تحية لها

علوية صبح: سلاحي حرية التعبير وكشف المستور

في «مريم الحكايا» وروايتها الأخرى التي تُرجمت إلى عدة لغات، تتحدث المرأة بلغتها، تكشف المستور والمسكوت عنه، وتكسر الخطاب السائد. عبر الأدب كما الصحافة، خاض قلم علوية صبح معارك ضارية في مواجهة قمع المرأة وتعنيفها منتصرًا لحقوقها وكرامتها الإنسانية. وكروائية وأديبة غاصت في عمق واقع مجتمعها محافظةً على أمانتها للأدب.

 

ترى علوية صبح أنّ المسافة التي تفصلنا عن الوصول إلى إرساء حقوق للمرأة ذات طابع مؤسساتي يدعمه القانون وتقرّه الأعراف والسلوكيات، هي المسافة ذاتها التي تفصلنا عن بناء نظم وقوانين مدنية، لأنّه لا يمكن فصل ما يتعلّق بالمرأة عن سائر القوانين الاجتماعية للفرد سواء كان رجلًا أم امرأة. لكنّ واقع المرأة أصعب بكثير من واقع الرجل على مستوى ما تتطلبه هذه القوانين. ففي الظاهر، تبدو المرأة اللبنانية متحرّرة في الشكل والمظهر، أي أنّها تستطيع أن ترتدي ما شاءت من الثياب، لكنّها في المضمون ما زالت تتعرّض للعنف والقمع في أشكاله كافة، (جسدي، لفظي، نفسي...) وعلى المستويات كافة. وهي تقول: «شخصيًا حاولت في رواياتي كشف هذا العنف، وكيف أنّ غالبية النساء يرضخن للتقاليد». تتحمل المرأة مسؤولية على صعيد تغيير هذا الواقع وفق صبح. «فعليها أن تحقّق وعيها لذاتها ولحقوقها، وأن تطالب بهذه الحقوق وتناضل من أجلها، وتكسر جدران الخوف التي تكبّلها وتقيّدها». برأيها، «الدساتير والقوانين قد تتناقض كليًا مع التقاليد والأعراف السائدة التي تخيف المرأة. فليس بالضرورة أن تتوافق التقاليد مع ما هو مطلوب على مستوى قيام الدولة المدنية التي تضمن وحدها حقوق المرأة. وإن لم نفصل الدين عن الدولة فلا يمكن أن تنال المرأة حقوقها».
كامرأة وكاتبة، تمسّكت بحرية التعبير وعدم الخوف من المس بما هو مسكوت عنه سلاحًا، هذه هي الحرية بحدّ ذاتها وفق رأيها. «لذلك كشفت المستور بكلّ ثقة»، تقول. تجربتها أفضت إلى خلاصة أساسية: عندما تؤمن المرأة بحريتها، ينظر إليها المجتمع باحترام طبعًا، والمقصود هنا هو الحرية المسؤولة.
تقول صبح: «أنا شخصيًا، لم أتعرّض لأيّ مسّ على مستوى العلاقة بالأصدقاء والزملاء، فالاحترام متبادل في ما بيننا. ربّما لمستني بعض الأقلام الوصولية في العالم العربي، هاجمت أعمالي وإنّما كان الهجوم محدودًا ومعدودًا. على العكس، كان تقبّل القارئ لأدبي المليء بالبوح أكبر من الرفض. «مريم الحكايا»، «دنيا»، «إسمه غرام»... روايات فتحتُ فيها للمرأة مجال التعبير عن «المرأة» بلغتها».
كونها امرأة، أُلقيتْ على كاهلها مسؤولية مضاعفة مهنيًا، مسؤولية قضت بأن تكون في الوقت نفسه أمينة للأدب وملتصقة أكثر بواقع مجتمعها، وخصوصًا بواقع المرأة للتعبير بصدق، وللوقوف أمام تحديات تعكس ما هو مُعاش حقًا. وهذا ساعدها في توعية المرأة لواقعها، وهو أمر مقدّس بالنسبة إليها، وقد أسهم في انتشار رواياتها عالميًا بعد أن تُرجمت إلى لغاتٍ كثيرة. تؤكد صبح «أنّ هناك عدّة قضايا تختصر معاناة المرأة كالقمع والاستبداد وإحساسها بالدونية وبأنها عاجزة، معاناتها تشمل مختلف المستويات. إنّها تعاني بسبب القوانين والأعراف والسلطة الذكورية، فهي معنّفة من الأب والأخ والزوج والإبن...
لكن هذا لا يعني أنّ المرأة اللبنانية المعاصرة لديها «بروفايل» واحد، بل هي متعدّدة الأشكال. فمن النساء من هنّ ضحايا المظهر والاستهلاك والترويج لصورة معيّنة للجمال أو لما يجب أن تكون عليه المرأة، وهذا بحدّ ذاته شكل من أشكال التعنيف يجعلها تتعاطى مع نفسها كسلعة. وهناك طبعًا شابات بَدَون أكثر وعيًا لإحساسهنّ بوجودهنّ ودورهنّ وتحقيق ذواتهنّ في المجتمع. في هذا المجال، المرأة اللبنانية سبّاقة في بعض الأمور، المهمّ أن تتخلّص من الصورة التي يرسمها لها المجتمع الذكوري، فهي نصف المجتمع لذلك عليها أن تكـون فاعـلًا كالرجـل وليسـت مفعـولًا به».
تعلّق علوية صبح على خطوة متقدمة للمرأة اللبنانية من خلال تطويع الإناث في الجيش اللبناني، وتعرب عن سعادتها حيال هذه الخطوة مؤكّدة أنّها شرف للفتاة اللبنانية وللجيش الذي هو للشرف عنوان. إنّها خطوة مباركة، فقدرة المرأة ليست في عضلاتها، بل في قوتها وأمانتها الوطنية. وانخراطها في الجيش يبرز مزيدًا من مواهبها ويجعلها شريكة في الدفاع عن الوطن كما يسهم في إحقاق حقوقها.
وفي كلمة أخيرة تقول: أنا أحيّي كل امرأة، كأمّ، شابّة وجندية وكاتبة وعاملة في أنواع المهن كافة أو كربّة منزل... تكافح وتناضل لتعيش بكرامة وتدافع عن حقوقها.