العوافي يا وطن

كالأرز، كالزيتون...
إعداد: د.الهام نصر تابت

ها هو كانون يعلن الشتاء متّكئًا إلى توقعات الخبراء ينذرون بالعواصف القاسية والفيضانات. فمناخ الأرض تغيّر كثيرًا، وهو ينحو أكثر فأكثر إلى التطرّف معلنًا أنّه آن الأوان لأن يدفع الإنسان ثمن خطاياه بحق الطبيعة. والمفارقة أنّ من يدفعون الثمن الأكبر جفافًا وجوعًا وفيضانات مدمرة تجتاح مدنهم وقراهم وتدفن أهلها في الوحول، هم الأقل اقترافًا للخطايا والأقل مسؤولية عما حصل ويحصل على كوكبنا. أما الكبار الأغنياء فإن لم يكونوا بمعزل عن تأثيرات ما اقترفته أيديهم، فهم يمتلكون من الموارد والتقنيات ما يعينهم على مواجهة الكوارث وإيجاد الحلول، حتى وإن اقتضى ذلك مزيدًا من استهلاك الوقود ومزيدًا من الدمار للبيئة.

تعقد المؤتمرات منذ عقود، تُتخذ القرارات وتُطلق التوصيات والتحذيرات، لكنّ بعضها يسقط بالضربة القاضية أمام قدرة القادرين، ويتحوّل بعضها الآخر  إلى مجرّد حبر على ورق، أما ما يتم تنفيذه فهو القليل القليل. إنّه الظلم المتوحّش يجتاح الكوكب والضمير الإنساني من دون رحمة، وتتبدى تجلياته هنا وهناك، بصورٍ فجّة، وقحة، متوحّشة. 

لم يستطع العالم أن يرفع الظلم في ما خص قضايا البيئة وتداعياتها على أبسط حقوق الإنسان، خصوصًا في المجتمعات الفقيرة وما يُعرف بالبلدان النامية، فتفاقمت المشكلات وازدادت الكوارث. وفي موازاة ذلك، تستمر صناعة الحروب بوقود المصالح من دون التفات إلى مصير عشرات الملايين من البشر.

ليس جفاف المناخ وتطرفه هو ما يهدد البشرية ويُنذرها بالكوارث، ولا هو الذكاء الاصطناعي الذي يُثير من المخاوف بقدر ما يفتح من آفاق، بل إنه جفاف الضمير وتيبّسه وتبلّده أمام الأهوال والمجازر وبحور الدماء. إنّه في انعدام العدالة الذي يؤجج نيران الحروب ويطرح أطفالًا لم يولدوا بعد في شوارع يأكلها التوحّش.

أين أنتم من كل ذلك يا جنود بلادنا المتعبة، المنهكة بأزماتها؟

كيف تقيمون وسط النيران جنوبًا؟ كيف تكافحون موجات النزوح الذي يهدد كيان وطنكم؟ كيف تواصلون تعقّب المجرمين؟ كيف تتحضّرون للشتاء القاسي؟ وكيف تنتظرون الأعياد والعام الجديد؟ هل ما زلتم على إصراركم وإيمانكم بأنّ صمودكم هو ركيزة الحفاظ على وطنكم؟

أسألكم والجواب عندي معلوم واضح لا لبس فيه:

باقون في مواقعكم، ثابتون فيها. بيتكم الواجب، وسلاحكم الالتزام والإرادة ووحدة الصف. بها تحفظون الوطن وتظلون صخرته القوية وأساسه الراسخ.

باقون على مبادئكم الوطنية والإنسانية. أوفياء لعهدكم ومؤسستكم. أوفياء للقيم والمبادئ التي نشأتم عليها. الأقدر بينكم يمدّ يد العون لمن يحتاجها من رفاق السلاح، وجميعكم لخدمة مواطنيكم متأهبون. في نفوسكم مشاعر العزة، وفي بيوتكم بركة الرضى. وفي مسلكيتكم الضمير والإيمان.

إنّكم  الخميرة الصالحة  ومثال ساطع على أنّه في هذا الزمن القاسي ما زال هناك إنسانية. رغم الأهوال تبقون في مواقعكم كالأرز شامخين، كالزيتون أسخياء مباركين.

وبانتظار العام الجديد، بانتظار ما يُنبئ بأمل ما في عالم فقد إنسانيته:

العوافي يا جيشنا

العوافي يا وطن