جندي الغد

قصّة نجم

نشر لاعب كرة القدم العالمي روميلو لوكاكو عبر موقع The players Tribune، مقالًا كشف فيه بصدقٍ عن الحياة التي كان يعيشها في كنف عائلة فقيرة لا تتمتع بأدنى مقوّمات الحياة. يقول:
«مازلت أذكر وجه أمي وهي تقف أمام باب الثلاجة ولا تجد ما تقدمه لي من طعام سوى الخبز والحليب. كنت في السادسة من عمري، وقد عدت إلى البيت لتناول طعام الغداء في فترة استراحة المدرسة. كانت أمي تقدم لنا الطعام نفسه يوميًا، وهو عبارة عن الخبز والحليب، لكنّها هذه المرة كانت تمزجه بشيء ما، ثم قدّمته مبتسمة وكأن كل شيء على ما يرام، لكني أدركت على الفور ما الذي يجري. لقد كانت تمزج الماء بالحليب إذ لم يكن لدينا ما يكفي منه حتى نهاية الأسبوع. إذن نحن لسنا فقراء فحسب، بل معدومين!
كان والدي لاعب محترف، لكنه كان في نهاية مسيرته والأموال قد نفذت. أول شيء قام ببيعه هو التلفاز، لا مزيد من كرة القدم. بعد ذلك تطوّرت الأمور، لم يعد باستطاعتنا دفع فواتير الكهرباء ولا المياه. لم يعد لدينا مياه ساخنة للاستحمام، فكانت أمي تقوم بتسخين الماء في الغلّاية ثم تسكبه على رأسي. لقد مرّت أيام، اضطرت فيها أمي لأن تقترض الخبز من المخبز! كنت أعرف أننا فقراء، لكن لدرجة أن نمزج الحليب بالماء؟ إنها حقًا لحياة بائسة! يومها، لم أقل لها كلمة واحدة، لم أرغب بأن أثقل كاهل أمي، فما تمرّ به يكفيها، أكلت وجبتي، ثم أقسمت باللّـه بأن هذه الحياة يجب أن تتغير، كأن أحدهم غرس أصابعه بداخلي ليوقظني. احتفظت بوعودي لنفسي، لكني كنت أعود من المدرسة أحيانًا، أرى أمي تبكي. فأقول لها: هذه الظروف ستتغير، سترين ذلك، سألعب في أندرلخت، سنكون بخير. كل مباراة لعبتها كانت أشبه بنهائي، حتى عندما ألعب في الحديقة أو في الشوارع، كنت أعتبرها نهائيات، كنت في السادسة من عمري في ذلك الوقت.
عندما أصبحت في الـحادية عشرة من عمري، كنت ألعب في أحد فرق الشباب، وقد حاول والد أحد اللاعبين منعي من دخول الملعب، قال: كم عمر هذا الطفل؟ أين هويته؟
 أردت أن أصبح أفضل لاعب في تاريخ بلجيكا، كنت ألعب بغضب وشراسة، لأسباب عديدة، بسبب الفئران في منزلي، بسبب والدتي، بسبب عدم قدرتي على مشاهدة دوري الأبطال، بسبب نظرة آباء الآخرين لي. حين بلغت الثانية عشر من عمري كنت قد سجلت 76 هدفًا في 34 مباراة.
في أحد الأيام هاتفت جدّي والد أمي، من الكونغو، لأخبره أنني أتقدّم بشكل جيّد، كان يحب سماع أحاديثي عن كرة القدم، لكّنه هذه المرّة قاطعني طالبًا منّي أن أعده بالاعتناء بأمي، فوعدته. بعد خمسة أيام، توفيّ جدي! أشعر بالحزن كلّما فكرت بذلك، كم أتمنى لو أنه عاش أربع سنوات أخرى، كي يراني ألعب لأندرلخت، ليرى أني أفي بوعدي، وأنّ كل شيء أصبح على ما يرام.
في صغري لم يكن بإمكاني مشاهدة تيري هنري حتى على التلفاز، الآن أنا بجانبه في كأس العالم وأتعلم منه كل يوم. في العام 2002، كان حذائي مليئًا بالثقوب، بعدها باثني عشرة سنة شاركت في كأس العالم.
أتمنى فقط لو أن جدّي ما زال على قيد الحياة، لا ليراني في دوري الأبطال، أو في مانشستر يونايتد، أو في كأس العالم، لا أريد أن أريه شيئًا من هذا، أريد فقط أن أريه الحياة التي نحظى بها الآن، أتمنى لو أن بإمكاني أن أحظى بمكالمة أخرى معه، ليرى فقط ما نحن به. هل ترى يا جدي؟ أخبرتك أنّ ابنتك ستكون بخير، لا مزيد من الفئران في البيت، لا مزيد من التوتر، نحن الآن بخير.
جدي، هم الآن ليسوا بحاجة لأن يتفحّصوا بطاقتي، هم يعرفون إسمي بمجرد النظر إلي: لوكاكو.