- En
- Fr
- عربي
دراسات وأبحاث
بين السادس عشر والثامن عشر من شباط الماضي، عقدت الدورة الـ54 لـ«مؤتمر الأمن»، في حضور العشرات من رؤساء الحكومات ووزراء الخارجية والدفاع، ومئات الخبراء في الشؤون العسكرية والأمنية الدولية.
تكمن أهمية هذا المؤتمر في كونه منصة فريدة من نوعها للبحث في القضايا الأمنية على مستوى العالم، كما أنّه يمنح الفاعلين السياسيين فرصة التواصل بشكل غير رسمي على مدار ثلاثة أيام. وقد وضعته جامعة بنسيلفانيا في الولايات المتحدة الأميركية للمرّة الرابعة على التوالي، في مرتبة أهم مؤتمر من نوعه في العالم.
ماهو مؤتمر ميونخ للأمن؟
انعقد «مؤتمر ميونخ للأمن» للمرّة الأولى في العام 1963، وسمي آنذاك «اللقاء الدولي لعلوم الدفاع». أسّسه شخصان هما، الناشر الألماني إيفالد هنريش فون كلايست (أحد مؤيدي المقاومة ضد نازية أدولف هتلر في «الرايخ الثالث»، وأحد ضباط المجموعة التي حاولت اغتيال الفوهرر في العام 1944)، والفيزيائي اليهودي المجري الأصل، الأميركي الجنسية إدوارد تيلر (واحد من روّاد صناعة القنبلة الذرية، و«أبو القنبلة الهيدروجينية» في الولايات المتحدة الأميركية). إلاّ أنّ اسم المؤتمر بات في ما بعد «مؤتمر العلوم العسكرية الدولي»، ومن ثمّ «مؤتمر ميونخ للأمن»، وبذلك انفتح جدول أعماله أكثر على قضايا الأمن العالمي.
يقدّم مؤتمر ميونخ للأمن نفسه كهيئة أو مؤسسة غير ربحية مستقلة. غير أنّ المؤسسة التي تتولّى تنظيمه، والمسمّاة بـ«مؤسسة مؤتمر ميونخ للأمن»، تستفيد بشكل كبير من الإعانات الحكومية. ووفق ما أعلنته الحكومة الألمانية حصل المؤتمر في العام 2015 على نحو نصف مليون يورو، و700 ألف يورو كمصاريف لموظفين في الجيش الألماني، فضلًا عن رعاية شركات ألمانية ودولية كبرى له، وبذلك تصل ميزانيته إلى نحو مليوني يورو.
نسخة 2018
عقد المؤتمر في مدينة ميونخ برئاسة ولفغانغ إيشينغر، وسط إجراءات أمنية مشدّدة، وتظاهرات شارك فيها الآلاف من المحتجين المناهضين له، والذين يزعمون أن صفقات سلاح تُعقد في الخفاء على هامشه. وقد احتشد المتظاهرون تحت شعار «السلام لا التسلّح»، حاملين لافتات كتب عليها، «لا حرب بعد اليوم»، و«يجب حلّ حلف شمال الأطلسي (الناتو)، و«الحرب ليس فيها منتصر».
«إلى حافة الهاوية – والعودة؟
حمل تقرير مؤتمر ميونخ للأمن هذا العام، عنوان «إلى حافة الهاوية - والعودة؟ To The Brink – And Back، وسجّل ارتفاع نسبة انعدام الأمن في معظم مناطق العالم، إذ يبدو هذا العالم وكأنه على شفير الهاوية، إضافة إلى القلق بشأن التسلّح النووي، خصوصًا بعد أن كشف البنتاغون في أوائل شباط الماضي، عن خططه لتحديث جديد للأسلحة النووية الأميركية.
من المواضيع الساخنة التي أثارها المؤتمر أيضًا، الأمن الإلكتروني، والعلاقة بين تغيّر المناخ والصراعات، والوضع المتدهور في منطقة الشرق الأوسط، والقلق من استمرار النزاعات هناك، ما قد يؤدي إلى حروب بين الدول الكبرى، وكذلك العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران.
المشاركون
شارك في مؤتمر ميونخ للأمن، أكثر من 500 شخص، كان في عدادهم 20 رئيس دولة وحكومة، من بينهم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، ورئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فيليب. كما شارك نحو 72 وزير خارجية ودفاع من بينهم وزير الدفاع في الولايات المتحدة الأميركية جيم ماتيس، ووزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين، ووزير الخارجية الروسي سيرغى لافروف، والمتحدثة باسم لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشعب الصيني فو يينغ. كما شارك وزراء خارجية لبنان، والسعودية ومصر وإيران، ووزير الدفاع اللبناني الأستاذ يعقوب الصراف. كذلك حضر المؤتمر أمين عام الأمم المتحدة وأمين عام جامعة الدول العربية، وأمين عام حلف الناتو، ورؤساء أجهزة الاستخبارات في عدد من الدول.
مؤتمر عالمي للأمن في عالم غير آمن
يشكّل «مؤتمر ميونخ للأمن» منصّة فريدة من نوعها على مستوى العالم لبحث السياسة الأمنية، إذ يعد تقريبًا المكان الوحيد الذي يجتمع فيه كمّ هائل من ممثلي الحكومات، بما في ذلك الحكومات المعادية لبعضها البعض، وخبراء الأمن. والمغزى من المؤتمر لا يتمثّل فقط في برنامجه المحدد سلفًا، إذ أنّ الكثيرين يقدرون الفرص التي يقدّمها المؤتمر للفاعلين السياسيين للتواصل بشكل غير رسمي، مع بعضهم البعض، ما يتيح رسم خطوط حمراء، أو تبادل الأفكار لحلّ النزاعات. وفي هذا السياق قال رئيس المؤتمر الدبلوماسي الألماني ولفغانغ إيشينغر: إنّ المؤتمر الرسمي الذي يضم نحو 30 حلقة نقاش و120 متكلمًا يمثل فقط القليل من الكثير مقابل اللقاءات الجانبية الثنائية.
وشدّد إيشينغر الذي يرأس المؤتمر منذ العام 2010 على أهميته في هذا الوقت بالذات، وأكثر من أي يوم مضى، وقال: «الوضع الأمني العالمي اليوم غير مستقر. لم يكن الوضع كذلك في أي يوم منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق». وعدد إيشينغر بعضًا من أوجه التهديد، ومنها: عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، مخاطر اندلاع صراعات كبرى، المشكلة النووية مع كوريا الشمالية، والتعامل مع روسيا بما يخص أوكرانيا وشبه جزيرة القرم.
في ما يتعلّق بالموقف الأميركي قال هربرت رايموند ماكماستر مستشار الأمن القومي الأميركي الذي شارك في المؤتمر: «إنّ إيران تبني وتسلّح شبكة قوية من الوكلاء في دول مثل سوريا واليمن والعراق، وإنّ ما يثير القلق بشكل خاص هو اكتساب هذه الشبكة من الوكلاء المزيد من القدرة، فيما تزوّدها إيران المزيد من الأسلحة المدمّرة». وأضاف أنّ الوقت قد حان للعمل ضدّ إيران، محمّلًا إيّاها مسؤولية نشر الإرهاب والفتنة في الشرق الأوسط.
بدوره اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أوروبا بالعودة إلى زمن النازية، ووصف الاتهامات الأميركية لبلاده بالكلام الفارغ، وأعلن أنّ روسيا مجبرة بالطبع على مواكبة مخططات التسلّح النووي الأميركية. كما اقترح بناء نظام عالمي جديد ديمقراطي وعادل، أطلق عليه اسم نظام «ما بعد الغرب».
وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي ونظيرتها الألمانية أورسولا فون دير لاين أكدتا أنّ أوروبا مطالبة بتكوين استقلاليتها الاستراتيجية وبتحمّل مسؤوليات أكبر في حلف الأطلسي، وشدّدتا على ضرورة توليها الدفاع عن نفسها، داعيتين إلى تقوية التعاون العسكري بين دول الاتحاد الأوروبي، مقابل استقلالية أكبر عن الولايات المتحدة. كما أعلنتا عزم بلديهما على دراسة مشروع مشترك لتصنيع الدبابات والطائرات المقاتلة.
أمّا أمين عام حلف شمال الأطلسي فقد بدا قلقًا من احتمال نشوء هيكلية جديدة في الاتحاد الأوروبي موازية للناتو. وقال: «في واقع الحال إنّ الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يحمي نفسه بمفرده، وبعد البريكست فإنّ 80% من ميزانية الناتو يتم تغطيتها من قبل دول غير أوروبية في مقدّمها الولايات المتحدة الأميركية وتركيا».
وزير الدفاع اللبناني يعقوب الصراف اعتبر المؤتمر «أهم اجتماع أمني في العالم»، مشيرًا إلى أنّ لبنان يشارك فيه لمناقشة موضوع مكافحة الإرهاب والاعتداءات الإسرائيلية التي تستهدفه ومواضيع أخرى. وأكد «أن لبنان لا يسعى للحرب ولكنه متمسك بحقه في التنقيب عن النفط والغاز في مياهه الإقليمية، ولديه المقومات الكافية والاستعداد للدفاع عن سيادته وحقوقه».
علامة الاستفهام ضرورية
يرى بعض المحلّلين السياسيين أنّ مؤتمر ميونخ للأمن أطلق في أوقات سابقة إشارات إلى التفاهم والأمل. ولكن هذه الإشارات كانت غير ملموسة خلال المؤتمر الأخير الذي جاء تحت عنوان: «إلى حافة الهاوية والعودة؟ وهو عنوان ينسجم إلى حد ما مع الوضع العالمي. فبعد ثلاثة أيام من الاجتماعات كان واضحًا «أنّ علامة الساعة تشير إلى النزاع، وأنّ علامة الاستفهام وراء الرغبة العامة في مغادرة حافة الهاوية يجب أن تبقى».
«وعلى الرغم من أنّ المؤتمر برهن مجددًا أنّه مكان تُطرح فيه المخاطر المختلفة التي يواجهها العالم على الطاولة، يبدو أنّ الدبلوماسية وصلت إلى نهايتها في نسخته الأخيرة»، على حدّ قول محلّل محطة الدويتشي فيلله «ماتياس فون هاين». فقاعة المؤتمر تحوّلت إلى منصة للخطابات المتناقضة غير القابلة للانسجام في ما بينها، لا تفاهم حقيقي، ولا حلول بناءة للنزاعات. وهذا ما اتضح بوجه خاص في اليوم الأخير، إذ طغت الاتهامات المتبادلة على التصريحات. وحتى رئيس المؤتمر لم يكن بوسعه سوى ملاحظة «أنّه لم يتم الاستماع إلّا إلى القليل حول خطوات ملموسة لنزع فتيل المخاطر المختلفة»، وفق المحلل نفسه.
المراجع:
- www.securityconference
- www.bloomberg.com
- www.en.wikipedia.org
- www.ons.no
- www.dw.com/ar