- En
- Fr
- عربي
لبنان في العالم
ديوان أهل القلم كرّمه ورئيس الجمهورية منحه وسام الأرز من رتبة ضابط
المناسبة هامة، تكريم رجل عظيم، لا بل تكريم لبنان في عالم الإغتراب...
بفرح وطمأنينة اعتلى البروفسور شارل عشي خشبة مسرح قصر الأونيسكو ليقلّده ممثل رئيس الجمهورية الوزير يعقوب الصرّاف وسام الأرز من رتبة ضابط. البروفسور شارل عشّي هو رئيس قسم البعثات الفضائية الى الكواكب في وكالة الطيران والفضاء الأميركية «ناسا»، ومدير مختبر الدفع النفاث التابع للوكالة. جاء الى لبنان بدعوة من «ديوان أهل القلم» ليكرّم بين أهل بلده، الذين غمرتهم مشاعر المحبة والفخر والاعتزاز تجاه عملاق عظيم رفع اسم بلده وعائلته الى الفضاء، وامتلك فيه اسهماً ليست للبيع، وأطلق إسمه على أحد الكويكبات:"Elachi 4116"
كشافة العصر
بلغة عربية سليمة لم يستخدمها منذ أربعين سنة، توجّه البروفسور شارل العشّي الى أهل بلدته رياق، وبلدة بشعلة وكل الذين جاؤوا من المناطق اللبنانية كافة التي تمتد فيها جذور آل العشّي وقال: «من أكثر من 3000 سنة أصبح الفينيقيون أول المستكشفين عندما انطلقوا عبر المتوسط وما بعده، لإقامة محطات للتجارة؛ في سبيل الملاحة، درسوا النجوم وكانوا أول من استعمل نجمة القطب الشمالي لهذه الغاية، وهناك رأي غالب أن الفينيقيين قد جالوا حول افريقيا من حوالى 2600 سنة».
وأضاف: في مختبر الدفع النفاث jpl الذي أديره، يعمل خمسة آلاف عالم ومهندس. هؤلاء هم كشافة العصر، يعملون في سبيل استكشاف الفضاء. المختبر يجذتي مسؤول في الولايات المتحدة عن كل مهمات الاستطلاع بعمق الفضاء. وفي السنوات الخمس الماضية أنجزنا ما يلي:
- أنزلنا على المريخ مركبتين جوالتين (spirit & opportuniy).
- أدخلنا في مدار المريخ قمرين للرصد القلمي.
- جلبنا الى الأرض عيّنات من نجم مذنب.
- أرسلنا سفينة فضائية الى نجم مذنب آخر لدراسة خصائصه.
- أدخلنا مرصداً في مدار زُحل (Saturn) وأنزلنا مسبراً في جو أحد أقمار زحل (Titan).
- أطلقنا مرصداً فلكياً لدراسة كيفية تكوّن وتطوّر النجوم والمجرات.
- أطلقنا عدداً من الأقمار الاصطناعية لدراسة الكرة الأرضية من ناحية الجيولوجيا والمحيطات.
ومشاريعنا في السنوات القادمة أكثر تحدياً وأكثر إثارة، غايتها استكشاف كل كوكب في النظام الشمسي ودراسته، وأيضاً دراسة كواكب حول نجوم غير الشمس. ننطلق بهذه المشاريع لكي نزيد معلوماتنا عن نشأة الكون وعن كيفية تكوين النظام الشمسي وكوكبنا وكيفية تطورهما وتطور الحياة. هذه أهداف طموحة وبعيدة، لكن المعلومات والتكنولوجيا التي تنتج عن عملنا في هذه المشاريع ستؤدّي بدون شك الى تحسين الحياة في أنحاء العالم كافة. سأذكر على سبيل المثال بعض التكنولوجيات الناتجة عن مهماتنا الفضائية:
- أقمار الرصد الجوي.
- تحسين التصوير الطبي.
- برمجة التصحيح في التلفونات الخلوية.
- أقمار المواصلات.
- وسائل التنبيه عن الأخطار الطبيعية.
- مركّبات معدنية خفيفة الوزن.
وأكّد العشّي أن «العلماء والمهندسين من أصل شرقي منتشرون في العالم كله، وقد نجحوا وأنجزوا لأن الدراسة والعمل أتاحا لهم مجالات لكي يحققوا ثمرة نبوغهم. في عصر الانترنت وانتشار المعلومات تتكاثر فرص النجاح لأي كان أينما كان اذا فتحت المجالات. أملي أن يتعاون أصحاب القرار في قطاعات الأكاديميا والأعمال والدولة في الشرق الأوسط، فيقدموا للشباب والشابات المحيط الدراسي والاقتصادي الذي يسمح لهم تحقيق امكاناتهم كافة فيحولون الشرق الأوسط الى مركز حيوي رائد اقتصادياً وعلمياً في عالم المستقبل».
ونوّه البروفسور عشّي في كلمته بالعلماء من أصل شرقي المنتشرين في العالم، وسمى الدكتور جورج حلو اللبناني وهو من أهم علماء الفلك البارزين ومدير مركز الرصد بالأشعة ما دون الحمراء في جامعة كالنيك، والدكتور مصطفى شاهين المشهور بدراسات الكرة الأرضية، والدكتور أحمد زويل المصري الذي حاز جائزة نوبل للكيمياء.
كما شكر الرؤساء الثلاثة، و«ديوان أهل القلم»، وكل من حضر وساهم في إنجاح هذا التكريم من سياسيين وروحيين وعسكريين...
وكان حفل التكريم قد بدأ بكلمة لعريف الإحتفال الإعلامي جورج صليبي، ثم جرى عرض لفيلم وثائقي عن هذا اللبناني الذي قاد إنزال المركبة الفضائية «سبيريت» على سطـح المريـخ، مــا دفع برئيس الولايات المتحدة الى تهنئة مباشرة عبر الهاتف. وتكريماً له أطلق اسمه على أحد الكويكبات (Elachi 1446).
وقال في الفيلم: «ما دمت تعمل بكدّ وجدّ، فلا حدود لك سوى السماء»، وشدّد على ضرورة أن يتمتع عالم الفضاء بالهدوء والشجاعة والتحليل الجيد، والرؤية الصائبة، وأن يكون شغوفاً بعمله.
الإبن البارّ
في كلمتها، قالت رئيسة «ديوان أهل القلم» سلوى الخليل الأمين: ما هذا الإنجاز الذي حققه «ديوان أهل القلم» اليوم، والممتد على مدى أسبوع من تاريخه، إلا جزء من الإعتراف بعظمة هذا الإبن البارّ، المنذور لخدمة الكون عبر نجاحاته المذهلة في سبر أغوار الفضاء، التي جذبته بتواصل حلقاتها.
وأضافت: عند ارتطام المركبة «ديب إمباكت» بالمذنّب «تمبل 1» الذي يسير عبر النظام الشمسي، والذي يبعد عن الأرض حوالى 133 مليون كيلومتر، صرخ قائلاً: «لقد نجحنا... لقد وضعنا خيطاً ليتبعه الآخرون».
هذا الخيط الموصول بينه وبين المجرات، لم يقطعه شارل العشّي مع أهله ووطنه، بدليل وجوده بيننا اليوم، على الرغم من كل المعوقات التي تحكم موقعه المسؤول. فقد استجاب مشكوراً لدعوة «ديوان أهل القلم» القائمة منذ ثلاث سنوات، والتي لم تنقطع بتواصلها معه منذ ذلك التاريخ، لغاية تحقيق حلمنا بلقائه في وطنه الأم. حيث أن اللبنانيين جميعهم بمختلف فئاتهم وطوائفهم فخورون بما أنجز، وبما هو عليه اليوم، وما يعد العالم به في المستقبل القريب، حيث انه يهيء لإنزال أول إنسان على سطح المريخ.
قالوا فيه
إبن شقيق المكرّم روك العشّي، أخبرنا عن عمه الذي سامح الاتحاد السوفياتي والاميركيين، حين «وصلوا على القمر بلانا». فحلم وكبر وسبقهم وحلّق في الفضاء وأعطى المريخ الجنسية اللبنانية. طمأن جده الى أن «السكة الحديد في رياق التي كانت تصل المحيطات بعضها ببعض تطوّرت وصارت خطاً في الفضاء ممدوداً بين الكواكب».
وأشار الى أنهم حين كانوا صغاراً تشبّعوا بإنجازات شارل العشّي حتى ظنوا أن قسماً من الفضاء لهم... «كبرنا واكتشفنا أن خيالنا حقيقة وبالفضا في نجمة على اسمنا «العشّي 4116». ثم توجه الى عمه وطلب منه باسم لبنان: «إنت وعم بتفتش بالفضا عن حياة او كوكب شفلنا إذا بتلاقي بشي زاوية حلّ لبلدنا، بعيد عن الكراسي والطاولات».
وباسم الكلية الشرقية التي تخرج منها العشّي تحدّث الأب عبده عريش الذي قال: «كم تشعر بالفخر والإعتزاز حين ترى نفسك في دائرة وطنية واحدة مع كوكبة من هؤلاء العظماء، يرتفعون الى قمم شمّ ويرفعون معهم إسم وطن وأبناء هذا الوطن. وكم يزداد فخرك واعتزازك حين يكون العظيم المميز سليل صرح تربوي تنتمي انت اليه، لا بل هو من فعل مؤسسة رائدة في إغناء الوطن بكبار يتركون بصماتهم الخالدة في سجلّ الحياة الانسانية فكراً وعلماً وفلسفة وفناً. وطلب من المنظمين والحاضرين أن يسمحوا له ببعض التحايز «لأن المحتفى به هو إبن صرحنا التربوي العريق، هو خريج الكلية الشرقية في زحلة التي صدّرت للبنان والعالم العربي والعالم أجمع رجالات فكر وعلم وقانون وسياسة وفن». ولفت الى حلول البروفسور شارل العشّي في المرتبة الأولى في شهادة البكالوريا القسم العلمي العام 1963، والى المنحة التي استحقها من الحكومة اللبنانية ليتابع دراسته في باريس العام 1964.
ورأى الدكتور توفيق رزق عميد كلية العلوم في جامعة القديس يوسف أن مأثرة شارل العشّي العلمية الأهم هي نجاحه الرائع في جعل المركبات الفضائية، أكانت قمراً صناعياً أم مكوكاً فضائياً، منصات لما يسمى التصوير الراداري. ما أتاح تصوير سطوح الكواكب عن بعد، ولو عبر الغيوم المحيطة، وحتى تصوير باطن طبقاتها الأولى. وتحدث عن أهمية هذه التقنية الجديدة في علوم الأرض وريادة الفضاء.
أما المدير العام للمغتربين في وزارة الخارجية هيثم جمعة فتحدث عن نوع آخر من الهجرة قدّم الى البروفسور العشّي إمكانات استثمرت طاقاته فوصل الى ما وصل اليه. وطرح سؤالاً: «كيف عسانا نتعامل مع ظاهرة الإغتراب بمفهومه الجديد وقد اعتدنا اللحاق بمن غادر، علنا نعيده، مع ثروته، الى الوطن الأم».
واقترح الدكتور خالد زيادة الذي مثّل وزير الثقافة طارق متري فكرة إنشاء أكاديمية لبنانية عالمية للإبداع تضم هؤلاء اللبنانيين الذين يقودون الإنسانية الى التقدم والازدهار والفضاء الخارجي، يكون هدفها إقامة التواصل البنّاء بين لبنان والوطن وأبنائه العلماء الأعلام، وعقد مؤتمر دوري للعمل على تقدم العلوم في لبنان من خلال وصل جامعاته ومؤسساته البحثية بإنجازات في الحقول شتّى، وإبراز وجهه الثقافي.
بعد ذلك قلّد الوزير يعقوب الصرّاف الذي مثّل فخامة رئيس الجمهورية العماد إميل لحود البروفسور شارل العشّي وسام الأرز الوطني من رتبة ضابط، كما قدّم إليه «ديوان أهل القلم» درعاً تقديرية. وكذلك فعل رئيس بلدية رياق جوزف كعدي، في حين قدّم اليه ممثلون عن بلدة بشعلة لوحة تشكيلية.
وكانت للبروفسور العشّي سلسلة من النشاطات والمحاضرات واللقاءات خلال إقامته في لبنان.
الحضور
إلى الوزير يعقوب الصرّاف ممثلا فخامة رئيس الجمهورية، حضر احتفال تكريم البروفسور شارل العشّي في الأونيسكو النائب ياسين جابر ممثلاً رئيس مجلس النواب والوزير جو سركيس ممثلاً رئيس الحكومة، اضافة الى عدد كبير من السياسيين والروحيين والعسكريين والمهتمين وآل العشّي.