- En
- Fr
- عربي
تحقيق عسكري
الأرض لنا وبؤر الخطر والخلل تحت سيطرتنا
ثماني سنوات في أقضية عكار، المنية، والضنية كانت كافيةً ليركّز لواء المشاة الثاني وجوده في قطاع مسؤوليته، حيث بات على أهبة الاستعداد، لمواجهة المستجدات والأحداث في أي وقت وفي أي من البلدات الحدودية الشمالية.
الأوضاع على الحدود اللبنانية- السورية وما تأتّى منها من تهديدات أمنية وتطورات كالنزوح السوري، وتسلّل المسلّحين، وتدفّق النازحين إضافة إلى الإرهاب المتنقّل، ووجود العديد من المطلوبين... معضلات تمكّن اللواء من مواجهتها بحزمٍ وبتدابير صارمة.
مسيرة اللواء في الشمال بدأت مع قائده السابق العماد جان قهوجي قبل تولّيه قيادة الجيش، وهي تستمرّ بنجاح مع خلفه الحالي العميد الركن سمير الحاج.
قطاع واسع وانتشار مُحكَم
توجّهنا إلى مركز قيادة اللواء الثاني في معسكر عرمان للتدريب، للاطّلاع على آخر التطوّرات التي شهدها على صعيد المهمات والتدريب والانتشار وما إلى ذلك. قائد اللواء الذي استقبلنا تحدّث عن قطاع مسؤولية لوائه وحساسية منطقة الشمال التي شهدت أحداثًا أمنية كثيرة واعتداءات على الجيش.
يمتدّ قطاع اللواء من دائرة النفط في دير عمار، وتقع ضمنه أقضية المنية والضنية وعكار إلى وادي خالد والعريضة على الحدود اللبنانية- السورية، قطاع واسع وحسّاس ما تطلّب من اللواء جهدًا ومثابرةً وإصرارًا لكي يثبّت مراكزه فيه بشكلٍ قتاليٍ ودفاعيٍ ممتاز، مع ضمان الحدّ الأقصى من الأمن والحماية من القذائف والنيران والاعتداءات المحتملة.
يدعم اللواء في تأمين هذا القطاع الكبير، فوج الحدود البرية الأول المنتشر في نقاط مراقبة على الحدود، وكتيبة من اللواء الحادي عشر، وسرية من فوج المغاوير (تتمركز في عندقت وتبقى بتصرّف القيادة)، وسرايا من مغاوير البحر (تتواجد في عرمان والقليعات كاحتياط قيادة).
جهوزية عالية... ثقة لا تحدّها حدود
• كيف تواجهون التطورات الأمنية وكيف تحافظون على مستوى الأداء العالي؟
- تعكس إجابة قائد اللواء فخره بعسكرييه وثقته بهم: «لقد أثبتنا جهوزيّتنا التامة والكاملة خصوصًا في المعركة التي خضناها في بحنين، على أثر تعرّض إحدى آلياتنا للاعتداء وظهور الانتشار المسلّح الكثيف. اعتمدنا اللفائف التكتية المدعومة بقوى أخرى مستقدمة من مناطق مختلفة، وتمكّنا في خلال ساعات من السيطرة على بقعة انتشار المسلّحين والقضاء على هذه الحالة الشاذة».
ويضيف قائلاً: «صحيح أننا دفعنا ثمنًا في هذه المعركة كما في مختلف المعارك الأخرى، وهذا الثمن كان دماء شهدائنا الأبرار، ولكن التضحية في سبيل حماية وطننا وأرضنا هي العنوان الذي يحكم أداءنا».
ثقة قائد اللواء الثاني الكبيرة بعسكريّيه نابعة من التزامهم قسمهم، وهذا الالتزام تعكسه متابعتهم الدقيقة والمستمرّة لكل المستجدات في المنطقة، استعدادًا لأي طارئ. أمّا الجهوزية العالية للّواء فيسهم فيها عاملان أساسيّان وفق العميد الركن الحاج: الأول هو حماية العسكري ومتابعة أوضاعه عن قرب، وتثبيت ثقته بالمؤسسة العسكرية التي تحضنه، الأمر الذي يساهم في الحفاظ على وحدة اللواء ورفع المعنويات، بخاصة في ظلّ الإنشراخ الأمني والسياسي في البلد. والعامل الثاني يتمثّل بالوصول بالضباط إلى حالة معنويّة مرتفعة نتيجة المعرفة والقدرة على القيادة التي تترسّخ من خلال التجربة على الأرض. في هذا المجال يشدّد قائد اللواء، على أهمية إبقاء آمري السرايا في وظائفهم لأطول فترة ممكنة، ما يحافظ على استمراريّة القيادة والسيطرة، ويتيح تحقيق النتائج المضمونة، وذلك نظرًا لإلمامهم بالوضع في المنطقة، ومعرفتهم بجغرافيتها وطبيعة أرضها وسكانها، ممّا يقلّل من نسبة الأخطاء.
توقيف أكثر من ألف مطلوب في الأشهر الأربعة الأخيرة
• ما هي الصعوبات التي واجهتموها في ظلّ الأحداث الأمنية التي عصفت بالمنطقة؟
- يشرح قائد اللواء أنّ الوضع على الحدود اللبنانية- السورية أنتج عدّة مشاكل في طليعتها مشكلة النزوح السوري إلى المناطق اللبنانية، حيث أنّ 60% من النازحين يتمركزون في عكار وضواحيها.
ويقول في هذا الإطار: لم تُقم مخيّمات منظّمة ومحدّدة للنازحين، فتوزّعوا في مخيمات عشوائية في كل الضيع، وقد شكّل ذلك تحدّيًا أمنيًّا كبيرًا بالنسبة لنا. فبسبب عدم تسجيلهم (على الرغم من تشديد الدولة اللبنانية على هذا الأمر)، يصبح من الصعب متابعة أوضاعهم وتحرّكاتهم ونشاطاتهم. لذلك، اعتمدنا أسلوب دهم المخيّمات وتفتيشها بطريقة أمنيّةٍ وقائيّة، لردع أي مخطّط محتمل، الأمر الذي يعتبر غاية في الصعوبة نظرًا لكثرة المخيّمات وكبر حجمها، وتنقّلها الدائم والسريع من منطقة إلى أخرى. وقد تطلّبت هذه المهمات عددًا كبيرًا من القوى للحؤول دون فرار المطلوبين عند تنفيــذ عمليــات الدهم.
من جهة أخرى، ومع بداية الأعمال العسكرية على الحدود السورية- اللبنانية، ظهر خطر تسلّل مسلّحين إلى الأراضي اللبنانية، وكان هذا الأمر تحدّيًا واختبارًا لقدرة اللواء على استيعاب المشاكل القائمة على الحدود. وللاستجابة إلى متطلّبات الوضع، أنشأنا وحدات كبرى متحرّكة، لا يقتصر عملها على منطقة أو قطاع، بل تكون قادرة على التحرّك في كل مكان حين يتطلّب الأمر ذلك. وهذه الوحدات تملك الإمكانات الكاملة التي تخوّلها تنفيذ أي عمل عسكري في أي قطاع، وتعزيز باقي القوى المتمركزة.
ويضيف قائد اللواء: بنتيجة عمليات الدهم والتدابير الأمنية المحكمة والدقيقة التي نفّذناها استطعنا تحقيق نتائج رائعة، إذ قمنا في الأشهر الأربعة الأخيرة بأكثر من 115 عملية دهم خطرة وغير اعتيادية، نتج عنها توقيف حوالى 1064 مطلوب.
إلى ذلك، حافظنا على جهوزية الآليات التي لم تقلّ عن 90% خلال السنوات الأربع الأخيرة، إذ لا يمكن التهاون في هذا المجال، فمعالجة أي حادث أمني مهما كان حجمه، تتطلّب التنقّل بهذه الآليات لمسافات طويلة (40 و50 كلم على الأقل). أما بالنسبة للأسلحة، فعلى الرغم من قدم بعضها، إلاّ أن الحفاظ عليها أمر بالغ الأهمية وإن كان صعبًا، خصوصًا عندما تُصاب بأعطال.
استقرار وحذر
• كيف تقوّم الوضع الحالي في المنطقة؟
- حاليًا يُعتبر الوضع على الحدود مستقرًّا نسبيًا مع توقّف النزاعات والمعارك من الجهة السورية، ولكننا نخشى التهريب والعمليات الناتجة عنه. من جهة أخرى يُعتبر قطاع اللواء منطقة ساخنة تشهد تطوّرات كثيرة باستمرار. فصحيح أنّه كان للخطة الأمنية في طرابلس مردودها الإيجابي على باقي مناطق عكار وضواحيها، حيث خفّفت من نسبة الاحتقان والخطر، إلاّ أن ذلك لا يمنع تغلغل مدسوسين يشكّلون خطرًا على المؤسسة العسكرية والمواطنين. لذلك نبقى في استنفار دائم تحسّبًا لأي تطوّر.
تعزيز المهارات القتالية
• انطلاقًا من خبرتكم وتجاربكم الميدانيّة، هل قمتم بإجراءات معيّنة للتكيّف مع متطلّبات الوضع القائم؟
- استنادًا إلى خبراتنا في المعارك، وتقويم كل عملية لتبيان الأخطاء والنواقص والعمل على تحسينها وتصحيحها، سعينا إلى رفع مستوى العسكريين التدريبي بشكلٍ فاعل، من خلال المناورات التي تشارك فيها كل وحدات اللواء وقطعه، إلى جانب المخيّم التدريبي الروتيني الذي ننظّمه على صعيد اللواء. وقد استنتجنا أنّ الأسلوب التدريبي المعتمد في مدرسة القوات الخاصة أنموذج مثالي لرفع مستوى الأداء وتعزيز المهارات القتالية المتخصّصة. لذلك سعينا إلى إخضاع عسكريي اللواء لهذا النوع من التدريب الذي يزيد خبرة العسكري في الرمايات وعمليات الدهم ومختلف أنواع العمليات العسكرية. وبالتالي درّبنا ثلاث سرايا معزّزة (بمعدّل سرية من كل كتيبة) فكنا الأوائل في الاستفادة في هذا المجال، ونحن نسعى إلى تعميم هذه التجربة على باقي سرايا اللواء وكتائبه.
إلى ما سبق، لدينا في اللواء 12 قنّاصًا عملنا على تدريبهم بشكلٍ محترف وممتاز وسعينا إلى تأمين التجهيزات اللازمة لهم.
في إطار آخر، أضاءت معركة بحنين على أمر فائق الأهمية وهو ضرورة أن يكون الهاون متحرّكًا ليغطّي القطاع الواسع ويحقّق إصابات دقيقة. لذا عمدنا، بالتعاون مع مديرية المشاغل، إلى تحوير الهواوين في اللواء من مختلف العيارات وتعديلها لتثبيتها على الملالات، فأصبحت هواوين مؤلّلة سهلة التنقّل حين يتطلّب الوضع ذلك. وقد كانت هذه التجربة رائدة وننصح بتطبيقها في باقي القطع والألوية العسكرية التي لا تملك هواوين مؤلّلة. وفي الإطار نفسه، بات لدينا اكتفاء مدفعي ذاتي، ومدفعيتنا تستطيع الرمي على أي بقعة أو هدف في أقل من ربع ساعة، بفضل التدريب والمثابرة.
لوجستيًا، قمنا بتأمين الاتصال اللاسلكي بين مختلف الوحدات المنتشرة وبين قيادة اللواء وخصوصًا في المناطق النائية ذات التضاريس الصعبة، حيث كنّا نعاني صعوبة في هذا المجال.
من أجل المواطن
• هل تحسّن أداء عسكريّي اللواء في القطاع مع مرور السنوات واكتساب الخبرات؟
- يجيب قائد اللواء قائلاً: أحيانًا تكون التجربة مكلفة، ولكنها ضرورية لرفع مستوى أداء العسكريين وتزويدهم الخبرة اللازمة والعمل على سدّ الثغرات المحتملة، فالمعركة الحقيقيّة والتجربة الحيّة تفوق التدريب النظري أهميّةً ومنفعة. وقد ظهر حسّ المسؤولية لدى عسكريينا في المعارك التي خضناها ضدّ مسلّحين يتغلغلون بين المدنيّين الأبرياء. ويتابع قائلاً: حين يكون القتال في الأماكن المأهولة، نواجه مواقف صعبة، فالمدنيون أحيانًا لا يخلون المكان ما يضطر العسكري إلى تحمّل ضغط المواجهة من دون أن يرمي، وهذا الأمر يكلّفنا خسائر.
• ماذا عن المجنّدين الجدد؟
- إن وجودهم ضروري ويضخّ دمًا جديدًا في اللواء، لذا نعمل على تدريبهم بأسرع وقتٍ ممكن لأنهم معرّضون في كل حين للمشاركة في معركة مفاجئة الأمر الذي يتطلّب تنقّلهم بين مختلف حضائر القتال ليتآلفوا معها. وإلى جانب المخيّم التدريبي، يتابع آمرو السرايا تدريبهم اليومي في ما يتعلّق بالآليات والأسلحة الفردية والإجمالية.
• كيف تصفون تعاون المواطنين وعلاقتكم بهم في مراكز انتشاركم؟
- من جهتنا، نحن نقوم إلى جانب مهمّاتنا الأمنية بمهمّات إنمائية وإنسانية كثيرة، من خلال المساعدة في إطفاء الحرائق ومواجهة الكوارث الطبيعية وحوادث السير، وتقديم المساعدات للسكان بالتنسيق مع برنامج التعاون العسكري- المدني (CIMIC)... هذه الأمور تعزّز العلاقة بين المواطن وجيشه، خصوصًا وأن 60 إلى 65% من العسكريين هم من أبناء الشمال.
في المقابل، نلمس تعاون المواطنين ودعمهم لنا في عدّة مواقف. فحين ننقل القوى من مكان إلى آخر، ولا نجد الأبنية الجاهزة للتمركز فيها، نحظى بدعم البلديات والسكان الذين يساعدوننا في إيجاد أرضٍ خالية لبناء مراكزنا عليها.
وفي عكار تحديدًا، أستطيع القول إنه لولا الأهالي لما استطعنا تنفيذ المهمات الكبرى الملقاة على عاتقنا، فقد كانوا بمثابة دعم لسرايانا المنتشرة في مناطقهم عن طريق رفض إيواء الهاربين والمسلّحين، والتبليغ عنهم لتسهيل مهمّاتنا.
تدريب حيّ ونشاطات
• في ظلّ المهمّات الكثيرة والتطورات التي تشهدها المنطقة، هل تملكون الوقت الكافي لممارسة النشاطات والتدريبات؟
- صحيح أن المهمات وعمليات الدهم تكون كثيرة ومتعبة وخطيرة في معظم الأحيان، وتتطلّب تعاون ثلاث سرايا أي بمعدّل كتيبة، ولكنها في الوقت عينه تُعدّ تدريبًا حيًّا أكثر فاعلية من التدريب الروتيني في الثكنات. مع ذلك فإنّ التدريب هو قوتنا اليومي ولا يمكن التوقّف عنه، بل نعمل على تطويره في موازاة الاطّلاع على حاجات القطع من آمري السرايا والوحدات والسعي إلى تأمينها وسدّ الثغرات لديها.
إلى ذلك، تشارك الفرق الرياضية في اللواء بمباريات مختلفة وتحصد نتائج جيّدة على الرغم من صعوبة التنقّل وبعد المسافات ودقّة الوضع الأمني. كما ننظّم مباريات في قطاع مسؤوليتنا، يلتقي فيها المدنيّون والعسكريّون.
لقد باتت هذه المنطقة أرضنا، سيطرنا على بؤر الخلل والأخطار فيها، ونحن على أتمّ استعداد لأي مهمّة قد تطرأ هنا أو في أي مكان، لأننا بسواعدنا ودمائنا نصون الوطن وأهله.
شعار اللواء
يُقسم شعار لواء المشاة الثاني إلى قسمَين: القسم العلوي يمثّل الشمس التي ترمز إلى الحرية والعطاء، والقسم السفلي باللون الأحمر دلالةً على التضحية. ويتوسّط القسمَين خريطة لبنان التي يحضنها العطاء والتضحية.