إقتصاد ومال

قوانين تشريع الضرورة حصّنت القطاع المصرفي وعزّزت الثقة بلبنان
إعداد: تريز منصور

بعاصيري: لا انهيار في الوضع المالي

 

مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب من أهم المسائل في العلاقات الدولية، خصوصًا في ظلّ تنامي ظاهرة الإرهاب على نحو غير مسبوق.
في ما يخصّه، التزم لبنان القرارات الدولية ذات الصلة، وإلى الإجراءات التي سبق اتّخاذها منذ سنوات في هذا الشأن، أقرّ مجلس النواب أربعة قوانين في الجلسة التي عقدها خلال تشرين الثاني 2015 وعرفت بجلسة تشريع الضرورة.    
النائب الثالث لحاكم مصرف لبنان الدكتور محمد البعاصيري (رئيس مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا MENAFATF سابقًا، والرئيس السابق لهيئة التحقيق الخاصة بمكافحة تبييض الأموال في مصرف لبنان)، يشرح لـ«الجيش» ماهية هذه القوانين وأهمية إقراراها.

 

 القوانين التي أُقرّت
• يواجه العالم تحدّي الإرهاب، ما هي أهمية القوانين التي أقرّها مجلس النواب في جلسة تشريع الضرورة في تشرين الثاني الفائت، لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب؟
- بدايةً لا بدّ من الإشارة إلى أنّ لبنان ساهم مع بعض الدول في إنشاء مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا MENAFATF، وهي عضو مشارك في مجموعة «غافي»  الدولية، التي تُعنى بمكافحة تبييض الأموال، وبالتالي فإنّ لبنان ممثل في «غافي» من خلال هذه المجموعة.
في العام 2000، أُدرج إسم لبنان على لائحة الدول غير المتعاونة في مجال مكافحة تبييض الأموال، لكنّه خرج من هذه اللائحة في العام 2002، بفضل وضع القانون 318 الخاص بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، والذي بموجبه، تمّ إنشاء هيئة التحقيق الخاصة بمكافحة تبييض الأموال في مصرف لبنان (2001).
ونظرًا إلى أوضاع لبنان السياسية والأمنية، تأخّر إقرار قوانين أخرى ضرورية في هذا المجال، إلى أُن أقرّت في شهر تشرين الثاني 2015. هذه القوانين أربعة، ثلاثة منها تُعنى مباشرة بموضوع مكافحة تبييض الأموال، أما القانون الرابع فمتعلّق باتفاقية الأمم المتحدة الصادرة في العام 1999.
1- القانون 44، وهو تعديل للقانون 318 الذي أضيفت إليه عدة جرائم لم يلحظها، مثل الإتجار بالبشر، التهرّب الضريبي والتعدّي على الملكية الفكرية... وقد ساهم هذا التعديل في تفعيل تعاون لبنان مع المجتمع الدولي في قضية مكافحة تمويل الإرهاب.  
2- قانون نقل الأموال عبر الحدود Cross Boarder Cash، وهو يُعنى بمراقبة حركة أموال المسافرين عبر المطارات والموانىء... ويفرض التصريح عن مصدر أي مبلغ تفوق قيمته الـ15 ألف دولار أميركي.
3- قانون تبادل المعلومات الضريبية المتعلّقة بمكافحة تبييض الأموال.
4- إتفاقية الأمم المتحدة، والتي تتعلّق بمصادر تمويل الإرهاب، وقد انضمّ لبنان إليها متبنّيًا تعريف جامعة الدول العربية للإرهاب (القيام بأي عمل عسكري ضدّ مدنيين لأغراض سياسية)».

 

بنود اتفاقية الأمم المتحدة
• المكافحة الدولية للإرهاب بدأت إثر أحداث الحادي عشر من أيلول 2001، ولكنّ اتفاقية الأمم المتحدة صدرت في العام 1999، هل بنودها تخدم روحية مكافحة الإرهاب وكيف؟
- صدرت اتفاقية الأمم المتحدة في العام 1999 لمكافحة الإرهاب الموجود في العالم منذ فجر التاريخ، ولم يكن ثمّة ما يُسمّى بـ«داعش». ومن جهتها كانت «غافي» قد وضعت قبل أحداث أيلول 2001، أربعين توصية حول مكافحة تبييض الأموال، عادت وأصدرت بعد هذه الأحداث تسع توصيات إضافة إلى التوصيات الأربعين، هدفها مكافحة تمويل الإرهاب. ومن ضمن التوصيات التسع، التزام اتفاقية الأمم المتحدة - 1999. ومع مرور الوقت، اندمجت جميع هذه التوصيات، واتفاقية الأمم المتحدة المشار إليها، في إطار قانوني لمحاربة الإرهاب.  
وأضاف: في الإطار عينه، طلبت مجموعة الدول الكبرى G20، من مجموعة «غافي» إعداد استمارة توزّع على دول العالم الـ199، لتوثيق القوانين المتعلّقة بمكافحة تمويل الإرهاب في كل منها. صدرت نتائج هذه الاستمارة الدولية في تشرين الأول 2015، وبناء عليه دُعيت بعض الدول إلى سنّ قوانين تخدم مكافحة تمويل الإرهاب، أو تعديل قوانين موجودة لديها أصلاً. وقد صدر هذا القرار، إثر تفاقم الخطر الإرهابي في العالم، والتركيز على ضرورة مكافحته ومنع تمويله.
خلال اجتماع مجموعة «غافي» في باريس (تشرين الأول 2015) وُضِعت المسوّدة السوداء التي كانت تضمّ اسم لبنان بين 22 دولة غير متعاونة. ولكن المساعي الحثيثة أخّرت صدور اللائحة لنهاية كانون الأول 2015، ما أتاح للبنان إقرار القوانين وإجراء التعديلات اللازمة، فأزيل اسمه من هذه المسوّدة.

 

خطوة مهمة
• ما هي المخاطر السياسية والأمنية والاقتصادية التي كانت ستحدق بلبنان، لو لم تقرّ القوانين المتعلّقة بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب؟

- لولا إقرار هذه القوانين وصدورها في الجريدة الرسمية، وتطبيقها من قبل المصارف اللبنانية، لكانت المشكلة المباشرة وقعت بين المصارف اللبنانية والمصارف المراسلة في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وغيرها من الدول، على اعتبار أن نسبة المخاطر في لبنان، ولا سيّما في القطاع المصرفي كبيرة جدًا، وهذا ما قد يؤدي إلى قطع العلاقات مع هذا القطاع وإيقاف التحويلات الخارجية. يضاف إلى ما سبق، تشويه سمعة لبنان في الخارج كبلد يطاله الإرهاب، ناهيك عن الظروف السياسية والاجتماعية التي يعانيها.

 

مخاطر تبييض الأموال في لبنان ضئيلة جدًا
• هل يمكن اعتبار لبنان خاليًا من تبييض الأموال ؟  

- تتمتع هيئة التحقيق الخاصة بمكافحة تبييض الأموال في لبنان بمستويين مهني وفني عاليين، يضاهيان بأهميتهما أعلى المستويات العالمية. ومن خلال التعاون الدولي القائم في مجال تبييض الأموال، تؤدي الهيئة واجبها، فهي تتحرّك فورًا وتتّخذ الاجراءات الضرورية اللازمة لدى تلقّيها أي معلومة في هذا الخصوص. وفي هذا الإطار فرضت الهيئة خلال السنتين الأخيرتين عقوبات جزائية مالية كبيرة (نحو 150 مليون دولار) على مصارف أجنبية كبيرة تعمل في لبنان، بسبب نقص في إجراءات مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب لديها.
مع ذلك، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ ظاهرة تبييض الأموال هي ظاهرة عالمية، ممّا يعني أنه أينما وجد البشر وجدت عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، لكنّ مكافحتها سارية في لبنان، كما في دول العالم، من خلال الالتزام السياسي للمسؤولين، والتشريعات الحكومية، ومشاركة جميع الجهات الرقابية المعنية من مصارف، وشرطة وجيش وأمن عام وجمارك...
ويمكن التأكيد أن نسبة المخاطر في مجال تبييض الأموال في لبنان ضئيلة نسبيًا، نظرًا إلى صغر حجم اقتصاده، بحيث لا يتجاوز دخله القومي الـخمسين مليار دولار. كما أن نسبة تبييض الأموال تقاس على نسبة حركة الركاب وحركة السياحة في أي بلد، وهي نسبيًا ضعيفة جدًا في لبنان، هذا بالإضافة إلى أن اللبنانيين في الخارج ناجحون جدًا ويحوّلون إلى بلدهم أموالاً نظيفة.
يضاف إلى ما ذكر، أنه منذ إنشاء هيئة التحقيق الخاصة بمكافحة تبييض الأموال في لبنان في العام 2001 ولغاية العام 2016، حصل «تطوّر ثقافي» جبّار في مجال مكافحة تبييض الأموال، ليس فقط على مستوى الجهات الرقابية في مصرف لبنان، بل على مستوى القطاع المصرفي أيضًا.

 

الانهيار مستبعد
• تقول دائمًا، على الرغم من الظروف السودوية التي نعيشها، أنّك جدّ متفائل بمستقبل لبنان الاقتصادي والسياسي، من أين تستمد هذا التفاؤل؟

- ما من شك أنّ وضعنا الاقتصادي صعب، والجميع يلمس هذه الحقيقة يوميًا من خلال حياتنا العملية، ومن نسبة النمو المتدنية جدًا إذا لم نقل إنها تلامس الصفر، وفق إحصاءات بعض الجهات الدولية، وذلك نتيجة غياب الاستثمارت الأجنبية وارتفاع نسبة البطالة وهجرة الشباب، وتدنّي الحركة السياحية، وأخيرًا أزمة النفايات...
أما تفاؤلي فناتج عن أن اللبناني إنسان خلاّق مبدع. واللبنانيون المنتشرون في مختلف دول العالم، يحافظون بمعظمهم على ارتباطهم ببلدهم، والذين يملكون ثروات طائلة من بينهم، قادرون على دعم الاقتصاد الوطني، باستثمار جزء منها في بلدهم.
في ما خصّ الوضع المالي، أنا أستبعد أي انهيار، وذلك بفضل الاحتياط المالي الكبير لدى مصرف لبنان، وبفضل عقلانية السياسات المصرفية والمالية الحكيمة التي يتبعها. ولكن تبقى الإشارة إلى أن مصرف لبنان جزء من هذا البلد، ممّا يعني أن هذه الأزمة يجب أن لا تطول كثيرًا، لأن المخاطر تزداد نسبتها يوميًا. وأتمنى أن يتفق السياسيون على حلّ الأزمة القائمة، كما اتفقوا جميعًا على جلسة تشريع الضرورة.