- En
- Fr
- عربي
شهداؤنا
بكثير من الحزن والغضب، شيّع الجيش ولبنان مزيدًا من رجاله الأبطال الذين استشهدوا في مواجهة الإرهاب التكفيري.
الرقيب علي أحمد السيد والجنديان علي الخراط ومحمد ضاهر، حمل الرفاق جثامينهم الطاهرة إلى المثوى الأخير، فيما ارتفعت أرواحهم إلى السماء لتلاقي الخالق بشهادة ناصعة، شهادة الحق والإيمان في مواجهة الهمجية والظلم والشر بأبشع تجلّياته.
الرقيب علي السيد كان في عداد العسكريين الذين فقدوا خلال معركة عرسال، وقد نقلت جثته إلى المستشفى العسكري المركزي، حيث أخضعت لفحوصات الحمض النووي وتم التثبت من هوية صاحبها (2/9/2014)، بينما استشهد الجنديان الخراط وضاهر من جراء انفجار استهدف آلية عسكرية خلال انتقالها في منطقة عرسال.
شهيدان وثلاثة جرحى في الانفجار
تلقّت المؤسسة العسكرية رسالة دموية جديدة، أسفرت عن سقوط شهيدين وإصابة ثلاثة بجروح، إثر تعرّض آليتهم لانفجار عبوة ناسفة في بلدة عرســال.
كانت العبوة مزروعة إلى جانب الطريق بالقرب من محطة للمحروقات، وقد انفجرت عند مرور شاحنة الجيش، وعلى الفور، طوّق الجيش مكان الانفجار واستقدم تعزيزات كبيرة إلى منطقة عرسال ونفّذ عمليات دهم في منطقة وادي حميد.
وأعلنت قيادة الجيش في بيان صدر عنها بتاريخ 19/9/2014، أنه حوالى الساعة 12.15، تعرّضت شاحنة عسكرية تابعة للجيش لانفجار عبوة ناسفة في أثناء انتقالها داخل بلدة عرسال، ما أدى إلى استشهاد عسكريين اثنين وإصابة ثلاثة بجروح. وعلى الأثر فرضت قوى الجيش طوقًا أمنيًا حول المكان، كما حضر الخبير العسكري وباشر الكشف على موقع الانفجار، فيما تولت الشرطة العسكرية التحقيق في الحادث».
وفي بيان لاحق، أعلنت قيادة الجيش أنه «بنتيجة كشف الخبير العسكري، تبيّن أن الإنفجار ناجم عن عبوة ناسفة موجّهة لاسلكيًا عن بعد، وتقدّر زنتها بنحو 10 كلغ من المواد المتفجرة».
وفي بيان آخر، أعلنت القيادة أن «وحدات الجيش المنتشرة في المنطقة، نفّذت عمليات دهم واسعة لأماكن يشتبه في لجوء العناصر الإرهابيين المنفّذين إليها، وقد تمكّنت هذه القوى من توقيف عدد كبير من الأشخاص، حيث بوشر التحقيق معهم بإشراف القضاء المختص».
وفي موازاة ذلك، نفّذت قوى الجيش المنتشرة في منطقة عرسال ليل 19/9/2014 رمايات بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة ضد عدد من مراكز وتحصينات الجماعات الإرهابية الموزعة في جرود المنطقة، وقد حققت خلالها إصابات مباشرة، أدت إلى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف الإرهابيين.
وأكدت قيادة الجيش في بيان أصدرته أن الجيش سيستمر في إجراءاته المشددة لحماية المواطنين، وتأمين حسن سير المهمات الأمنية المكلّف بها، وهو متمسّك بحقّه في استخدام جميع الوسائل المتوافرة لديه، ولن يتهاون مع الجماعات الإرهابية أينما وجدت على الأراضي اللبنانية، ومهما بلغت التضحيات.
تشييع الشهداء
بالغضب والأسى شيّع الوطن والمؤسسة العسكرية العسكريين الشهداء في حضور الأهالي ورفاق السلاح وشخصيــات. وقد أقيمت لهم احتفالات الاستقبال في بلداتهم والقرى المجاورة لها، وقلّدهم ممثلو العماد قائد الجيش أوسمة الحرب والجرحى والتقدير العسكري من الدرجة البرونزية. كما ألقوا كلمات نوّهت بمسيرة الشهداء مؤكدين أن «الجيش لن يسكت على استهدافه، لأنه يعني استهداف لبنان بأسره، بشعبه وأرضه، برسالته ووحدته، كما أنه سيبقى بالمرصاد للإرهاب ولكل متربّص شرًا بالوطن».
فنيدق تحتضن ابنها
في 3/9/2014، كان الوداع الأخير للرقيب الشهيد علي السيد الذي سار خلف نعشه أهالي فنيدق ومنطقة جرد القيطع، وعموم عكار. وكان النعش استقبل في مداخل عدة قرى وبلدات عكارية على طول الطريق الممتدة من بلدة المحمرة وصولًا حتى بلدته فنيدق، حيث كان في انتظار الجثمان على جانبي الطريق، آلاف المشاركين من حملة الأعلام وصور الشهيد ورايات المؤسسة العسكرية. وجرى للرقيب الشهيد استقبال في منطقة العبدة حيث كان في هذه المحطة حشد كبير من الفعاليات. وعند وصول الجثمان إلى بلدة فنيدق أقيمت الصلاة عن روحه الطاهرة في ساحة مسجد فنيدق الكبير، وأمّ المصلين مفتي عكار الشيخ زيد بكار زكريا.
تقدّم المشيّعين النائب قاسم عبد العزيز ممثلًا الرئيس سعد الحريري، النائبان خالد زهرمان ونضال طعمة، ناصر بيطار ممثلًا نائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس، النائب السابق وجيه البعريني، العقيد الركن وليد الكردي ممثلًا قائد الجيش العماد جان قهوجي، مفتي عكار الشيخ زيد بكار زكريا، وحشد من الفعاليات السياسية والحزبية واتحادات البلديات والمخاتير، إضافة إلى عائلة الجنديين الأسيرين خالد الحسن وعمار حسين، وعائلة المعاون الشهيد ابراهيم زهرمان الذي قضى العام المنصرم في عرسال أيضًا».
وألقى كلمة المؤسسة العسكرية العقيد الركن الكردي الذي قال:
«لقد بذل الشهيد حياته فداءً للبنان ولكل مواطن لبناني، ومن كان قريبًا منه أو عرفه عن كثب، أدرك عمق إخلاصه لرسالته وتفانيه في أداء واجبه المقدس، فبالنسبة إليه لبنان من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، ومن ساحله إلى قمم جباله الشرقية، هو بمثابة بيته وقريته ومنطقته، والشعب اللبناني بأسره هو عائلته وطائفته وأبناء بلدته.
أمّا حدود تضحيته فهي حدود مساحة هذا الوطن، الذي آمن به حتى الاستشهاد، ولا عجب في ذلك على الإطلاق، لأنه سليل عائلة وطنية أصيلة، يشهد لها الجميع برسوخ انتمائها الوطني وارتباطها بالجيش، سياج الوطن وعنوان مجده وكرامته».
وأضاف: «لقد أخطأ الإرهابيون القتلة، حين ظنّوا أن في اعتمادهم أساليب القتل الوحشية بحق جنودنا، خلافًا لتعاليم جميع الأديان السماوية، ولشرعة حقوق الإنسان، وللضمير الإنساني الفطري، يستطيعون ترهيب الجيش واللبنانيين، لأن هذا السلوك الهمجي الذي لم يشهد له التاريخ مثيلًا، قد زادنا عزمًا وإصرارًا على محو هذه الظاهرة واقتلاع جذورها من أساسها. وفي حضرة شهيدنا الكبير نؤكد اليوم، أن دماء شهدائنا التي حمت لبنان من الفتنة والضياع، هي أمانة في أعناقنا جميعًا، تستصرخ فينا بذل المزيد من الدماء والتضحيات، ليبقى لبنان كما أردناه، واحدًا موحدًا، سيدًا حرًا مستقلًا».
بعد ذلك، رفع جثمان الشهيد ليمرّ للمرة الأخيرة أمام منزله، وألقى ذووه النظرة الأخيرة عليه، قبل أن يوارى الثرى في مدافن العائلة.
عيدمون تزفّ عريسها
في عيدمون، شيّعت قيادة الجيش وأهالي البلدة والمنطقة، الجندي الشهيد محمد ضاهر، بمأتم رسمي وشعبي مهيب، حيث حمل على أكفّ رفاق السلاح والأهل والأقرباء والأحبة الذين تقاطروا من مختلف قرى وبلدات عكار للمشاركة في وداعه. ووسط نثر الورود والأرز وإطلاق الأعيرة النارية وتكبير المساجد وقرع أجراس الكنائس، اخترقت مسيرة التشييع شوارع بلدة عيدمون وصولًا إلى منزل عائلة الشهيد، حيث ألقى الوالدان والأشقاء والأقرباء النظرة الوداعية على عريس زفّ شهيدًا للوطن.
وأدّت ثلة من رفاق السلاح التحية العسكرية، وعزفت فرقة موسيقى الجيش لحن الموت في وداع الشهيد، وأمّ المصلّين في مسجد بلدة عيدمون مفتي عكار الشيخ زيد بكار زكريا، في حضور العقيد الركن حسن الحسن ممثلًا وزير الدفاع سمير مقبل وقائد الجيش العماد جان قهوجي، ممثل وزير العدل أشرف ريفي فادي الشامي، وقيادات عسكرية وضباط من قوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة وفاعليات سياسية وحزبية ورؤساء بلديات ومخاتير وحشد شعبي كبير.
بعد الصلاة، ألقى ممثل قائد الجيش العقيد الركن الحسن كلمة مقدمًا التعازي لعائلة الشهيد ضاهر، ومشددًا على الثوابت الوطنية للمؤسسة العسكرية تحت شعار الشرف والتضحية والوفاء، وقال:
«إن المؤسسة العسكرية تدرك تمامًا خطورة أوضاعنا الداخلية، وتشابك حقول الألغام بين زرعنا ونباتنا، في مدننا وقرانا، وفي المقابل تؤكد قيادتها مجددًا بأن الجيش لن يسكت على استهدافه، لأنه يعني استهداف لبنان بأسره، بشعبه وأرضه، برسالته ووحدته، كما أنه سيبقى بالمرصاد للإرهاب ولكل متربّص شرًا بالوطن. وأنتم بإخلاصكم وقدرتكم على تخطي الجراح والطعنات في الخصر، ستكونون الدروع الواقية من خبث الخبثاء، ومن غدر المجرمين، يتقدمكم الجيش الذي أحبكم وأحببتموه، وتعوّدتم على وقع خطواته في دروب الخلاص، مهما زادت وعورتها، ومهما نبتت عند جوانبها الأشواك».
وختم قائلًا: «إن دماء شهدائنا لن تذهب هدرًا».
بعد ذلك، ووري جثمان الشهيد في مدافن العائلة التي تقبلت وقيادة الجيش التعازي في قاعة المسجد.
صيدا تحزن وتغضب
في صيدا، شيعت القيادة وأهالي المدينة الجندي الشهيد علي الخراط، وسط حزن وغضب كبيرين، وقد اتخذت قوة من الجيش إجراءات أمنية مشددة، وانتشرت في محيط جامع الشهداء في المدينة.
ولدى وصول موكب التشييع إلى أمام منزل ذويه، حمله رفاق دربه على الأكفّ وسط ارتفاع الصراخ ونحيب الأهل والأصدقاء.
انطلق موكب الجثمان إلى جبّانة المدينة في محلة سيروب، حيث قدمت له ثلّة من الجيش التحية العسكرية، في حضور ممثل وزير الدفاع الوطني وقائد الجيش العماد جان قهوجي العقيد نصري علّيق، النقيب عبدو الحاج ممثلًا المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، النقيب أحمد شعبان ممثلًا المدير العام لأمن الدولة اللواء جورج قرعة، وفد من ضباط المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ممثلًا المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص، وشخصيات وفاعليات وعلماء دين.
وألقى كلمة القيادة العقيد نصري عليق الذي قال:
«بطلان جديدان من رفاقنا العسكريين انضمّا إلى قافلة شهدائنا الأبرار، الجنديان الشهيدان علي الخراط ومحمد ضاهر، بعد أن استهدفتهما يد الإرهاب الغادر، وهما يحرسان أرض الوطن، يدافعان عنها، ويرسّخان الأمن والاســتقرار في ربوعهــا.
العين الساهرة عند حدود الوطن في البقاع الشمالي، تلقّت حقد الإرهابيين المرتزقة، الذين ما انفكوا يعتدون على رمز السلم الأهلي في الوطن، على الجيش، على رجاله الموزعين في أرجاء البلاد شجرات أرز شامخة، لكن ردّ الجيش كما كان وسيكون دائمًا، مزيدًا من تضحيات جنودنا الميامين، الذين يحفظون وصية الشهداء، ويكملون مهمتهم، ويحذون حذوهم في الشجاعة والبطولة ونكران الذات».