متاحف من بلادي

متحف جميل ملاعب للفن التشكيلي
إعداد: جان دارك أبي ياغي

حلم العمر تحوّل حقيقة

لم ينتظر جميل ملاعب أحدًا ليبني له متحفًا، بل خطَّط بنفسه لبناء متحف يحتضن إنتاجه الغزير وتجاربه الفنية المتعددة، وجمالية إبداعاته، إلى جانب بصماتٍ لفنانين آخرين حفرَت عميقًا في مسار الفن التشكيلي اللبناني.

أقام ملاعب متحفه في بلدته الجبلية بيصور (قضاء عاليه) حيث نشأ متفاعلًا مع جماليات الطبيعة ويوميات الناس. ومع قيام هذا المعلم البارز في العام 2015، أضيفت إلى مميزات البلدة المعروفة بجمال طبيعتها وقصورها الأثرية وأنهارها الغزيرة، ميزة أخرى جعلتها حاضنة للفن والثقافة.

 

بناء المتحف حديث، فإلى جانب احتضانه الأعمال التشكيلية، صُمّم خصيصًا ليكون مركزًا فنيًا تزدهي فيه الندوات وورش العمل الفنية والحفلات الموسيقية، ويجمع بين التراث والحداثة والهندسة المعمارية الخاصة ببيصور.

 

هكذا بدأت الحكاية

شعر الدكتور ملاعب بعد غياب عديد من زملائه الفنانين بالقلق وبالخوف، وراودته أسئلة كثيرة عن مصير أعمالهم. فهل هي محفوظةٌ مثلاً بطريقة تليق بإبداعاتهم لتخليد ذكراهم؟ فكّر مليًّا بهذا الأمر وأصابته الخشية من أن تلقى أعماله المصير ذاته بسبب الغياب المؤسف لمتحف وطني يحتضن الأعمال الفنية اللبنانية. هكذا وُلدت لدى ملاعب فكرة إنشاء المتحف المستوحاة من متحفَي سرسق والأونيسكو.

ومع أنّ المتحف خاص وهو يحتضن جزءًا مهمًا من لوحات ملاعب ومنحوتاته، فقد ضمّنه الفنان أيضًا أعمال فنانين آخرين، لتكون بذلك في متناول المهتمين ومتذوقي الفنون.

 

تنوّع في الأعمال والمواضيع

يتألف المتحف من ثلاثة طوابق، الأول هو عبارة عن صالة للعروض والمحاضرات والموسيقى الكلاسيكية. أما الثاني فهو خاص بأعمال ملاعب التي تتنوَّع بين محفورات خشبية وتماثيل حجرية وأكثر من 50 لوحة موزاييك جدارية، إضافة إلى أعمال نُفّذت بتقنيات مختلفة (الغواش والأكريليك والألوان الزيتية)، وبأحجام ومواضيع متنوعة. أما الطابق الثالث فقد خُصِّص لعرض أعمال بعض الفنانين اللبنانيين التي لا يقل عددها عن 40 عملًا ولا يتجاوز عمرها 150 سنة. ومن هؤلاء الفنانين: جورج قرم، وخليل صليبي، وعارف الريس، وبول غيراغوسيان، وحليم جرداق، ومصطفى فروخ، وداود القرم، وصليبا الدويهي، وقيصر الجميل، وأدونيس ووجيه نحله، وشوقي شمعون وغيرهم...

 

مسيرة حافلة

موجودات المتحف هي نتيجة مسيرة تشكيلية حافلة بدأت منذ نهاية ستينيات القرن المنصرم، حين انتسب ملاعب إلى معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية ليتابع دراسة فن التصوير مزوَّدًا انطباعات ولّدتها البيئة التي نشأ فيها.

فقد انطلق ملاعب من بيئته الخاصة التي أيقظت في أعماقه حب الفن والابتكار، ثم تتلمذ على أيدي كبار أساتذة الفن التشكيلي، مثل بول غيراغوسيان وشفيق عبود. وتابع دراسته في جامعات ومعاهد الفنون في الجزائر والولايات المتحدة حيث نال درجة الماجستير في الفنون الجميلة من معهد برات في نيويورك، ودرجة الدكتوراه من جامعة أوهايو. بعدها تولى تدريس الفن التشكيلي في الجامعة اللبنانية، وفي الجامعة اللبنانية - الأميركية في بيروت. شغل منصب أمين عام نقابة الفنانين اللبنانيين بين العامين 1991 و1992. وتقديرًا لمسيرته الطويلة وإبداعه المتميز في عالمَي الرسم والنحت، منحه المنتدى الثقافي اللبناني جائزة «الإبداع اللبناني».

يدرك ملاعب أنّ الدولة اللبنانية قاصرة عن إنجاز متحف للتشكيل اللبناني، فكان متحفه الذي صار اليوم مقصدًا للمهتمين بلوحاته، كما بأعمال فنانين آخرين أغنوا المشهد التشكيلي اللبناني.