طب وصحة

لقاحات كورونا: رحلة البحث عن الأمل
إعداد: ليال صقر الفحل

 

على مدار العام الفائت، ظل العالم في انتظار بارقة أمل لتخطّي أزمة جائحة كورونا، وسط ما خلّفته من تداعيات صحية واقتصادية واجتماعية. وأتت بارقة الضوء في أواخر ٢٠٢٠ مع ظهور لقاحات يأمل العلماء والأطباء أن تعيد الحياة إلى طبيعتها. ولكن هل تستطيع هذه اللقاحات فعلًا طيّ الصفحة القاتمة من التاريخ الطبي؟ وهل تحقن الجسم بفيروس كورونا عينه أم أنّها تعتمد تقنية أخرى، وما هي ميزاتها، وما الانتقادات العلمية التي تواجه اعتمادها حول العالم؟

 

مع حلول نهاية العام ٢٠٢٠، كانت جائحة كورونا قد تسببت بوفاة أكثر من مليون شخص حول العالم فضلًا عن تدهور صحة عشرات الملايين. وفيما تفشّى الوباء بسرعةٍ رهيبة، تسابق العلماء في الدول المتقدمة لإيجاد لقاح يقي الإصابة به.

في ظل احتدام السباق، تُعقد الآمال على اللقاحات التي نجحت في تصنيعها أربعة من أكبر المختبرات الطبية حول العالم. ففي فترة زمنية متقاربة، ظهرت أربعـة لقاحـات: فايــزر - بيونتك، وموديرنا، وأوكسفورد أسترازينيكا، وسينوفاك (نموذج من اللقاحات الصينية الثلاثة المعتمدة). وقد أثارت هذه اللقاحات جدلًا طبيًا وعلميًا وسط تباين الآراء حولها. ففي حين علت أصوات مشجّعة على تلقّي اللقاح للقضاء على الفيروس، ارتفعت أصوات مقابلة تنادي بالتريّث والترقّب وانتظار المدى المتوسط والبعيد للتأكد من عدم ظهور آثار جانبية. ولا يمكن حاليًا لأحد الإجابة عن سؤال حول مدة المناعة التي يؤمّنها اللقاح، لأنّ أولى الجرعات التي أُعطيت للمتطوعين استُخدمت في النصف الثاني من العام ٢٠٢٠، ولم يمر الوقت اللازم لتأكيد فعاليتها. لذلك، ثمة علامات استفهام وأسئلة كثيرة ترافق «مشوار» اللقاحات خصوصًأ وأنّ تجارب المرحلة الثالثة المتعلقة بفترة الحماية التي توفرها لم تكن قد انتهت مع انتهاء العـام ٢٠٢٠.

 

لقاح فايزر - بيونتك

بعد موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA على استخدام لقاح فايزر - بيونتك المخصّص لمحاربة كوفيد-١٩، الذي طوّرته شركة فايزر الأميركية ومختبر بيونتك الألماني، أظهرت البيانات أنّ مفعول اللقاح يبدأ بعد تلقّي الجرعة الأولى بفترةٍ قصيرة، ونسبة فعاليته تصل إلى ٩٥٪ بعد الجرعة الثانية بأسبوع، وهو متاح من عمر ١٦ عامًا ويتطلب أخذ جرعتَين يفصل بينهما ٢١ يومًا.

يعتمد لقاح فايزر - بيونتك بحسب الاختصاصيين، على طريقة علمية جديدة ومختلفة عن الوسيلة التقليدية للقاحات (التي تقضي بحقن الجسم بالفيروس)، إذ يعتمد على تكنولوجيا تتمثل بحقن الجسم بالمادة الجينية MRNA وهي بحسب التعريف العلمي المعتمد نسخة من الحمض النووي الريبي للإنسان، تقوم بدورها بدفع الخلايا إلى إفراز بروتينيات الفيروس سبايك التي تبرز على سطح فيروس سارس كوفيد-١٩، من دون الحاجة إلى حقن الجسم بالفيروس ذاته. الأمر الذي يحفّز إنتاج الجسم لمضادات لتلك البروتينيات، وبذلك تتعزز مناعة الإنسان.

ويطمئن الخبراء إلى أنّ النقطة الإيجابية الأساس في هذا اللقاح هي في عمل الجسم على محاربة الفيروس عبر جهازه المناعي.

يخزّن اللقاح بدرجة حرارة ٧٠ تحت الصفر حتى وقت الحقن، وعلى الرغم من نجاحه بعد التجربة لبضعة أشهر، يخشى الباحثون من فعاليته على المدى البعيد، فالتقنية التي يعتمدها جديدة، ومن غير المعروف حاليًا ما هي مدة احتفاظ الجسم بالمناعة ضد الفيروس.

 

لقاح موديرنا

يؤكد الخبراء الأميركيون في شركة موديرنا، أنّ نسبة فعالية اللقاح الذي طوّروه ضد فيروس كورونا وصلت إلى ٩٤٪ بعدما دقّق مجلس مراقبة البيانات والسلامة في التجارب السريرية التي أُجريت على آلاف المتطوعين. يُعطى موديرنا للأشخاص بعد عمر ١٨ عامًا ويتطلّب جرعتَين يفصل بينهما ٢٨ يومًا، ويخزّن بدرجة حرارة ٢٠ تحت الصفر حتى وقت الحقن.

يستخدم موديرنا الحمض النووي الريبي MRNA في تركيبته، فبعد أخذ الجرعتَين تبدأ الخلايا في صنع أجزاء البروتين، ويدرك جهاز المناعة أنّ البروتين دخيل فيباشر بناء استجابة مناعية وصنع أجسام مضادة.

 

لقاح أوكسفورد أسترازينيكا

يعتمد لقاح أوكسفورد أسترازينيكا البريطاني الذي طورته شركة أسترازينيكا وجامعة أوكسفورد أسلوب الناقل Vector فيستخدم فيروسًا آمنًا بعد تغيير تركيبته ليصبح شبيهًا بفيروس كورونا من دون أن تكون له أعراضه. وقد تم اختيار «أدينو فيروس» الذي يصيب القردة بالزكام، وتم التلاعب بتركيبته ومن ثم حقن الأشخاص به، فأنتج نظامهم المناعي أجسامًا مضادة. وبعد التجارب السريرية التي أُجريت على آلاف المتطوعين حدّدت نسبة نجاحه بـ٧٠٪، وهي تحاليل مؤقتة لم تتّضح فاعليتها على المدى البعيد. حقق اللقاح استجابة لدى كبار السن في العقدَين السادس والسابع من العمر وتبين قيام جهاز المناعة عندهم بتكوين أجسام مضادة. واعتبرت الشركة أنّ النتيجة مشجّعة وهي في صدد الانتهاء من المرحلة الثالثة من التجارب السريرية. يخزّن هذا اللقاح في درجة حرارة الثلاجة المعتادة أي ٢ إلى ٨ درجة مئوية حتى يتم استخدامه. وأكدت الشركة المصنعة أنّ موظفي القطاع التعليمي عامة والمدرسين خاصة بالإضافة إلى الطلاب، سيكونون أول المستفيدين من اللقاح، في مسعى للحكومة البريطانية للوفاء بوعدها بإعادة فتح المدارس للطلاب جميعًا في مطلع العام ٢٠٢١.

 

لقاحات سينوفاك - كورونافاك - سينوفارم

قطعت الصين أشواطًا كبيرة في السباق العالمي لإنتاج اللقاحات المضادة لفيروس كورونا مع طرح سينوفاك، كورونافاك وسينوفارم في مواجهة كوفيد-١٩، وهي أسماء تملكها شركات أدوية صينية نجحت من بين عشرات الشركات في المنافسة على إيجاد اللقاح المناسب والفعال لمحاربة الجائحة.

تعمل هذه اللقاحات من خلال استخدام جزئيات فيروسية ميتة لتعريض النظام المناعي في الجسم للفيروس من دون حدوث ردود فعل خطيرة. وهي طريقة معالجة تقليدية تُستخدم بنجاحٍ في أنواع لقاحات اعتُمدت أكثر من مرة في تاريخ الطب، على غرار لقاحَي الإنفلونزا وشلل الأطفال، على عكس لقاحات الحمض النووي الريبوزي التي تعد نوعًا جديدًا. وليس هناك حاليًا إثبات على فعالية استخدام هذه اللقاحات على المدى البعيد.

تصل نسبة نجاح اللقاحات الصينية عن المرحلتَين الأولى والثانية إلى ما يفوق ٨٠٪، وهي تُحفظ في درجة حرارة الثلاجة الاعتيادية حتى يتم استخدامها.

 

آثار جانبية وحقائق

يمكن أن تسبب اللقاحات السابق ذكرها آثارًا جانبية طفيفة بعد الجرعة الأولى أو الثانية، ومن بينها: الإرهاق، الحمى الخفيفة، الصداع، التشنج العضلي، وألم المفاصل... وتحدث معظم ردات الفعل خلال الأيام القليلة التي تلي اللقاح، ويمكن أن تستمر مدة ثلاثة أيام كحدٍ أقصى. وتشمل علامات ردود الفعل التحسسية صعوبة في التنفس، والإحمرار في موضع الحقن، والطفح الجلدي، وتورّم الوجه والعنق. وفي معظم حالات اللقاح، خضع المستفيدون للمراقبة لمدة ١٥ إلى ٣٠ دقيقة للتأكد من أي ردة فعل مباشرة.

في ظل التحذيرات الصادرة من أكثر من جهة طبية حول بقاء الفيروس على الرغم من توافر اللقاحات، يبقى الهدف من هذه الأخيرة راهنًا، ليس القضاء على الفيروس بقدر ما هو القضاء على التأثيرات الصحية الخطيرة والمضاعفات التي يمكن أن تنتج عنه فيما لو أصيب به كبار السن، ومرضى السرطان والسكري من النوع الثاني والقلب والشرايين والجهاز التنفسي والكلى ونقص المناعة والبدانة المفرطة... وفي هذا الإطار، أوصت الهيئة الاستشارية الأميركية لممارسات التمنيع ACIP التي تضم خبراء في المجال الطبي والصحي العام، بإعطاء الأولوية في التلقيح لموظفي الرعاية الصحية والعاملين الأساسيين في الخطوط الأمامية من أطباء ومسعفين وممرضين وصيدلانيين ومدرسين وموظفي قطاع النقل وعاملي السوبرماركت والمسنين ومن يعانون الحالات الصحية التي سبق ذكرها.

يوفّر اللقاح مناعة من تكرار العدوى بالفيروس، لكن مدة استمرار هذه الحماية غير معروفة إلى حين استكمال التجارب السريرية بمرحلتها الثالثة. ولأنّ تكرار العدوى أمر ممكن، ويمكن أن يسبب مضاعفات خطيرة وغير متشابهة في كل مرة، يرى الاختصاصيون أنّه من الأفضل لمن أصيبوا بالفيروس في وقت سابق، أن يتلقوا اللقاح لتجنّب المضاعفات.

 

من يختار ماذا؟

يتأثر خيار اعتماد لقاح من دون الآخر بشروطٍ معينة من بينها إمكانات التخزين، وأهمها توافر ثلاجات تعطي الحرارة ٧٠ درجة مئوية تحت الصفر ما إذا كان الخيار اعتماد لقاح فايزر مثلًا. فالعبرة هنا تكمن في ضرورة التقيد بالإجراءات الخاصة بالنقل والتخزين حول العالم، وبخاصةٍ بالنسبة للدول النامية التي تريد الحصول على اللقاح.

وفي هذا الصدد، انقسمت الخارطة العالمية بين اعتماد لقاحَي فايزر - بيونتك وموديرنا من جهة واللقاحات الصينية وأوكسفورد من جهة أخرى. فاتجهت كل من: البرازيل، الإمارات، اندونيسيا، مصر، البحرين، وسنغافورة إلى اعتماد إحدى اللقاحات الصينية وأوكسفورد. واختارت الولايات المتحدة الأميركية وبعض دول الاتحاد الأوروبي وكندا والسعودية لقاحَي فايزر وموديرنا المعتمدين على تكنولوجيا حقن الجسم بالمادة الجينية MRNA.

في ما خص الشأن اللبناني، أعلن وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن في مؤتمر صحفي أنّ لبنان قد حجز عبر منصة كوفاكس (التجمع العالمي للقاحات كورونا)، حصة من اللقاح التي ستتوافر في حلول شباط المقبل لـ٢٠٪ من اللبنانيين. على أن يستمر تدفّق اللقاحات في الأشهر المقبلة فيستفيد منها اللبنانيون جميعهم. ولكن وصول اللقاح إلى لبنان يضعنا أمام تحديات كبيرة، فمن المهم أن توضع خطة متكاملة تضم هيئة من الاختصاصيين الذين سيهتمون بالتنظيم وآلية الاستلام والتخزين والتوزيع، وتحضير الفريق المتخصص لإعطاء اللقاح. كما يجب على هذه الهيئة مراعاة كلفة الحصول عليه، فمن المعروف أنها ستكون بالدولار، وبين تصنيعه ووصوله إلى لبنان سيرتفع السعر عمّا هو عليه.

 

كوفيد-٢٠

خلصت التقارير العلمية إلى أنّ لقاحَي فايزر - بيونتك وموديرنا حظيا بنصيب الأسد من الاهتمام في الآونة الأخيرة، ويعود ذلك إلى ثقة الشركتَين بقدرة لقاحيهما على التصدي، وإن بشكلٍ جزئي للسلالة الجديدة من فيروس كورونا التي ظهرت مؤخرًا في بريطانيا، خصوصًا وأنّ البروتينيات الجديدة هي بنسبة ٩٩٪ نفسها من السلالة السائدة، في حين صرّح القيّمون على المختبر الألماني بيونتك أنّهم قادرون على توفير لقاح جديد خلال أسابيع قليلة.

وفي انتظار إعطاء السلطات الأوروبية الضوء الأخضر لتوزيع اللقاح في الاتحاد الأوروبي، يشيد العلماء بتقنية الحمض النووي MRNA الذي يتيح تصميم لقاح يحاكي تمامًا التحول الجديد للفيروس.

 

حروب افتراضية

بعد النقاشات الطويلة التي شككت في وجود كورونا ودعمت نظرية المؤامرة، ومن ثم الحروب بين الدول على إنتاج اللقاحات وتبنّي النجاحات وتحقيق الربح السريع، يشهد العالم اليوم نزاعًا عنوانه الطعن باللقاحات التي ولدت بعملياتٍ قيصرية معقدة... فبين إشاعة تُرمى هنا عن تسبب اللقاحات بالعجز الجنسي وأخرى هناك تزعم تسببه بالألزهايمر والموت المفاجئ وغيرها من الأعراض الجانبية. أما الدول المنتجة والشركات المصنعة فتحمل راية الانتصار مفاخرة بلقاحاتها ومدافعة عنها بشراسة.

لكن في النهاية مع اللقاح أو من دونه، يبقى من الضروري التزام الإجراءات الاحترازية الموصى بها وأهمها وضع الكمامات، والتقيد بالنظافة العامة، واعتماد الصابون والمطهرات والمعقمات المحتوية على الكحول، والقفازات الطبية والتباعد الاجتماعي، وهذا ما تركز عليه النداءات التي تطلقها المرجعيات الطبية والصحية العالمية.