عالم اليوم

لتعزيز الشفافية والقضاء على الفساد الحكومة الرقمية ليست خيارًا بل ضرورة
إعداد: د. تراز منصور

باتت الحكومة الإلكترونية أو ما يُسمّى بالـ E-Government من الأولويات في عالم اليوم. فهي تُتيح انتقال الأعمال الإدارية من اليدوي إلى الرقمي ومكننة جميع المؤسسات الحكومية، مع ما يعنيه ذلك من مواكبة لمتطلبات العصر وتسهيل لشؤون الناس، فضلًا عن مراعاة الشفافية ومكافحة الفساد…

وُضِعت أول خطة للتحوّل الرقمي في لبنان تحت اسم «استراتيجية الحكومة الإلكترونية» في العام 2008 خلال تولّي الوزير جان أوغاسابيان وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية. ثمّ طوّرت الوزيرة عناية عز الدين خلال تولّيها الوزارة هذه الاستراتيجية في العام 2018 ليصبح اسمها «استراتيجية التحول الرقمي للحكومة» ولكن العمل بتطبيقها لم يبدأ لعدّة أسباب. واليوم عاد الحديث عن تطبيقها في ظلّ الحاجة إلى الإصلاح على مستويات مختلفة.

 

القضاء على الفساد أولوية
تكمن أهمية الحكومة الإلكترونية E-Government في إعادة بناء الدولة والإدارة الرشيدة والحديثة، المُنتجة والفعّالة. ومن أهم أولوياتها إعادة الهيكلة الداخلية، لأنّها مثالية لمكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية، وتوفير المراقبة الدقيقة في كل المعاملات، وهي تُظهر مسؤولية الجميع في الصواب أو الخطأ، بواسطة الأدوات الإلكترونية. إضافة إلى تسريع المعاملات وتسهيلها، يؤدي اعتماد الحكومة الإلكترونية إلى التركيز على الإنتاجية والكفاءة، وهي تستخدم الذكاء الاصطناعي لشراء الوقت وتحسين الإنماء وجذب الاستثمارات، فالوقت أصبح اليوم استثمارًا، والخدمة الجيدة والشفافة هي «طُعم» للمستثمر. وهذا يظهر جليًّا من خلال تطوير الدول العظمى والنامية لاستثماراتها بفضل الحكومات الإلكترونية، التي جذبت المزيد من المستثمرين والرياديّين والمبتكرين…
كانت الحكومة الإلكترونية في السابق، خيارًا أو رفاهية، لكنّها أصبحت اليوم مطلبًا أساسيًا وحاجة مُلحّة وضرورية للبلدان النامية أو التي تطمح إلى الإنماء ومواكبة المتغيّرات الدولية. وبالتالي باتت الحكومة الإلكترونية من أهمّ متطلّبات الدول المانحة، وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وسائر الأطراف التي يمكن أن تدعم لبنان لينهض من أزماته.

 

”استراتيجية التحول الرقمي للحكومة“
وضعت وزارة التنمية الإدارية مشروع «تسريع التحول الرقمي للحكومة»، وقد تضمن استراتيجيات، ومعايير ومبادئ توجيهية. ويعتبر هذا المشروع إطارًا للعمل البيني للحكومة اللبنانية، وهو يعمل على: المراسيم والقوانين، مشاريع مكننة السجلّ التجاري والمحاكم والمعاملات في وزارة الاقتصاد والتجارة، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، رقمنة حقوق الملكية الفكرية، ترميم وثائق المديرية العامة للأحوال الشخصية وإخضاعها لتقنية المايكروغرافيكس، تعيينات الوظائف العليا، الدعم التقني لتبسيط الإجراءات في بعض الوزارات، ودعم الإدارة العامة. كما يشمل المشروع التدريب في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتوظيف البيانات في دعم القرار، والتمكين الرقمي، وإنشاء منصّة مركزية موحّدة بين الإدارات لتكون منطلقًا لتقديم الخدمات الحكومية.

 

الشراكة بين القطاعين العام والخاص
منذ اللحظة الأولى لإعلان الحكومة عن نيّتها تطبيق «الحكومة الإلكترونية» تلقّفت الشركات التكنولوجية في لبنان الموضوع باهتمام كبير، وبدأت بتقديم العروض لمساعدة الوزارات والبحث حول آلية الانتقال إلى التحوّل الرقمي.
وفي هذا الإطار، أوضح مؤسّس ومدير شركة Silkon Cedars السيد بول طوق أنّ انطلاق الحكومة الرقمية في لبنان اليوم مهم جدًا وهو واجبٌ حتميٌّ لا رجوع عنه، وفرصة كبيرة، لأنّه ينطلق من الصفر ويجهّز الحكومة بأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا.
وفي السياق، أعلن طوق عن توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة المهجرين والذكاء الاصطناعي وجمعية Lebanese Private Sector Network LPSN، وهي جمعية لا تبغي الربح، وأشار إلى انطلاق العمل لوضع ملامح خطة وأسس الحكومة الرقمية في الوزارة لمدة أقصاها ستة أشهر، مؤكدًا إمكان العمل بالحكومة الرقمية رغم الضعف في شبكة الإنترنت إضافة إلى مشاكل أخرى.
وأضاف: من حق المواطن اللبناني أن يعيش في كنف حكومة رقمية تؤمن له كامل حقوقه وتُسهم في تسيير معاملاته في الوزارات والمؤسسات العامة، وتحميه من المرتشين والسماسرة.
وعن الشراكة بين القطاعين العام والخاص وفق مبدأ PPP – Public Private Partnership، أوضح طوق رغبة القطاع الخاص بدعم القطاع العام من وزارات ومؤسسات من دون أي مقابل، لافتًا إلى ضرورة الاستفادة من الشباب اللبناني المبدع، وبالتالي لا حاجة إلى شركات تكنولوجية أجنبية.
ولفت طوق إلى أنّ مشكلة الشغور في القطاع العام، وانعدام التمويل يعيقان الانطلاقة السريعة لتطبيق الحكومة الرقمية، مشيرًا إلى أنّ تطبيقها يحتاج إلى قانون يصدر عن المجلس النيابي.
ويبقى حلم القضاء على الفساد قيام الحكومة الإلكترونية في لبنان، كما أنّه حلم كل لبناني، فعسى أن يصبح حقيقة.

 

نماذج من العالم
في ما يأتي نماذج حول الحكومة الإلكترونية في عدد من البلدان:

 

الولايات المتحدة الأميركية
تحدّد الخطة الاستراتيجية للحكومة الإلكترونية الأميركية رؤيتها وأهدافها وغاياتها في مختلف المجالات، كالنمو الاقتصادي، والأمن القومي، والرعاية الصحية والاستدامة البيئية. وتتميّز الحكومة الإلكترونية الأميركية بعدة خصائص رئيسية، أهمها: توفير الخدمات والمعلومات للمواطنين عبر الإنترنت، تعزيز الشفافية والمساءلة من خلال البيانات المفتوحة، زيادة كفاءة العمليات الحكومية، تسهيل التفاعل بين الحكومة والمواطنين، توفير الوقت والمال، تفعيل خدمات إدارة الضمان الاجتماعي، إدارة الهجرة والجمارك وإدارة التعليم…

 

المملكة المتحدة
تركّز استراتيجية الخدمات الرقمية لحكومة المملكة المتحدة (GDS) على تحويل الخدمات الرقمية لجعلها أبسط وأوضح وأسرع للمواطنين والشركات. كما تركّز على التصميم الذي يستهدف المُستخدم بالدرجة الأولى. وتحرص على اتخاذ القرارات المستندة إلى البيانات، وأساليب التسليم الرشيقة لتحسين تقديم الخدمات عبر الوكالات الحكومية. تتضمن استراتيجية GDS مبادرات مثل موقع GOV.UK الإلكتروني، ومنصة الهوية الرقمية، وسياسة السحابة أولًا…

 

سنغافورة
تهدف مبادرة «الأمة الذكية» في سنغافورة إلى تسخير التقنيات والبيانات الرقمية لتحسين جودة الحياة للمواطنين، تعزيز القدرة التنافسية الاقتصادية، خلق بيئة حضارية أكثر كفاءة واستدامة. وهي تشمل ركائز استراتيجية مثل الحكومة الرقمية، الاقتصاد الرقمي، المجتمع الرقمي والبنية التحتية الرقمية، مع مبادرات تشمل مجالات مثل خدمات الحكومة الإلكترونية، الابتكار الرقمي والبنية التحتية للاتصال.

 

إستونيا
تحدد استراتيجية إستونيا الإلكترونية رؤيتها لتصبح مجتمعًا رقميًا رائدًا، حيث يمكن للمواطنين الوصول إلى الخدمات الحكومية عبر الإنترنت بشكل آمن ومريح. وهي تشمل مبادرات مثل برنامج الإقامة الإلكترونية، نظام الهوية الرقمية (بطاقة الهوية)، الخدمات الحكومية الرقمية (مثل الضرائب الإلكترونية، التصويت الإلكتروني والصحة الإلكترونية). تركّز الاستراتيجية على الاستفادة من التقنيات الرقمية لتعزيز الشفافية والكفاءة وإشراك المواطنين في الحوكمة…

 

أستراليا
تركّز استراتيجية الوكالة الأسترالية للتحوّل الرقمي (DTA) على تحويل الخدمات الحكومية لتكون أبسط وأوضح وأسرع للمواطنين والشركات. كما تحرص على التصميم الذي يركز على المستخدم، والمبادئ الرقمية الافتراضية، وأساليب التسليم الرشيقة لتحسين تقديم الخدمات عبر الوكالات الحكومية. تتضمن الاستراتيجية مبادرات مثل السوق الرقمية، ومنصة myGov، ونظام الهوية الرقمية GovPass…