كلمتي

في عيدها
إعداد: العميد الركن صالح حاج سليمان
مدير التوجيه

تواعد مع طلّة الربيع نزولاً عند نصيحة البنفسج والأقحوان، وبات أحدهما لا يطلّ إلاّ ويسرى الأول تتشابك مع يمنى الثاني. عيد الأم وعيد الربيع، تسبق البسمة كلاً منهما والرضا، ويزهو في ديارهما كرم الضيافة وحب العطاء.
وساعة اليد في ديوان الربيع لا تخطئ، ويوميته صحيحة الأرقام، وهو يطلّ في يومه المعروف كل مرّة. لكنه، هذا العام حضر قبل الموعد بكثير، لا لخطأ ربما، إنما تهيباً وإجلالاً واحتراماً، مما هيّأ للأم أن توقّع خطواتها فوق البسط الخضر بخطى واثقة، ليس أقرب اليها شبهاً، إلاّ خطى الشهداء في ساحات البطولة. كيف لا، وفي عيد أمهاتنا إحياء دائم لذكرى شهداء الجيش، فهذه المناسبة دائمة في النفوس على مدى أيام السنة، صباحاً ومساءً، كلما ارتفع في ثكناتنا علم، أو كلما هبط فوق سطح الأرض ظلّ أرز أو سنديان.  
وهل للأم أن تسمح بالاحتفال في عيدها من دون أن تطلق خيلها في الساحات، وتطمئن الى أن غبار الحوافر قد بلغ أطراف الغيوم، ومن دون أن يضرب جمهورها على طبول المنابر فتستعيد دروس التضحية في وهاد المعارك؟ هذا فخرها، وتلك عزّتها، وتلك مآثر من صنع يديها في كل حال: هؤلاء أبنائي وهذه أخبارهم في سجل الخلود.
ولقد رأينا الأم وهي تودّع ولدها الشهيد راضية متماسكة منادية بمزيد من التضحية على مذبح الوطن، في مقارعة العدو الإسرائيلي مرّة وفي مواجهة الإرهاب مرّتين، وفي مسيرة الحفاظ على أمن البلاد مرّات ومرّات. ورأينا الأم تمدّ قامتها بين خيالات الحزن، تتقدّم الأب بخطوات، تدعوه الى المحافظة على هيبته وتماسكه، فيما هي تسلّم الأمر للتعبير بالدمعة حيناً وبالصرخة أحياناً، وفي الإثنتين الدمعة والصرخة، دعوة الى الأخ الى أن يحل محل أخيه، فالخطب جلل والخطر محدق والمهمة مقدّسة، وليس لنا أن نستورد الأبطال من خارج الحدود، ففي ترابنا ينبت هؤلاء كما تنبت الزهور بين هامات الصخر، من هنا الموعد السنوي بين الأم والربيع، ومن هنا لقاء الجمال وديمومة الخلود.
لكن الدمعة في عين الأم ليست إلاّ حبّة الندى ترتسم في كأس زهرة برية، تدعوها الى النضارة والتألق والإنتصار، وإطراقة الرأس ما هي إلاّ دلال وزهو وإحياء لروح التضحية في الأعماق.