البطولة ملء الساحات

فوجا المدفعية الأول والثاني في المعركة
إعداد: العقيد أنطوان نجيم

فتح الطريق للقوى المتقدمة بالنارعند فوج المدفعية الثاني

لما كانت المدفعية تؤدي دوراً أقل ما يقال فيه أنه فتح الطريق آمناً أمام القوى المتقدمة، وفي بعض الأحيان يتقدمها، ويبعث فيها روح أمان وطمأنينة رافعاً معنوياتها، كان لا بد من زيارة ولو خاطفة لمرابض فوجي المدفعية الأول والثاني المشاركين في معركة مخيم نهر البارد.

 

عند فوج المدفعية الثاني

في مكان ما على بعد كيلومترات طويلة على دروب الشمال وغير قليلة كخط نار، استقبلنا مربض بهطلة من ست قذائف مدفعية لا ترحيباً بنا وإنما رداً على مسلّحي عصابة «فتح الاسلام» ومراكزهم.
المربض خلية نحل تعمل بضجيج كبير تمزّقه من حين الى آخر صرخة: هدف، هدف.
كما في كل موقع زرناه كانت موجة من العنفوان والمعنويات تغمرنا خصوصاً عند التقائنا قائد المجموعة على رأس عسكره، فكيف إن التقينا في هذا المربض بقائد فوج المدفعية الثاني العميد الركن محمد سليمان يشرف بنفسه على عمليات القصف المدفعي بتسلسلها، يتأكد من إحداثيات الهدف، من نوع القذيفة، من حسن إشتغــال المدفع، مـن كل شيء تقريباً. استأذناه لنسمــع منه كلامـاً يبرد قلوبنــا. فكان الحـديث الآتي:


• متى دخلتم المعركة؟
- دخلنا المعركة في 22 أيار 2007 بعد أمر من القيادة، وكلفت سرية 130 ملم الرمي لصالح قوى الجيـش المواجهـة تأميناً لعملية انتشارها. ومن ثمّ شكلت هذه السرية الدعم العام للجبهة والتعزيز للكتيبة 55 في اللواء الخامس.


• لاحظنا عند دخولنا الى هذا المربض أنكم قد ربضتم المدافع في أرض زراعية، ألم يحتج الأهالي وأصحاب الأرض مثلاً؟
- هنا، لا يسعني سوى التوجّه الى أهالي المنطقة حيث هذا المربض والى أصحاب الأرض بالتحديد بأسمى عبارات الشكر والعرفان لكل ما قدموه لنا. لقد استقبلونا بنثر الأرز والزغاريد والدعاء الى الله لنصرتنا والالحاح علينا لتخليصهم من عصابة «فتح الاسلام».


• سؤال أخير، بماذا تفرّد فوج المدفعية الثاني؟
- لقد تحولنا الى بحارة على متن مركب، قالها مبتسماً. الحقيقة بدأنا اعتباراً من 25 أيار مهمة تأمين المراقبة للقصف المدفعي من البحر، حيث أننا وضعنا مراقب مدفعية لصالح الجبهة مع عتاده على متن مركب تابع للقوات البحرية ومهمته ضبط القصف المدفعي من مختلف قطع المدفعية المشاركة في المعركة على مراكز مسلحي «فتح الاسلام».


عند فوج المدفعية الأول
من المدفعية الثاني الى المدفعية الأول، عند مقلب آخر، انتقلنا والحبور يغمر قلبنا لما شاهدناه من إندفاع وعنفوان عند عناصر المربض.
عند مدخل مربض المدفعية الأول تكرّر المشهد: ست طلقات مدفعية زغردت بنبرة مختلفة. بداية لقائنا كانت مع العميد الركن عبدو عطاالله قائد فوج المدفعية الأول الذي كان في زيارة عمل وتفقّد لسريتين من فوجه مشاركتين في معركة نهر البارد.
بداية طرحنا عليه السؤال:


• متى دخلتم المعركة وما هي مهمتكم؟
- في الثامن من حزيران 2007 ربضنا مدافعنا في مهمة دعم وتعزيز للجبهة وشاركت في هذه المهمة سريتان من الفوج.


• حضرة العميد، عند تجوالنا في المربض التقينا ملازمين ورتباء متخرّجين حديثاً. أي أن خبراتهم العملية في أول الطريق، فما هو الهدف من هذه الخطوة؟
- لقد تعمّدت كقائد للفوج إرسال الملازمين والرتباء المتخرجين حديثاً الى الجبهة، أولاً لجعلهم يتمرسون على الحياة العسكرية والقتال بشكل خاص، وثانياً، لما لمسته من اندفاعهم وإلحاحهم على المشاركة في ما اعتبروه حرباً على عصابات الإرهاب. وهنا يمكنني الجزم بأنهم يبلون البلاء الحسن، لا سيما وقد بثوا روحاً جديدة في جسم السرية.


• سؤال أخير: سقط للفوج ضابط شهيد وعدة جرحى، فهل تروي لنا كيف استشهد الضابط ونحن نعلم أن لا تبادل لقصف مدفعي مع عصابة «فتح الاسلام»؟
- إن الإنجاز الذي حققه فوج المدفعية الأول في هذه المعركة هو استخدام المدفع عيار 122 ملم للرمي المباشر حيث كان يتقدم مع المشاة كرأس طليعة لمعالجة الأهداف التي تظهر على أرض المعركة مع العلم أن المدفع مقطور، أي تقطره شاحنة، وغير مؤلل لحماية سدنته إذ أن عملية ربضه للرمي تتطلب حوالى عشر دقائق.
أما النقيب الشهيد خالد مرشاد فكان يتقدم مع المشاة، فربض مدفعه على الطريق العام داخل المخيم الجديد وبدأ يعالج ركائز مبنى يطلق منه المسلحون النيران على القوى المتقدمة، فأصابته رصاصة قنص ليستشهد ضحية اندفاعه وشجاعته وإخلاصه لقسمه على الرغم من تنبيهي المتكرر له بأن ما يقوم به بطولة وإنما يجب عليه التنبه، فالمسلحون مجرمون غادرون. وكان ما كان، ولكن دمه لن يذهب هدراً. واغرورقت عينا العميد الركن بدمع حبسه.

 

ماذا يعني أن تكون رامي مدفعية؟
من جملـة المؤهلات الكثيرة التي يفتـرض أن تتـوافـر لدى عسكـريي المدفعيـة، قوة الاحتمال.
فعسكريو المدفعية يعيشون ضغطاً من الصعب تخيلـه بسبـب قـوة القصـف.
ويصبح الأمر أكثر صعوبة عندما تضطر المدفعية الى الرمي بشكل كثيف ومتواصل.
من النتائج الناجمة عن هذا الضغط، تضرر حاسة السمع، اضافة الى التوتر النفسي.
من جهة أخرى تتطلب الرماية مستوى عالياً من الكفاءة لإصابة الأهداف بدقة، وتحاشي إيذاء المدنيين من جهة والقوى الصديقة من جهة أخرى.
يذكر هنا أن هامش الحيطة للقوات الصديقة يبلغ الـ600 متر كما هو معلوم في العلوم العسكرية. بالنسبة الى طبيعة المعركة في نهر البارد الذي يبلغ المدى الأقصى لاتساعه ولعرضه الـ500 متر في أحسن الحالات، فإن مدفعية الجيش تضطر الى خرق قانون الحيطة، حيث يضيق هامش الحيطة الى حد كبير.
مع ذلك يشهد لمدفعية الجيش اللبناني بالكفاية العالية التي تجلّت من خلال تحقيق الاصابات المباشرة وتلافي إصابة المدنيين أو القوى الصديقة المنتشرة في ساحة المعركة.
ويعلق أحد ضباط المدفعية على ذلك بالقول: نتخذ أقصى ما يمكن من تدابير كي لا نقع في أي خطأ، وعلى الرغم من أن ثقتنا برماتنا تامة، فإن «الحبلة لا تُشدّ» إلا بعد أن يتأكد الضابط من الإحداثيات ومن أن كل شيء كما يجب.