- En
- Fr
- عربي
الجيش والمجتمع
"بدنا الطرقات نفتحها واسعة باب مشرّع، بدنا الطرقات نفتحها رايحة صوب الأوسع"... لعل هذا المقطع الرحباني الفيروزي خير تعبير عن مغزى افتتاح قيادة الجيش لمزيد من شبكات الطرق في المناطق النائية، المناطق التي لم ترَ كثيرًا وجه الدولة إلا عبر مؤسسة الجيش! الأمر ليس بخافٍ على أحد، فمنذ مطلع الاستقلال كانت هذه المناطق عرضة لمختلف أنواع التهميش والحرمان، وذلك ليس ببعيدٍ عما شهدته من ممارسات وظواهر جعلت بعضًا من أبنائها في خانة المطلوبين للعدالة. منذ عقود أدرك اللواء فؤاد شهاب أنّ الأمن لا يُفرض بأعقاب البنادق وحدها، وإنما قبلها وقبل أي شيء آخر يتحقق الأمن بالتنمية والتعليم والخدمات... وهذا ما عمل له. اليوم يتابع الجيش مهمته الشاقة في الهرمل وعرسال وسواهما متحديًا عقبات هائلة لطالما حالت دون فرض هيبة الدولة.
وهو من جهة يضطلع بدوره على حدود يُدرك الجميع أنّ ضبطها بالكامل من المستحيلات، ويعمل من جهة أخرى على ملاحقة عصابات التهريب والإجرام بمختلف وجوهه، من دون أن يتغاضى عن واجبه في احتضان هذه المناطق والعمل على تسهيل حياة المواطنين فيها من خلال مشاريع ومبادرات يُشكل شق الطرقات أحد أهم وجوهها، مؤديًا بذلك أحد واجبات الدولة. فهذه الطرقات تُشرّع أبواب التواصل بين المناطق من جهة، وبين أهلها والجيش والوطن من جهة أخرى، مع كل ما يعنيه ويستتبعه ذلك اجتماعيًا واقتصاديًا ووطنيًا.
في سياق هذا التوجّه الثابت الذي تلتزمه المؤسسة العسكرية، افتتح قائد الجيش العماد جوزاف عون في أيلول الماضي شبكة طرقات في جرود منطقة الهرمل، شملت طرقات مراكز وادي فيسان ومراح الشعب وقنافذ وحرف السماقة، خطوة لاقت تقديرًا كبيرًا عبّر عنه محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر الذي حضر المناسبة إلى جانب عدد من فاعليات المنطقة، كما عبّر عنه الأهالي بالزغاريد والأهازيج والورود التي نثروها مرحّبين مهلّلين.
الطرقات المفتتَحة حديثًا شأنها شأن تلك التي سبق أن أقامها الجيش في جرود البقاع الشمالي، تربط المراكز العسكرية في ما بينها، وتسهّل مكافحة تهريب الأشخاص والبضائع والممنوعات، كما تسهّل تنقّل المواطنين ووصولهم إلى أراضيهم.
العماد عون الذي زار مركزَي مراح الشعب وحرف السماقة حيث اطّلع على الإجراءات المتخذة لمراقبة الحدود وضبطها، التقى العسكريين ونوّه بإرادتهم وإيمانهم وعزيمتهم واحترافهم في أداء المهمة رغم الصعوبات الكبيرة الناجمة عن الطقس وطبيعة الأرض، مشددًا على أهمية دورهم في حفظ أمن الوطن من خلال الجهود التي يبذلونها على الحدود التي باتت مضبوطة إلى حد بعيد بعد أن كانت مفتوحة أمام تهريب المخدرات والسلاح ومرور الإرهابيين.
وسط فاعليات المنطقة
من مراكز العسكر إلى بيوت الأهالي ومن جلها خرج رجال انضووا في صفوف المؤسسة العسكرية وأدّوا واجبهم في خدمة وطنهم. فقد زار العماد عون الشيخ ياسين علي جعفر، والتقى عددًا من فاعليات المنطقة من رجال دين ورؤساء بلديات ومخاتير وزعماء عشائر وذوي شهداء، لقاء مفعم بمشاعر الودّ والتقدير، شكر خلاله قائد الجيش أهالي المنطقة على حُسن استقبالهم ومحبتهم للجيش، مؤكدًا أنّ عشائرها هي مثال في كرم الأخلاق، وأنّها بريئة من المجرمين والخارجين عن القانون الذين يحاولون الاحتماء بعشائرهم. كما لفت إلى أنّ أهالي منطقة بعلبك الهرمل قدموا خيرة أبنائهم ليخدموا في المؤسسة العسكرية، وقد سقط الكثير منهم شهداء وجرحى.
وإذ أكّد أنّ "الجيش يبذل أقصى طاقته لإقامة مشاريع تسهّل حياة السكان في هذه المنطقة عن طريق المساعدات من اللبنانيين والدول الصديقة في إطار مهمته الإنمائية، إلى جانب مهمته الأساسية في حفظ الأمن والاستقرار"، أوضح أنّ الطرقات التي تمّ افتتاحها اليوم "أُنجزت بفضل المساعدات من السلطات الأميركية ومن لبنانيين محبين للمؤسسة العسكرية. هذه المساعدات بأشكالها المختلفة مكّنت الجيش من الاستمرار، وبالتالي ساهمت في بقاء الوطن".
في حين يبذل الجيش الجهود الجبارة على جبهات عدة بينما يعاني عسكريوه تداعيات الأزمة مواصلين أداء واجبهم بثبات وصبر عجيبين، تبرز بين الحين والآخر أصوات مسيئة أو مشككة، سواء في ما يتعلّق بتعامل الجيش مع النزوح السوري أو بغير ذلك من مواضيع تتصل بأداء الجيش لمهماته، وهذا ما اضطر قائد الجيش إلى القول من الهرمل: "نسمع بعض الأصوات المشككة بدور الجيش في حماية الحدود انطلاقًا من مواقف سياسية معروفة. لم نرَ هؤلاء يبادرون إلى دعم الجيش بل يحاولون عرقلة عمله وإثارة الشبهات حوله، ولم نرَ لهم مشاركة فاعلة في معالجة أزمة النزوح السوري. نقول لهم: إنّنا مستمرون لأنّ هدفنا هو الوطن ومصلحته، فيما هدفكم مصلحتكم الشخصية. نحن نموت ليحيا الوطن، وأنتم تُميتون الوطن من أجل مصالحكم".
وأكد أن نزوح السوريين يمثل خطرًا وجوديًّا يهدد لبنان واللبنانيين ولا بد من معالجته على مستوى الأفراد والمؤسسات جميعها. وقال: "الجيش بعيد كل البعد عن العنصرية، وهو يولي حقوق الإنسان أولوية قصوى ويضعها في صلب مهمته، لكن هذه الحقوق وُجدت لتحفظ كرامة الإنسان لا لتدمر المجتمع".
طريق الإنماء
من جهته ، شكر محافظ بعلبك الهرمل الجيش على تضحياته وجهوده الرامية إلى استتباب الأمن، وسهره على السلم الأهلي، الأمر الذي هيّأ الظروف لموسم سياحي ناشط هذا العام.
وقال: "حاول الكثيرون دق إسفين الخلاف بين الجيش وعشائر بعلبك الهرمل، لكنهم تناسوا أنّ العشائر قدمت خيرة أبنائها للمؤسسة العسكرية، ولا أحد يزايد عليها بمحبة الجيش. أجدد شكر الجيش على جهوده ضمن المحافظة لمكافحة التهريب والإتجار بالبشر، وكذلك على أدائه المشرّف في مختلف مناطق لبنان".
وثمّن مبادرة الجيش لافتتاح الطرقات، معتبرًا أن طريق الإنماء يبدأ بإنماء الطريق، وأن هذه الطرقات تجسد دور المؤسسة العسكرية في التقريب بين اللبنانيين عبر ربط المناطق والمحافظات بعضها ببعض.
يحتضن اللبنانيون جيشهم، ويحتضن الجيش مواطنيه، ومعًا يشقون وسط الأزمات طرقات واسعة للأمل باستعادة الدولة والوطن...