- En
- Fr
- عربي
قضايا اقليمية
الدولة العبرية تدعم المتدينين اليهود
«إنها ليست كابول... إنها بيت شيميش» هذا هو العنوان الذي اختارته الكاتبة تمار روتام في صحيفة هآرتس، للتعبير فيه عن ظاهرة النساء المتشحات بالسواد من رؤوسهن وحتى أخمص أقدامهن، في مظهر يعيد إلى الأذهان صورة نساء الطالبان في أفغانستان. وهذه الظاهرة لا تقتصر على بيت شيميش فحسب، بل إنها تتكرر أيضًا في بيتارعيليت وصفد وطبريا وحتى في بعض أحياء القدس.
وفي تقرير تلفزيوني بثته القناة الثانية الإسرائيلية، تبين أن اكثر من 360 إمرأة ينتمين إلى هذه المجموعة المسماة «نساء طالبان» او «مجموعة القلب الطاهر»، وهن يعقدن لقاءات مشتركة في حي غئولا في القدس ويستمعن هناك إلى محاضرات وعظات دينية حول الاحتشام واللباس اللائق للمرأة. ويشير التقرير أيضاً إلى أن هؤلاء النسوة ينتمين إلى أكثر من تيار ديني ويتحدرن من اصول اجتماعية وعرقية مختلفة.
الملفت أن هذه الظاهرة ليست جديدة بل سبق وأسسها أحد الحاخامات في ضاحية كريات يوفيل في القدس قبل عشرين عامًا لدى هجرته إلى الولايات المتحدة ومن ثم إلى كندا. والظاهرة تحولت إلى تيار يقوى يومًا بعد يوم، وهو يضم رجالاً ونساءً يخضعون جميعًا لطقوس دينية متطرفة تشمل الصلوات الغريبة والطويلة، وتمارس بحق المخالفين منهم عقوبات مثل الجلد، كما ويتم بين صفوفهم تزويج القاصرات، وسواها من الممارسات المتنازع بشأنها والتي اتهمت بها إمرأة من ريشون لتسيون حكمت عليها محكمة اسرائيلية بالسجن لمدة أربع سنوات بتهمة جلد بناتها وأولادها، وقد أطلق عليها الإعلام الاسرائيلي اسم «ماما طالبان» لأنها كانت ترتدي الجلباب الأسود الطويل.
هذه المجموعة الدينية أثارت لغطًا داخل اسرائيل إلى حد أن محكمة اسرائيلية تدرس الآن مدى شرعيتها وقانونيتها، وبالتالي ما إذا كان الانتساب اليها أمرًا مسموحًا أو ممنوعًا.
في كل الأحوال، الشيء الأكثر بروزًا في هذه المجموعة هو حجاب النساء الكامل المختلف حول وجوبه او عدم وجوبه في الدين اليهودي، فالدكتورة ليا برونر أستاذة التاريخ اليهودي في الجامعة اليهودية تقول: «إن الأدب الرباني الكلاسيكي الأول أي التلمود والميدراش، كان له اسلوب مختلف تمامًا بالنسبة إلى غطاء الشعر عند النساء. ففي ذلك الحين لم يكن غطاء الرأس زيًا أو عادة فحسب، كما في الإنجيل، بل حسم كقاعدة وكتنظيم للنساء اللواتي يردن السير على نهج الإلتزام الديني. وصار غطاء الرأس لدى النساء اليهوديات منذ القرون الوسطى جزءًا مكملاً للطقوس الدينية، وبالتالي فإن غطاء الرأس الذي هو الخمار وغطاء الجسد الذي هو الجلباب في الإسلام، كان عادة يهودية ثم تحول إلى فريضة دينية لدى اليهود المتدينين (الحريديم). وقد جاء في الموسوعة التلمودية ان الحجاب أو غطاء الرأس هو عادة يهودية. وسواء كان ارتداء غطاء الرأس عادة أو فريضة في الديانة اليهودية فمن المسلّم به أنه كان موجودًا بل معروفًا ورائجًا في المجتمعات اليهودية الدينية القديمة.
ويقول الدكتور مناحيم براير من جامعة يشيفا أنه كان من عادة النساء اليهوديات الخروج علنًا بغطاء الرأس الذي كان أحيانًا يغطي الوجه بالكامل ويترك عينًا واحدة. وهو يقتبس أقوال بعض الأحبار القدماء مثل: ليس من شيمة بنات اسرائيل الخروج برأس مكشوف.. ولعن الرجل الذي يترك شعر زوجته مرئيًا.. والمرأة التي تعرض شعرها للزينة تجلب لنفسها الفاقة.. وفي الشريعة اليهودية أنه يحرم تلاوة الصلوات في حضور إمرأة متزوجة وحاسرة الرأس لأن هذا يشكل تعريًا وإهانة لتواضعها. وكذلك اعتبر الحجاب على أنه احترام المرأة لنفسها ومركزها الاجتماعي، وبالتالي لم يسمح للمومسات في المجتمع اليهودي القديم بتغطية شعرهن.
وتفيد المراجع أن المرأة اليهودية في القرن التاسع عشر كانت ترتدي غطاء الرأس تعبيرًا عن مكانتها المحترمة وارتفاع مستواها الاجتماعي، وبالتالي كان بعض النسوة من الطبقات الأقل شأنًا يرتدين الحجاب حتى يظهرن في مستوى أعلى مما هن عليه. والتوراة نصت على أن عقوبة المرأة المتزوجة والمضيعة لعفتها، تبدأ بكشف الكاهن لرأسها وهذا بحد ذاته دليل كاف وصريح على أن ارتداء المرأة اليهودية للحجاب يعد مقياسًا لشرفها وسمو مكانتها، ونزعها له دليل فسادها.
وجاء في التلمود أن «شعر المرأة عورة» وبالتالي فإن هناك من يفتي بتحريم خروج المرأة اليهودية المعتبرة حاسرة ولو في فناء منزلها الخاص، بل وذهب بعض الحاخامات إلى حد الإفتاء بوجوب حلق شعر النساء من أساسه، ورفض المتشددون اليهود (الحريديم) توبة رابين وتوبة الوزيرة شولاميت آلوني في حكومته «حتى لو عمدت إلى حلق رأسها وتغطيته». وكل هذه الأمور هي مجرد مظاهر متفرقة لحقيقة واحدة وهي الصراع المتجذر والخطير بين العلمانيين والمتدينين المتزمتين في كيان العدو، إذ نجد بوادر ثورة نسائية قضائية ضد من يسمون «حراس الطهارة». وهؤلاء من الرجال اليهود المتزمتين الذين يفرضون نوعًا من الإكراه الذكوري تجلى من خلال ما سمي بحرب الحافلات حيث يفرض على النساء استعمال الجزء الخلفي منها فقط، أما الباب الأمامي والمقاعد الأمامية فمخصصة للرجال فقط.
الجدير بالذكرأن اليهود المتدينين في اسرائيل يتكاثرون بنسبة 6،6% سنويًا وهي أعلى نسبة تكاثر بشري في العالم وهي اعلى حتى من نسبة التكاثر الطبيعي في قطاع غزة، والجدير بالذكر أن هؤلاء تدعمهم الدولة لكي يشكلوا بحسب مخططاتها ما تسميه ميزان الردع الديموغرافي مقابل النمو الطبيعي للعرب في الجليل والمثلث والنقب.
والقضية الأهم في هذه المخططات تكمن في السيطرة اليهودية الصهيونية الاسرائيلية عل مدينة القدس الشرقية المحتلة، إذ إن السلطات الاسرائيلية، أي الحكومة وبلدية القدس الغربية، تعمل بشكل حثيث للسيطرة على ما يسمى بالحوض المقدس، وذلك من خلال عملية تخطيط خطيرة للغاية تعتمد على ضخ المتدينين الى هذه المناطق وهدم بيوت العرب وتدمير مصادر رزقهم، في عملية تطهير عرقي ضد المقدسيين الفلسطينيين. إلا أن هذه التوجهات والاتجاهات لها سلبياتها الكبيرة على الواقع الإسرائيلي ومن أبرزها:
- تكاثر اليهود المتدينين بات يشكل تهديدًا لعلمانية الدولة العبرية وديموقراطيتها، خصوصًا وأن هؤلاء ينقسمون الى 180 فرقة ويقدر عددهم الآن بـ 870 ألف نسمة أي ما يعادل 15% من يهود اسرائيل، ويوجد عدد مماثـل منهـم أيضاً في الخارج.
- تزايد الفجوات الاقتصادية بين شرائح المجتمع وبالتالي تزايد الاستقطابات السياسية والحزبية.
- تزايد المخاوف من جراء التحولات الثقافيـة والتعليميـة واستبدالها بمضامين ومعتقـدات دينية، وبالتالي اخضاع القوانين الوضعية للشريعة اليهودية.
- تدهور نوعية الحياة داخل المجتمع الاسرائيلي مع تفاقم هجرة العلمانيين إلى الخارج.
- تأثر السياسات الاستراتيجية والاقليمية بالواقع الجديد مما يزيد من المخاطر الوجودية على الدولة.
- حصول سوء ادارة وانتشار الفوضى والتصدعات الاجتماعية.
- سقوط وثيقة الاستقلال التي عرفت اسرائيل بأنها دولة قومية لليهود قامت على أساس ديموقراطي، واستبدالها بتعريف الدولة كدولة يهودية ذات سيادة دينية قوامها الشريعة.