- En
- Fr
- عربي
سواعدنا لبيروت
حين تكون المهمة القتالية صعبة، تُستدعى قوات النخبة لحسم المعركة بسرعة. مواجهة الدمار الذي حل بمرفأ بيروت والمناطق المجاورة، كانت معركة خاضها الجيش بسرعة وكفاءة مستخدمًا كل الأسلحة المناسبة، وفي طليعتها فوج الأشغال المستقل بجرافاته وآلياته، وهمة رجاله.
منذ لحظة حدوث الإنفجار، توجّه فوج الأشغال إلى المرفأ، شارك في مهمة البحث والإنقاذ لمدة أسبوع، أما المهمة الأساسية التي كانت بانتظاره فهي إعادة الحياة إلى جزء من المرفأ في موازاة الاستمرار بمهمة البحث والإنقاذ. وسط مشاهد الركام والباطون المسلح الذي تهاوى، كان مجرد الحديث عن عودة البواخر إلى الرسو في المرفأ أشبه بحلم، أو على الأقل مشروعًا يحتاج إلى وقت ومال وشركات ومناقصات.
بعد بضعة أيام عمل خلالها الجيش تبين أنّ ثمة أملًا في مباشرة العمل إذا أزيل الركام من الأرصفة١١، ١٢ و١٣ في الحوض الرابع. كُلّف فوج الأشغال المستقل بالمهمة، فبدأ العمل على الفور، وبعد ٤٨ ساعة من العمل المتواصل نهارًا وليلًا تم تحرير الأرصفة المشار إليها من الركام. في موازاة ذلك فتح الفوج الطرقات وأعاد الإنارة إلى المكان الغارق في سواد ظننا أنه سيدوم شهورًا. بدأت بشائر الحياة تعود إلى المرفأ الذي استقبل البواخر التجارية والبوارج الحربية الأجنبية. صحيح أنّ استعادة المرفأ لدوره كاملًا تحتاج إلى عمل كثير، لكن ما تحقق خلال أيام بفضل سواعد العسكريين أعلن عودة الحياة رغم هول الكارثة.
في الوقت المستقطع
العمل في المرفأ كان يتوقف أحيانًا بينما تكون فرق الأدلة الجنائية قد أنجزت رفع العينات، في هذا الوقت المستقطع كانت جرافات فوج الأشغال المستقل تعمل بالتعاون مع قطع الجيش المنتشرة في القطاع، في تنظيف الشوارع من الزجاج والركام ، وذلك طوال الأسبوع الأول من الإنفجار. في ما بعد، وبالتعاون مع الفرنسيين تمّ تنظيف مدرستَي «الثلاثة أقمار» و«القلب الأقدس» من الزجاج والركام، إضافة إلى محطة شارل الحلو.
أيادٍ ممدودة
في ١٩ آب عقد قائد فوج الأشغال المستقل العقيد الركن يوسف حيدر وقائد اللفيف التكتي الفرنسي فونتو (الذي يعمل في إطار عملية الصداقة الفرنسية) الكولونيل أنطوان دو لا باردوني مؤتمرًا صحفيًا، شرحا خلاله المهمة التي قام بها الفوجان لإعادة تأهيل المحطة وتنظيفها.
العقيد حيدر أوضح «أنّ مهمة الجيش الفرنسي بدأت في المرفأ لتنظيفه». وقال: «لقد بدأنا من حيث يمكن العمل، وتوقفنا قليلاً من أجل التحقيق وأخذ العينات. ولكسب الوقت نظفنا هذه المحطة، وسنكمل العمل داخل المرفأ في اليومين المقبلين».
من جهته قال باردوني «وصلنا إلى بيروت منذ عشرة أيام تقريبًا، وانضم إلينا العدد الباقي مع وصول الباخرة كالاو منذ يومين إلى المرفأ، وبذلك اكتمل عديدنا. هناك نحو ٤٠٠ جندي متخصص في الأشغال والمساعدة الإنسانية يرفعون الردم، إضافة إلى نحو ١٥٠ آلية للأشغال وشاحنات جلبناها معنا، ونحن نعمل بتعاون وثيق مع الجيش اللبناني». وأضاف: «لم يكن في مقدورنا البقاء غير مبالين تجاه ما حصل مع اللبنانيين، خصوصًا أنّه لنا كفرنسيين علاقات خاصة مع هذا الجزء من العالم».
وردًا على سؤال، قال باردوني: «إنّ بحريتَي فرنسا وبيروت تعملان بشكل مشترك من أجل تنظيف أحواض المرفأ»، وأوضح أنّ الفريق الفرنسي يضم مهندسين ومتخصصين في الهندسة البحرية، والهدف هو تنظيف أحواض المرفأ كي ترسو فيه البواخر الكبيرة.
بعد نحو يومين من عقد هذا المؤتمر، تسلّم فوج الأشغال مهمته الثانية، وهي إزالة الركام من العنابر ١٧ - ١٨ و١٩ والساحات المجاورة لها، وفي هذه المهمة تعاون الفوج مع الفريق الفرنسي.
في مؤتمر صحفي ثانٍ عقده بتاريخ ٢٦/٨/٢٠٢٠ قائد فوج الأشغال المستقل وقائد فريق الجيش الفرنسي العقيد انطوان دو لا باردوني، شرح خلاله كيف تمّ فتح الطرقات في المرفأ، والمرحلة التي وصل إليها العمل. وكشف أنّ الفوج أزال بالتعاون مع المجموعة الفرنسية ٧٨٠٠ طن من الردميات. وقد تم فرز الحديد عن الردم في انتظار وصول مندوبي وزارة البيئة والإتحاد الأوروبي للتصرف بشأنها، وذلك بناءً على اتفاق مع الاتحاد الأوروبي الذي يموّل مشروع فرز هذه النفايات والتخلص منها بالطرق المناسبة. كما تم تنظيف الساحات وفتح الطرقات.
وحرصًا من قيادة الجيش على أملاك المواطنين، تم فرز أكثر من ١٠ أطنان من البضائع التي كانت تحت الأنقاض والحاويات المدمرة. ونظمت الشرطة العسكرية التي تتولى المسح محاضر بهذه البضائع سُلمت بموجب إيصالات إلى إدارة الجمارك التي تتواصل بدورها مع المعنيين لاستلامها.
وشرح العقيد الركن حيدر كيف قسّم العمل في المرفأ إلى بقعتين : الـ Green Zone أي البقعة التي ينفّذ الفوج فيها عمليات إزالة الأنقاض والردميّات والفرز والتنظيف وشقّ الطرقات. والـ Red Zone وهي النقطة الأقرب من مكان الانفجار حيث تعمل فرق أخرى على رفع الأدلّة وإجراء التحقيقات.
ترميم الثكنات
أسهم فوج الأشغال المستقل أيضًا في إعادة ترميم مراكز الجيش المنتشرة قبالة مرفأ بيروت، والتي تضرّرت بشكل كبير من عصف الانفجار. فقد عملت فرق الفوج لمدة ٢٤ ساعة في اليوم ولسبعة أيام في الأسبوع لضمان إنجاز الأعمال بسرعة، ما سمح بإعادة استخدام معظم المباني المتضررة في وقت قصير بعد ترميم غرف منامة العسكريين والمطابخ ومكاتب الضباط وأمانات السر فضلًا عن إعادة إقفال المخازن.
استعان الفوج بالاحتياط المتوافر لديه من الخفان والترابة والحديد والألمنيوم والخشب، أما الزجاج فتم تأمينه من السوق المحلي، وكان لسرعة المبادرة دور كبير في ذلك.
عسكريو الفوج كما رفاقهم في القطع الأخرى،عملوا وسيواصلون العمل لينتشلوا مدينتهم من قلب الدمار، ويعيدوا الحياة إلى مرافقها وأحيائها وبيوتها.