معارض

مازن حيدر في «درابزين بيروت»
إعداد: جان دارك أبي ياغي


إضاءة على التراث المعماري للمدينة

بعدما خسرت بيروت إرثًا غنيًا من أبنية الحقبة العثمانية ومرحلة الإنتداب إثر عملية إعادة الإعمار بعد نهاية الحرب الأهلية، وبما أنّ معظمنا لا يعرف إلا القليل عن التراث العمراني لبيروت وماضيها الجميل الذي تحوّل معقلاً لرجال الأعمال والمراكز التجارية الضخمة، كان معرض «درابزين بيروت» للمهندس اللبناني والأكاديمي في الجامعة الأميركية في بيروت مازن حيدر الذي أقامه في «غاليري آرت فاكتم»- الكرنتينا.
يضمّ المعرض 40 تصميمًا مطبوعًا، وهو  يعدّ جزءًا من مشروع كبير استغرق العمل به 4 سنوات في فترات متقطعة، سيصدر في نهاية العام بين دفتي كتاب يحمل عنوان المعرض: «The Balustrades Of Beirut». سيشمل الكتاب توثيقًا للأحياء والأبنية والعمارات التي تتميز بالدرابزين، وسيضيء على العلاقة بين المهندس المعماري والحرفي، مظهرًا وثائق أصلية لعمارات قديمة. وقد تمّ هدم بعض الدرابزين، والبعض الآخر ما زال صامدًا في وجه العمليّة الممنهجة لردم ذاكرة المدينة. هنا، يشّدد الأكاديمي والمهندس اللبناني الشاب على ضرورة وضع قانون يحمي ما تبقى من تراث بيروت المعماري. ويضيف: «بدل أن تصبح قضيّة الحفاظ على التراث قضيّة هويّة تُعنى بها المؤسّسات الحكومية تداركًا لأخطاء السنين الماضية، فإنّ الدفاع عمّا تبقّى من نسيج معماري تاريخي بات يقتصر على الأفراد والجمعيات الأهليّة التي لم يعد أمامها سوى إطلاق نداءات الإستغاثة بين الحين والآخر علّها تسترعي عطف المستثمرين الجدد».
نماذج من أبرز التصاميم المنتشرة في جميع أنحاء بيروت: في المزرعة والحمرا والظريف ورأس النبع والقنطاري ومار مخايل والجميزة والأشرفية وغيرها من أحياء المدينة، إجتمعت في المعرض ونفّذت بتقنيات طباعية مختلفة، في محاولة لتوثيق جماليات تراث بيروت المعماري بين أواخر الثلاثينيات وحتى الستينيات، أي فترة الحداثة التي تغلغلت في المدينة قبل إندلاع الحرب.
منذ القرن التاسع عشر إلى فترة الحداثة، حافظ الدرابزين على طابعه الفني والمزخرف، وأعطى لأبنية المدينة وأحيائها طابعًا مميزًا. نكتشف مثلا، أن في منطقة «مار مخايل- النهر» هناك تصاميم درابزينية مشتركة.
وفي منطقة فرن الحايك واليسوعية، وكلما ابتعدنا عن وسط بيروت، أصبحت التصاميم أكثر بـساطة خصوصًا في منطقة فرن الشباك والشياح. وتبدو التصاميم الدرابزينية في منطقة الجعيتاوي أكثر شعبية من منطقة السيوفي.
أما في فترة الإنتداب فالرسومـات الدرابزينية كانت باريسـية. لكن خلال حقبة الاستقلال بدأ اندماج الرسوم، لتشكل الخصوصية اللبنانية (ساحة البرج مثلاً). وللأسف، افتقد الدرابزين في وسط بيروت معناه الفني الأساسي،
بينما حافظت منطقـة البسـطة الفوقا ومنـطقة التبـاريز وفرن الحايك وبدارو على الخصوصية الفنية في هذا المجال.
ويبدو من المعرض أن تراث الحداثة المعمارية الفني بأشكاله الدرابزينية في فترة الستينيات، ما زال موجودًا في منطقة بدارو والحمرا.
لقد توارثت بيروت الدرابزين مزخـرفًا من الـقرن التاسع عشر. والدرابزين، بأشكاله وتـصاميمه الحـديدية أو الملبّـسة بالـباطون أو بالحجر الرملي، يعتبر لوحة تشكيلية فنية بالنسبة إلى المصمــم المعمار، وتتميز به بيروت، كجزء من التراث الفني، وكذاكرة معمارية ذات قيمة فنية.
وتشكّل المجموعة المعروضة أداة جديدة يقدّمها مازن حيدر لقراءة المدينة واكتشاف خباياها الفاتنة التي ما تزال قائمة حتّى إشعار آخر.
يجدر بالإشارة أن المهندس مازن حيدر من مواليد بيروت، درس الهندسة المعمارية وتخصّص في الترميم المعماري في جامعة لا سابينزا في روما حيث أمضى أكثر من عشر سنوات من حياته. يمارس حاليًا الترميم المعماري في لبنان ويدرّس في الجامعتين الأميركيّة واللبنانيّة الأميركيّة.