هي جزء من جبال الهيملايا.
والتاريم عبارة عن صحراء يحيط بها عدد من الواحات، وتعرف هذه الصحراء بإسم صحراء «تاكلامكان» (Taklamakan) وهي تسمية أطلقها سكان الإقليم «الويغور» ويبدو أنها مأخوذة من العربية بمعنى «أنك إذا دخلتها فلن تخرج منها أبداً» (Go and you will never come out).
طول هذه الصحراء حوالى 1000 كلم وعرضها 400 كلم وعلى طرفيها الشمالي والجنوبي كانت تمر «طريق الحرير» من الصين نحو الغرب. والى الشرق منها تقع صحراء «لوب نور» (Lop Nor) وهي المركز الاستراتيجي للتجارب النووية الصينية حيث أجرت أولى تجاربها العام 1964، كما أن المنطقة تستخدم اليوم للتجارب الصاروخية البالستية وتحوي عدداً من منصات إطلاق الصواريخ البالستية العابرة للقارات، وهذا ما يعطي الإقليم إحدى مزاياه الاستراتيجية في السياسة الصينية الدفاعية الى جانب مميزات أخرى سيأتي ذكرها.

ثروات الإقليم وموارده
يعتبر إقليم سينكيانغ من أغنى الأقاليم الصينية بثرواته الطبيعية والمواد الخام اللازمة في حركة الاقتصاد الصيني، فهو يحتوي على احتياط نفطي قدر ب21 مليار طن ويمثل 30٪ من حجم موارد النفط في الصين، كذلك فقد قدر احتياط الغاز الطبيعي في الإقليم بحوالى 10 تريليون م3، أي ما يشكّل 34٪ من حجم الغاز الطبيعي في بلاد الصين، كما أنه يحتوي على مخزون من الفحم الحجري يقدر ب220 مليون طن أي ما يوازي 40٪ من إنتاج البلاد. والإقليم هو الأول في مناطق الصين بإنتاجه، يضاف الى كل هذا ثروة حيوانية كبيرة وإنتاج للقطن هو الأول في الصين بالنسبة الى بقية الأقاليم، بالاضافة الى صناعات حديثة تشمل الحديد والصلب والغزل والنسيج والتعدين، ودلت الاكتشافات والتقديرات أن أراضي الإقليم تحتوي خامات اليورانيوم والكوبالت وغيرها عشرات الأصناف من المعادن النادرة على مستوى البلاد الصينية.

تاريخ الإقليم
يجمع معظم المؤرخين أن إقليم سينكيانغ ينتمي جغرافياً الى منطقة واسعة كانت تمتد من السهوب الروسية في سيبيريا ومنغوليا شمالاً الى بلاد الصين شرقاً والهند جنوباً وتشمل كامل تراب آسيا الوسطى حتى بحر قزوين وربما حتى البحر الأسود. وكانت هذه المساحات الشاسعة مرتعاً لقبائل من الرعاة الرحل، الذين بمعظمهم ينتمون الى العرق التركي القديم، ولهذا السبب أطلق على هذه المنطقة إسم «التركستان» أي بلاد الترك، ومنها انحدر في ما بعد جدود الأتراك في تركيا الحالية. كثير من هذه القبائل والقوميات استوطن في مناطق معينة أصبحت مع الزمن أوطاناً لها، وإن كان تاريخ المنطقة يمتاز بحركة مستمرة من صراع هذه القبائل في ما بينها أو مع الجوار من الدول القائمة في تلك الفترات الغابرة من التاريخ، وقد وصلتها الفتوحات الإسلامية منذ العهد الأموي (القرن الثامن الميلادي) وقد اشتهر من هذه القبائل أو القوميات التي أنشأت دولاً قوية الويغور والقيرغيز والطاجيك والأوزبك والتيبت والأفغان وغيرهم، ولذلك سميت بلادهم في ما بعد نسبة لهم، واليوم نسمع بأوزبكستان أي بلاد الأوزبك وقيرغيزستان أي بلاد القيرغيز وويغورستان، (أي بلاد الويغور الذين كانوا يشكلون 90٪ من سكان إقليم سينكيانغ الذي ضمته الصين اليها في نهاية القرن التاسع عشر). الويغور يطالبون اليوم بالاستقلال عن الصين لإقامة دولتهم المستقلة تحت إسم «ويغورستان» أو كما سموها ذات يوم «جمهورية التركستان الشرقية» عندما أعلنوا استقلالها واعترفت بهم معظم الدول، ولكن الصين سرعان ما أعادت احتلالها وضمها الى أراضي الجمهورية الصينية الشعبية العام 1949 في عهد ماو تسي تونغ.

الحدود الجديدة
استطاعت قبائل الويغور أن تقيم دولة وتفرض سيطرتها على جوارها منذ القرن التاسع الميلادي ولكنها بقيت في صراع دائم مع الأسر الحاكمة في الصين، فتارة تحتل الصين هذه البلاد وتارة تستقل هذه البلاد عن الحكم الصيني، وذلك وفق قوة الحاكم الصيني أو ضعف هذه القبائل أو صراعها في ما بينها. وقد استطاع بعض زعماء هذه القومية وخصوصاً الخان يعقوب بك في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أن يقيم دولة قوية ويتحالف مع انكلترا للوقوف بوجه الصين من جهة ووجه روسيا القيصرية من جهة ثانية، كما أن مصلحة روسيا كانت تقضي بمنع تمدد الانكليز في هذه المنطقة، لذلك كانت هذه المنطقة تخضع لميزان القوى الدولي ومصالح الدول الكبرى في ذلك الوقت، ولما اتفقت مصلحة القيصر مع مصلحة أسرة «شينغ» الصينية تم القضاء على دولة الويغور وضُمّت الى الصين العام 1884، وأطلق عليها إسم سينكيانغ أي «الحدود الجديدة».

محاولات استقلالية فاشلة
بعد ضم الإقليم الى الصين عمدت الحكومة الصينية الى منحه حكماً ذاتياً مراعاة لتركيبته الديموغرافية والاتنية والدينية (مسلمون) خصوصاً وأن الحزب الشيوعي كان هو الحاكم، وقد حاول الويغور التخلص من هذا الحكم عبر محاولات كثيرة للاستقلال على مرّ العقود الماضية ولكنها باءت بالفشل لعدد من الأسباب منها:
- لقد عمدت السلطة الصينية الى إدخال «فيالق البناء والإنتاج» وهي فرق عسكرية نظامية أو من العسكريين المسرّحين وعائلاتهم (جميعهم من قومية الهان) وباشرت القيام بعملية ضخمة في تطوير الإقليم، مثل بناء طرق وجسور، ومصانع، وزراعة، ومدن، وقرى زراعية وصناعية. كذلك عمدت الى نقل أعداد كبيرة من المواطنين الصينيين من الشرق ووطّنتهم في الإقليم في محاولة لتغيير تركيبته الديموغرافية كما يقول الويغور، فبعد أن كان هؤلاء يشكّلون 90٪ من السكان، تدنّت نسبتهم الى أقل من 50٪. يضاف الى ذلك انتقال أغلب المراكز والمواقع الحساسة في سلطة الإقليم، وإدارته الى الهان كذلك محاولات إلغاء لغة الويغور الأم (تركية قديمة تكتب بحروف عربية)، ومحاولات منع الويغور من إقامة شعائرهم الدينية الجماعية أو القيام بالاحتفالات الدينية. كل ذلك رفع درجة التوتر ما بين قوميتي الويغور والهان في الإقليم الى حد وقوع الاشتباكات الدامية بينهما، وتدخّل السلطات العسكرية الصينية من شرطة أو مخابرات لصالح المواطنين الهان وتشريد الويغور كما تقول مصادرهم. لقد أدت هذه التصرفات الى شحن النفوس بين سكان الاقليم ووقوع أحداث دامية، أدى تراكمها الى بروز حركات وطنية ويغورية تطالب بالاستقلال وأخرى تطالب بحقوق الانسان الويغوري والمساواة مع بقية المواطنين في الصين.

رؤية الصين للإقليم  أو عقب آخيل المارد الصيني
تعتبر الصين أن إقليم سينكيانغ أحد أهم نقاط القوة الاستراتيجية في نهضتها الصناعية، فهو مركز احتياط الطاقة الأول الضروري في نهوض المارد الصيني المدني والعسكري، وهو بوابة الصين الغربية نحو وسط آسيا وروسيا وعبره تمر خطوط أنابيب النفط والغاز الآتية منها، باتجاه الصين، كما أن هناك الكثير من المشاريع الموعودة في هذا المجال. فالإقليم الذي كان بوابة الصين على «طريق الحرير البرية» القديمة يشكّل اليوم فعلاً بوابة لطريق حرير من نوع آخر، فمنه تأتي الخيرات وعبره الإمدادات من الطاقة، ومن خلاله يجري التصدير البري من الصين باتجاه دول آسيا الوسطى وروسيا وحتى سائر بلاد الغرب، لذلك فهي لن تسمح لأي قوة أن تنازعها فيه أو تحاول التدخل في شؤونه الداخلية كائناً من كان، ولعل في بعض بنود منظمة شنغهاي إشارة صينية واضحة حول هذا الموضوع.

موقف روسيا
كان الاتحاد السوڤياتي السابق يخشى استقلال الإقليم سابقاً خوفاً من انتقال العدوى الى جمهوريات آسيا الوسطى، ولكن بعد سقوطه العام 1991 واستقلال هذه الدول بات لا يعارض استقلال الاقليم، خصوصاً وأن الصين تسعى الى توطين حوالى 200 مليون صيني في الاقليم كما تقول روسيا، وهذا ما يشكّل خطراً على حدود روسيا في تلك المنطقة (التي تكاد تخلو من السكان)، وهذا ما يشكّل ايضاً خللاً جيوبولتيكياً واستراتيجياً ما بين الصين وروسيا، ولعل هذا أحد المواضيع أو القضايا التي يتم تداولها من خلال منظمة «شانغهاي»، ما بين روسيا والصين ودول آسيا الوسطى الأعضاء فيها.

موقف الغرب والولايات المتحدة
لم يتخذ الغرب موقفاً صريحاً من موضوع الإقليم فهو وإن كان يؤيد حقوق الشعب الويغوري في تقرير المصير إلا أنه لا يريد إغضاب الصين، لذلك نرى أن الولايات المتحدة مثلاً تستخدم الموضوع وفق مصالحها وسياساتها مع الصين، وتقارب موضوع حقوق الإنسان فيه بخفر وحياء، أو لاستخدامه ورقة بوجه الصين في الوقت المناسب.

موقف تركيا
أيّد الشعب التركي والحكومة، انتفاضة الويغور في إقليم سينكيانغ (تركستان الشرقية) ودعوا لاستقلاله وندّدوا بسياسة الحكومة الصينية تجاهه، وذلك لاعتبارهم أنهم يشكّلون قومية تركية واحدة، وتركيا (كما يقول بعض المنظّرين الاستراتيجيين) تسعى لإقامة تركيا الكبرى التي تمتد حتى التركستان الشرقية (تضم حوالى 150 مليون تركي)، وبذلك تتحول الى دولة عظمى تمتلك إمكانات هائلة من الموارد والمواقع الاستراتيجية من حدود الصين وحتى البحر المتوسط، فتصبح لاعباً جيوستراتيجياً مهماً في الصراع الأوراسي - الغربي.

الدول العربية والإسلامية
لم تتخذ الدول العربية أي موقف مضاد للسياسة الصينية نظراً الى الصداقة التي تربطها بالصين والعلاقات الاقتصادية المتينة معها، ولوقوف الصين الدائم مع القضايا العربية العادلة وهي تعتبر الموضوع شأناً صينياً داخلياً، تجري معالجته وفق مصلحة الدولة ومنطق وحدة الوطن الصيني.

السياسة والاقتصاد والاستراتيجيا
إن قضية إقليم سينكيانغ باللغة الصينية أو التركستان الشرقية باللغة العربية أو ويغورستان باللغة التركية أو الويغورية، هي قضية سياسية - إقتصادية - إستراتيجية، فهذا الإقليم ومنذ الألف الأول قبل الميلاد وحتى اليوم، كان مجال صدام المصالح والهوية، ما بين السلطة المحلية بمعناها الشعبي - القبلي والسلطة الصينية، فهو تارة تحت الحكم الصيني وطوراً تحت حكم «الخانات» الذين ارتبطوا بعلاقات سياسية دولية مع هذه أو تلك من الدول الكبرى في القرون الماضية، ووفق منظومة مصالح الدول الكبرى وصراع النفوذ، ولكن الإقليم ومنذ أكثر من قرنين من الزمن ما يزال تحت سلطة الحكم الصيني، والصين تضم حوالى 56 قومية وهي الدولة العظمى في عالم يحاول القوي فيه أن يأكل الضعيف. ولو سمحت للإقليم بالاستقلال فهي ستواجه حالة مشابهة، في إقليم التيبت وكذلك في إقليم منغوليا الداخلية في الشمال، وتايوان في الجنوب، وذلك يعني انهيار الدولة الصينية ككل، لذلك فهي تعتبر أن أي توجه انفصالي لدى أي من هذه القوميات عملاً عدائياً تجاه الأمة الصينية والدولة، وستستخدم في منع وقوعه أو قمعه كل الوسائل المتاحة بيديها، وكل السياسات المناسبة، وليس سياسة «إضرب بقوة» التي تستخدمها في إقليم ويغورستان فحسب، فمصلحة الصين العظمى فوق أي اعتبار ديني أو قومي أو إتني لأي فئة من مكونات المجتمع الصيني والدولة الصينية، مهما حاولت المسّ بوحدة الكيان الصيني وإضعاف أسباب قوته وارتقائه.

المراجع:
- ابن الأثير - الكامل في التاريخ - مطبعة صادر - بيروت 1982 - ج 5 - ص 5 «دخل الإسلام الى الإقليم العام 96 ه - 715م على يد قتيبة بن مسلم الباهلي (كاشغر).
- لوس انجلز تايمس - 23 تشرين الثاني 2009 - حقوق الانسان في الصين.
- EAST Turkistan information Center - Uygur.org/Arabic.
- www.Uygorworld.com/sgt/m21.htm.
- News.Xinhuanet.com.
- Xinjiang:Farwest China.

هامش:
طريق الحرير هي طريق كانت تربط الصين براً بأوروبا عبر آسيا الوسطى وتتفرع شمالاً الى البحر الأسود وغرباً نحو سوريا حتى البحر المتوسط وجنوباً حتى المحيط الهندي، وكانت تنقل الحرير الصيني نحو هذه البلاد وغيرها من البضائع، وكانت طريقاً لنقل وتبادل الثقافات والأفكار خلال حقبات طويلة من التاريخ القديم والمتوسط.