رحلة في الإنسان

طريقة تفسيرنا الأحداث تعكس معالم شخصيتنا
إعداد: غريس فرح

تحدّد طريقة تفسيرنا الأحداث في حياتنا مدى أهميتها بالنسبة إلينا، فالأحداث الغامضة بعض الشيء، قد نعتبرها بالغة الخطورة، أو غير ذات قيمة، وهذا يعود إلى كيفية استيعاب أدمغتنا تفاصيلها. إذن، ردّات فعلنا تجاه مجريات الحياة تكشف بجلاء كيفيّة تحليل أدمغتنا الأمور، وبالتالي خطوط شخصيتنا.
كيف يفسّر علم النفس هذا الأمر، وما هي نتائج آخر الدراسات؟


الجينات والتجارب المتكررة
الأحداث التي تحتاج إلى تفسير تبرز باستمرار عبر تعاطينا مع محيطنا الاجتماعي، وقد تؤثر في تفكيرنا وعلاقتنا بالغير.
تشير الدراسات الحديثة في هذا الحقل إلى أن التخبّط اللاّواعي في تفسير الأمور الغامضة يؤثر سلبًا على حياتنا وعلى صحّتنا بشكل خاص. ومن هنا انكباب الباحثين النفسيين على كشف مسبباته ومعالجة ذيوله. فماذا بحوزتهم؟
التجارب التي أجريت خلال السنوات الأخيرة، توصّلت إلى عدة استنتاجات منها: إن المزج بين التجارب المتكررة وتأثير الجينات الوراثية، يتسبب بتكوين عادات تعكس كيفيّة تفسيرنا الأمور، أو رؤيتنا وجهها الداكن أو المضيء، وهذا بدوره يؤثر في مرونة تعاطينا مع الضغوط الحياتية سلبًا أو إيجابًا. كذلك تمّ الاكتشاف أن الأشخاص المعرّضين للإصابة باضطرابات القلق والاكتئاب يكوّنون سلوكًا سلبيًا على أثر مواجهتهم الأحداث الاجتماعية التي تحتاج إلى تحليل. كماعرف أن الأشخاص الذين يواجهون الأحداث الغامضة بردات فعل عاطفيّة متطرفة، يصابون عمومًا بأمراضٍ نفسية لدى مواجهتهم أحداثًا مماثلة. وهذا ينجم عن اللجوء القسري إلى التحليل المنحرف أو المشوش.

 

اختبارات لقياس التفكير المنحرف
أجريت اختبارات لقياس نسبة انحراف التفكير وأسباب تكوّن هذا الانحراف، وبنتيجتها تمّ التوّصل إلى عدّة استنتاجات أبرزها، تأثير الاستعداد الجيني، وكذلك الميل القسري إلى التحليل غير المنطقي، والذي ينشأ من عادات تكرّسها التجارب الضاغطة وتتخزن آثارها في الذاكرة واللاّوعي. هذه المؤثرات تدفع بالدماغ إلى توليد أفكار منحرفة تتسبب بتضخيم تفسير الأمور المبهمة، وتفقد أصحابها القدرة على مواجهة المطبّات الحيّاتيّة.
وفي جامعة استراليا الغربية، أجرى العالم النفساني كولني ماكلويد تجارب لمعرفة كيفية تكوين العادات الحياتية غير السّوية. والعام 2002 اكتشف فريقه طريقة لتدريب الطلاب على التحكّم بالنظرة إلى الأمور التي تهدد الحياة، وفي مقدّمها الأمراض المستعصية. كذلك تمكّنوا من تدريبهم على التفتيش عن وجه الحياة المضيء والتمسّك به، الأمر الذي يساعد على المقاومة والتعايش بسلام مع المصاعب. وعرف أنه نجح في تدريب البعض، بينما واجه صعوبات مع الذين تدرّبوا في بيئات اجتماعية ضاغطة رسمت خطوط شخصيتهم منذ الصغر.

 

«لقاح» ضد السلبية!
تشير عدة نظريات معرفية متعلقة بالاضطرابات العاطفية إلى أن انحرافات التفكير اللاّواعية تزيد من نسبة تواتر الأفكار السلبية الواعية. وكانت النظريات المتعلّقة باضطرابات القلق الإجتماعي قد أكّدت أن الاعتياد على رؤية الوجه الداكن للحياة، يتسبب بالقلق والاكتئاب وعدم تقييم الذات. وهذا يزيد من التركيز على السلبيات والتفكير التشاؤمي بالأمور، بالإضافة إلى تكرار استعادة الذكريات غير السعيدة.
نتيجة لذلك، اعتمدت طريق حديثة للمعالجة النفسية من أجل تخفيف وقع هذه العوارض أو تخطّيها بقدر الإمكان. كذلك تمكّن الباحثون الذين سبروا أعماق الاكتئاب والتفكير السلبي من اعتماد «لقاح» يتمثل بالتدريب السلوكي المعرفي. هذا اللقاح عبارة عن تقنيّة تعتمد آليات تمكّن المعنيين من رؤية الوجه المضيء للحياة. أما نسبة نجاحها فتعود إلى مدى توطّد العلاقة بين المعالج النفسي والشخص الخاضع للعلاج.

 

خطوات عملية
لقد أعطت الوسائل الحديثة المتبعة حاليًا في العلاج النفسي، وخصوصًا مشاكل التفكير، نتائج مرضية حتى الآن، والدليل أن أكثرية الذين خضعوا لعلاج اضطرابات التفكير، كوّنوا مع الوقت عادات جديدة، وبفضلها تمكّنوا من تخطي ظلمة حياتهم والعبور إلى واقع أكثر مرونة.
هذه وسواها من النظريات الحديثة، تشير إلى أن طريقة تحليل الدماغ مجريات الحياة، تنشأ وتترعرع عبر اللاّوعي، ويتمّ تحويلها في الدماغ إلى أفكار واعية. ومن هنا أهمية التّدريب على تعديل خطوط الشخصية المكتسبة من هذه التجارب، والعبور تدريجًا من النفق المظلم إلى أشعة الشمس. أما في حال الإصابة بالأمراض النفسية الخطيرة، فلا بد من العلاج الذي قد يكون علاجًا نفسيًا وقد يعتمد على الأدوية.