- En
- Fr
- عربي
قضايا ساخنة
الهواء والماء والتربة نحو واقعٍ أكثر ترديًا
باتت المشكلة البيئية في طليعة المشاكل التي يواجهها لبنان، فالتراخي في اتخاذ التدابير الضرورية أدى إلى تدهور بيئي على مختلف المستويات. وعلى الرغم من أن لبنان سعى إلى حماية بيئته منذ أوائل التسعينيات عبر عدة خطوات، إلا أن التدابير الجدية التي توقف التدهور البيئي ما زالت بعيدة المنال. ومن بين التهديدات البيئية في لبنان: الاحتباس الحراري، تغيّر المناخ، تلوّث المياه، تلوّث الهواء، مشكلة النفايات، التلوّث الصناعي، الجفاف والتصحّر...
لبنان والتغيّرات المناخية
تُظهر المؤشرات الرئيسة لتغيّر المناخ في لبنان وجود تهديد كبير. وتتضمن آثار هذا التغيّر زيادة في حرائق الغابات، وتناقص الناتج الزراعي مما يهدّد بحصول تصحّر كامل خلال السنوات المقبلة، وفقدان الغطاء الثلجي لبعض الجبال نتيجة الاحترار العالمي من جهة، والارتفاع المطَّرد في درجات الحرارة من جهة أخرى. وتغيّر المناخ مع ما يُصاحبه من عواصف وجفاف، سيؤدي إلى زيادة في الأوبئة والحشرات وحرائق الغابات التي هي في ازدياد مستمر عامًا بعد عام إلى درجة أن معظم غابات لبنان سوف تختفي وتحلّ مكانها أراضٍ عشبية.
الاحتباس الحراري
تشير الدراسات إلى أن انبعاث الغازات، وخصوصًا غاز ثاني أوكسيد الكربون الناجم عن احتراق الغاز الطبيعي والفحم والنفط، أي ما يسمّى بالوقود الأحفوري، هو السبب الرئيس لارتفاع درجة حرارة الأرض، وما ينجم عن ذلك من كوارث طبيعية كالجفاف والحرائق والفيضانات والانهيارات الأرضية واندثار الغابات وارتفاع مستوى مياه البحار. وتشير التقارير إلى أن حصة منطقة حوض المتوسط من التغيُّرات المناخية تتمثَّل في حدوث موجات حرارية ستساهم في تحويل مناخ هذه المنطقة إلى صحراوي جاف مع حلول العام 2025. وتظهر مؤشرات ذلك من خلال الإحصائيات الرسمية التي تبيّن أن لبنان يشهد منذ العام 1993 تدنيًا في معدّل المتساقطات المائية وارتفاعًا في درجات الحرارة وجفافًا.
كما تشير تقارير منظمة «الفاو» إلى انخفاض مستوى المياه الجوفية في لبنان وجفاف العديد من الينابيع والمساحات الرطبة، كما وأن الانهار وأهمها نهر الليطاني قد دخلت مرحلة الجفاف. ويخلص التقرير إلى أن الزراعة هي الأكثر تضررًا من التغيُّرات المناخية، مما سيؤدي إلى اختفاء معظم الزراعات الموسمية التي تحتاج إلى كمية عالية من مياه الريّ وإلى اختفاء بعض أصناف الأشجار المثمرة ذات الاحتياجات العالية من البرودة، بالإضافة إلى ازدياد عدد أجيال الحشرات خلال العام الواحد إلى درجة تصبح مكافحتها أمرًا مستعصيًا.
تلوّث الهواء
يشكّل قطاع «النقل» في لبنان المصدر الأول من مصادر تلوّث هوائه الناتج بشكل أساسي عن الانبعاثات التي تسبِّبها السيارات وقد وصل عددها إلى حوالى 1.3 مليون سيارة خاصة، في حين يُقدّر عدد السكان بنحو 4 ملايين شخص، ما يعني وجود سيارة واحدة لكل ثلاثة أشخاص. يضاف إلى ذلك محطات توليد الطاقة التي تستعمل أسوأ أنواع الوقود، والمولِّدات المنتشرة في الأحياء التي تزيد من نسبة تلوّث الهواء. أما قطاع الصناعة، فيحتلُّ المرتبة الثالثة في تلوّث الهواء، والحارقات المنزلية المرتبة الرابعة، وبعدها ورش البناء، والغبار الناتج عن الكسارات والمقالع إضافة إلى الحرائق في الأحراج والغابات والانبعاثات التي تصدر عن مكبَّات النفايات.
وقد أظهرت الدراسات أخيرًا، أن تلوّث الهواء في لبنان تخطّى المعدَّلات السنوية، مسجلاً منذ العام 1993 ارتفاعًا ملحوظًا وصل هذا العام إلى ثلاثة أضعاف النسبة المقبولة التي حدّدتها منظمة الصحة العالمية. كما أظهرت الدراسات وجود نسب مرتفعة جدًا من ثاني أوكسيد النيتروجين والمواد الجزيئية التي تعرف بتأثيرها السلبي الكبير على الصحة، وتعتبر زحمة السير المسبب الأول لارتفاع نسبة التلوّث في الهواء.
تراجع الغابات والزراعة
انخفضت الغابات إلى نحو 7 في المئة من مساحة لبنان بعدما كانت قبل 25 سنة تغطي 20 في المئة منه، وذلك بسبب التنمية العشوائية والحرائق وقطع الغابات والمقالع. وقد قضت الحرائق بين العامين 2007 و2008 فقط على أكثر من خمسة ملايين شجرة، أي أكثر من خمسة أضعاف ما تم تحريجه خلال السنوات العشرين الماضية. وأدَّى ضعف التنمية الريفية، والجفاف بسبب هدر المياه، إلى إهمال نحو 40 في المئة من الأراضي اللبنانية الصالحة للزراعة، فانجرفت التربة وأصبحت الأرض صحراء قاحلة. وأكد هذا الواقع تقرير «الخطة الوطنية لمكافحة التصحر» الذي صدر في حزيران 2003، حين أشار إلى أن 60 في المئة من الأراضي اللبنانية معرَّضة لخطر التصحُّر بدرجة مرتفعة. وقد أدّى الاستخدام الكثيف للأسمدة والمبيدات الكيماوية بلا قيود جدية، وبمعدل يتخطى ضعفي المستويات المقبولة، إلى تلويث التربة والمياه واختلال التوازن الطبيعي والتسبب بأمراض عديدة.
النفايات
ينتج لبنان نحو 1.5 مليون طن من النفايات الصلبة سنويًا، ينتهي 40 في المئة منها في مكبات عشوائية، و50 في المئة في مطامر، بينما لا يتم تدوير أكثر من 10 في المئة. ومع أن خدمات جمع النفايات شهدت تطوّرًا ملموسًا خلال السنوات العشر الأخيرة، وازدادت نسبة التدوير، إلاّ أنّ خيار الطمر ما يزال هو المعتمد بشكل أساسي، مع ما يسبّبه ذلك من تلوُّث في الهواء والتربة بشكل واضح.
تلوّث المياه
يواجه لبنان عددًا من التهديدات البيئية التي تشمل تلوث المياه والمخاطر المرتبطة بتغيّر المناخ بالإضافة إلى آثار مخلَّفات حرب تموز العام 2006. ومع احتمال الشروع في عمليات استكشاف النفط والغاز في البحر، تحذّر منظمة «السلام الأخضر» من تعريض المياه الساحلية اللبنانية لمخاطر شديدة قد تسببها حوادث تسرب نفط عارضة.
تلوّث الشاطىء
يُعدّ الشاطئ اللبناني من أكبر ضحايا التلوّث، فآلاف الأطنان من النفايات والملوّثات الصناعية تُقذف سنويًا في مياه البحر. وتُشكل المخلَّفات السائلة مصدرًا أساسيًا من مصادر تلوُّث مياه الشاطئ اللبناني، إذ غالبًا ما تُرمى في البحر من دون أي معالجة مسبقة، وهي تشمل: مياه المجاري والمياه المستعملة في المصانع ومياه الأمطار. وقد أدَّى رمي هذه المخلفات على هذا النسق، إلى تلويث مياه البحر وزيادة واضحة في كمية المواد العضوية الحية والبكتيريا في المناطق القريبة من مخارج المجاري، مع ما يترتَّب على ذلك من زيادة في تفشي الأمراض، والتأثير السلبي على الحياة النباتية والحيوانية البحرية، بالإضافة إلى الإضرار بالمناطق السياحية.
من جهة أخرى، تحتلّ المشاريع الصناعية والسياحية والتجارية الخاصة 56 كيلومترًا من الشاطئ اللبناني، أي 23 في المئة منه. وتملأ النفايات معظم الجزء المتبقي، حيث يصل إلى البحر يوميًا نحو ألف طن منها عبر مكبَّات الشواطئ أو الأنهار والسواقي. ويصب في البحر كل يوم نصف مليون متر مكعب من المياه المبتذلة، بعدما تأخر إنهاء مشاريع محطات المعالجة بسبب خلافات سابقة على الاستملاكات.
ولطالما كان الساحل اللبناني عرضة لمخالفات المصانع المنتشرة، وللصيد البحري العشوائي، غير أن المشكلة الكبرى تمثلت في النفط المتسرّب بسبب عدوان تموز 2006، والذي قدّرت كميّته بنحو 30 ألف طن أو أقل بقليل - تسرّبت من مستودعات معمل الجية التي قصفت خلال العدوان. فالبقع النفطية غطّت 160 كيلومترًا من الشاطئ شمال الجية، إضافة إلى المادة النفطية التي تسرّبت إلى البحر بواسطة البوارج الإسرائيلية وشكّلت بحيرات نفطية مساحتها عشرات الكيلومترات المربعة، ووصلت كثافتها إلى ما يزيد عن 40 سم. كما تمّ اكتشاف كميات هائلة من الفيول في قاع البحر مقابل الجية.
مشكلة المياه
على الرغم من أن لبنان يشهد معدلاً مرتفعًا نسبيًا لتساقط الأمطار، إلاّ أنّه من المتوقع أن يعاني عجزًا مائيًا بحلول العام 2015 بغض النظر عن التغيرات المناخية، وذلك بسبب النمو السكاني وسوء الإدارة. ووفق خبراء، فقد تقلّص عدد الأيام الممطرة من 80 - 90 يومًا في السنة في المتوسط قبل 20 عامًا إلى 70 يومًا في السنة فقط، مقابل ارتفاع شدّة هطول الأمطار ما يعني تسرب نسبة أقل منها إلى التربة وجريان النسبة الأكبر على الأرض، وهو ما يتسبَّب في انجراف التربة وحدوث انهيارات أرضية وفيضانات بالإضافة إلى التصحر في نهاية المطاف. وسيضر انخفاض سقوط الثلوج بإعادة تغذية المياه الجوفية والأنهار. ويعني ذوبان الثلوج قبل الأوان في الربيع قلة المياه المتوافرة في الصيف والتي يحتاج إليها المزارعون للريّ.
توفِّر الثلوج 35 في المئة من احتياجات لبنان من المياه، ومع ارتفاع درجات الحرارة، من المتوقع أن يتقلَّص تساقط الثلوج وأن يرتفع خط الثلج الدائم، وفق مسوحات المركز الإقليمي للمياه والبيئة التابع لجامعة القديس يوسف في بيروت.
هدر المياه
في حين يعاني اللبنانيون نقصًا في كمية المياه المتوافرة للاستعمال وتدهورًا في نوعيتها، بسبب سوء إدارة الموارد المائية، يتم هدر أكثر من نصف الـ2600 مليون متر مكعب من المياه السطحية والجوفية التي يمكن استغلالها. ناهيك من تلويث المياه العذبة بمجاري المياه المبتذلة، وآبار التصريف التي تحفرها البيوت والمؤسسات والمستشفيات أيضًا، فتختلط مياه المجارير بمياه الشرب. وما لم يتم اعتماد خطة سريعة للحفاظ على موارد المياه وتطويرها، سيصل لبنان العام 2025 إلى حافة ما تصنِّفه الأمم المتحدة بـ «ندرة المياه الحادّة»، وهو لن يستطيع الدفاع عن حقه في ثروته المائية ما زال معظمها يذهب هدرًا في البحر.