ورشة عمل

ما بين القيادة والإدارة
إعداد: تريز منصور

التوجيه في ظلّ الأزمات ورشة عمل لكلّية فؤاد شهاب للقيادة والأركان في المعهد العالي للأعمال ESA

اعتبر السفير الفرنسي في لبنان إيمانويل بون أنه «لا يمكن فصل ممارسة القيادة عن التفكير بمكانة المؤسّـسات وأنّ تجسيد السلطة يحاكي حكمة للكاتب الفرنسي روسّو تقول: «ليس بمقدور أي إنسان أن يكون قويًّا بالقدر الكافي ليكون دائمًا الرئيس، ما لم يحوّل قوّته إلى قانون وطاعة في سبيل إتمام الواجب». كلام السفير الفرنسي جاء خلال ورشة عمل بعنوان ما بين القيادة والإدارة: «التوجيه في ظلّ الأزمات»، نظّمها المعهد العالي للأعمال ESA والمعهد الفرنسي للشرق الأدنى IFPO، بالتعاون مع كلّية فؤاد شهاب للقيادة والأركان.

 

المشاركون
أقيمت ورشة العمل في قاعة فتال في المعهد، وحضرها إلى جانب السفير الفرنسي، قائد كلّية فؤاد شهاب للقيادة والأركان العميد الركن علي مكي، مدير المعهد العالي للأعمال ESA اسطفان أتالي، ومدير المعهد الفرنسي للشرق الأدنى IFPO السيد إبرهارد كينلي، إضافة إلى ديبلوماسيين ورجال أعمال، وطلاب دورة الأركان الـ 30 وطلاب المعهد.
تندرج هذه الورشة ضمن سلسلة النشاطات الثقافية (ندوات ومؤتمرات...) التي تنظّمها كلّية فؤاد شهاب بالتنسيق مع هيئات مدنية وأكاديمية.

 

السفير الفرنسي
تطرّق السفير الفرنسي في كلمته إلى آلية اتخاذ القرار في الأزمات، ومما قاله: يفرض التعقيد في بيئتنا اليوم، أكثر من أي وقتٍ مضى، تعزيز التحضير المسبق للفعل، للمحافظة على قدرة اتخاذ القرار، وبالتالي ثمّة ضرورة لفهم أدوات الإدارة الجديدة وأدوات التحليل. وبالإستناد إلى آراء الجنرال ديغول، سأتحدث عن ثلاثة أبعاد أساسيّة لمنهجيّة اتخاذ القرار، وهي: التحضير، التوجيه والقيادة.
التحضير يعني إنشاء إطار منهجي للعمل. ففي عالم معقّد، يجب أن يشمل هذا الإطار بعدين أساسيين: امتلاك المعلومة وحسن استخدامها من جهة، وتقييم المخاطر من جهة أخرى. فاتخاذ القرار يتطلّب أولاً، القدرة على تلقّي المعلومات وتوزيعها ومعالجتها وحسن استخدامها باعتماد أدوات المعالجة والتنظيم...
واشار السفير بون إلى عوامل كثيرة تؤدي إلى ضبابية المعلومات والتي من شأنها شلّ القدرة على اتخاذ القرارات وعرقلة قدرة صنّاع القرار. ولفت في هذا الإطار إلى عملية Fortitude التي تمّت عشيّة إنزال الحلفاء في النورماندي في العام 1944، والتي سمحت بشلّ حركة القيادة العليا الألمانيّة، من خلال معلومات متناقضة ومغلوطة.
وأوضح أن تقييم المخاطر يجب أن لا يؤدّي إلى تقليص حجم الإمكانات، بل على العكس من ذلك، فمن شأنه توسيعه، لبلوغ أهداف محدّدة. وحسن السيطرة على المخاطر يتطلّب معرفة تحديد مستوى الخطر المقبول. والمعادلة الكلاسيـكـيـة خـطــورة/احـتـمالـيـة تشكّل إطارًا تصوّريًا لهذا التقييم.
أما مفهوم التوجيه فيكمن في القدرة على المحافظة على توازن غير مستقر، بين الإدارة الذاتيّة للفاعلين الأقرب إلى الميدان، وبين احترام إطار من شأنه المحافظة على وحدة شراكة جماعيّة. ففي الواقع، يفترض توافر إمكان اعتماد ردّات فعل متعدّدة تتيح للفاعلين التأقلم على مستوى محلّي من دون عرقلة مستوى الإدارة. وكما كتب الجنرال ديغول في Le Fil de L’épée: «إن الحدث هو مجموعة من البشر تتواجد في ظروف مختلفة»...لذلك ينبغي إسناد معظم الأعمال إلى الذين يتمتّعون ببعد نظر، وبالتالي يستطيعون إدراك النتائج والتبعات...وبالتالي فإن التوجيه يعني على نحوٍ أساسيّ، تركيز حدود مساحة المسؤوليّة الممنوحة لكلّ من الفاعلين وتطويرها.
وأضاف، تشمل القيادة بعدًا فكريًّا أساسيًّا، وفي حين تعني الإدارة مجموعة تقنيّة من الأدوات، والعمليّات، والتطبيقات الجيدة التي تهدف إلى تحسين سير العمل في المنظّمات، تعود القيادة لتشير إلى القيم التي تؤمّن في النهاية تماسك الجسم سواء كان، عسكريًا، إداريًّا، أو اجتماعيًا. ولا شكّ أنّه لهذا السبب ترتبط القيادة بعمقٍ بمفهوم الخدمة. ووفق الكاتب الفرنسي جان جيغودو، «إنّ الخدمة هي رمز الذين يحبّون القيادة». كذلك يتحدّث الوزير السابق ألان بيريفيت عن التعليمات التي قدّمها له الجنرال ديغول حين دخل الحكومة، حيث قال له: «لستم في خضمّ دخول الحكومة من باب الشرف والعزّة ولكن لإتمام مهمّة، أي لأجل الخدمة، خدمة فرنسا. يبدأ الأمر بخدمة الدولة. لقد تعلمتم اللغة اللاتينيّة ومفردة وزير تعني خادم، أما ناظر الدولة فيعني حارس أسرار الدولة، وهذا هو دوركم».
وختم السفير بون بالقول، من واجب المؤسّسات تأسيس هذه الشرعيّة على صعيد يتخطّى الأفراد الذين يجسّدونها، من أجل تأمين الحماية للمصلحة العامة. وبعيدًا من تمجيد «أسطورة» و«فخامة» الفرد القائد، لا بدّ من القول إنّ القيادة هي وقبل كل شيء، تقدير يُمنح للمؤسّسات، التي بدورها تمنح الأشخاص الموهوبين ميزة شرعيّة التصرّف وإخلاص شركائهم.

 

قائد الكلّية
شكر قائد كلّية فؤاد شهاب للقيادة والأركان العميد الركن علي مكي في كلمته القيّمين على ورشة العمل هذه، مشدّدًا على أهمية عقده في صرح المعهد العالي للأعمال. وقال: «قررنا تكريس يوم من برنامجنا الأكاديمي الحافل لإثارة موضوع يهمّنا جميعًا، وجمع عيّنة من صناع قرار الغد اللبنانيين وحثّهم على التفكير معًا حول شؤون القيادة والإدارة».
ففي ظلّ المخاطر المحدقة، وضبابية الحرب وعدم استقرار السوق، تُطرح أسئلة، ما هو القرار الواجب اتخاذه في نهاية المطاف؟ وما هي المزايا التي يجب أن يطوّرها صناع القرار المستقبليون للقيام بالخيارات الجيّدة أو الأقل سوءًا؟
وأضاف: نحن الضباط في الجيش، لسنا إداريين البتّة، لكن الجيش اللبناني يعدّ السّلطة الموظّفة الأولى في لبنان، وتنضوي تحت مظلّته عشرات مدارس الإختصاص، وبالتالي تضمّ مؤسـسة القوات المسلحة اللّبنانية أكثر من 70 ألف عنصر يتمّ تطويعهم وتدريبهم وتوجيههم نحو المجالات التي سيبرعون فيها على النحو الأفضل، كميكانيكيين، كسائقين، كمغاوير بحر أو كعاملين في مجالات المدفعيّة، والنقل أو حتّى كطيّارين... وبالتالي فإنّ إدارة الموارد البشريّة دائمة ومتواصلة في جيشنا، وعلينا دمج نساء ورجال في عملياتنا بطريقة أفضل...
وشدّد العميد الركن مكي على ضرورة ارتباط العسكريين بالمجتمع اللبناني الذي يدافعون عنه، بغية تمتينه وخلق معايير الأمن والازدهار، مركّزًا على أهمية فهم هموم هذا المجتمع وطرق تفكيره.

 

كينلي
اعتبر مدير المعهد الفرنسي للشرق الأدنى السيد إبرهارد كينلي في كلمته، أنه يمكن للمرء أن يتعلّم الكثير من النظريات العسكرية وتجاربها. وكمدير لمركز أبحاث، أبدى سروره بالمساهمة في إقامة حوار مع الجيش اللبناني حول مختلف المواضيع العسكرية، السياسية والبحثية...

 

أتالي
مدير عام المعهد العالي للأعمال السيد ستيفان أتالي تناول دور المعهد في تخريخ قادة وأصحاب قرار. وركّز على أهمية تفاعل طلابه مع المجتمعات الآخرى لتبادل الخبرات، معتبرًا أن التفاعل مع المجتمع العسكري مهم جدًا لهم لكونه يختزن الكثير من التجارب والخبرات القيّمة ويتقن فن القيادة.

 

المحور الأول
أدار المحور الأول في الورشة الخبير الفرنسي لدى الجيش (كلّية فؤاد شهاب للقيادة والأركان) المقدم الركن بيار هنري أوبري. وكان هذا المحور بعنوان «تحليل المحيط، التخطيط وإدارة المخاطر». وقد تناول المشاركون فيه عدة قضايا، أبرزها كيفية إدارة المخاطر في تخطيط العمليات العسكرية. وفي هذا السياق عرض العقيد الركن الدكتور جهاد مرعي (مدرب في الكلّية) حالة عسكرية هجومية، والمراحل التي تمرّ بها، بدءًا من التخطيط في أركان وحدة عسكرية معينة، وتحضير المعلومات للقائد، كي يتمكن من اتخاذ القرار المناسب بشأنها...
كما تطرّق العقيد الركن مرعي إلى كيفية مواجهة المخاطر أو العقبات التي تواجه القائد العسكري في أثناء تخطيطه لعملية عسكرية (وجود مدنيين، مبان تراثية، ورسمية ومنشآت حيوية، النقص في المعلومات العسكرية الاستخباراتية...).
وتحدّثت الدكتورة رولا حمود (مركز كليمنصو الطبي) في مداخلتها حول المخاطر في المستشفيات، أما السيد استيفان كارتييه (باحث في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى) فتحدث عن المخاطر الزلزالية في فرنسا.
وفي المحور نفسه، تحدّث السيد نبيه جبر (الصليب الأحمر اللبناني) عن المخاطر التي يتعرّض لها الصليب الأحمر اللبناني خلال الأزمات وكيفية مواجهتها للحدّ من الخسائر. وإذ أشار إلى أن الصليب الأحمر قد بدأ بورشة عمل حول إدارة المخاطر بهدف التوعية، أكد أن التعاون مع الجيش اللبناني قائم لحمايــة المسعفين خــلال الأزمــات.
وختم المحور رئيس أركان اليونيفل الجنرال ميشال غريتشينكو بمداخلة حول تخطيط العمليات وقيادتها، فعرض التجارب العسكرية والمخاطر التي عاشها خلال مسيرته العسكرية، وتحدّث عن الإدارة العامودية والأفقية، حيث أن العسكر يقود ويدير في الوقت نفسه، وبالتالي نكون أمام منظومة حيوية وطبيعية، يتعايش فيها العقل مع الإحساس في آن معًا.
وأوضح أن الإطار الزمني للإدارة أطول من الإطار الزمني للقيادة، وأن قرار القيادة العسكرية هو القرار المطلق، معتبرًا أن القيادة في الجيش ترتكز على مبدأ إثارة الشكوك، بحيث يكون للفعل أو للقرار المُتخذ وقع الصاعقة، وبالتالي يجب أن لا يتنبّأ أحد بما سيقوم به القائد العسكري.
كما تطرّق العميد غريتشينكو إلى أهمية التنظيم والتحليل في اتخاذ القرار المبني على معلومات قديمة وتجارب سابقة، مشدّدًا على أهمية عامل الوقت وعلى الحدس الشخصي للقائد وقوة ابتكاره.
 

المحور الثاني
أما المحور الثاني فحمل عنوان «إدارة العمليات والمخاطر» وقد أداره السيد الياس غانم. وكانت المداخلة الأولى للعقيد الركن أسطفان الشدياق (مدرّب في كلّية فؤاد شهاب) الذي تحدّث عن قيادة العمليات العسكرية (مرحلة التنفيذ). وأوضح أن تصميم العمليات يتألف من عدة مراحل: نقاط حاسمة، أهداف مرحلية، وهدف نهائي مع الخطط البديلة، التي يضطر القائد إلى وضعها تحسّبًا لعقبات قد تصادفها القوة المنفّذة في بعض الأحيان. فهذه العقبات تضعه أمام مسؤولية تكييف الخطط والأوامر مع المستجدات، من دون المغامرة بعدم الوصول إلى الهدف النهائي، بالإضافة إلى تحمّل مسؤولية العديد والعتاد، وكذلك مسؤولية المدنيين والأماكن التراثية... كما ركّز العقيد الركن الشدياق على أهمية إجراء تقييم مستمر للخيارات المتّخذة والتي يمكن إعادة تصويبها خلال تنفيذ العملية.
ثم كانت مداخلة للسيد جهاد بيطار حول إدارة المخاطر في قطاع الأعمال، وأخرى للبروفسور كريم مدجاج عن سيناريوهات المخاطر في هذا القطاع. كذلك، تحدّث المهندس أرنست بدوي عن المخاطر في الهندسة المعمارية، وختم الدكتور عبد المولى الشعّار بمداخلة حول المرونة التنظيمية كجواب على الأزمات.