مواسم وخيرات

طيّب يا تفاح بلادي لكن... من يشـتريك؟
إعداد: الدكتور حسين حمود
أستاذ في الجامعة اللبنانية - كلية الزراعة

يعاني التفاح اللبناني إرتفاع كلفة الإنتاج والمنافسة في الأسواق المحليّة والعربية، وتقاعس الدولة في تمويله وتأمين برادات لحفظه لكي لا يباع بأبخس الأثمان كما حصل العام الماضي، كما يعاني بسبب التأثير السلبي لعوامل المناخ وظهور أصناف جديدة مرغوبة أكثر من الأصناف اللبنانية القديمة.

 

إنتاج التفاح في لبنان
بدأت زراعة التفاح في المناطق اللبنانية في الخمسينيات من القرن الماضي، وانتشرت بشكل كبير لتصبح زراعة رئيسة خصوصًا في المناطق الجبلية، وقد اشتهرت في الأسواق العالمية بجودتها العالية. ولكن زراعة التفاح تراجعت لاحقًا لأسباب عديدة نذكر منها: قدم الأصناف المزروعة وانخفاض إنتاجيتها، تشتّت الحيازات الزراعية وصغر حجمها خصوصًا في مناطق جبل لبنان، ما أدّى إلى إرتفاع كلفة الإنتاج وعوائق في التسويق.
تحتل زراعة التفاح في لبنان حاليًا المركز الثاني بعد زراعة الحمضيات لناحية حجم الإنتاج الذي يبلغ حوالى 150 ألف طن سنويًا حسب الإحصاءات المتوافرة لدى وزارة الزراعة، ولكن حجم الإنتاج قد يزيد أو ينقص كما حصل بين العامين 2002 و2005 حيث انخفض إلى نحو 115 ألف طن. أمّا لناحية التصدير فنسبة تصدير التفاحيات لا تتعدّى الـ12إلى 15% من مجمل الإنتاج، وأهم البلدان المستوردة هي مصر والسعودية والكويت. ويحتل التفاح المرتبة الأولى في الميزان التجاري للفاكهة اللبنانية حيث بلغت قيمة الصادرات نحو 6.11 مليون دولار العام 2007.
تبلغ المساحة المزروعة بأشجار التفاح في لبنان حوالى 9411 هكتارًا أي ما يعادل 4.16% من المساحة المخصّصة لزراعة الأشجار المثمرة، وتتركّز هذه الزراعة في محافظات جبل لبنان والبقاع والشمال، وفي بعض بلدات الجنوب (خصوصًا قضاء جزّين).

 

العناية بشجرة التفّاح
عند البدء بإنشاء بستان للتفّاح من الضروري زراعة عدّة أصناف متوافقة بمواعيد إزهارها، ويجب عدم زرع صنف واحد لأن معظم أصناف التفّاح عقيمة ذاتيًا وتحتاج إلى تلقيح خلطي. وبما أن غبار طلع أشجار التفاح ثقيل ويصعب حمله بالرياح، يعتبر نشر خلايا النحل في البساتين خلال فترة الإزهار أمرًا مهمًا يساعد كثيرًا في إنجاح عملية التلقيح. كذلك من الضروري تخفيف ثمار التفاح وتفريدها بعد العقد الكامل، للحصول على ثمار بنوعية جيدة وحجم كبير، وأيضًا للحصول على إزهار جيد في الموسم القادم. أمّا أهم الشروط والعمليات الزراعية المطلوبة لنجاح زراعة التفاح فتتمثل بإختيار الموقع المناسب (إرتفاع 1000 - 1800 متر عن سطح البحر) والتسميد والري ومكافحة الحشرات والأمراض مثل دودة ثمار التفاح والمنّ القطني والأكاروز وأمراض اللفحة النارية والتبقّع والرمد وغيرها.

 

فوائد التفّاح الصحيّة
يعتبر التفاح من أهم الفواكه في العالم أجمع وتحتوي ثماره على 16% كربوهيدرات بالإضافة إلى فيتامينات ب1 وب2 وج وأ. تستعمل ثمار التفاح في الطب الشعبي لعلاج أمراض المعدة والأمعاء وهو أغنى الفواكه بالبكتين ومن فوائده الكثيرة أنه:
- ينشّط المعدة ويمنع الإمساك، حيث أن البكتين يحتوي على حامض البوريك الذي يعدّل السموم ويمتصّها.
- مفيد جدًا في حالات الإسهال لدى الأطفال لاحتوائه على حامض التانيك ذي الخاصيّة القابضة.
- مفيد في إزالة حامض اليوريك من الجسم ولذا فهو مدرّ للبول.
- مفيد جدًّا في الوقاية من عدة أمراض وعلاج بعضها مثل، ضغط الدم والكوليستيرول وتصلّب الشرايين.
- مجدّد للشباب يحارب أمراض الشيخوخة والضعف العام.
- مهدّىء للسعال والربو ويكافح نزلات البرد والصدر.
- مفيد في حالات توتر الأعصاب وآلام الروماتيزم.
- يمدّ الأسنان بالكلسيوم.
- تناوله صباحًا (على الريق) ينقّي الدم، وتناوله قبل النوم يزيل الأرق.

 

أصناف التفاح في لبنان
يلاحظ أن معظم أصناف التفّاح اللبناني تنتمي من حيث فترة النضوج إلى الأنواع المتوسطة (تقطف في منتصف أيلول) والمتأخرة (تقطف في بداية تشرين الأول) والمتأخرة جدًا (تقطف في تشرين الثاني). بينما لا نجد بينها الأصناف الباكورية جدًا (التي تنضج في تموز والتي تناسب زراعتها المناطق التي ترتفع من 600 إلى 900 متر عن سطح البحر)، ولا الأصناف الباكورية التي تنضج من أواخر تموز حتى منتصف آب (التي تناسب زراعتها معظم مناطق زراعة التفاح التقليدية في لبنان).

 

أمّا أهم أنواع التفاح المزروعة في لبنان فهي:
• غولدن دليشيس: يقطف في منتصف شهر أيلول، حسّاس على مرض الرمد ومتوسط المقاومة لأمراض التبقّع واللفحة النارية، أبرز الأصناف المحسّنة التي تشتق منه: Supreme - Smoothe - Golden B - Belgolden Lysgolden.
• ريد دليشيس: يقطــف في بداية تشرين الثاني، حسّاس على مرضي التبقّع والمنّ القملي، مقاوم للرمد، ومن أصنافه المحسّنة: Scarlet  spur - Super chief -  Topred - Red chief - Early red one.
• غراني سميث: صنف جديد يقطف في بداية تشرين الأول حسّاس على التبقّع واللفحة النارية وأبرز الأصناف المحسّنة التي تشتق منه صنف Early smith.
• فوجي: صنف جديد يقطف في بداية تشرين الأول حسّاس على مرض التبقّع واللفحة النارية وأبرز أصنافه المحسّنة التي تشتقّ منه: Red fuji - Sun fuji.
• غالا: صنف متوسط من حيث فترة النضوج يقطف خلال شهر آب، متوسط المقاومة للأمراض، أبرز الأصناف المحسّنة التي تشتق منه Royal - Mondiale - Galaxy.
• بريبورن: صنف متأخر جدًا من حيث فترة النضوج، يقطف في أواخر تشرين الأول، متوسط المقاومة للأمراض، أبرز أصنافه المحسّنة صنف Braestar.
يجدر بالإشارة أن جميع الأصناف المذكورة يمكن حفظها في البرادات مدة 8 أشهر، وأن عددًا كبيرًا من المزارعين بدأوا منذ سنوات تجديد شباب الأشجار، فقطعوا المعمّر منها وزرعوا بديلاً عنها مؤصّلاً من عدة أنواع، أبرزها الأميركي والدوبل رايت والغولدن الياباني وغيرها من الأنواع الأخرى الجديدة، لأن سعرها في السوق الإستهلاكية أفضل بينما الأصناف التقليدية تأتي في المرتبة الثانية.

 

أصناف جديدة لتحسين الإنتاج
حول إختيار الأصناف المناسبة من التفّاح يقول الدكتور أوسكار عسلي: «من ناحية إنتخاب الأصناف، من المستحسن الإبتعاد في المناطق المتوسطة العلو على الأقل عن صنفي غولدن ودليشيس أحمر المزروعين اليوم، والإعتماد على أصناف غولدن ودليشيس المحسّنة، وأصناف جديدة باكورية وأخرى متأخرة، ما يوسّع فترة القطاف». ويضيف عسلي أن الطرق الحديثة لزراعة بساتين التفاح تختلف تمامًا عمّا كانت عليه في الخمسينيات، ففي ذلك الحين كان عدد الأشجار حوالى 40 في الدونم، أما اليوم فأصبح يراوح ما بين 60 و120 شجرة. وبالطبع لا يمكن إعتماد هذه الكثافة بعدد الأشجار ما لم نستعمل أصول تطعيم مناسبة للمسافات القريبة، ما يعني أن الأصول التي كانت تستعمل في الماضي يجب أن تستبدل بأصول أخرى. ولمجابهة المنافسة التي يواجهها التفاح اللبناني في الأسواق الخارجية لا يكفي أن نزيد الإنتاج بزيادة عدد الأشجار في وحدة المساحة، بل يجب أن نحسّن نوعية إنتاجنا، وهذا يتطلّب قبل كل شيء إعتماد أصناف محسّنة بدلًا من تلك التي كانت تزرع منذ خمسين عامًا ولا يزال البعض يعتمدها. من ناحية أخرى فإن إعتماد أصناف جديدة من التفاح مهم جدًا على صعيد مكافحة الأمراض والحشرات. فهناك اليوم أصناف تفاح جديدة مشتقة من الغولدن ذات مناعة على القشب الذي يصيب هذا الصنف من التفاح والذي يمكن أن تسبّبه أمراض فطرية (الرمد) أو فيروسية أو عوامل المناخ (الرطوبة) أو الأدوية الزراعية. من هذه الأصناف المقاومة للقشب نذكر غولدن 972، بيل غولدن، ليز غولدن وسموثي. بالإضافة إلى أصناف غولدن ودوبل ريد المحسّنة، ينبغي إعتماد أصناف تسمح لنا بتمديد فترة التسويق، فتبدأ بالأصناف الباكورية التي تقطف أواسط تموز وأوائل آب مثل بيلافستا وجورسي ماك وإيرلي غولد، ثم نصف الباكورية مثل غالا وغولدن عنجر ثم غولدن ودوبل ريد المحسّنة والتي يليها صنفا غراني سميث وفوجي، إذ يبدأ قطافهما في البقاع في أواسط تشرين الأول.

 

ما هي الأسباب الرئيسة لأزمة التفاح اللبناني؟
يعاني مزارعو التفاح في لبنان عدة مشاكل تجعل المزارعين عاجزين عن الإستمرار في الحفاظ على هذا الموسم المهم، إذ أن أتعابهم تذهب سدى ويضطرون إلى بيع إنتاجهم بأقل من سعر الكلفة في أحيان كثيرة، أبرز هذه المشاكل ما يلي:

 

• منافسة التفاح المستورد:
يعاني التفاح اللبناني اليوم منافسة التفاح المستورد له فيما الأسواق الخارجية شبه مقفلة أمامه لأنه غير قادر على المنافسة (لارتفاع كلفة الإنتاج) أو بسبب الإضطرابات في أسواق عربية كانت تشكّل وجهة رئيسة للتصدير مثل الأسواق المصرية والعراقية والليبية. كذلك يعاني التفاح اللبناني واقع غياب الخطط الرسمية المدروسة في ما يتعلق بكلفة إنتاجه أو تخزينه وتصريف محصوله.

 

• الأصناف المزروعة لم تعد مرغوبة عالميًا:
يشير عدد من الفاعلين في قطاع تصدير الفاكهة إلى ضرورة تغيير الروزنامة التقليدية واستبدالها بأخرى. وعلى سبيل المثال فالصنفان غولدن وستاركن لم يعودا مرغوبين عالميًا، بل تغيّرت متطلّبات السوق وبات الطلب يتركّز على أصناف أخرى. يضاف إلى ذلك عدم التقيد أحيانًا بالمواصفات العالمية المطلوبة ما يمنع التفاح اللبناني من دخول بعض الاسواق.

 

• عدم وجود برّادات لتخزين التفاح:
إن وجود برادات في جميع المناطق الزراعية اللبنانية يسهم إلى حد كبير في تخفيض كلفة الإنتاج إذ يوفّر على المزارعين نفقات النقل ومشقاته، والأهم من ذلك، أنه يؤمن الحفاظ على موسم التفاح بحيث لا يضطر المزارعون إلى بيعه بسعر هو دون سعر الكلفة بكثير كما حصل العام المنصرم بالذات.

 

• عدم وجود مصرف وطني للإنماء الزراعي:
تركت أزمة تصريف التفاح هذا العام آثارها السلبية على المزارع اللبناني الذي باع محصوله بسعر لم يشهد له مثيلًا في السابق، إذ راوح سعر الكلغ المعبأ في الصناديق ما بين 500 و650 ل.ل. وهو سعر لا يلامس حتى الكلفة من بعيد، ويشكّل كارثة إقتصادية وإجتماعية لمناطق بأسرها، كون زراعة التفاح هي المصدر الأساسي للعيش فيها.
نتيجة لذلك، دعا رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين أنطوان الحويك الحكومة إلى تخصيص مساعدات طارئة بقيمة 40 مليار ليرة، وإلى ضرورة إنشاء المصرف الوطني للإنماء الزراعي الذي يفترض أن يؤمن القروض للمزارعين ليستطيعوا حفظ إنتاجهم في البرادات فلا يضطرون إلى بيعه بأبخس الأسعار.

 

• عدم وجود تعاونيات زراعية:
أكّد وزير الزراعة الدكتور حسين الحاج حسن أن عمل التعاونيات هو جزء أساسي في معالجة المشاكل التي يعانيها صغار المزارعين والتي تعيق تطوير القطاع الزراعي. فإنشاء التعاونيات حاجة ملحّة لزيادة الإنتاجية وخفض الكلفة وتسويق الإنتاج بشكل أفضل، خصوصًا أن هناك فارقًا كبيرًا بين سعر المبيع الذي يحصل عليه المزارع وسعر البيع للمستهلك، وهذه المشكلة لا يمكن حلّها لمصلحة الطرفين معًا إلاّ بالعمل التعاوني لزيادة الإنتاجية وخفض كلفة الإنتاج.