- En
- Fr
- عربي
أفاق العلوم
في الثمانينات أعاد هنري بروش البروفسور في الفيزياء في جامعة "نيس صوفيا أنتيبوليس"، إحياء الاستكشافية (La Zététique)
. وهو تعبير يأتي من كلمة "Zetein" اليونانية التي تعني البحث. ويهدف هذا النهج بالنسبة لبروش الى وضع الفوطبيعة في المختبر وإخضاعها من دون رحمة للتجارب المستمرة. وتعتمد الإستكشافية سلاح الشك في ملاحقة الظواهر فوق الطبيعية، وكشف خباياها ومسبباتها. وتواجه الإستكشافية كل ما هو غريب، بكل موضوعية، دونما احتقار أو ازدراء. وتلجأ من أجل ذلك الى حد الاختبار القاطع. ومن ندعوهم بالإستكشافيين، لم تعد تخفى عليهم دهاليز السحر والشعوذة.
فخلال خمسة عشر عاماً، نجح هؤلاء في كشف عدد كبير من الظواهر "الخارقة" وكانت تعتمد على الحيلة والخداع.
عندما يلعب الشك دور المحقق
الغرفة غارقة في شبه ظلام، والصمت سيد الموقف. على الطاولة تشكل الأيدي الممدودة حلقة مقدّسة. الأمر يبدو وكأن جلسة استحضار للأرواح على وشك أن تبدأ. وفجأة يرتفع صوت أحدهم بالقول: "أيتها الروح الناقدة هل أنت هنا؟". إن هذا المشهد المصوّر يعطينا فكرة مختصرة عن ماهية الإستكشافية، وكيف تُعتبر فن التشكيك والنقد في عالم الدهشة، كما يصفها هنري بروش. والإستكشافية هي أيضاً منهج تفضيل الإختبار على الإستخفاف أو التجاهل في مواجهة الأحداث الغريبة. ومن أهم ميزات الإستكشافية، أنها تختار الذهاب الى موقع الظاهرة التي يراها الناس غير طبيعية، فتعاينها عن كثب وتحكم عليها من خلال الوسائل العلمية. فالإستكشافية تقبل، على سبيل المثال، أن تشارك في جلسة روحانية، لكنها لا تتوقف أبداً عن التساؤل أو التشكيك. إنها كابوس من يدّعي أنه يملك قوى خارقة أو يعلن عن تمتعه بحواس سادسة وما فوق. والويل للمشعوذين منها أو كاشفي المستقبل. الويل للفلكيين أو حتى للكائنات الآتية من الفضاء وأيضاً لصحونها الطائرة... فالإستكشافية لا تترك أبداً ساحة الغرائب والعجائب خالية أمام المشعوذين والعرّافين. فقد جعلت من اختصاصها البحث عن الحقيقة ونشرها حتى يطّلع الرأي العام على نتائج تحقيقاتها. إنها ولا شك مهمة كبيرة فالاستكشاف يطال حيّزاً واسعاً من العلوم الكاذبة.
ونذكر في هذا المجال ما قام به بول إريك بلانرو، الرئيس المؤسس للمركز الإستكشافي. فقد بقي لمدة طويلة يبحث عن البيوت "المسكونة". وقد أحصى حتى الآن تسعة وعشرين منزلاً، وبعد الكشف ميدانياً عن اثني عشر منها تبيّن له عدم وجود أي ظاهرة غريبة، على الرغم من استعانته بالصور والتسجيلات الصوتية. ويقول بلانرو: "في ثمان من الحالات كانت الأصوات المشبوهة تصدر عن الشقق المجاورة نظراً للأرضية الخشبية المتصلة ببعضها، أو كانت في معظم الأحيان تأتي من الخارج. وباختصار، لم يكن هناك في مطلق الأحوال أي أثر للجان أو الأشباح.
هل يجب مع ذلك إدانة إنجذاب بعض الأشخاص الى كل ما هو غريب وخارق الطبيعة؟ طبعاً لا. فأنصار الاستكشافية هم أول المنجذبين لمثل هذه الأمور، وبالتالي فهم يقدّرون هذا الإهتمام المشروع. ولكن، يقول الإستكشافيون، يجب عدم الخلط بين الأشياء حتى لا نقع في سوء التقدير. وبمعنى آخر، يجب أن نبقي على ذهننا منفتحاً ويقظاً. وهذا تماماً ما تقصده الإستكشافية في شعارها: "حقنا في أن نحلم يقابله واجبنا بأن نكون متيقظين".
هذا، ومن الأفضل للمستكشف أن يملك معارف متينة في مختلف العلوم والمجالات. غير أن ذلك ليس ضرورياً على الإطلاق، فالأهم هو أن يكون صاحب منهجية في طريقة تفكيره والبحث. وكما يقول جان روستان في كتابه، "العالم الخاطئ والعلوم الكاذبة" (Science Fausse et Fausses Sciences)
: "إذا كان هناك من أمل للتغلّب يوماً على الأوهام التي تغذي العلوم الكاذبة فلن يكون ذلك بالمواجهة المباشرة، بقدر ما سوف يكون باتّباع طريق الثقافة المناسبة والقواعد الوقائية في الحكم على الأمور". وهذا تماماً ما تخطط له الإستكشافية وتعمل عليه: الإعلان من دون ملل عن بعض "المبادئ العلمية" الأساسية حتى يصبح كل شخص قادراً على رفض أي تأكيد عقائدي صرف، ويلجأ بالتالي الى استعمال تفكيره الخاص.
الأشياء الغريبة يمكن أن تحصل كل يوم
"الغريب هو أمر جدّ محتمل". لذلك وقبل العودة الى الفوطبيعة، لشرح حادثة غير عادية، أو حتى غير واقعية، لا بد من التساؤل عن مسبب تلك الحادثة، والى أي مدى هو طبيعي هذا المسبب أو عادي؟ فقد يكون هذا الأخير ضرباً من الغش المتعمد أو نتيجة لإعداد وتجهيز فاشلين، أو يمكن بكل بساطة أن يكون بمحض الصدفة. فالتوقعات مهما بدت غريبة، يمكن أن تصح في بعض الأحيان. والأمثلة على ذلك كثيرة: قد ترمي زهر النرد مرات عدة وتحصل في كل مرة على الرقم ذاته. كما يمكن أن تتواجد جنباً الى جنب مع شخص لا تعرفه ويكون من مواليد اليوم الذي ولدت أنت فيه. وهكذا يمكن للصدفة أن تلعب دوراً كبيراً في حياتنا اليومية.
"نقول عن نظرية ما أنها تحمل صفة علمية عندما تكون قابلة للاختبار والنقض". وبمعنى آخر يجب أن نتمكن من إخضاع النظرية العلمية للتجارب حتى نؤكدها أو ننفيها.
"من يُعلن عن الشيء هو المسؤول الوحيد عن إثباته". لا يجب خاصة أن تنقلب الأدوار، يقول هنري بروش. إن من يعلن عن شيء جديد أو يُطلق نظرية ما، عليه أن يأتي هو وحده بالبرهان عن صحة ما يعلن. فقد تعوّد مناصرو الفوطبيعة على محاولة إحراجنا بالسؤال مثلاً: "لما هذا التشكيك بوجود الأشباح؟". بينما يبقى السؤال الصحيح والذي يجب أن يُطرح: "لماذا تؤمنون أنتم بالأشباح؟".
مئتان وخمسون شخصاً شاركوا في التحدي الكبير
التحدي هو مصدر قوة الإستكشافية، التي تنطلق من مبدأيها الأساسيين السابقي الذكر: التجربة العلمية قابلة للاختبار، والبرهان عن كل جديد مسؤولية من يعلن عنه. وقد تم في هذا المجال، الإعلان عن مبلغ كبير من المال (وصل لغاية مئتي ألف يورو)، يقدّم لمن يتمكن من إثبات أي ظاهرة غير طبيعية. وكانت النتيجة أنه من تشرين الثاني 1986 ولغاية شباط 2002، شارك في التحدي الكبير أكثر من مئتين وخمسين وسيطاً وعرّافاً، كانوا يدّعون بامتلاكهم قوى غير طبيعية. لكن أحداً من هؤلاء لم يفز بالمبلغ!
ولأنه أصبح يعرف عن غيب الأساليب التي يعتمدها مناصرو الفوطبيعة، بسبب احتكاكه المتواصل بهم، فقد توصّل هنري بروش الى تحديد أنواع التأثيرات النفسية التي يعتمد عليها هؤلاء في استغلال طريقة تفكير القسم الأكبر من الناس. ومن هذه التأثيرات على سبيل الذكر لا الحصر، التأثير المسمى "كرة الثلج" الذي يصوره بروش كالتالي: "فلان أعلن أن الشخص الفلاني قال أن أخاه أخذ شيئاً من إبنه وأعطاه لجاره..."، وهكذا تنتقل الخبرية من لبنان الى لسان، لتنتهي الى آذان الآخرين بعيدة كل البعد عن الواقع. وهناك أيضاً تأثير الكلام المبهم الذي يعتمده الفلكيون، خاصة في الكشف عن الشخصية. فالكل مثلاً يرى ذاته في التحليل الآتي نصه: "انت بحاجة الى محبة الآخرين وإعجابهم لكنك في الوقت نفسه، تتقبل النقد من الغير ومن نفسك..."، الى ما هنالك من عبارات غير محددة تناسب شخصية كل فرد.
عائلة تكبر وتنتشر
صاحب فكرة الاستكشافية هو، كما قلنا، هنري بروش الفيزيائي الذي بدأ منذ عشرين عاماً يطرح الأسئلة عن عالم الفوطبيعة. واليوم كبرت عائلته فأصبحت تضمّ علماء في التاريخ والفلك، إضافة الى أدباء وكتّاب، يوحّدون معارفهم وخبراتهم في محاولة منهم لإعطاء أجوبة علمية على ظواهر تبدو غير طبيعية.
والإستكشافية ليست حديثة العهد. فقد وُلدت على يد مؤسس مبدأ الشكوكية، الفيلسوف اليوناني بيرّو (275365-) وأعاد إحياءها بروش في الثمانينات. وقد أصبحت الإستكشافية اليوم، مادة تدرّس نظرياً واختبارياً في جامعة "نيس صوفيا أنتيبوليس"، ونهجاً يستقطب من حوله الإتحادات والهيئات المتخصصة. ولم تعد محاربة العلوم الكاذبة تقتصر فقط على أتباع هنري بروش، فقد امتدت المراكز الإستكشافية الى معظم أنحاء فرنسا والعالم أيضاً.
Science et Vie :عن مجلة
Septembre 2003
* الإستكشافية: منهج الكشف عن المسببات وطبيعتها.
* الفوطبيعية: أو الفوق الطبيعة: عالم كل ما هو خارج عن الطبيعة أو المألوف.
تريد أن تعرف أرقام اللوتو الرابحة؟ إليك الطريقة لذلك
الزمان: السابع والعشرون من شهر كانون الثاني سنة 1987.
الحدث الكبير: خبر ورد على الصفحات الأولى لجريدة "نيس ماتان" الفرنسية. يقول الخبر بالقلم العريض: "صدّق أو لا تصدّق. عرّاف غامض يتنبأ بأرقام اللوتو الرابحة!". ويتابع: "الكشف عن رسالة وصلت البارحة الى البريد يفتحها حاجب المبنى. الرسالة تتضمن أرقام اللوتو الرابحة، قبل أربع وعشرين ساعة من إعلان النتائج الرسمية!".
إلا أن الدهشة في البلد، لم تدم طويلاً. فقد نشرت الصحيفة ذاتها بعد أيام قليلة، حل اللغز الذي شغل الكثيرين: لقد أخذ أحدهم مغلّفاً بريدياً وأغلقه من دون أن يختمه. ثم أرسله عبر البريد الى عنوانه الخاص الذي كان قد كتبه على ملصق يسهل نزعه من المغلف. وفي اليوم التالي وبعد أن تسلّم المغلف الذي أرسله لنفسه، نزع الملصق عنه، وكتب في مكانه العنوان الذي يريده، بعد أن وضع في داخله، نتائج اليوم لسحب اللوتو. بعد ذلك، ذهب الى علبة البريد الخاصة بالمرسل اليه، ووضع فيها المغلّف الذي كان ممهوراً بختم البريد الرسمي لليوم السابق! وهكذا اعتقد الجميع أن المغلف قد أرسل قبل معرفة نتائج السحب بيوم واحد.
يبقى أن نعرف أن صاحب الفكرة ومنفذها، لم يكن سوى هنري بروش.
المشي على الجمر
هل يُعتبر المشي على الجمر ضرباً من السحر؟ بالطبع لا، إذ أن الإستكشافيين قاموا بذلك. ومع أن إمكانية التعرض لحروق ليست بعيدة عن الحقيقة، فإن الأقدام غالباً ما تخرج سليمة من التجربة. ويعود الفضل الأكبر في ذلك، الى ما يسمى بمبدأ الإستحماء. فعندما تسقط نقطة ماء على وعاء يسخن تدريجياً، تتبخر بسرعة. أما إذا وقعت على صفيحة متوهجة الحرارة، فهي تستغرق وقتاً أطول لتختفي. والواقع في هذه الحال، أن وسادة من البخار تتشكل آنياً تحت قطرة الماء، فتمنع اتصالها المباشر مع الصفيحة. وعليه، فإن إنتقال الحرارة يصبح أصعب بكثير. والمبدأ ذاته يتكرر عندما نضع يدنا في الرصاص المنصهر أو نمرر اللسان على حد سكين حام.
القراءة في النجوم والكواكب
مولود برج الأسد مسيطر ومتعال؟ إذا كان ذلك صحيحاً في الماضي، فهو لم يعد كذلك اليوم. والواقع أن الإنحراف البسيط في محور الأرض، غيّر مواقع الأبراج التي ما زال يعتمدها المبرّجون. وبالتالي لم تعد الخريطة الفلكية على ما كانت عليه في الماضي. فانتبهوا مواليد نهاية شهر تموز، لأن برجكم لم يعد الأسد بل أصبح برج السرطان!
تحريك المعادن عن بعد
يؤكد أحد الأساتذة لتلاميذه أنه سوف يلوي قطعة من المعدن من دون أن يلمسها، وبتأثير خالص من فكره. وحتى يتمكّن الجميع من مشاهدة إنجازه الخارق، يضع الأستاذ القطعة المعدنية على منوار خلفي بعد إضاءته (المنوار جهاز ضوئي لإسقاط الصورة على الشاشة). وفي الحال يرتعش السلك الحديدي ليأخذ شكلاً ملتوياً! الأمر سهل، يقول الإستكشافيون. فهناك ما يسمى بـ"الخليطة المعدنية الذاكراتية"، وهي نوع من المعادن يستعـيد الشكـل الذي كان عليه قبل تعرّضـه للحرارة. وبالتالي، لم يكن على المنوار الخلفي إلا أن ينجز باقي المهمة.
كذب المنجمون ولو صدقوا
يعلن أحد الفلكيين أنه تنبأ بحدوث عدد من الزلازل وأن نبوءته تحققت. هل يجب أن نصدقه يقول الإستكشافيون؟ لنرَ قبل ذلك كم من النبوءات الخاطئة رافقت النبوءات التي قال صاحبنا أنها تحققت. لقد أعلن الفلكي المذكور عن مئة وتسع وستين هزة أرضية، سوف تحدث على امتداد ثلاث سنوات، لم يتحقق منها في المهلة المحددة، سوى ثلاث وثلاثون. وهنا، تؤكد عملية حساب سريعة في الإحتمال أنه إذا توقعنا حصول مئة وتسع وستين هزّة أرضية، فهناك أمل بنسبة ست وتسعين بالمئة، بأن يتحقق منها، بين واحد وعشرين وتسع وثلاثين! وبالتالي يمكن لأي كان أن يحقق نجاحاً باهراً في حقل التنجيم والتبصير، شرط أن يعرف بذكاء كيف يجعل الآخرين ينسون ما ورد على لسانه من نبوءات خاطئة.
الشيطان في كل مكان!
تمكّن بعض الأشخاص من تمييز رسم لوجه الشيطان في صور تبيّن الدخان الأسود الذي كان يتصاعد من مركز التجارة العالمي في نيويورك، عقب تعرّضه لعملية أيلول في العام 2001. إنه مجرّد وهم فكري بحسب رأي الإستكشافيين. فالعقل البشري، يقول هؤلاء، لا يمكنه إلا أن يعطي معنى لكل ما يحيط به. وهو يبحث دائماً عن حبكة قصصية مشوّقة في كل ما يحدث... حتى لو لم يكن هناك أي شيء من هذا القبيل.