ثقافة وفنون

شعراء الفرنكوفونية
إعداد: وفيق غريزي

الشاعر شكري غانم قامة سامقة بين شعراء عصره

قامة سامقة بين شعراء عصره

يرى البعض أن التواصل الإنساني لا ينشأ ولا ينوجد داخل جماعة باللغة الكلامية وحدها, بل بكل الممارسات الإجتماعيـة التي تقوم بها الجماعات, بما في ذلك الأمور المحسوسـة والعلاقات. فالبشر يتواصلون بالوجوه والملابس والإيماءات الإحتفالية منها والعفويـة, والموسيـقى, والمسرح.. الخ, وكلها تقوم بدور يعادل دور اللغة, إذ أن وظيفة التواصل ملازمة للممارسة الإجتماعية التامة, أكثر مما هي ماثلة في اللغة وحدها.

ومن وسائل التواصل, الدراما, التي تعتبر ظاهرة عالمية, تضرب بجذورها بعيداً في ثقافات المجتمع وحياة الإنسان. وهي ظاهرة بدأت منذ الماضي البدائي لتكون الشكل الذي يتقمص قضايا الحضور الإنساني, ولتعبّر عن رحلة الإنسان عبر الخوف والموت والبعث والحب.
وفي هذا المجال, يصبح الشعر لزوماً لما لا يلزم مسرحياً, إذا أصبح مجرّد تحلية أو زخرفة مضافة, ولو كان كـل ما يعطيه لذوي الذوق الأدبي هو متعة سماع الشعر في الوقت نفسـه الذي يشهـدون التمثيـل فيه. فعلى الشعر أن يبـرر نفسـه درامياً, لا أن يكون شعـراً جميلاً موضوعاً في قالب درامي فحسب.
الشاعـر اللبناني الفرنكـوفوني شكري غانم قـدّم للبشرية الدراما الشعريـة الكامـلة, شكلاً ومضموناً, وهذا الشـاعر يحتـل مكانـة عالية, وهو في الصـف الأمامي بين الشعراء اللبنـانيـين الذين يكتبون باللغة الفرنسيـة, كما يُعتبر قامة سامقـة لا تطاولها قامـة بين شعراء عصره, إذ سيطـرت عليـه طوال حياتـه, وخصّبت نتاجه نزعته الوطنية العميقـة. إنه ذو قلب ينبـض بالحب, ويستجيب له, هو الشاعـر القـوي الطبـع, الطويـل النفس, الذي يتفجر إحساساً بفيوض من إنسانيته الرحيمة والخيّـرة, تفاعلت مع مؤثـرات بيئتـه وعوامل زمنه, فمن هو شاعرنا؟

حياة حافلة بالعطاء

ولد الشاعر شكري غانم في بيروت عام 1861. تلقى دروسه الثانوية في مدرسة الآباء اللعازاريين في عينطـورة, ثم سافر الى فرنسا يناضل, على غرار شقيقـه الشاعر خليل غانـم, في سبيـل التحرر من الإستعمـار التركي. وهناك, ترأس شكـري غانم التجمع اللبناني الذي أنشئ في باريس, وكان نائباً لرئيس التجمع اللبناني ­ السوري المنعقد في باريس عام 1913 برئاسة الشيخ عبد الحميد الزهراوي.

وقد كرّس شاعرنا جهوده للإسهام في توطيد الصداقة اللبنانية ­-  الفرنسية بغيـة إنقاذ الوطن. وتبادل مع الجنرال غورو رسائل تتعلّق باستقـلال لبنـان. واعتـرف المجلـس النيابي اللبناني بأهميته الوطنية وقدّره بعد موته.
كان شكري غانم يعشـق الأدبـاء العرب, واللغة العربية, وقد “اختار معظم موضوعاته الشعرية والأدبيـة من وحي شرقي عربي, وكان يـؤمن بلقاء الشرق والغرب, انطلاقاً من نقطتي التلاقي الرئيسيـتين, لبنـان وفرنسا, فالتقيا في شعره”. توفي عام 1929 في الانتيب.
أبرز آثاره باللغة الفرنسية “عنتر - ­ مسرحية شعرية” وله المؤلفات التالية: “دعد” 1908 - ­ رواية عالج فيها عادات بيروت وتقاليدها. “تيمورلنك” مأساة - ­ “وردة أو زهرة الحب” 1904, مسرحية في فصل واحد.
كان ينهل “من منابع الكلاسيكية الصافية ويمزج نضارة اللغة الفرنسية بروح شرقي أصيل, وبغنائية ذاتية ملتهبة”.

العبق الشرقي

لجأ شكري غانم الى التاريخ في أعماله المسرحية الشعرية, واختار في إحداها موضوعاً عاطفياً ­-  عشقياً, وقدم في مسرحية عنترة شخصيات مضطربة في الحياة.
خرجت مسرحية “عنترة” لتلقي بالوقود في المعركة الأدبية. والحب كما نرى من خلال هذه المسرحية مكتوب على جبين الشاعر شكري غانم, بحيث أنهما يلتقـيان في كل مراحل العمر, بل إن الحب بشموليته يؤلف جزءاً من كيان الشاعر الذي لا يطيق حياة هادئة لا يضربه فيها الحب ضرب العواصف, ولا يقتلعه اقتلاع الإعصار.

تبرز في مسرحية شكري غانم الموضوعات التالية:
الأول -­ الحب: وهـو محـور المسرحيـة ومادتهـا الرئيسيـة “الذي تبرز معانيه وتتراءى صوره على الأخص في ذكريات عبلة... والحب في هذه المسرحية ينزع الى السمو, ويساوي الحياة”.
الثاني -­ البطولة: تتجلى في نفسية عنترة وفي أعماله. وتتحول “البطولة أحياناً الى أسطورة, تدخل, الى حد ما, في بناء المسرحية”.
الثالث ­- الإيمان: ويظهر في بعض المواضع, ولكن ظهوره لا يشتد فيؤلف وجهاً بارزاً من أوجه الموضوع.
الرابع - ­ صراع الخير والشر: وتشير أحداث المسرحية الى أن الخير والشر يولدان في صراع ويموتان هكذا, لأن أحدهما لن ينتصر كلياً على الآخر, فيموت عنترة مثلاً, ولكن قبيلته تنتصر, وينهزم رجال عمرة عدوّه.
لقد شكل عطاء شكري غانم المسرحي -­ الشعري باللغة الفرنسية محطة ذات جناحين: أحدهما تنعكس عليه ظلال التراث الكلاسيكي في المسرح, والثاني يرتبط بمعطيات الموجة الجديدة فيه.