باختصار

فجر الخامس والعشرين
إعداد: العميد الركن حسن أيوب
مدير التوجيه

أشرق فجر الخامس والعشرين من أيار في الأيام الأخيرة من ربيع العام 2000، ليتسلّم المبادرة، ويمسك بيد الفصل الأخضر مجدّداً شبابه، عابراً به الفصول كافة، موزعاً زهوره عليها، ومخبئاً بذوره في سواقيها وحقولها، صيفاً وخريفاً وشتاءً، حيث لا ينضب ماء الخير، ولا ماء الشّجاعة والمروءة والكفاح.
إنها المرّة الأولى التي ينسحب فيها العدو الإسرائيلي من أرض محتلة، صاغراً خاسراً، من دون شرط ومن دون مفاوضة. وإنها المرّة الأولى التي يمضي فيها من دون أن يترك خلفه تناحراً أو خلافاً، فالكلّ متّفق على رحيله، ومن دون أن يحلم بأن يكون له حلفاء، أو على الأقل متعاونون يتواصلون معه، ويحاولون وإياه التمهيد لإجرام آخر أو تعدّ إضافي، أللّهم إلا بعض العملاء الذين كشفت المؤسسة العسكرية خباياهم على مراحل ودفعات، وأللّهم إلا تلك الحقول الفتّاكة من الألغام التي زرعها لتذكّر بعدوانه، وتحلّ محله في غيابه الأبدي.
الجيش واجه المحتلّ متضامناً مع شعبه المقاوم، في وقت لم يخفَ عن بال ولا عن فكر، التفاوت الواضح بين عتاده المتوافر وبين ترسانة عدوّه التي يعرف الجميع حجمها. إلاّ أن قوة الحقّ بالمقابل زادت جنودنا قوّة، وإيمانهم بعدالة قضيّتهم ثبّتت خطاهم، كما أنّ حتميّة بقائهم في أرض الأجداد وملازمتهم لها، لم تُبقِ أمامهم خياراً غير الصمود، كائنة ما كانت مصاعبه... وفي ذلك كلّه انتصر الوطن، وأزالت عملية التحرير سلسلة طويلة من الاجتياحات، إذ كان عبور أيّ دورية عدوّة في فترة الاحتلال، لأيّ درب أو جسر أو حقل، اجتياحاً. وكان في توجيه أنوار أيّ مصباح إلى أيّ زاوية من زوايا قرانا المحتلة نشر لظلام الاستعباد. وكان في إعداد أي مطبوعة وإذاعة أيّ معلومة، إعلان لأخبار الشؤم. كما كان في أيّ مشروع يحصل، من بناء جدار إلى نقل ماء، إلى تسليم محروقات، عنوان لخراب مقبل، أو رمز لدمار مطلّ.
السمّ كان طافحاً في كلّ دسم، وكان على كلّ مواطن أن يتّخذ جانب الحذر، وبعد هذا وذاك، أن يتنبّه وأن يقاوم. كما كان على كلّ جندي أن يصمد، وأن يكثّف الجهود لحماية أرضه ودعم شعبه، والقيام بكلّ ما من شأنه تأكيد تلاحمه مع الشعب والمقاومة، وإلاّ كانت الحال كحال من فقد ثيابه ومشى عارياً بين أنياب الرّيح، فما قيمة أرض من دون شعب، وما نفع شعب من دون أرض وتراب؟
لقد استلهمت مسيرتنا في مقاومة الاحتلال، ودحره، كلّ ثورات العالم ونضال شعوبه في سبيل تحرير أراضيها من رجس الأعداء، وأضحت تلك المسيرة، بدورها، بعد أن انتصرت وحقّقت أمنيات شعبها، ملهمة ثورات العالم وكفاحه في سبيل بلوغ هناء الحريّة والاستقلال، كيف لا، وقد دام جهده أعواماً وأعواماً، واستمرّ سهرها الليالي الطوال، وتوالى استشهاد أبطالها في كلّ موقعة صعبة، وعند كلّ عقبة كأداء؟