بلى فلسفة

عـــــضّة الكلب
إعداد: أسعد مخول
العقيد

يرى بعض الباحثين أنّ بدايات الإنسان كانت مجايلة لبدايات الكلب وأخيه الذّئب. ولم يذكر هؤلاء في أيّ من أبحاثهم إمكان حصول أخوّة بين الثلاثة, ممّا ينفي هذه القرابة لعدم وجود أدلّة كافية. وهم يذكرون على هذا الصّعيد أنّ الأخوين (الكلب والذّئب) قلّدا الإنسان في اللجوء الى تحديد مكان الإقامة, والى إحاطته بوسيلة بدائية ما من أجل إثبات قدر مساحته. فالإنسان كان يفعل ذلك باللجوء الى الحجارة الصغيرة يرصفها واحداً الى جانب الآخر في حلقة مستديرة مقفلة, والأخوان كانا يلجآن الى إفرازاتهما يوزّعانها بشكل دائري أيضاً ممّا يمكّنهما من معرفة حدودهما عن طريق حاسة الشمّ القويّة لدى كليهما, وقد أعلمتني بذلك صديقة من آل كليب حين قالت لي إن حاسة الشمّ لدى الكلب (والذّئب أيضاً) هي الأقوى بين الحيوانات, من هنا أساس تسمية شهرة عائلتها, إذ كان جدها بارعاً ناجحاً في التميّيز بين روائح العطور, الفرنسيّة منها وتلك المصنوعة في القرية من أوراق الجوز واللّوز والرّمان والصّعتر والقصعين.
وقد لجأ الانسان الى تصغير اسم الكلب قبل التكنّي به, وذلك رغبة منه في تخفيف دمّه وفي تجميله, إلاّ أنّه تكنّى باسم الذّئب كما هو من دون أي تحوير, وهو يفرح به ويرى أنّه يضفي عليه الشّدة والبأس والقوّة, كما لجأ الى استعمال اسم ذاك الحيوان المفترس في حكمه وأمثاله بشكل واضح, إذ قال: إن لم تكن ذئباً أكلتك الذّئاب أو الكلاب, ولكنّه لم يقل: إن لم تكن كلباً أكلتك الكلاب... أو الهررة مثلاً, وفي ذلك دعوة الى التحلّي بصفات الذّئب من دون صفات الكلب.
ونشأت علاقة جوار طويلة بين المخلوقات الثلاثة كان الإنسان فيها الحاكم الأوّل لما حباه ربّه من عقل ومن بعد نظر ومن قدرة على تكوين المؤامرات وإبداع الحبائل والحيل والأكاذيب. وقد استخدم هذا الآدمي الذكي المخلوقين الآخرين في إسداء الخدمات إليه, وفي معاونته بأعمال الصّيد على مرّ الأيّام, إلا أن الذّئب خرج على تلك المحالفة الثلاثيّة فنشأت عداوة بينه وبين جاريه أدّت في كثير من الأحيان الى سفك الدّماء. ونتيجة لهذه الخصومة أقلع الإنسان عن تربية الذّئب في مزارعه وحدائقه وقصوره, وصار يفضّل عليه الحوت والتنّين في بعض المرّات نكاية وتشفّياً, إلاّ أنّ قيمة الكلب تبقى الأولى لديه, وهو يعتني به ويدلّله, فيغطّي رأسه بالقبّعة في حر الصّيف, ويلبسه السترة الصّوفية في قرّ الشتاء, ويحرص على رشاقته ويجنّبه الأطعمة الدّسمة ويستدعي من أجله المدلّكات والمدلّكين, ولا يعرّض جلده لغير الصابون الطيّب الفوّاح, كما أنّه يختار له الأسماء المناسبة من قواميس اللغات العالمية واسعة الانتشار. وقد يعانقه, أو يضمّه الى صدره, أو يقبّل وجنتيه وما هو أبعد منهما أحياناً, وقد استدعى عناق من هذا القبيل بين سيدة وفيّة متقدّمة من عالم الشمال, وكلبها الوفي المتقدّم هو الآخر, كما روت الأخبار, استقدام الطبيب لفضّ غمار الود وتحديد المسافة الفاصلة بعد أن تطوّر الأمر بين الرفيقين الى ما لا قدرة لهما على ردّه. كما أنّ رجلاً, في مكان آخر, اضطرّ دفاعاً عن كلبته الشخصيّة, وحمايةً لخصوصيّته معها, الى أن يعض كلباً غريباً في عنقه للتمكّن من ردّه عنها, وكان الكلب قد قام بهجوم مباغت لرد الكلبة الى فصيلتها, لكنّه فشل وعاد معضوضاً فاشلاً في توحيد الصفّ الحيواني.
وبلغ الكلب مجده القانوني في أوروبا مؤخّراً حين تمّ تدريبه على أصول التقيّد بإشارات السّير, أحمرها وأخضرها, كما أن الموهبة بلغت به درجة مكّنته من الحصول على دفتر سوق يحتفظ به مدى حياته, إلاّ إذا خالف القانون أو تعدّى على حرية الغير.
كما أنّه عرف مجده الفكري في الشرق حين أصدر الشاعر صدقي اسماعيل, في دمشق منذ نحو خمسين سنة, مجلة حملت اسم مجلة الكلب. كانت المجلة شعرية انتقادية, مكتوبة بخط صاحبها وعلى نسخة واحدة, انتشرت بالتواتر بين الأصحاب والمهتمين من مدينة الى مدينة ومن بلد الى بلد. بعد توقّفها عاد الشّاعر سليمان العيسى وأنشأ واحدة مماثلة في مدينة حلب عنونها بـابن الكلب.
ويفرّق البعض بين الكلب والذّئب, فالأول عنده أليف ودود وفيّ, أما الثاني فوحشي مفترس غادر . ويُروى هنا خبر عن محاولة قديمة لتدجين جرو ذئب وإشرابه وإطعامه والعناية به بحيث نشأ أليفاً ورُكن إليه, وائتُمن جانبه. لكنّه عاد الى أصله في وقت من الأوقات والتهم الشاة التي شرب حليبها.

لكنّ البعض الآخر لا يفرّق بينهما, وهناك بعض ثالث لا يفرّق بين الثلاثة (الكلب والذّئب والإنسان) ويرى أنهم نشأوا جميعاً على الغدر والعضّ, وأنهم يشكون جوعاً لا شبع يلغيه. إلا أنّ بعضاً أخيراً يحصر الخطر في الانسان, ويردّد شكاية ولوعة وأنيناً:

   عوى الذّئب فاستأنست بالذّئب إذ عوى             وصـــــوّت إنســـــان فكـــدتُ أطـــيرُ * *

وتعود تربية الكلب في البيوت الى التغييرات الكاسحة التي عرفها المجتمع البشري, والى انقراض حياة الرعاة والقطعان في الغابات والمزارع التي كانت تغطّي الأودية والسفوح في الزّمن الغابر حين كان هذا الحيوان يتباهى بأنّه يأكل خبزه بعرق جبينه, وبأنّه لا يدع للسكوت في نباحه الشرعي محلاً, وقد يبلغ به حدود القمر نفسه إن امتدّ نوره الى حظيرة سيّده, أو التَمَعَ ضياؤه فوق رؤوس خرافه الرّاقدة في سكون الّليل. وكان أكثر ما يغيظ الكلب ذاك أن تمر به ولا تتحدّاه أو تضربه بحجر أو تهدده بعصا, وإلاّ نبح في وجهك نباحاً عصبياً غاضباً ثم ارتدّ جانباً يحفر الأرض ويقضم الحصى ويعضّ جذوع الشجر. وأنا أسمع في نباحه ذاك ما يبرره, وما ينبّهني الى دوره الوظيفي فأتجنبه وأميل عنه, ولا أنظر الى قطيعه بأيّ عين, بعكس نباح زميله الذي ترعاه ربّات البيوت, والذي يصدّك ويتحدّاك إن أنت دنوت من باب صاحبته أو من صاحبته, رغم أنك تكون ضيفاً مدعواً لابساً فوق جلدك أحلى ما عندك من قماش, وحابساً أصابعك في خواتم الذّهب تقديراً واهتماماً. وحصل لي أن قصدتّ أحد الأصدقاء في صباح عطلة عزيزة, وعلى موعد, لكي أقوم بزيارة إليه هي الأولى. أدركت بيته بعد استفسار, وفوجئت بأنّه أوكل حراسته الى كلبين شرسين لم أر مثلهما من قبل. انطلق الكلبان نحو سيارتي بسرعة كبيرة لا تحتاجها المسافة القصيرة التي كانت تفصلني عنهما, وكانت آذانهما مقطوعة, وقد يكون السبب تهيئة كل منهما لكي يصبح أكثر عدائية وشرّاً وبليّة, ولو ترك لي هذان المخلوقان المعاديان فرصة للتفكير والتأمّل, لوقفت الى جانبهما وأشفقت عليهما وتخيّلت كم عانيا ألم السّكين التي جرحتهما وأسالت دماءهما وشوهت الشكل الطبيعي المخصص لهما من قبل إنشاء الدّهور, لكنني في حالة الهجوم تلك تذكرت ما ردّده أبي مراراً على مسمعي: اكتفِ بالإشفاق على حالك من أيّ شوكة أو مسمار أو سكين, ولا تتدخّل في شؤون الآخرين فأنت في ذلك لن تكون أشد حكمة أو رأفة من ربّك!
أدار الحارسان الهجوم ضدي عبر نافذة واحدة من السيّارة مما ساعدني على التماسك والقدرة على تلقي المفاجأة, إذ كنت انتظر التأهيل والتّرحيب وليس النباح والصياح, وما كان مني إلاّ أن أسرعت الى استعمال الأزرار الكهربائية التي تحوطني أرفع بها الزجاج, وأدركت عندها قيمة الصناعة الحديثة وشعرت بأنني كمن يدير حرب النجوم وهو مستريح على مقعده لا يبذل جهداً أوعناءً.
استمر الحارسان في عنف النباح وقد ازدادت عينا أحدهما جحوظاً من خلف الزجاج, فيما شردت عينا الآخر وسادهما انقطاع الأمل في إطباق الفكين على قدميّ الضّعيفتين, ثم من يدري لعلّه كان راغباً أيضاً في يديّ يطحنهما على هواه بحيث تذهب فعلته مثلاً في المجتمع بأسره, وتصبح زيارة هذا البيت المسكون بالكلاب محرّمة في كل الشهور.
أطلّت زوجة الصديق مهرولة صارخة آسفة, وأمرت الكلبين بالتراجع الى خط خلفي درّبتهما على معرفته سابقاً, ودعتهما الى التزام الهدوء لحين صدور أمر جديد, ثم راحت تطمئنني الى سلامتي وتثير فيّ النخوة وتدعوني الى عدم التسليم بالخوف. استراحت أعصابي لوقوف تلك الفاضلة الشهمة الى جانبي, لكنني كنت أرى فيها ملاكاً منقذاً حيناً, وانتقل فجأة الى تخيّل الكلبين وهما يعضانني, بالنّيابة عنها لا سمح الله, بحيث يبقى أحمر شفتيها سليماً, وتبقى يداها غير ملطختين بدمي.
رحّبت السيدة بي, ودعتني للدخول الى بيتها ريثما يعود زوجها الداعي من غياب قصير, فوجدتُ في ذلك فرصة للفرار الكريم على وعد بالعودة الأكيدة لاحقاً, ولم أهمل أن أشكرها وأقدّر فيها إقدامها على تسويد وجهها في مواجهة كلبيها, ومناصرتها لي ضدهما, أو على الأقل تفويت الفرصة عليهما في التنكيل بي وتمزيق جلدي. وافقتْ على ذهابي المؤقّت, وهيّأت لي الإنسحاب عبر سرداب خلفي في مبناها, ثم ساقت سيارتي بنفسها وألحقتها بي, ولدى وصول هذه الأخيرة إليّ ارتميت في داخلها من دون أن أحسب للمكان الذي سأقع عليه أي حساب. لكن, لحسن حظي, أتى الارتماء أقل خطراً من فكّي الكلب, فلم يُسل دمي ولم يُخدش سمعي ولم يحمّلني فوق ما أحتمل.
... وكانت تلك واحدة من أطول زياراتي رغم أنها دامت في علم الأرقام دقائق معدودة, دقائق قارعت الساعات طولاً, لفرط الخطر وعمق الأثر.

ينسب هذا البيت الى الأحيمر السّعدي.

مساحات ملونة

 كتبت المحللة النفسية مود مانوني في جريدة لوموند الفرنسية ما يلي: ليس هناك أي علاقة بين الشيخوخة والعمر. فالشيخوخة حالة فكرية ونفسية أكثر منها جسدية. والملاحظ أن هناك مسنين في العشرين من العمر, وشباباً في التسعين. إنها مسألة كرم في العطاء الروحي, وأسلوب عيش, يحافظ المرء فيه على تواطؤ مع الولد الذي في داخله.

 عمرها ثلاثة وستون عاماً. رصيدها مئة دور على الشاشة, وعشرات الأدوار على مسرح الحياة. الممثلة المشهورة كلوديا كاردينالي فخورة بعمرها. فهي تضع النظارات الطبية عندما تقرأ وترفـض الخضوع لعملية شد الجلد. وتقول كلوديـا: إن وجـه المرأة, مثـله مـثل أي وجه بشري, يحكي عن تاريخها وعن حياتها, والتجارب التي مرّت بها أو الصعوبات التي تجاوزتها. فعندما نغيّر في الوجـه, ننتزع منه صفحات المغامرات التي مررنا بها أو قصص الحب التي عشناها, ونُلبسه قناعاً جامداً لا يثير فينا أي فضول أو انفعال.

 الفرق بين الغني والفقير, أن الفقير يتعب حتى يأكل والغني يأكل حتى يتعب.

علّقت شرطة السير أمام المدرسة, لوحة كتب عليها: مدرسة ­ تمهّل, لا تقتل تلميذاً بسرعتك. فأضاف أحد التلاميذ: انتظر مرور المعلم.

الأستاذ للتلاميذ: المهابيل يوقافوا.
مضى وقت وما حدا تحرّك قبل ما يوقف واحد من التلاميذ.
الأستاذ: إنت معتبر حالك هبيلة؟
­ التلميذ: لا يا أستاذ, بس ما هان علي شوفك واقف وحدك.

 قالت الزوجة تسأل زوجها:
أصحيح أن الرجال يصابون بالصلع لأنهم لا يكفون عن التفكير؟
أجاب الزوج: نعم... وكذلك النساء لا تنبت لهن لحية لأنهن لا يتوقفن عن الكلام وتحريك ذقونهن!

 الزوجة: إنت مش وعدتني إنك تجبلي عقد ألماس؟
الزوج: معلوم.. ومستعد أوعدك باستمرار!

 الأول: مرتي بصرت بنومها إنها آخدة مليونير.
الثاني: هيدي بسيطة, مرتي هي وواعية بتتصرف عهالأساس!