تربية وطفولة

كيف تتطوّر ذاكرة طفلك؟
إعداد: ماري الأشقر
اختصاصية في علم النفس

منذ اليوم الأول الذي يبصر فيه طفلك النور يستطيع أن يميّز صوتك ورائحتك. وبعد يومين أو أكثر يستطيع أن يميّز وجهك. مع ذلك فهو سوف ينساكِ على الفور إذا تركته في هذه المرحلة. لكن، ما أن يبلغ عامه الثاني حتى تكون الأمور مختلفة، إذ تكون ذاكرة صغيرك أقرب إلى ذاكرتك...
إذن للطفل ذاكرة... وذاكرة تتطور تدريجيًا...كيف؟

 

الحنين إلى الفردوس المفقود
يتألف عالمنا من الماضي والحاضر والمستقبل، لكن كل ما يفكر فيه طفلك هو ما يسمعه ويحسّه ويشمه ويراه في كل لحظة. ويقول العديد من الخبراء إن الأطفال حديثي الولادة يشعرون بالراحة عند سماعهم الأصوات الشبيهة بصوت الرحم. ومن شأن صوت محرك السيارة أو المكنسة الكهربائية أن يشجّع الصغار على النوم، تمامًا كما تفعل نبضات القلب، تلك النبضات التي كانوا يسمعونها وهم في رحم الأم، فردوسهم المفقود. إلى ذلك فإن، الأطفال يحبون عمومًا الأصوات الإيقاعية والمتواترة.
 

• الأسابيع الستة الأولى:
في الأسابيع الأولى، لن يفتقدك طفلك حين تتركينه لفترة وجيزة. أنت مألوفة بالنسبة إليه، لكن إذا خرجت من الغرفة ثم عدت ثانية تصبحين شخصًا مألوفًا جديدًا، ولن يتمكن من إدراك أنك الأم ذاتها التي تأتي وتذهب كل مرة، إلّا عند بلوغه الشهر الخامس أو السادس.
 

• بين الأسبوع السابع والشهر السادس:
بحلول الأسبوع السابع تقريبًا، يبدأ الأطفال في ملاحظة التغيير كما يبدأون في تمييز الكلمات بما في ذلك أسماؤهم، رغم أن ذاكرتهم لا تزال ضعيفة. وبين الأسبوعين السادس والثامن يستطيع الطفل أيضًا أن يتعلّم مهمة بسيطة ويتذكّرها. فقد أظهرت الأبحاث في علم نفس النموّ، أنه إذا ربطت مثلًا دمية صغيرة بطرف ساق الطفل، ووصلتِ  الطرف الآخر من الدمية بجسم متحرك، فسوف يرفس بساقه لجعل الجسم يتحرك. ولكنه لن يتذكر هذه الحيلة سوى بضع ساعات، إلّا إذا شاهد الجسم المتحرك على نحو منتظم.
وعمومًا، يمكن لذاكرة طفل في الأسبوع الثامن من العمر أن تمتد فقط ليومين أو ثلاثة. فإذا غيّرت شكل الجسم المتحرك أو أضفت إليه أشياء أخرى، كدمى ملونة مثلًا، فسوف ينساه تمامًا. إذًا لكي يتذكر ما تعلّمه، يجب أن تظلّ الأشياء كما هي عليه بالضبط. مع حلول الأسبوع الثاني عشر، يستطيع الطفل أن يتذكّر المهمات التي تعلّمها، من ستة إلى ثمانية أيام، وبحلول الأسبوع السادس والعشرين، يستطيع الأطفال أن يتذكروا أشياء لفترة تمتد من 15 إلى 16 يومًا.
 

• من الشهر السادس إلى الثامن:
 في هذه السّن، يعتمد طفلك على التلميحات لمساعدته على التذكّر، إذ يشعر بالإثارة حين يسمع صوت الماء في الحمّام، كما يبحث عنك حين يسمع صوتك، ويدرك أنه لا توجد واحدة أخرى مثلك. على أي حال، فإن الشيء المثير الذي يحدث في هذه الفترة، هو الزيادة التدريجية في حجم ذاكرة الطفل. ورغم أنه لا يزال من السهل إلهاؤه، إلا أنه يستطيع في الشهر السادس أن يزيح نظره بعيدًا لفترة، دون أن ينسى ما الذي كان يفعله، وهو يبدأ بالحدس، حيث ستلاحظين عند إطعامه أن فمه يفتح قبل أن تصل الملعقة إليه. كما قد يلقي بدمية من المهد ويراقبها تسقط على الأرض. لكنه إذا لم يرَ على الفور أين ذهبت فسوف يفقد اهتمامه بها.
 

• من الشهر الثامن إلى الثاني عشر:
تشكّل هذه الشهور الأربعة قفزة هائلة في إنجازات الطفل، إذ يزداد حجم ذاكرته، ويستطيع أن يتنقل بين المهمات. في الشهر الخامس، يكون هناك شيئان فقط يستطيع أن يفعلهما باللعبة، عضّها أو ضربها. أما الآن فهو لا يقوم بضرب اللعبة وعضّها واحتضانها ورميها فحسب، وإنما يختار الفعل المناسب لكل دمية. ويبدأ الطفل في هذه السّن في التخطيط، إذ يبحث بعينيه ويزحف على الأرض للوصول إلى الدمية التي يريد، وهو يستطيع أيضًا أن يتذكّر أشياء لا يراها في الحقيقة. كما يكرر الأفعال للحصول على استجابة، كأن يرفع ذراعيه مثلًا لتحمله أمه. ويقوم أيضًا بالبحث عن أشياء أسقطها، ويبحث عن الأشياء في الأماكن التي وجدها فيها من قبل. وقد يبدو أنه يتذكّر حدثًا وقع في الماضي. فعلى سبيل المثال قد يبدو عصبيًا في الحديقة إذا كان قد تعرّض لأمر مزعج آخر مرة كان فيها هناك.
 

• من الشهر الثاني عشر إلى الثامن عشر:
في هذه المرحلة تكون أكبر التغيّرات بشأن ذاكرة رضيعك قد حدثت. لقد أصبحت كل أنظمة الذاكرة لديه في مكانها، وأضحت أكثر كفاءة وفاعلية. فهو يستطيع الآن التنقل بين الأفكار والمهمات المختلفة. على أن ذاكرة الرضيع لا تمتد لفترة زمنية طويلة، لذا قد ينسى الصغير بعد العشاء مثلًا اللعبة التي كان يلعبها في وقت سابق. في هذه السّن، يختار طفلك الدمى والألعاب التي يريد أن يلعبها، كما يغدو ما يفعله بالدمية صحيحًا وملائمًا أكثر. وإذا وقعت يده مثلًا على وعاء صغير، فسوف يعمد إلى التحريك كما لو أنه يستخدم ملعقة، وسنراه يحاول إدخال المجسمات الهندسية المختلفة في الفتحات والتجاويف المناسبة. كذلك، يستطيع الطفل في هذه المرحلة أن يتوقع وجود صلة بين أفعال معينة، لذا قد يُحضر حذاءه إذا عرف أنه على وشك الخروج.
 

• من الشهر الثامن عشر إلى العام الثاني:
يستطيع الطفل في عامه الثاني أن يتذكر أحداثًا معقدة وقعت في الماضي، مثلًا كأن يتذكّر أنه ترك دميته المفضلة في الحمّام، أو تناول الـ«آيس كريم» يوم أمس. لكنه لا يستطيع أن يتذكر ترتيب الأحداث، على سبيل المثال، لا يستطيع صغيرك أن يتذكّر ما إذا كان والده جاء إلى البيت قبل مشاهدته التلفزيون أو بعدها. كما أن هذه الفئة العمرية لا تستطيع استخدام استراتيجيات تساعد في التذكر. فلو طُلب من الصغير أن يتذكر أي صندوق يحتوي على الحلوى المخبأة، فإنه سيركز عينيه على الصندوق الذي رآك تخفين الحلوى فيه إذا كان قد بلغ الثلاثة أعوام، أما الطفل ذو العامين فلن يفعل ذلك.