غياب

كميل منسّى طوى سفر مسيرته ومضى
إعداد: طوى سِفر مسيرته ومضى
جان دارك أبي ياغي

«لقد أعطتني مهنة الإعلام لذَّة جميع المهن التي حلمت بها منذ صغري إلى أن دخلت الجامعة. حلمتُ بأن أكون بوليس سير ثمَّ طيَّارًا ثمَّ محاميًا وأخيرًا سفيرًا. استفقتُ من الحلم صحافيًا يجمع مبادئ هذه المهن بحلاوتها وشقائها. ولستُ نادمًا على خياري».

بهذه الكلمات عرَّف عن نفسه في كتاب* صدر تكريمًا لكوكبة من رسل الصحافة، في يوبيلهم الذهبي. أما الكتابة عنه وعن سيرته فأمر ليس باليسير، فالراحل هو كميل منسى، اسم يحتل حيّزًا واسعًا في ذاكرة الصحافة اللبنانية.

 

نشأته وبداياته
من تلفزيون لبنان، بدأ كميل منسى، ابن صور حيث وُلِدَ في الثامن عشر من شباط 1936، مسيرته. كان أحد أبرز الوجوه الإعلامية التي كانت تطلّ عبر هذه الشاشة التي فتحت له أبواب الشهرة والنجاح، هو الذي لم يكن خريج إعلام بل أغوته رسالته، فاقتحم ميدانه من عرين المحاماة.
بداياته المهنية كانت سلسلة من التحديات وفَيضًا من التطلعات حلّقت به حتى خارج الإعلام التقليدي، ليصبح واحدًا من أكثر الصحافيين تأثيرًا في لبنان والعالم العربي.
تولّى مديرية الأخبار والبرامج السياسية في تلفزيون لبنان من العام 1960 حتى العام 1971، فكان مذيعًا مميّزًا بل «ساطع الحضور بسرعة خاطره، وقدرته على المبادرة في اللحظات الأكثر حرجًا» (وفق ما جاء في نعي نقابة المحررين له). ارتبط اسمه بالعديد من الأخبار المهمة والتحوّلات التي شهدها العالم. من الساعات الحرجة التي رافقت أزمة الصواريخ الكوبية في العام 1962، إلى خبر اغتيال الرئيس الأميركي الأسبق جون كينيدي في 22 تشرين الثاني 1963، وتفاصيل أول هبوط للإنسان على سطح القمر ضمن مهمة مركبة «أبولو 11» في 19 تموز من العام 1969، ووفاة الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر في أيلول 1970.

 

إسهاماته وتأثيره
برع كميل منسى في المجالات الإعلامية المختلفة، ولمع اسمه في الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية. فإلى جانب عمله كمذيع ومقدّم برامج، كان كاتبًا من الطراز الرفيع، وصوتًا مهمًا ومؤثرًا في المشهد الإعلامي والسياسي إن في لبنان أو في المنطقة بشكل عام. نشاطه لم يقتصر على الساحة المحلية إذ عمل مراسلًا للراديو والتلفزيون الفرنسي في الشرق الأوسط من العام 1960 إلى العام 1964، ومراسلًا لإذاعة مونتي كارلو، وشبكة التلفزيون الأميركية ABC، وللكثير من الصحف الأجنبية.
أسهم في تطوير مجال الإعلانات من خلال إدارته لشبكة «ميديا برس» وتولّيه رئاسة المنظمة الدولية للإعلان - فرع بيروت ما بين العامين 1980-1983. كما أثرى الحياة الأكاديمية من خلال تدريسه لسنوات في كليّتَي الإعلام وإدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية. وكان له دور بارز في دار صحيفة «لوريان لو جور» للنشر كرئيس مجلس إدارة ومدير عام على مدى 22 سنة منذ العام 1981، كما كان المدير الإداري للصحيفة نفسها ما بين العامين 1973 و2003.
أسّس قسم الأخبار في تلفزيون MTV، حيث تولَّى فيه رئاسة التحرير وقدّم أول نشرة إخبارية في 31 آذار العام 1995. واستمر في منصبه خمس سنوات.
كان نجم الصالونات الثقافية والأدبية لسعة ثقافته، وعلاقاته المتشعِّبة وللباقة حديثه. هو «مهندس إعلام الوفاق والتوفيق» وفق ما وصفه وزير الشباب والرياضة جورج كلاس في نَعْيِه له، وداعية من دعاة ثقافة السلام.
توفي الإعلامي كميل منسى عن عمر ناهز الـ 88 عامًا، وقد أسهم في مرحلة ذهبية من العمل الإعلامي والصحافة الحرة والنزيهة، دأب حتى آخر نفس من حياته على العمل لتبقى صحافة لبنان موئلًا للدفاع عن الحقوق والحريات. وستبقى مسيرته الاحترافية وإسهاماته القيّمة محفورة في ذاكرة الصحافة اللبنانية والعربية والعالمية لسنين مديدة.
”برع كميل منسّى في المجالات الإعلامية المختلفة، ولمع اسمه في الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية. فإلى جانب عمله كمذيع ومقدّم برامج، كان كاتبًا من الطراز الرفيع، وصوتًا مهمًا ومؤثرًا في المشهد الإعلامي والسياسي.“
*«رسل الصحافة في يوبيلهم الذهبي»، منشورات جامعة الآداب والعلوم والتكنولوجيا في لبنان (AUL, 2018).