أسماء لامعة

مؤسـّس الحداثة المسرحية في لبنان
إعداد: تريز منصور

عصام محفوظ الباحث عن الحرية في كل كلمة ومكان

وجه من وجوه الثقافة في لبنان والعالم العربي، من أبرز مؤسـسي الحركة المسرحية في لبنان، إنه صاحب القلم المبدع عصام محفوظ الذي بحث عن الحرية في كل مكان، في الشعر والنثر والمسرح... فأغنى المكتبة الأدبية بأرقى نصوص النثر والشعر.

 

بزوغ الموهبة
ولد عصام محفوظ في جديدة مرجعيون، جنوب لبنان العام 1938، في عائلة أدبية بامتياز. والده طبيب الأسنان الشاعرعبد المسيح محفوظ، صاحب ملحمة كربلاء، لقُّب بـ«بلبل الجنوب»، وله عدة مؤلفات منها، «الرمزية في أدب الشريف الرضى» (1937). والدته لولو غنطوس مدرّسة وأديبة، له شقيقان هما عماد (طبيب أسنان)، ورائد (مهندس)، وثلاث شقيقات حنان (أديبة)، ديانا (كاتبة) وليلي (مدرّسة).
تلقّى علومه الابتدائية والثانوية في مدارس مرجعيون، وظهرت موهبته في سن السادسة عشرة، حيث كان يعدّ المسرحيات ويخرجها ليعرضها أمام جمهور مؤلف من أصداقائه في الحي وفي المدرسة.
انتقل عصام محفوظ إلى بيروت لمتابعة دراسته، وبعدها إلى العاصمة الفرنسية باريس حيث التحق بمعهد الدراسات العليا، وحصل على دبلوم الدراسات المعمّقة في المسرح العام 1979.

 

الثورة والحداثة
أغواه العمل الصحافي فبدأ يكتب في عدة صحف ومجلات ويجري الحوارات السياسية، لكن وضوحه وصراحته لم يتوافقا مع السياسة وزواريب الحرب الأهلية فانصرف إلى الشعر.
وفي أحد الأيام اقتحم مكاتب مجلة «شعر» وقال لرئيس تحريرها يوسف الخال: أنا عصام محفوظ. وقبل أن يسأله زعيم حركة الشعر الحديث عن الهدف من زيارته، قدّم له باقة من قصائده، وقفل عائدًا الى جنوبه، على حدّ وصف الخال للقائه الأول بمحفوظ.
كتب محفوظ في القسم الثقافي لجريدة «النهار» حتى العام 1996، وأصبح أحد أركان مجلة «شعر»، مؤسـسًا لمشروع يحمل اسم «الفصحى الشعبية». فقد كان معارضًا لكل «الثياب القديمة»، الأخلاقية منها واللغوية، التي تفصل المسرح عن «صدمته» الضرورية والحدّ من قدرة الناس على التفاعل معه. ولذلك كتب بيانًا حمل عنوان «بيان مسرحي رقم واحد»، بعد وقت قصير من تقديم مسرحية «الزنزلخت»، التي تمّ تصنيفها من أفضل إبداعات المسرح العالمي بين 1966 و1970. ومما جاء في هذا البيان: «لأننا نمر في فترة حرجة من تاريخ أمتنا، ولأننا في حاجة إلى شهداء، فلتكن اللغة الفصحى شهيدة المسرح المقدسة».
هذا المشروع لم يلقَ القبول بسهولة، في ذلك يروي محفوظ أنه، أثناء المؤتمر المنعقد على هامش «مهرجان دمشق الثاني للفنون» العام 1970، وهو المؤتمر الأول لبحث قضايا المسرح العربي المعاصر، اصطدم بوزير الثقافة السوري فوزي الكيالي، الذي أراد أن يفرض اللغة الفصحى على المسرح المشارك في المهرجان بحجة أن الاعتراف بالعامية وتشجيعها هما «خيانة» قومية تساعد في تعطيل مشروع الوحدة العربية.
محفوظ رأى أن هذا الطرح خاطئ من أساسه فمراجعة سريعة لتاريخ الأقطار العربية قبل «التجزئة الاستعمارية» - حين كانت هذه الأقطار تحت الحكم العثماني - تؤكد لنا أن تلك الوحدة لم تمنع استفحال العاميات العربية المختلفة على لسان الرعايا العثمانيين من العرب. وفي المقابل، فإن تعدد لغات القوميات في الاتحاد السوفياتي سابقًا، لم يمنع إنشاء دولة اتحادية كبرى مع تعزيز اللغات المحلية رسميًا.
أكثر من ذلك، إن ازدواجية اللغة العربية، في رأي عصام محفوظ، لم تنشأ في عصور الانحطاط، ولا في ظل التجزئة الاستعمارية، إنما في أحضان العصر الذهبي للإمبراطورية العربية، يوم كانت بغداد حاضرة عالمية. لذلك صح القول «إن النص المسرحي مع عصام محفوظ حقق نقلته النوعية حين هجر لغة الكتاب إلى لغة الخشبة»، معتمدًا الفصحى الشعبية التي يفهمها كل العرب.

 

 بين «الزنزلخت» و«الديكتاتور»
يعتبر عصام محفوظ أحد مؤسّـسي موجة الحداثة المسرحية وواضع أولى لبناتها. بدأ نضاله المسرحي منذ أوائل الستينيات مؤسّسًا مسرحًا لبنانيًا حديثًا، ومتأثرًا بالحركة المسرحية الغربية ومواكبًا لها. وقد أوجد أفقًا جديدًا له، هو أفق الإستفادة القصوى من انتصارات المسرح العالمي، واتجاه نبذ آخر آثار الدراما البورجوازية وصالوناتها. فقد أرّخت «الزنزلخت» لولادة المسرح اللبناني الحديث، حيث استخدم فيها محفوظ حوارًا بسيطًا طالعًا من صميم اللغة المحكية اللبنانية في جوّها وأمثالها، وهذا ما أضاف إلى النص مضمونًا محليًا سواء في التعبير أو في المسلك، بحسب شكيب خوري، من دون أن يحرم سعدون، بطل المسرحية، من المشاركة في القلق الكوني.
في مسرحيته الثانية التي حملت عنوان «الديكتاتور» (1969)، كرّس عصام محفوظ المفهوم التقني الجديد، لغة وحوارًا، عبر حوار ثنائي مشحون ومتوتر بين شخصين فقط، في استطاعتهما حبس المشاهد طوال ساعتين: أبرع حوار ثنائي طويل النفس عرفه المسرح اللبناني شكلًا ومضمونًا، على ما كتب كميل سعادة. أما في خصوص اللغة المسرحية الجديدة التي استخدمها محفوظ، فإنه على الرغم من لبنانية التعبير ولبنانية الأمثال، وتاليًا لبنانية اللغة، فقد قدّم المؤلف تركيبًا متميزًا حرّك هذه اللغة، معيدًا خلقها من جديد.
بالإضافة إلى كونه كاتبًا مسرحيًا درس محفوظ مادة التأليف المسرحي في الجامعة اللبنانية بين العامين 1970 و 1975.

 

إبداع متعدد الأوجه
للراحل الكبير أكثر من خمسة وعشرين كتابًا في التأليف والترجمة، نذكر منها في المسرح: «الزنزلخت» (1968) أخرجها برج فازليان، «الديكتاتور» التي أخرجها بنفسه ونالت عدة جوائز في مهرجان دمشق المسرحي (1970)، وكرّمت في مهرجان قرطاج (1987)، وبعد رحيله بنحو 6 سنوات نالت الجائزة الأولى لأفضل عمل مسرحي في مهرجان الشارقة (2012)، ومن أعماله المسرحية أيضًا «التعري»، و»ستيريو 70»، و«لماذا»...
وله في النقد عدة مؤلفات منها «مسرحي والمسرح»، الذي يتناول فيه التجربة المسرحية العربية الحديثة من خلال تجربته الشخصية في المسرح. ومن مؤلفاته الفكرية والقصصية والحوارية، «عاشقات بيروت الستينات»، «حوار مع الملحدين في التراث»...

 

صوت شعري خاص
خطّ قلم الشاعر محفوظ العديد من الدواوين الشعرية منها: «أشياء ميتة» (1959)، «أعشاب الصيف» (1961)، «السيف وبرج العذراء» (1963)، و«الموت الأول» (1972). ومن قصائده التي نشرت في مجلة شعر، «الجرذ»، «خريف» (1963)، «المأدبة» (1964)، «حديث آخر العهد» (1964)، «تعب في مساء الثاني والثلاثين من كانون»، و«القصيدة ذات الصوتين»...
محفوظ الشاعر، فرض على الساحة الشعرية صوته الخاص المتفرد المنسوج من الغنائية والذاتية والبعد الإنساني. توقّف عن كتابة الشعر بعد هزيمة 1967 وكانت آخر قصائده «وداع الأيام الستة»؛ إذ رأى أن الشكل المسرحي (الحواري) هو المناسب لمستجدات الوقت العربي. اتسمت قصائده بقوة لغتها وإحكام أسلوبها، وميلها إلى التعبير عن إنسان القرن العشرين والحالات التي يعيشها، بالإضافة إلى الميل للتجريب الشعري، من دون التخلي عن كتابة قصيدة التفعيلة بموسيقاها وأعاريضها، والتي استمدّ بعض تعبيراتها من الكتاب المقدس ورموزه.
في آخر سنوات حياته عاش عصام محفوظ صراعًا محموًما ومريرًا مع المرض الذي أصابه فجأة فتساقط جسده، عضوًا فعضوًا حتى الرمق الأخير، وغاب في الخامس من شباط 2006، ليبقى إسمه ساطعًا ومتألقًا بحبر إبداعه، زاهدًا بالأوسمة ونياشين التكريم التي لم يقبل أيًا منها.

 

تعدّدت المجالات... والاسم واحد

كان عصام محفوظ غزير الإنتاج في مجالات مختلفة، ومع أنه عرف بدرجة أولى من خلال إنتاجه المسرحي. فقد كانت مؤلفاته كثيرة في المجالات الأخرى التي كتب فيها.
في النقد له:
• «دفتر الثقافة العربية الحديثة»، «دار الكتاب اللبناني» (1973).
• «أراغون الشاعر والقضية»، «المؤسسة العربية للدراسات والنشر»( 1974).
• «سيناريو المسرح العربي في مئة عام»، «دار الباحث»(1981).
• «الرواية العربية الطليعية»، «دار ابن خلدون»(1981).
• «مشاهدات ناقد عربي في باريس»، «دار الباحث» (1981).
• «لقاءات شخصية مع الثقافة الغربية»، «الدار العالمية» (1984).
• «السوريالية وتفاعلاتها العربية»، «المؤسسة العربية للدراسات والنشر»(1987)».
• جورج شحادة ملاك الشعر والمسرح»، «دار النهار»، 1989.
• «المسرح مستقبل العربية»، «دار الفارابي» (1991).
•  «مسرحي والمسرح»، «مكتبة بيسان» (1995)...

 

ومن مؤلفاته الفكرية والسياسية:
• «حوار مع رواد النهضة العربية في القرن التاسع عشر»، دار رياض الريس للنشر» (1988).
• «حوار مع المتمردين في التراث»، «دار رياض الريس للنشر» (2000).
• «حوار مع ابن عربي»، «دار الفارابي» (2003).
• «حوار مع الملحدين في التراث»، دار «رياض الريس للنشر» (2004).
• «أبعد من الحرب»، «دار الآداب» (1993).
• «وأبعد من السلام»، «دار الفارابي» (1997).
• «الارهاب بين السلام والاسلام»، «دار الفارابي» (2002).
في القصة له،عاشقات بيروت الستينات»، «دار رياض الريس للنشر (2000).
وفي الترجمة،»قصائد ورسائل حب»، بول ايلوار، «دار الفارابي» (2003).
• «ماركس في أميركا»، هوارد زن،
«دار الفارابي» (2004).