سياحة بيئية

محمية أرز الشوف
إعداد: جان دارك أبي ياغي

تجربة نموذجية للتنمية ضمن مفهوم بيئي متكامل


تعتبر محمية أرز الشوف الطبيعية الأكبر من نوعها في لبنان، وهي آخر امتداد للأرز اللبناني جنوبًا، وموئل مهم للطيور المهاجرة. تبلغ مساحتها حوالى 160 كلم2 وتحتوي على 30% من غابات الأرز المتبقية في لبنان، وهي تضم: غابة أرز عين زحلتا – بمهريه، غابة أرز الباروك، وغابة أرز معاصر الشوف. أنشئت هذه المحمية في العام 1996، وفي العام 2005، أعلنتها منظمة الأونيسكو مع القرى الـ «22» المحيطة بها، محمية محيط حيوي تغطي مساحة 500 كلم2، أي نحو 5% من مساحة الوطن.

 

رؤية وخطة خمسية
بالإضافة إلى تنوعها البيولوجي الغني جدًا والذي يتطوّر بشكل ملفت مع عودة اللبونات المتوسطة الحجم وأهمها الذئاب والوشق، تتميز هذه المحمية بارتباطها بالمجتمع المحلي الذي يشارك في إدارتها بإشراف وزارة البيئة الراعية لكل المحميات الطبيعية في لبنان(أصبح عددها 14 محمية).
تعمل محمية أرز الشوف لتحقيق أربعة أهداف أساسية، هي:
• حماية الطبيعة والمحافظة على الكائنات الحية.
• دعم السكّان المحليين عن طريق التنمية المستدامة.
• وضع المحمية على خارطة المحميات العالمية.
• بناء قدرات فريق العمل وتعزيزها.
ولتحقيق هذه الأهداف أعدت المحمية، وبالتعاون مع وزارة البيئة، خطة خمسية بدأ العمل بها في كانون الثاني 2013، تتمحور حول الآتي:
- حماية وإعادة تأهيل التنوّع البيولوجي والسلامة الإيكولوجية وخدمات النظم الإيكولوجية.
- تعزيز فعالية الفريق الإداري وقدراته من خلال تأمين المرافق، والأدوات، والموارد اللازمة لإدارة مساحة واسعة.
- دعم رواد الأعمال المحليين، مع التركيز على الفئات الأضعف (النساء، والشباب والعاطلين عن العمل).
- تعزيز موقع محمية أرز الشوف على المستويين المحلي والعالمي كوجهة رئيسية للسياحة البيئية.
 
الحماية: إنتاج الحطب الصناعي أبرز الانجازات
على صعيد حماية التنوّع الحيوي ومراقبته، تمّ إعداد خطة لإعادة تأهيل النظم الإيكولوجية وتحصينها لكي تكون أكثر تكيفًا مع التغيرات المناخية. وفي هذا الإطار، تم تأهيل ما يزيد عن 160 هكتارًا من أراضي المحمية بمناطقها الثلاث (النواة والعزل والتنمية) وذلك بالتعاون مع المجتمع المحلي والبلديات والتعاونيات الزراعية. وقد اعتمدت عمليات إعادة التأهيل على أساليب ووسائل مختلفة ومتنوعة. أما الإنجاز الأبرز والمثل الحي على العمل المستدام في هذا المجال، فهو إنتاج الحطب الصناعي، بالتعاون مع وزارة الزراعة. فبهدف تخفيف خطر حرائق الغابات والحدّ من قطعها للحصول على الحطب كمادة للتدفئة في فصل الشتاء، تمّ تحويل الكتلة الحيوية (مواد عضوية مكونة من النباتات والحيوانات والكائنات الدقيقة) بعد خلطها مع جفت الزيتون، إلى حطب صناعي مضغوط يغني عن الحطب الطبيعي. وينتج معمل الكتلة الحيوية في منطقة السيمي- بشتفين، حوالى مليوني حطبة مضغوطة سنويًا على أن يصل في مرحلة لاحقة إلى خمسة ملايين تغطي حاجة المنطقة بكاملها. يذكر في هذا السياق أن المحمية وزعت كمية من الحطب مجانًا على العائلات المعوزة بالتعاون مع البلديات. إلى ذلك تمّ تجهيز فريق الحماية الذي يتفرّغ أفراده لتسيير الدوريات وقمع المخالفات ومنع التجاوزات.
 
الأبحاث والمراقبة: ظهور أنواع كانت منقرضة وأخرى نادرة
في إطار الأبحاث العلمية ومراقبة التنوع الحيوي، وبالتعاون مع الاتحاد العالمي لحماية الطبيعة، تركّز العمل على مراجعة مختلف لوائح الأنواع في المحمية. وفي حين تضم لائحة النباتات 1056 نوعًا (101 عائلة نباتية)، تتوزع الحيوانات بين 290 نوعًا من الطيور، و31 نوعًا من اللبونات، و27 نوعًا من الزواحف والبرمائيات. وقد تمّ إعداد محفظة (ملف) للتنوع الحيوي في المحمية وخطة متكاملة للمراقبة. ومن الإنجازات التي ما زال العمل فيها مستمرًا، إعادة إدخال وعل الجبل الذي كان قد انقرض من جبال لبنان قبل حوالى قرن من الزمن، ومراقبة الوشق (Caracal) الذي يعتبر ظهوره من أهم ما تحقق على مستوى الحماية في المحمية خصوصًا وفي لبنان عمومًا، إلى عودة الذئاب للعيش على شكل مجموعات في المحمية.
 
السياحة البيئية: مراعاة البيئة وتأمين التنمية المستدامة
تعتمد السياحة البيئية على الطبيعة وتكون في الوقت نفسه أداة لحمايتها ولتأمين التنمية المستدامة للسـكـان المـحـلـيـين. في هذا الإطار، ما زال العمل يجري حثيثًا لتطوير البنى التحتية وتحسين الخدمات. وهذا ما يظهر جليًا من خلال تجهيز كل مداخل المحمية بألواح الطاقة الشمسية لتوليد الطاقة الكهربائية، وتأهيل شبكة من الدروب بطول 250 كلم داخل المحمية ومحيطها، بالإضافة إلى وضع إشارات توجيهية ولوحات معلومات. وبهدف الحدّ من التلوث، استحصلت المحمية على حافلتين صغيرتين تعملان على الطاقة الكهربائية لنقل السواح داخلها. وقد بدأ الترويج لاعتماد «البناء الأخضر» الذي تراعى في تصميمه وتشييده واستخدامه المعايير البيئية وشروط الاستدامة. في هذا الإطار أيضًا، تمّ تأهيل «بيت المحمية» في معاصر الشوف، (المبنى المخصص للإدارة)، من خلال ترميم بيت قديم وتجهيزه بالطاقة الشمسية. أما الإنجاز الأبرز فهو إنشاء مبنى «طاولة عميق» الذي نال الجائزة الأولى في المسابقة التي نظمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومركز IPT للطاقة المتجددة، كأفضل مبنى بيئي في لبنان. يحتوي المبنى على مطعم بيئي يقدّم مأكولات بلدية تقليدية تتولى صنعها سيدات من القرى المحاذية بإشراف «سوق الطيب» وإدارته، وبالتعاون مع مصلحة آل سكاف.
وبما أنّ المجتمع المحلي هو ركن أساسي للسياحة البيئية، كان من الطبيعي تشجيع السكّان المحليين ودعمهم لإنشاء خدمات سياحية مثل بيوت وطاولات الضيافة، الإرشاد السياحي، صناعة المأكولات البيتية والحرف اليدوية وغيرها. ولهذه الغاية، نُظمت برامج تدريبية لكل مقدّمي تلك الخدمات بالإضافة إلى المسؤولين عن المرافق السياحية في منطقة التنمية في المحمية، وفي المناطق الشوفية المحاذية. وبنتيجة هذه الجهود، تمّ إعداد شعار للجودة خاص بالمحمية، وشبكة السياحة البيئية، بالإضافة إلى رزم سياحية لتشجيع السواح المحليين والأجانب، تضمنت خرائط للسياحة البيئية لعدد من القرى مع إعطاء كل قرية طابعها المتميز.

 

التوعية البيئية: مواطن يتبنّى أرزة
عملت المحمية بمختلف الوسائل المتاحة على نشر الوعي البيئي في المدارس والجامعات، وفي المجتمع المحلي ولدى الجمعيات والأندية الناشطة. تركّز حملات التوعية البيئية على موضوع معين كل عام وقد أتت بنتائج عملية ملموسة. على سبيل المثال لا الحصر، تمكن طلاب من تصميم وبناء برج خشبي مقابل البركة الجبلية في غابة أرز الباروك لمراقبة الطيور والحيوانات البرية، وذلك بمساعدة مجموعة من المهندسين من مؤسسة إيطالية متخصصة. يحمل هذا البرج رسالة بيئية واضحة، وهو جزء من حملة مكافحة البناء العشوائي، من خلال الدعوة إلى البناء في محيط المحمية بشكل يتكامل مع تضاريسها وتنوعها. مثل آخر، هو تصميم مقعد للساحات العامة في قرى المحمية مسدس الأضلاع مستوحى من كوز شجرة الأرز، حيث تمّ وضع الأنموذج الأول منه في ساحة بلدة معاصر الشوف. وبما أن الصيد العشوائي يشكل هو الآخر خطرًا كبيرًا على البيئة، نظمت حملات سنوية عديدة لزيادة الوعي حوله والتعرّف إلى النباتات وغابات الأرز والطيور والحيوانات وغيرها. ولتشجيع المواطنين في المنطقة ولبنان على الانخراط في البرامج البيئية، تستمر المحمية في تطوير برنامج «تبنّي أرزة»، حيث يمكن لأي شخص مقابل مبلغ بسيط زرع أرزة باسمه والحصول على شهادة ملكية وبطاقة عضويّة تخوله الدخول إلى المحمية، مع وضع إشارة خشبية تحمل إسمه والتاريخ ورقم الأرزة.
 
 

التنمية الريفية: دعم الحِرف والمنتجات التقليدية
باشرت جمعية أرز الشوف بتنفيذ برنامج التنمية الريفية في العام 1999، وهو يهدف إلى دعم المجتمع المحلي عبر المحافظة على الحِرف والمنتجات التقليدية وتطويرها لتحسين نوعية الحياة وتشجيع السكّان المحليين على البقاء في ريفهم. لقد سعت المحمية إلى تطوير برنامج متكامل يبدأ بالتوعية والتدريب مرورًا بالدعم ومن ثم التسويق. ولهذه الغاية، قامت الجمعية بتدريب النساء على الطرق الصحيحة لتصنيع المنتوجات البلدية وحفظها. ولتسهيل هذه العملية، أنشأت ثلاثة مشاغل في القرى المحيطة (جباع، مرستي، وبعذران) مجهزة بالمعدات الضرورية لعملية حفظ المنتجات وتعليبها وفق الشروط الصحية، علمًا أن العمل يخضع لمراقبة اختصاصيين في هذا المجال. وبما أن الزراعة ما زالت المورد الأساسي للكثير من السكّان المحليين، فقد ارتكزت التوعية على جعل الممارسات الزراعية أكثر صداقة للبيئة، وأكثر تكاملاً مع حماية الطبيعة. ويمكن القول إن البرنامج خطا خطوات كبيرة من خلال التدريب المستمر وورش العمل وبالتالي التسويق.

 

بناء القدرات: تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية
بما أنّ الأهداف أصبحت أكثر وضوحًا مع الخطة الخمسية، بدأ العمل على تنمية قدرات كل الشركاء من موظفين ومتطوّعين وأبناء المجتمع المحلي بالإضافة إلى الزوّار. لهذا تعمل المحمية، وبشكل مستمر، على تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية في كل المجالات التي تتعلق بطبيعة عملها، يشارك فيها إلى فريق العمل، البلديات، المرشدون المحليون، مقدّمو الخدمات حول المحمية والمزارعون وغيرهم. كما يشارك فريق عمل المحمية بدورات تدريبية متخصصة داخل لبنان وخارجه. تجدر الإشارة هنا إلى أن برنامج «بلدي كاب» الممول من الوكالة الأميركية للتنمية (USAID) والذي نفّذته شركة MSI عبر مجموعة من المدرّبين المحترفين، شكّل نقلة نوعية على صعيد العمل الإداري الذي أصبح أكثر حرفيةً وتنظيمًا، بفضل اعتماد سياسات تتعلق بالموارد البشرية وإدارة المتطوّعين والأمور الإدارية والمالية.
 
 

غابة أرز الباروك
تقع بلدة الباروك- الفريديس على المنحدرات الغربية لجبل لبنان على ارتفاع يراوح بين 1000 و1900 متر، وتعتبر بلدة الأرز والنبع والنشيد الوطني، وهي من أكثر القرى شهرة في منطقة الشوف ولبنان. تستمد شهرتها هذه من غابة الأرز، ومن نبعها، ومن كونها البلدة التي ترعرع فيها الشاعر الكبير رشيد نخله مؤلّف النشيد الوطني اللبناني، والشيخ الجليل أبو حسن عارف حلاوي، أحد أهم المرجعيات الدينية البارزة في القرن العشرين.
تبلغ مساحة غابة أرز الباروك 400 هكتار وهي تشكّل الجزء الأكبر من محمية الشوف المحيط الحيوي، إذ تغطي مساحات واسعة من جبل لبنان والبقاع. للباروك- الفريديس دور أساسي في إدارة المحمية عبر بلديتها ومتطوّعيها وفريق عملها.
تمتد المنطقة المحمية من ضهر البيدر شمالاً إلى جبل نيحا جنوبًا مرورًا بجبل الباروك على طول سلسلة جبال لبنان الغربية. وتغطي غابات البلوط المنحدرات الشمالية الشرقية، وغابات العرعر والبلوط المنحدرات الجنوبية الشرقية.

 

درب الباروك للسياحة البيئية
هذا الدرب مخصص لهواة السير الذين يحبون الاستمتاع بالمناظر الطبيعية واستكشاف معالمها. وهو يبدأ من مدخل غابة أرز الباروك لمحمية الشوف المحيط الحيوي على ارتفاع 1350 مترًا، ويتجه نزولاً عبر المعالم الآتية:
- مركز رشيد نخله الثقافي (يقع بالقرب من النبع ويفتح من الساعة التاسعة صباحًا إلى الرابعة بعد الظهر).
- مطحنة النص المائية.
- كنيسة مار أنطونيوس الكبير.
- مقام الشيخ الجليل أبو حسن عارف حلاوي.
- معصرة الوطى للعنب.
- معصرة العنب الرومانية في الوطى.
- غابة دلبون وشجرة أم شراطيط.
- جسر الدلبي التاريخي.
ثم يصعد الدرب باتجاه غابة أرز الباروك ومدخل المحمية، ويمكن السير عليه عبر خطين قصيرين:
الخط الأول: درب الطبيعة، وهو مخصص لمحبّي الطبيعة وللمصورين إذ إنه يحفل بالمناظر الطبيعية الأخّاذة، وبغابة من الصنوبر حيث الهواء النقي المنعش.
الدرب الثاني: درب القرية، وهو أطول من الأول، بحيث يمكن للزائر أن يمضي وقتًا أطول في القرية لتذوّق المأكولات المحلية في السوق، وللتعرّف على سكّان البلدة، كما يمكنه زيارة المعالم التاريخية والسياحية المتنوعة فيها.