- En
- Fr
- عربي
تربية وتعليم
الرسوب في الامتحانات من أصعب التجارب التي يصادفها التلميذ خلال مسيرته التعليمية، وهي تعرّضه لمشاعر سلبية مختلفة تراوح بين الخيبة والغضب والإحباط. فهل من الممكن تجاوز هذه المشاعر وتحويل الفشل إلى حافز للعمل الجدّي والنجاح في الاستحقاقات المستقبلية؟
من الطبيعي أن يشعر التلميذ بالخيبة والحزن لدى رسوبه في الامتحانات، لذلك لا بد من مساندته ليتخطى هذا الشعور ويستطيع استيعاب الصدمة والنهوض مجددًا. في هذا السياق، توضح المعالجة النفسية السيدة تريز بدّور أنّه لحين تقبّله فكرة الرسوب، يمرّ التلميذ بسلسلة من الأحاسيس السلبية تبدأ بالنكران، فالغضب، ثم الحزن، وتنتهي بالاستسلام للأمر الواقع والقبول به. وتلفت إلى أنّ الرسوب لا يعني بالضرورة الكسل وعدم الاجتهاد، فإلى جانب التلميذ غير الجدّي الذي يظهر تفاوتًا في الالتزام ويعتمد على الحظ في نجاحه، هناك زميله المجتهد، الملتزم واجباته اليومية والمستعد للامتحانات، ولكنّه قد يتعرض أيضًا للرسوب لسبب أو لآخر. في كلتا الحالتين، من المهم أن لا تكون ردة الفعل مبالغًا بها، بل يجب حث التلميذ على التعامل مع مشاعره بشكل صحيح من حيث تقبّل الواقع والاعتراف بأنّ الفشل جزء من رحلة التعلّم والتطور، وهو ليس نهاية الطريق بل فرصة للتعلّم من الأخطاء وتطوير الذات. وهنا يأتي دور الأهل الذين يمكن أن يسهموا بشكل فعال في عملية تحفيز التلميذ من خلال التشجيع المستمر والابتعاد عن اللّوم ودفعه إلى التعبير عن غضبه وحزنه بطريقة بنّاءة وإيجابية لا تؤدي إلى تدمير الذات. من المفيد في هذه الحالة حثّه على ممارسة الرياضة أو العزف على آلة موسيقية أو الرسم أو ممارسة أي من الفنون التي تسهم في تفريغ الغضب والحزن، وتؤدي في المقابل إلى تنقية الذهن وخلق المشاعر الإيجابية.
فشلان لا فشل واحد!
وتوضح السيدة بدّور أنّ للوالدين دورًا كبيرًا في رسم سلوك أولادهما وردود أفعالهم تجاه مختلف الأمور التي تواجههم، بما فيها مسألتا النجاح والفشل. فالولد يسعى دومًا لإرضاء والديه، وعليه فإنّه يرى في النجاح وسيلة لكسب الرضى المنشود، ويعتبر في المقابل أنّ رسوبه يشكل خيبة أمل وصدمة لذويه، خصوصًا إذا كان الأهل ممّن يشدّدون دائمًا على النجاح والتفوق، أو يشيرون باستمرار إلى الجهد والتكاليف المادية التي يتكبّدونها لتعليم أولادهم. وتلفت في هذا الإطار إلى أنّ الموقف السلبي للأهل المشحون باللّوم والتأنيب وتكبيد الولد الشعور بالذنب، يؤدي به إلى خيبة مزدوجة، إذ يجد نفسه في مواجهة رسوبه المدرسي مقرونًا بفشله في نظر ذويه. وتضيف أنّه من الضروري أن يتبنى الأهل موقفًا إيجابيًا يساعد الأولاد في تعلّم مبدأ الربح والخسارة. فكلما زادت الخبرة في الخسارة كانوا مجهزين بشكل أفضل للتعامل معها ومع الضغوطات والصعوبات التي تواجههم في الحياة.
تحفيز الرضى عن الذات
عمليًا، يتم تحفيز التلميذ، خصوصًا المجتهد، من خلال الإضاءة على النواحي الإيجابية كالتنويه بأنّه قام بمجهود كبير واستعد من خلال الدرس والتحضيرات التي سبقت الامتحان. وعندما يهدأ من وقع الصدمة، يجب مساعدته على تحقيق الشعور بالرضى عن نفسه ومساندته في البحث عن الثغرات التي أدت إلى رسوبه كي يتمكن من التحضير مجددًا بذهنٍ صافٍ. وتؤكد المعالجة النفسية أنّه بصرف النظر عن سبب الرسوب، فإنّ كل تلميذ يحتاج في هذه المرحلة إلى دعم نفسي لتجاوز محنته، كما يحتاج إلى مَن يرشده إلى أنّ النجاح يتطلب بذل جهد كبير والتزام خطة عمل وبرنامج معيّن، وعندئذٍ لا يُعتبر الرسوب فشلًا، بل محطةً تقضي بأن يقف التلميذ عندها محددًا نقاط ضعفه وطريقة معالجتها.
برنامج للنهوض
بعد تزوّده الدعم المطلوب وتقبّله الواقع، على التلميذ أن يبدأ في بناء خطّة للنهوض يحوّل من خلالها الخيبة إلى حافزٍ للنجاح. في هذا الإطار، تنصح السيدة بدّور الطلاب بوضع روزنامة للدرس تحدِّد الساعات المخصّصة لكل مادة وفق ما تقتضيه الحاجة، مع لحظ الثغرات التي أدت إلى الرسوب والعمل على معالجتها. وهي تنصح الأهل بعدم التردّد في الاستعانة بمدرسين متخصصين في المواد التي يعاني التلميذ تقصيرًا فيها.
وتضيف أنّ الروزنامة يجب أن تلحظ أيضًا أوقاتًا للراحة ومكافأة الذات بعد تعب الدراسة. وتتم المكافأة حين ينجح التلميذ في التزام برنامج درسه اليومي، والمهلة التي حددها لإنهاء دروسه. عندئذٍ يسمح لنفسه بممارسة الرياضة أو الخروج مع رفاقه لبعض الوقت أو القيام بأي عمل آخر يدلل به نفسه ويمنحه حافزًا لبذل مزيدٍ من الجهد. وتشدّد في هذا الإطار على أنّ الراحة لا تشمل جلوسه أمام شاشة الكمبيوتر أو الهاتف الخلوي أو أيٍ من الأجهزة الإلكترونية التي تشتّت تفكيره وتحدّ من نسبة تركيزه.
كيف نساعد الدماغ على التركيز
من الأمور التي يجب لحظها أيضًا، تحديد وقت معين للنوم والتقيّد به يوميًا. فمن الضروري أن ينام التلميذ جيدًا كي يرتاح دماغه، ويظل على استعدادٍ دائم لتحليل المعلومات التي يتلقاها. كما يجب التزام أوقات ثابتة لوجبات الطعام، وتناول الغذاء الصحي لأنّ العقل السليم في الجسم السليم.
باختصار، يحتاج برنامج العمل إلى خلق توازن بين مختلف حاجات التلميذ، إذ لا يجوز أن يسجن نفسه في المنزل لمدة شهر مثلًا للتحضير للامتحانات الرسميّة. ومع ذلك يجب إعطاء الأولوية للدرس وتخصيص الوقت الكافي له لأنّ هناك استحقاقًا مهمًا ينتظر التلميذ.
في الختام، تؤكد المعالجة النفسية أنّه ينبغي على الطلاب أن يدركوا أنّ النجاح لا يأتي بسهولة، وأنّه يتطلّب جهدًا وتحمّلًا للمسؤولية. في المقابل، فإنّ الفشل ليس سوى مرحلة مؤقتة يمكن تجاوزها من خلال خطة عمل جدية تساعد في النهوض مجددًا وتحقيق النجاح المنشود.
”من الضروري أن يتبنى الأهل موقفًا إيجابيًا يساعد الأولاد في تعلّم مبدأ الربح والخسارة. فكلما زادت الخبرة في الخسارة كانوا مجهزين بشكل أفضل للتعامل معها ومع الضغوطات والصعوبات التي تواجههم في الحياة.“