تأملات

لعـنــة الحرب
إعداد: العقيد الركن حسن جوني

هي الحرب التي ما حلّت يومًا على شعبٍ الا وسلبته هناءَه وسعادته وتركته منكوبًا ولو منتصرًا، يئنُّ من جراحات عميقة جدًا ومؤلمة جدًا، يحتاج الى سنينٍ طوال وأجيال جديدة كي يلتقط انفاسه بعدها لينطلق من جديد ولكن متأخرًا حتمًا عن شعوبِ الأرض الأخرى التي لم تصبها لعنة الحرب.
هي الحرب ايها الذين لم تعيشوها يومًا ولم تعرفوها، فتستسهلون التعاطي معها والتهديد بها عند كل مفترق، وتتناولونها ببساطة غبية كأنها مجرد عاصفةٍ ثلجية تفرض تقييدًا معينًا إلى أن تعود الشمس فتعيدُ صفاء الطبيعة وتذيب الثلج إلى مجاري المياه، فتعود الحدائق إلى رونقها والطيور إلى تغريدها والحياة إلى طبيعتها.
كلا، الأمر ليس كذلك البتَّة، إنها الحرب المجنونة، حيث يتحكم الشَّر بمختلف مفاصل الحياة بعد أن يسجن الخير في كهفٍ بعيد، وحيث تتفلت الشياطين من عقالها وتسرح وتمرح في أرجاء الوطن الجريح، تمتص دمه ودماء بنيه، وتدوس بأقدامها قيمَ المجتمع والوطن والدين وتستبدلها بشريعة الغاب حيث يبكي ألف بريء من الألم والعذاب ليسعَدَ شيطان واحد...
هي الحرب أيها الذين لم تعشوها يومًا، وتجهلون مفاعيلها المؤلمة، حيث تزهق ارواح الأبرياء باسم وصايا الأنبياء، ويغصُّ بأصوات الإستغاثة أفق السماء، وتخضَّب ازهار الطفولة بالدماء، ويغادر الفرح كل البيوت ليسكنَ في زواياها البلاء، ويصاب القوم بوباءٍ وأي وباء، وباءُ الجنون وباء الكفر وباء الإجرام والغباء.
هي الحربُ حيث تدمير معالم الحضارة، لمجرد التشويق والإثارة، وتفتيت الوطن بين إقليم وإمارة، وتخضع جميعها لهذه أو تلك السفارة !
هي الحربُ حيث الشعارات الخادعة، بأساليب بارعة، وتأليب الناس على بعضهم بوتيرة متسارعة، ليتحولَ شعبٌ واحدٌ إلى قبائل متصارعة.
هي الحربُ صديقةُ الموت، ترحب به وتستضيفه حيثما تكون، وتدعوه إلى موائد العائلات السعيدة ليَلْتَهِمَ من افرادها ما يشاء من دون رحمة أو عناء، فتتدفق الجنائز وتتعدد الأسماء ومنهم بلا اسماء، وما الفرق فكلهم عائدون إلى السماء.
هي الحربُ التي لا تطرقُ باب أي وطنٍ إذا لم يستدعِها شعبُه وإلا ظلت بعيدة جدًا. لا قرَّبَها الله منّا بإذنه وارادتنا.
هي الحربُ حيث تقام المتاريسُ بين الناس والناس، وهم الناس ذاتهم! بل بين عقائد وقضايا مستوردة لا تعني الوطن والمواطنين بقدر ما تعني المصدّرين ويمكن التخلي عنها بكل بساطة.
هي الحربُ حيث يبدأ بإسم الإيمان اطلاق النارِ بين «الكفارِ» و«الكفارِ»! من أجل مصالح أخرى مخبأة خلف الشعار، وشعارٌ يواجه شعارًا حتى يسقط آخرُ حجرٍ من الدار!
هي الحربُ يا بني وطني، تُبكينا لو تصير، فلماذا نستدعيها والعمر لدينا قصير!
هي الحربُ حيث تتكلمُ البنادقُ وتتحاور بعياراتها وطلقاتها، وتخرسُ أقلام الرأي والشعر والعلم... حيث تُقفلُ المدرسة والجامعة وتُفتح مراكز المتقاتلين القذرة على مصراعيها، تستقطبُ الشباب وقودًا لنارِ الإقتتالِ والفتن... حيث تنشطُ غرفُ عملياتِ الميليشات كما غرف عمليات المستشفيات، فالأولى تغذي الثانية... حيث تُزالُ لافتات السهرِ والفرح والندوات واللقاءات الشعرية والثقافية، وتمتلىء الجدران بصورٍ كثيرة لشبانٍ يافعين يُكتبُ تحتها كلمة «شهيد»... حيث يكبرُ الأطفالُ قبل وقتهم، ويرحلُ الرجالُ قبل وقتهم، وتشيخُ النساء قبل أوقاتهنَّ وتتَّشِحْن بالسواد... حيث الخسائر والأضرار مستمرة، والانحدار إلى الهاويةِ مستمر، وفقدان الأحبةِ مستمر، ولغة القتل مستمرة، وتشييع الضحايا مستمر، وكل شيء في الوطن إلى نقصانٍ وزوال سوى المقابر فهي وحدها عامرة.. عامرة.. عامرة... وللأسف.
وتتألقُ الخطبُ على منابر النفاق لتقنع الناس بعدالة القضية التي تستحق منك، أيها المواطن الفقير، أن تمضي إلى قبرك بإرادتك من أجل قضية كاذبة اخترعَها نصَّابون نصَّبوا أنفسهم قيادات وأنت أيها الفقير.. من أنت أمام القضية، أنت لست سوى مطية انت ومعظم الرعية...
نعم، هكذا نُساق الى القبور، فلندقق بما يقولون، ولنفكر بمصير ابنائنا، فالعمر هبة من الله نحن مسؤولون عنها ولا يحق لنا التفريط بها بغباء.
فلنعزل عواطفنا المذهبية للحظات، ولنفكر بعقلٍ منفتح لنتخذ قرار الحياة المُشرقة التي تستحق أن تعاش، لأن الخالق حين خلقنا اراد لنا أن نعيش، فلماذا نخالف إرادته فنسارع إلى قتل أنفسنا تحت ذرائع فلسفية وإيديولوجية مختلفة.
إننا جميعًا لبنانيون، نحب لبنان وجيش لبنان الذي يدافع عنا وعن قضيتنا الوحيدة وهي وطننا لبنان، حماه الله من الأشرار والأغبياء...