مبدعو من بلادي

كركلا حكاية ألف سحر وسحر
إعداد: تريز منصور

إذا أقرّ الفكر بأن «الحق والخير والجمال» هي المثل العليا التي يهدف إليها الإنسان في رحلته عبر الزمان، فإن الفن يبقى الأساس المتين الحافظ لهذه القيم، وبدونه لا يحق حق... ولا يقوم خير... ولا يفيض جمال!...
انطلاقاً من هذه المفاهيم أبدع الفنان عبد الحليم كركلا، وحلّق في عالم الفن المسرحي الراقص، وحمل اسم لبنان و«سحر الشرق» إلى عواصم العالم قاطبة، من خلال مسرح كركلا، الذي أضحى سفير ثقافة لبنان في العالم العربي، وسفير ثقافة العالم العربي في العالم.

 

سيرة مبدع

يجمع في شخصه مقوّمات الشاعر والفنان المايسترو الخلاق والحالم، والذي بقوة إرادته وخياله الواسع، يمكنه كتابة نص وسيناريو مسرحي وإخراجه واختيار الموسيقى له، وتصميم الملابس للراقصين.
أنغام منبعثة من آلة موسيقية تضعه أمام اوركسترا كاملة الآلات، تعزف أجمل السيمفونيات لعمل مسرحي راقص، يكشف عن أروع الكنوز اللبنانية والشرقية وقطعة قماش موضوعة على طاولة تغذي مخيلته في تصميم أروع الأزياء المناسبة للعمل، بألوانها الزاهية الجميلة، على أجساد الراقصين المتمايلة، الحالمة، القادمة من أمجاد الحضارة العربية إلى المستقبل المعولم، مجسّدة الهوية المسرحية الثقافية والاجتماعية.
إنه الفنان عبد الحليم كركلا، من مواليد بعلبك 8391، والده الشاعر الكبير (بالفطرة) عباس كركلا، ووالدته السيدة رمزة حمية. تزوج من السيدة حنينة منصور كركلا وله منها ولدان ايفان (مخرج) وأليسار (مصممة الرقص في المسرح).
درس الفنان عبد الحليم كركلا علوم المسرح الراقص وتاريخه في لندن وباريس بين عامي 1962 و1966، كما درس في باريس أيضاً علم الفولكلور العالمي.
قبل الفن والمسرح الراقص، سطع نجم كركلا في عالم الرياضة، حيث حاز على بطولة لبنان في لعبة القفز على «الزانا» مرات عدة، كما برز في الألعاب الرياضية الأخرى كسباق الـ100 والـ400 متر، وأيضاً في القفز العالي والطويل.
تطورت في نفسه مشاعر تحدّي الذات والارتقاء بها، وتصلّبت إرادته، لتكون الحافز وراء أول انجاز فني في حياته: تأسيس مسرح لبناني راقص «مسرح كركلا»، الذي يحمّله مسؤولية الحفاظ على الهوية التراثية اللبنانية والعربية، لا سيما وانها غنية جداً بالموسيقى والأزياء والطقوس الفولكلورية.

 

مسرح كركلا

أسّس عبد الحليم كركلا «فرقة كركلا» في العام 1968، التي ضمّت نحو 14 عضواً، وبدأ إبداعه الفني المتميز والمتكامل، يلوح في أفق لبنان والعالم العربي، مستوحياً أعماله المسرحية الراقصة من مسيرة بدوي في الصحراء، حيث الموسيقى الفطرية تنبعث من أقدام جمل أو فرس على رمال الصحراء.
الانطلاقة الأولى للفرقة كانت على أدراج معبد جوبيتير في بعلبك، والتي كانت بمثابة الانطلاقة الأولى نحو العالمية. ففي العالم 1972، شاركت الفرقة في مهرجانات أوساكا في اليابان، حيث حضر الحفل الأمير ميكازا ابن الامبراطور، الذي أراد التعرّف على التراث اللبناني. بعد ذلك، بدأت فرقة كركلا بجولاتها العالمية، إلى كافة أصقاع الأرض، حاملة الرسالة التي نذرت نفسها لها. فأبرزت وجه لبنان المشرق في الحضارة العربية وفي مسيرة المعرفة.
بين العام 1972 والعام 2002، تطورت الفرقة، وتحولت من فرقة شعبية الى مسرح راقص يضم نحو 50 راقصاً وراقصة وممثل وممثلة. وأصبحت مؤسسة مسرح كركلا التي تضم: «مركز كركلا للأبحاث التراثية»، و«مدرسة كركلا للرقص»؛ والمدرسة تدرب مجاناً 300 طالب هم من محبّي الفرقة، ولديهم مستقبل واعد فيها. كما أنها تدرب مواهب جديدة بأسعار رمزية، بهدف استمرارية الفن الراقص في لبنان.
وقد أصبحت «مؤسسة مسرح كركلا» تملك مسرحاً خاصاً بها (مسرح الايفوار)، اسوة بالفرق العالمية (أوبرا هاوس وغيرها)، لتكون بذلك أول فرقة عربية تملك مسرحاً.
حوّلت المؤسسة هذا المسرح إلى واحة فنية تتمتع بالتقنيات الفنية الحديثة كافة، كالصوت والإضاءة، والغرف الخاصة بالأزياء، وبالاستراحة العربية وغيرها...

 

محطات مشرّفة

كان لفرقة كركلا محطات مشـرّفة، أبرزها في العام 1982، حيث رعى الملك حسين ملك الأردن السابق، الجولات التي قامت بها الفرقة في أوروبا وأميركا، وتعرّف من خلالها الغرب على أعمالها الرائعة. أعمال قدّمت روح الشرق وسحره بتقنيات مسرحية متطورة.
رعاية الملك حسين لهذه الجولة كانت نتيجة تأثره بعملها «الخيم السود» الذي يتحدث عن الحياة البدوية.
بعـد جولات «فرقـة كركلا» في أوروبا وأميركا، كانت لها محـطات سنوية ثابتة في باريس وأميركا ولندن وروما، وغيرها من العواصم الثقافية في العالم.
ولقد قامت الفرقة مؤخراً برحلة ثقافية الى الصين قدّمت فيها ثلاث حفلات لمسرحية «ألف ليلة وليلة» على مسرح بكين للمعارض الذي يتسع لثلاثة آلاف مشاهد، ولاقت نجاحاً كبيراً. وللمناسبة، تم تكريمها في دار السفارة اللبنانية. كما أقامت الجمعية الانسانية الصينية للمساعدات العالمية، حفل كوكتيل خاصاً للفرقة تم خلاله توقيع فناني الفرقة على برنامج المسرحية (البروشور)، وبيعت النسخ بالمزاد العلني ليقدم ريعها كمساعدة للمنكوبين بكارثة تسونامي.

 

تزاوج الحضارات

سأل المخرج العالمي زيفيريللي ضيفه عبد الحليم كركلا في منزله في روما: «لماذا لا تستعينون بالموسيقى العالمية لمسرحكم الراقص ويكون توزيعها بآلاتكم الشرقية الساحرة؟... هناك بعض الروائع الموسيقية العالمية استوحاها الموسيقيون الكبار من هذا الشرق العظيم».
استجاب كركلا للنصيحة، وعمل على توزيع موسيقى شهرزاد، والسوق الفارسي وبوليرو رافيل على آلات شرقية بشكل جديد ومتميز.
هذا التزاوج بين عبقرية الموسيقى العالمية وبراعة الأيدي واداء الآلات الشرقية، توّج بعمل مسرحي متكامل هو «ألف ليلة وليلة»، الذي يشكل مبادرة حضارية جديدة في المسرح العالمي الراقص.
ومن نظرته إلى التكامل ما بين الإبداع والجمال وإلى الثقافة المسرحية، يسعى الفنان عبد الحليم كركلا الى المثابرة الدؤوبة على اجراء الأبحاث حول الفنون في مختلف الحضارات، وهو لذلك يحاول العيش مع جماعات متعددة ليتعرف إلى حضاراتها وفنونها وعاداتها.
لقد أقسمت فرقة كركلا منذ تأسيسها على الحفاظ على التراث، وهذا القسم بات أمانة تحملها الفرقة من منطقة إلى أخرى في لبنان، ومن بلد إلى آخر في العالم.

 

أوسمة تقدير وثقافة

حاز الفنان المبدع عبد الحليم كركلا وفرقته على أوسمة تقدير وثقافة عدة منها: وسام تقدير وثقافة من مؤسسة شكسبير الملكية، ومن رئيس الجزائر عبد العزيز بوتفليقة، ومن الرئيسين اللبنانيين الياس الهراوي والعماد اميل لحود. وحاز أيضاً على وسام التقدير من الرئيس بن علي ومن مهرجانات جرش وقرطاج.
ولا بد من الإشارة إلى أن وسام التقدير والثقافة الذي منحه رئيس الجزائر عبد العزيز بوتفليقة، جاء في إطار الاحتفالات بالذكرى الخمسين لعيد الثورة الجزائرية، حيث أعدّ الفنان عبد الحليم كركلا مسرحية «نوفمبر مسيرة الكرامة» وأشرف على إخراجها، باشتراك جميع المواهب الغنائية الجزائرية وعلى رأسهم السيدة وردة وفرقة الباليه الوطني الجزائري وفرقة المجلس الوطني للثقافة والإعلام.

 

أبرز أعمال «فرقة كركلا»

1- اليوم وبكرا ومبارح (1972).
2- غرائب عجائب وعجائب غرائب (1974).
3- الخيم السود (1977).
4- طلقة النور (1980).
5- ترويض الشرسة (1982).
6- أصداء (1985).
7- حلم ليلة شرق (1990).
8- أليسار ملكة قرطاج (1995).
9- الاندلس المجد الضائع (1997).
01- ليلة قمر (1999).
11- ألف ليـلة وليلة (2002).
ويقوم مسرح كركلا بتحضير عمل جديد سوف يعرض في صيف 2005.