- En
- Fr
- عربي
قانون دولي
تداولت وسائل إعلام في الآونة الأخيرة وبالتزامن مع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنّ هناك توجهًا لدى السلطة الفلسطينية لإعلان فلسطين «دولة تحت الاحتلال». يستخدم هذا المصطلح للمرة الأولى في تلميح إلى تعثّر الحل السلمي القائم على أساس دولتين، ويعتبر ردًا غير مباشر على اعتراف بعض الدول بالقدس عاصمة لإسرائيل. ويطرح هذا المصطلح الجديد، عدة نقاط للبحث، أهمها: الاحتلال والالتزامات القانونية، والوضع القانوني لفلسطين، والخيارات المتداولة.
الاحتلال في القانون الدولي العام
يرفض القانون الدولي العام بشكلٍ قاطع الاحتلال بجميع أشكاله، سواء أكان مؤقتًا أو دائمًا، وهو يشجبه، ويعمل على إنهائه، ومحو آثاره. وأي شعب يقع تحت الاحتلال، يصبح تلقائيًا تحت الإشراف الدولي من خلال منظمة الأمم المتحدة المسؤولة عن السلم والأمن الدوليين.
وقد نصّ ميثاق الأمم المتحدة في ديباجته، على الإيمان بالحقوق الأساسية للإنسان، والامتناع عن استخدام القوّة في العلاقات الدولية. كما نصّت المادة الأولى على منع الأسباب التي تهدد السلم والأمن الدوليين. ونصّت المادة الثانية بفقرتها الرابعة على امتناع الدول الأعضاء في المنظمة عن التهديد باستعمال القوّة، أو استعمالها ضد الاستقلال السياسي وسلامة الأراضي لأي دولة. كما يحدد الميثاق الإجراءات الواجب اتخاذها ضدّ أي دولة معتدية، وقد تمّ تخصيص الفصل السادس للإجراءات السلمية، والسابع لردع الدولة المعتدية.
واعتبرت محكمة العدل الدولية في العديد من الفتاوى، وبخاصة فتواها في قضية الجدار العازل الذي بناه العدو الإسرائيلي في الأراضي المحتله، وإجراءات أخرى اتخذها جرائم حرب(1).
بموجب القوانين التي تطبق فور نشوب حرب، ثمة التزامات قانونية على سلطة الاحتلال التقيّد بها، وهي تبقى قائمة إلى حين زوال الاحتلال. وقد وردت هذه الالتزامات في قانون لاهاي للعام 1907وخصوصًا اللائحة المرفقة باتفاقية لاهاي الرابعة (المواد42-56)، والمتعلقة باحترام أعراف الحرب وقواعدها، وحماية المدنيين في الأراضي المحتلة. ووفق المادة 42: «يعتبر الإقليم محتلًا عندما يصبح فعليًا خاضعًا لسلطة الجيش المعادي، ولا يمتد الاحتلال إلّا إلى الأقاليم التي تقوم فيها هذه السلطة وتكون قادرة على تدعيم نفوذها فيها». أمّا اتفاقيات جنيف الأربعة للعام 1949 فتنص أيضًا، على حماية المدنيين والأعيان، في أثناء النزاعات المسلحة ومنذ اندلاعها. حددت هذه الاتفاقيات بشكلٍ مفصل الالتزامات القانونية التي تقع على عاتق سلطة الاحتلال. كما حددت المحظورات، وخصوصًا تهجير السكان، ونقل مواطني العدو لإسكانهم في الأراضي المحتلة. وهناك مواثيق دولية كثيرة ترعى هذا الموضوع، منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي، والمحكمة الدولية الجزائية الدائمة (نظام روما) التي جاء في نظامها أنّ جرائم العدوان، والحرب، والجرائم ضدّ الإنسانية والإبادة هي جرائم دولية.
اتخذت الشرعية الدولية ممثلة بمنظمة الأمم المتحدة، مئات القرارات المتعلقة بفلسطين المحتلة، من دون أن يُنفّذ منها قرار واحد. فمجلس الأمن المعني الأول بالسلام، أصدر قرارات كثيرة، ترفض الجرائم والإجراءات والارتكابات التي تقوم بها سلطة الاحتلال الإسرائيلي وتستنكرها، وتعلن مشروعية الحقوق الفلسطينية جازمة بالحفاظ عليها. الجمعية العامة أصدرت أيضًا عشرات القرارات في السياق نفسه، ومنها القرار 181\1947 (نصّ على تقسيم فلسطين إلى دولتين، يهودية على 55% من الأرض، وعربية على45% منها)، والقرار 194\1948(القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم)، اللذين اعتبرا شرطين لقبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، فقبلت بهما لحين قبول عضويتها ثم عادت وتنصّلت منهما. ومن القرارات المهمة أيضًا في هذا المجال، قرار الجمعية العامة الرقم1514\1960والذي قضى بتصفية الاستعمار والاحتلال، واستقلت على أثره عدة دول. والقرار3379\1975 الذي اعتبر الصهيونية شكلًا من أشكال العنصرية، لكنّ الجمعية العامة عادت عنه قبل مؤتمر مدريد. والقرار 123\1982 الذي قضى بطرد إسرائيل من الجمعية العامة وبفرض حصار سياسي وعسكري واقتصادي عليها(2).
تطورات الوضع القانوني لفلسطين
لا يشبه الاحتلال الصهيوني لفلسطين أي احتلال آخر. فهو استعمار قام على أساطير وهمية، واستمر بالتطهير العرقي، وبالقوة في مواجهة الحق الشرعي بالقوّة.
في العام 1916وقّعت اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت النفوذ بين الدول وكانت فلسطين من نصيب بريطانيا. بعد سنة صدر وعد بلفور، ثمّ وضعت فلسطين تحت الانتداب الإنكليزي(1920)، وباشرت الصهيونية تنفيذ المخطط الاستعماري. ففي العام 1947 صدر قرار التقسيم، أعقبه قيام كيان العدو «إسرائيل». وجرت الحرب العربية – الإسرائيلية الأولى وانتهت بهزيمة العرب، ثم وُضعت الضفة الغربية تحت الإدارة الأردنية، وقطاع غزة تحت الإدارة المصرية. بعد حرب حزيران 1967 احتلت إسرائيل الضفة وغزة وسيناء والجولان، ولاحقًا ضمت القدس والجولان. في العام 1974، اعتبرت منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، واعترفت بها الجمعية العامة بصفة مراقب، وخلال العام 1988 أعلن الأردن فك الارتباط الإداري مع الضفة الغربية، ثمّ أعلنت منظمة التحرير من تونس قيام الدولة الفلسطينية التي نالت اعتراف 94 دولة، وشاركت في مؤتمر مدريد للسلام بعد اعترافها بقرار تقسيم فلسطين. أعقب ذلك تعديل الميثاق الفلسطيني والاعتراف بحق إسرائيل بالوجود، ونبذ الكفاح المسلح، والقبول بدولةٍ على أرض الضفة، وتوقيع اتفاق أوسلو. نصّ هذا الاتفاق في مادته الأولى على إنشاء سلطة فلسطينية وحكومة، ومجلس تشريعي. ولكن هذه السلطة كانت مقيّدة، إذ نصت المادة 9 صراحة على أنّ أي تشريع يعدل أوامر عسكرية أو يلغيها سيكون باطلًا. كما نصّ الاتفاق على إنشاء لجنة ارتباط مشتركة لتفسير النقاط موضع الخلاف، وتمّ تقسيم الأراضي إلى ثلاث فئات، الفئة «ألف» تخضع للسلطة الفلسطينية، والفئة «باء» تخضع لسلطة أمنية مشتركة، والفئة «ج» تحت سلطة الاحتلال وإدارة السلطة. وجرت الانتخابات الفلسطينية وانتقلت الثورة الفلسطينية إلى الحكم، وبذلك تمّ تقييدها.
انتهت الأمور إلى احتلال العدوّ مناطق السلطة واستمرت أعمال الاستيطان وبناء الجدار العازل الذي استهلك ما نسبته 2% من أرض الضفة (تشكل 20% من أرض فلسطين التاريخية)، وقطّعها إلى 8 كانتونات و64 معزلًا. للدولة ثلاث عناصر: الشعب والأرض والسلطة يضاف إليها الاعتراف الدولي وقد حظيت به فلسطين (كدولة مراقبة)في العام 2012. بالنسبة إلى الشعب فإنّ نصفه في الداخل ونصفه الآخر في الشتات، والإقليم (أي الأرض) عبارة عن غزة المحررة ظاهريًا والمحتلة فعليًا، والضفة الممزقة جغرافيًا، أمّا السلطة فمقيّدة بالاحتلال ولا تملك أي سيادة. إذ إنّ السلطة الاسمية بيد الفلسطينيين والفعلية بيد الاحتلال، وبذلك تحلل الأخير من مسوؤلياته تجاه الشعب الفلسطيني في حين أصبحت السلطة الفلسطينية في مواجهة شعبها والمجتمع الدولي. فقد استمر العدو في الاستيطان وفي نهب ثروات السكان ومصادرة أراضيهم وممارسة العنف ضدهم، فيما لا تملك السلطة من أمرها شيئًا، ولا تملك قوت يومها. أمّا المعادلة فباتت: احتلال يبتلع الأرض، ولا يرغب بتسويةٍ،ويراوغ لكسب الوقت. وما يعترف به أو يعرضه للتفاوض- وإن كان ذلك اعترافًا منه أنّه محتل-لا يمكن اعتماده إقليمًا لدولة. والسلطة من جهتها لا تستطيع النزول عن «شجرة أوسلو» وترك الحكم، أوتحقيق الاستقلال على أرض ممزقة تتناقص كل يوم، وفي ظلّ قرارات دولية فارغة من مضمونها واستيطان لا رجعة فيه إلى الوراء.
الخيارات المتداولة
جاءت التطورات الأخيرة بشان القدس لتزيد الوضع تعقيدًا، إذ اعترفت بعض الدول بالقدس عاصمة أبدية لاسرائيل، وتم شطبها من لائحة التفاوض. وكان ردّ الجمعية العامة بالرفض من خلال تصويت 137دولة ضد القرار، ردًا اعتباريًا لا يغيّر من الواقع شيئًا. ثم جاء قانون القومية الذي اعتبر فلسطين دولة لليهود، ليضيف إلى الوضع أبعادًا خطيرة. لذلك طُرحت الخيارات الآتي ذكرها:
الخيار الأول: إعلان فلسطين دولة تحت الاحتلال، وهو خيار ليس له نتائج قانونية ويتضمن التلويح بحلّ السلطة الفلسطنية، وحلّ مؤسساتها، التي استغرق بناؤها عشرات السنين، ما يعني عودة الشعب الفلسطيني إلى نقطة الصفر. وفي حين لا يمكن رصد جميع سلبيات هذا الخيار، فإن الإيجابية الوحيدة له هي إعادة تأكيد مسؤولية سلطة الاحتلال المباشرة عن الشعب الفلسطيني بشكل لا يحمل الالتباس الحاصل الآن، أو إعلان حكومة في المنفى وهو أمر كانت تمارسه فعليًا منظمة التحرير وثبت عدم جدواه.
الخيار الثاني: الإعلان عن دولة ثنائية القومية، وهو بحث أكاديمي مطروح للنقاش، إلّا أنّه من الناحية العملية أصبح متعذرًا في ظل القانون العنصري الجديد للدولة اليهودية، ومع وجود الفروقات الاجتماعية وغيرها، وخوف سلطة الاحتلال من الديموغرافيا الفلسطينية.
الخيار الثالث: إعلان اتحاد كونفدرالي مع الأردن، وهو خيار يرفضه الأردن، قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات قرارٍ حرٍ مستقل، خصوصًا وأنّ نسبة سكانه من أصل فلسطيني تبلغ نحو 60 في المئة. كما أنّ هذا الخيار يعتبر انتصارًا لرأي صهيوني يقول بأنّ الأردن هو الوطن الفلسطيني البديل.
الخيار الرابع: خيار قيد الدرس في الدوائر الصهيونية، وكادت حكومة العدو أن تلجأ إليه خلال العام 2006، إلّا أنّ تداعيات انسحابها من لبنان خلال العام 2000 أوقفت تنفيذه، ويقضي بأن تحتفظ سلطة الاحتلال بما تشاء من الضفة وتترك باقي المناطق محاصرة.
توحي التطورات الأخيرة بأنّ هناك تصورًا دوليًا لحل شامل لم يتبلور مضمونه بشكلٍ واضح وعلني (صفقة القرن).وعندما تُواجَه سلطة الاحتلال بقرارات الشرعية الدولية وحق الفلسطنيين بتقرير مصيرهم، تردّ بأنّها لم تحصل على كامل الوطن الذي وعدها به العالم بعد الحرب العالمية الأولى. وشعارها ما زال «دولة إسرائيل من الفرات إلى النيل...».
الهوامش:
(1 )-أنظر: كتابنا مجلس الأمن ودوره في حماية السلام الدولي، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2012، صفحة180.
(2)- يصدر مجلس الأمن مقرارات عديدة منها البيانات الرئاسية، والتوصيات إذا كانت مستندة للفصل السادس، والقرارات إذا كانت استنادًا للفصل السابع، فيما تصدر الجمعية العامة مقررات تسمى توصيات، إلّا اذا حلت محل المجلس، فإنّها تصدر قرارًا بالاتحاد من أجل السلام. أنظر: الدكتور محمد المجذوب، التنظيم الدولي، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2005، طبعة أولى، صفحة 247.