معارض

عالم الحدائق والأزهار ينشر البهجة في وسط المدينة
إعداد: ندين البلعة خيرالله

تتصدّر الزهور قائمة الهدايا في مختلف المناسبات (الأعراس، والأعياد، والمهرجانات، والزيارات..)، وتحلّ في البيوت وعلى الشرفات فتضفي على حياتنا نسمة منعشة، وألوانًا مبهجة.
زراعة الأزهار والشتول فنّ جميل له روّاده ومتخصّصوه، وهي من القطاعات الإنتاجية الواعدة في لبنان. «الجيش» جالت في «معرض الحدائق ومهرجان الربيع» بنسخته الخامسة عشرة، وفي معرض نقابة مزارعي الأزهار والشتول بنسخته الحادية عشرة.

 

مهرجان الربيع
هو فعلًا مهرجان الربيع الذي حلّ ضيفًا عزيزًا في وسط بيروت، وكسر جماد المباني الشاهقة التي حجبت كل مظهر للطبيعة والجمال. أقيم المهرجان في ميدان سباق الخيل، تحت أشجار الصنوبر الشاهقة، وذلك برعاية السيّدة الأولى نادية عون، وبالتعاون مع بلدية بيروت، وقد نظّمته Hospitality Services، أمّا موضوعه فكان «أصوات الحديقة».
تجول في المعرض لساعات من دون ملل، وتشعر بالرغبة في استحداث مساحة خارجية خضراء في محيط منزلك وأنتَ تستمتع بجمال الزهور والنباتات على أنواعها، وبعراقة الأعمال الفخارية وحداثة الأثاث وأدوات الزينة والديكورات الفنيّة الخاصة بالمساحات الخارجية.
تنقّل زائرو المعرض خلال أيامه الأربعة، بين معروضات أكثر من 220 جهة، كما شاركوا في ورش عمل مثيرة مع خبراء في البستنة وطهاة وأخصائيي تغذية. تجوّلوا في أنحائه التي حَوَت الأثاث والمظلات وتجهيزات الشوي، فضلاً عن مجموعة واسعة من قطع الزينة، وعاشوا تجربة هندسية جديدة في مجال الأصوات الطبيعية في رحلة متعدّدة الحواس تعزّز الوعي على أهمية إدماج الموسيقى والأصوات في الحياة اليوميّة.

 

هل نحن في المدينة حقًا؟
مدخل المعرض الذي صمّمته Art. Cages يناديك: «حرّر حواسك على أنغام الطبيعة»... وهذه الأنغام المدهشة «تعزفها» الأقفاص القديمة والأزهار المتدلية. هوية المعرض صمّمتها الفنانة علياء مزنّر وعاونها فنّانون عرضوا تصاميمهم الفنية المميّزة في مختلف أرجائه: هنا منحوتة على شكل مقعدٍ عام يرتاح عليه الزوّار، وهناك كرسي وطاولة مصنوعتان من الحشائش ومثبّتتان على أرضية من أكواز الصنوبر تجذبان الأطفال لالتقاط الصور عليها.
في كل مكان، منحوتات ورسومات وجداريات ملوّنة، وفي إحدى الزوايا معروضات صنعها عشرون منسّق أزهار للمشاركة في مسابقة «باقة الأنغام» التي سلّطت الضوء على موضوع المهرجان لهذا العام: آلات موسيقية قديمة، قيثارة وغيتار وفونوغراف ونوتة موسيقية، كلّها مزيّنة بالأزهار الملوّنة بشكلٍ احترافي جميل.
وفي المعروضات، مصلصلات تُعلَّق بالأشجار فتعزف موسيقى عندما يلامسها النسيم، صنعها فنّانون بأشكالٍ وأسماء مختلفة:
The wind tells a story، The cat on the roof، Coffee Break، Singing Hearts، Sounds of the desert، Le son de la terre...
تطرب الآذان لأنغام الحدائق والطبيعة فننسى أننا في وسط المدينة.

 

عارضون في الحديقة
من أول العارضين، المؤسّسة اللبنانية- الهولندية لرجال الأعمال، التي زيّنت زاويتها بوردتَي توليب كبيرتَين باللونَين الأصفر والبرتقالي، الوردتان العملاقتان مصنوعتان من مئات الأزهار.
استضافت المؤسّسة خلال المعرض ممثلين عن شركات هولندية، عرضوا مجموعة من الأحواض والورود والنباتات، فهولندا تشتهر بزراعة الأزهار والورود وخصوصًا التوليب، وهي تعتبـر أحد أكبر مصدّري الورود في العالم.
كلّيتا الهندسة وتنسيق المناظر الطبيعية في الجامعة اللبنانية وجامعة الروح القدس، شاركتا في المعرض لمناقشة الفرص المهنية في عالم الحدائق وتنسيق المناظر الطبيعية.
شركات رش المبيدات ومقاومة الحشرات، والشركات المتخصّصة بآلات جزّ العشب والمحرّكات الخاصة بالحدائق عرضت بضائعها وخدماتها وزيّنت مساحاتها في المعرض بالأزهار والمناظر الطبيعية الجذّابة.
أقيم خلال المعرض مؤتمر متخصّص مع سيدير لورينزو بروسكي، وهو مصمّم للتجارب الصوتية والأصوات الطبيعية في إيطاليا، بعنوان «الأصوات الطبيعية: مقاربة جديدة متعدّدة الحواس لتصميم المناظر الطبيعية».
منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة FAO شاركت أيضًا فقدّمت الاستشارات المباشرة حول الزراعة الحضرية. كذلك، أقيمت ورش بستنة وصفوف يوميّة لمحبّي الحدائق حصلوا خلالها على نصائح من خبراء في هذا القطاع.

 

جنائن
نسير في ممرّات المعرض ونتوه في جمال الحدائق والديكورات الخلّابة التـي زُرِعَت وصُمِّمَت حصريًا للمعرض. أشكال وكادرات متعدّدة من الزهور، تستوقفنا زاوية على شكل باص مزيّن بالورود، يأتي الزوّار لالتقاط الصور على شبابيكه، وقربه فستان من الأزهار تحلم كل فتاة بارتدائه.
في زاوية أخرى، حديقة ونبع ماء وجرّة وصخور وممرات من البحص والحجارة... تتوسّط الحديقة شجرة زيتون شُذبَت بشكلٍ جميل. أشجار وأزهار وأوانٍ زُرعت فيها شتول الحبق والليمون والعرائش. مجموعة من مزارعي الأزهار والشتول ومن تجارها ومنسّقيها شاركوا في المعرض وزيّنوا مدخله ضمن سوق النباتات.

 

جديد المعرض
جديد المعرض في نسخته هذه السنة، اعتماده مبادرة صديقة للبيئة كحدثٍ خالٍ من النفايات Zero Waste، إذ تمّ تدوير النفايات الناتجة عنه بالتعاون مع جمعية «الأرز البيئي» Cedar Environment.
كذلك، وفي مبادرة إنسانية، عادت نسبة 10% من رسم الدخول إلى جمعيات ومؤسّسات خيرية كمركز سرطان الأطفال وكاريتاس ومطاعم المحبة.

 

نجمة المعرض
في كل سنة يحتفل المعرض بنبتة مستوحاة من التراث اللبناني، ونجمة هذا العام كانت نبتة الصعتر، وهي واحدة من المكونات الأساسية للهوية الثقافية اللبنانية. تمّ توزيع 5000 نبتة من الصعتر للزوار بمبادرة من مشروع التحريج في لبنان لتشجيعهم على زراعته والاهتمام به.
قامت بهذه المبادرة الجمعية التعاونية الزراعية لمنتجي الأغراس الحرجية في لبنان CNTPL. وتعرّف زائرو المعرض مع شركة The Good Thymes إلى أنواع وخلطات متنوّعة من الصعتر، فضلاً عن كيفيّة الاهتمام بهذه النبتة. مؤسّس الشركة السيّد فادي عزيز يقول: هذا المنتج هو من صميم الثقافة اللبنانية، فلا أحد يسافر إلاّ ويحمل معه الصعتر والبقلاوة والبزورات اللبنانية. ولكن ليس لدينا Brand للصعتر إذ يعرف العالم الصعتر الأردني أو الفلسطيني أو الحلبي وليس الصعتر اللبناني. من هنا ابتكرنا خلطات كلاسيكية وأخرى عصرية وغلّفناها بشكلٍ يسهّل تسويقها في الخارج.

 

من الخلطات التي تذوّقها الزوّار:
- زهرة الصعتر منقوعة بزيت الزيتون مع الصنوبر البري والسمسم.
- صعتر مع التوت الصيني وبذور الشيا، والكتان والسمسم والسماق.
- صعتر مع قلوبات (لوز، جوز، فستق، كاجو).
- صعتر مع الفلفل والزنجبيل وبودرة الثوم والبندورة المجفّفة والنعناع.
- صعتر مع فواكه مجفّفة (مشمش، توت برّي، تمر، تين وبذر اليانسون).
- صعتر مع الكشك البلدي وحبّة البركة وبودرة الثوم.
- صعتر مع الفستق الحلبي والشُمَّر والكمون واليانسون واليقطين.
- صعتر مع مزيج من البهارات والأعشاب والسمسم والسماق والشُمَّر.
تزرع نبتة الصعتر في الخريف وهي عشبة برّية لا تحتاج إلى الريّ، ولكن النبتات التي تزرع في فصل الصيف، يجب ريّها.
لهذه النبتة منافع كثيرة، فهي معروفة بأنها مضادة للأكسدة، وتخفّف كمية الجذور الحرّة Radicaux libres التي تسرّع شيخوخة الجسم وتؤدّي إلى مرض السرطان. يحتوي الصعتر على الكثير من الفيتامينات والمعادن، ومادتا الـCarvacrol والـThymol الموجودتان فيه تقوّيان جهاز المناعة وتساعدان في محاربة الالتهابات، كما تحدّان من نمو الباكتيريا والأمراض الجرثومية.
تؤكَل عشبة الصعتر خضراء أو جافة ويستخرج منها زيت الصعتر، كما يصنع منها شاي الصعتر وتدخل في صناعة الصابون والأدوية.

 

خطّط لعطلتك الصيفيّة
في إحدى نواحي المعرض، أقيم للسنة الخامسة على التوالي Travel Lebanon بالاشتراك مع وزارة السياحة وبدعم من USAID، والهدف مساعدة المواطنين على التخطيط للعطلة الصيفية، ودعم السياحة الريفيّة.
يروّج هذا الحدث للسياحة في لبنان من خلال أنشطة ومغامرات متنوّعة، فضلاً عن التعرّف إلى التقاليد المحليّة. وقد اطّلع الزائرون على أفضل وجهات قضاء فصل الصيف، من خلال برامج أكثر من 60 جمعية وشركة سياحية ومنظمة غير حكومية بالإضافة إلى أخصائيين في السياحة البيئيّة ودور الضيافة.
كذلك، استمتع الزائرون بعروض الدبكة وتلذّذوا بأشهى الأطعمة والمشروبات المنعشة. وشارك مزارعو سوق الطيب أيضًا في المعرض فقدّموا تشكيلة واسعة من منتجات المونة المنزلية والمنتجات المحلية والطبيعية.
أمّا الأولاد، فقدّمت لهم Kids Village مجموعة واسعة من الأنشطة الخارجية، والصفوف الفنية والحرفية اليومية والعروض المسرحية والألعاب المختلفة، واستطاع عدد منهم تجربة ركوب الخيل في نادي المهور- ميدان سباق الخيل.
 

معرض مزارعي الأزهار والشتول
من ميدان سباق الخيل انتقلنا إلى منطقة الكرنتينا حيث أقامت نقابة مزارعي الأزهار والشتول في لبنان معرضها الحادي عشر، الذي يمتدّ على مدى 4 أشهر (17 آذار- 30 حزيران)، وذلك برعاية محافظ بيروت القاضي زياد شبيب وبدعم من «الفوروم دي بيروت».
يرتبط هذا الحدث ببداية فصل الربيع، فصل الفرح والحب والحياة، وهو يحوّل المساحة المخصّصة له إلى حقل يغمر زائريه بالعطور المختلطة والمتنوّعة بتنوّع الأزهار والورود، ويأسر النظر بمئات الألوان والأشكال. لكل زهرة لونها ورمزها: هنا وردة حمراء لا تجعلنا نفكّر إلاّ بالحب، وأخرى صفراء تدلّ على الغيرة، القرنفل الأبيض للتعبير عن الإخلاص، والياسمين عن الأناقة، أمّا المارغريت فهو شعار البراءة والتوليب للشهرة...
يجذب هذا المعرض من يرغبون تحويل شرفات منازلهم حدائق، أو على الأقل إضفاء لمسة من الجمال في بيوتهم ومحيطها، فهم يجدون فيه ما يناسب أذواقهم وميزانياتهم، فضلاً عن توجيهات 4 مهندسين زراعيين.
نقيب مزارعي الأزهار والشتول السيّد الياس كامل، يشير إلى أنّ هذا المعرض يتيح للمزارعين عرض إنتاجهم ويسهم في تشجيعهم في ظلّ المنافسة الخارجية. وهو يقول: لدينا أفضل أنواع الزهور والشتول وأكثرها جودة، ولبنان يعتبر على رأس الدول العربية المستهلكة للزهور.

 

أنواع وألوان
ينتج لبنان أكبر كمية وتشكيلة من الأزهار والشتول في الفترة التي يُقام فيها المعرض من كل سنة، وهو يتضمّن أنواع أزهار تقليدية افتقدناها من الأسواق مثل «تمّ السمكة» و«القرنفل البرّي»، و«الزوباع»، و«المردكوش»، بالإضافة إلى البوغنفيليا Bougainvillea والفلّ والياسمين الذي اشتهرت بـه منازل بيــروت القديــمة. ولا ننــسى الغارديـنـيا، والأورطانــسيــا والـCyclamen (بخور مريم) الذي يشمل 23 نوعًا من النباتات العشبيّة المعمّرة، التي تنبت في أرضنا.
كذلك، نجد في المعرض أزهار الكريزانتيم Chrysanthème الصفراء والبيضاء والزهرية، والإستوما Eustoma المتوافرة طوال السنة بالألوان البيضاء والبنفسجية والأرجوانية والزهرية، والجربارة Gerbera والزنبق أو Lilium والورود والقرنفل والأقحوان والتوليب والآلوي فيرا... والتي تستخدم للزينة وتنسيق الباقات والتشكيلات المميّزة. وثمة تشكيلات جديدة وألوان زهور غريبة نتيجة تقنيات التلقيح...
في نظرة على آخر الإحصاءات، يتبيّن أنّ لبنان ينتج سنويًا 157 مليون وردة، و730 ألف زهرة متنوّعة و120 مليون شتلة مزهرة موسمية و17 مليون من أنواع الشتول السنوية. وهناك حوالى 1300 مشتل في مختلف المناطق اللبنانية، منها 127 عضوًا في النقابة.
ويلفت السيّد كامل إلى أنّ أسواق الزهور تشكّل معلمًا من معالم السياحة في الكثير من البلدان الأوروبية، آملًا أن تصبح كذلك في لبنان. ويضيف قائلًا: نتمنى أن يصبح لدينا سوق دائم للزهور والشتول لا يقفل أبوابه طوال السنة، فصحيح أن وزارة الزراعة تدعمنا في تنظيم المعارض في مختلف المناطق اللبنانية (أسواق بيروت، جونيه، جبيل...) إلاّ أننا لم نستطع حتى الآن إيجاد قطعة أرض لنستخدمها لهذا الغرض على مدار السنة.