- En
- Fr
- عربي
مستقبل التعاون الروسي - الصيني على ضوء التحديات العالمية
المقدمة
تتّسم العلاقات الصينية الروسية بالكثير من التعقيد بسبب تاريخها المتقلّب بين التعاون والتنافس وحتى النزاعات المحدودة، رغم سعي الطرفين إلى إظهار توافقهما حول الملفات الدولية الكبرى خصوصًا بعد الحرب الروسية الأوكرانية الأخيرة التي اندلعت على أثر الهجوم الروسي على اوكرانيا في 24 شباط/فبراير 2022، والعقوبات المفروضة من الغرب على موسكو وسعي الولايات المتحدة إلى تطويق الصين اقتصاديًا. أكّد الرئيس الصيني شي جين بينغ ذلك خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو في أذار/مارس2023، معتبرًا أنّ البلدين "أكبر قوتين كبيرتين جارتين وشريكين استراتيجيين على كل المستويات". كما وافقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرأي من خلال إشارته في مناسبات عديدة إلى عمق العلاقة التي تربط البلدين. يستمر هذا التوافق، أو ما اصطلح تسميته بالشراكة الاستراتيجية بين موسكو وبكين والتي يزيد عمرها أكثر من عقدين من الزمن، في التطّور نحو المزيد من التعزيز، وهو الاتجاه الذي لن يؤدي التنافس الأميركي مع الصين وروسيا إلّا إلى تسريعه. بالمقابل، يختلف العملاقان العالميان في عدّة ملفات، من مصالحهما الاقتصادية إلى صراع النفوذ في منطقة آسيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقًا وفي القارة الأفريقية.
تتناول هذه الدراسة في قسمها الأول الشراكة الاستراتيجية الروسية الصينية، التي تشمل التعاون في المجالات السياسية الاقتصادي والعسكري. ثم يطرح السؤال عمّا إذا كان من الممكن أن تكون موسكو وبكين على وشك تشكيل تحالف. سيتم أيضًا تحليل التفاعل الروسي الصيني في مناطق أوراسيا حيث لكل منهما مصالح كبيرة ومصالح متقاطعة: شرق آسيا، ومنطقة ما بعد الاتحاد السوفياتي مع التركيز على آسيا الوسطى وجنوب القوقاز، والقطب الشمالي. يرسم القسم الأخير عدّة سيناريوهات لمستقبل العلاقة بين القطبين.
القسم الأول: الشراكة الاستراتيجية
تعزّزت العلاقات بين روسيا والصين منذ إعلان "الشراكة الاستراتيجية" الصينية الروسية في عام 1996 بسبب حاجة الصين إلى الطاقة التي ضمنت روسيا توفيرها عبر مشاريع اقتصادية ضخمة. كان منتصف التسعينيات بمثابة نقطة تحوّل في السياسات الخارجية لروسيا والصين. شعرت موسكو بخيبة أمل مريرة، بل وحتى بالغضب، تجاه الغرب، واعتبرت نفسها تُعامل على أنها خصم مهزوم يمكن أن يكون في أفضل الأحوال شريكًا صغيرًا في النظام الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. في الوقت نفسه، تعرّضت بكين للإذلال في أزمة مضيق تايوان بين العامين 1995 و1996، والتي أظهرت عجز الصين في مواجهة القوة العظمى الأميركية وعدم قدرتها على منع السفن الحربية الأميركية من الإبحار في المضيق.
استمرت العلاقات بالنمو حتى 2014 بعد الضغوط الغربية والأميركية حين شهدت نقلة نوعية عقب قيام روسيا بضم جزيرة القرم عام 2014، فتعاون البلدان في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية بالرغم من وجود بعض النقاط التي تتنافسان عليها.
أولًا: التعاون السياسي
بعد أن كانت العلاقات متأزّمة بين الصين والاتحاد السوفياتي سابقًا وبينها وبين وريثته روسيا بسبب النزاع على النفوذ في دول آسيا الوسطى والخلافات الحدودية، وقّع الجانبان على اتفاقية حسن الجوار عام 2001 التي تمّ تجديدها في عام 2021، وقاما بتجاوز الخلافات وتعزيز التعاون الاستراتيجي بينهما. نصّت هذه الاتفاقية على ضرورة حل كل أشكال الخلافات بين البلدين بالوسائل الدبلوماسية والسلمية، بالإضافة إلى الكثير من الإجراءات لبناء الثقة كالتعاون الدائم في المجال العسكري والتقني، وتخفيض عديد القوى العسكرية التي تتواجد على طرفي الحدود بين البلدين التي تمتد على مسافة 4300 كلم، وضرورة ضمان أمن واستقرار المناطق المجاورة للصين وروسيا. كما شدّدت الاتفاقية على سيادة كل دولة على أراضيها، وأنّ لا مطالب لأي طرف في أراضي الآخر، ونادت بعدم انضمام أي طرف إلى تحالفات تهدّد الآخر. تمسّكت الصين وروسيا في هذه المعاهدة بإقامة نظام دولي جديد متعدد الأقطاب يسوده العدل والإنصاف ويرتكز على القانون الدولي.
خلال سنوات تطبيق هذه الاتفاقية، أعرب البلدان عن تضامنهما في محطات عديدة، كما حصل عندما تعرّضت روسيا لعقوبات اقتصادية بعد ضم القرم في عام 2014، وعندما تلقّت الصين قرارًا معاكسًا من محكمة العدل الدولية بشأن توسعها في بحر الصين الجنوبي في عام 2016. كما عمل البلدان بانسجام في مجلس الأمن الدولي فيما يتعلّق بالحرب في سوريا وغيرها من القضايا الأمنية.
شهدت العلاقات السياسية مؤخرًا تطورًا ملحوظًا مع امتناع الصين عن التصويت على أي قرار يدين الأعمال الروسية في أوكرانيا على الرغم من التحفظّات الصينية على الحرب الأخيرة. لا تريد الصين لروسيا الخسارة أو استنزاف قدراتها العسكرية ونفوذها باعتبار أنّ بكين تتخوف من التحالفات الإقليمية والدولية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية لتطويق دور الصين وتحجيم نفوذها، ولذلك تبحث عن تسوية سلمية بين روسيا وأوكرانيا ووقف الحرب الدائرة قبل أن تتوسّع رقعتها. تلتزم الصين الحياد في هذا الصراع، وهي ليست طرفًا يشارك فيه ولم تقدّم مساعدات عسكرية لأي جانب من الجانبين. لا تؤيّد الغزو صراحة لأنّها تريد أن تظهر كقوة دولية عالمية تتطلّع للقيام بأدوار مناقضة للأدوار الأميركية، من خلال السعي إلى تحقيق السلام سواء بالشرق الأوسط أو آسيا أو مناطق النزاع المختلفة. لذلك، بذلت جهودًا لدعوة الأطراف لحل الأزمة عبر الطرق الدبلوماسية، وقدّمت مساعدات إنسانية إلى الشعب الأوكراني.
يسعى الجانبان الروسي والصيني بشكل عام إلى إيجاد نظام عالمي جديد متعدّد الأقطاب تلعب فيه مجموعة بريكس ومنظمة شانغهاي للتعاون دورًا كبيرًا. على صعيد آخر، وبصفتهما عضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي، يعتبر البلدان أنّ تعزيز التعاون والتواصل بين البلدين يساهم في بناء الهيكل المتعدّد الأقطاب في العالم، حيث يلتزم كل منهما بالتعدّدية وديمقراطية العلاقات الدولية ويعارضان سياسة القوة والهيمنة والعقوبات أحادية الجانب على دول أخرى. كما يدفع تصاعد التوتر العالمي الصين وروسيا إلى تعزيز علاقاتهما لضمان السلم والاستقرار الإقليميين، وحماية التوازن السياسي في العالم. تأكيدًا على هذا النهج، وخلال السنوات الأخيرة، حافظ زعيما البلدين دائمًا على تواصل وثيق، فعقدا نحو أربعين لقاء بينهما منذ عام 2013.
ثانيًا: التعاون الاقتصادي
يتأكّد العنوان الاقتصادي للتفاعل بين البلدين عبر سلسلة واسعة جدًا من اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية والمشاريع الضخمة في البنى التحتية وقطاعات النفط والطاقة. تُعدّ بكين المستفيد الأول من هذا التعاون وفقًا لأرقام الميزان التجاري للجانبين وخاصة في ظل حاجة الصين لمصادر الطاقة الروسية التي تحصل عليها بأسعار تفضيلية بعد توقف أوروبا، التي كانت المستهلك الأول لمصادر الطاقة الروسية، عن استيراد النفط والغاز والفحم من موسكو بعد الحرب الأوكرانية. منذ عام 2015، زادت روسيا صادراتها النفطية إلى الصين بنسبة 60% لتحل محل المملكة العربية السعودية كأكبر مورد للنفط الخام إلى هذا البلد، خاصة بعد تدشين مشروع "خط قوة سيبيريا" الذي وقّع الجانبان على إنشائه، عام 2014، وبلغت قيمته 400 مليار دولار، والذي اعتبر واحداً من أكبر مشاريع الطاقة في شرق آسيا، وهدف لتوريد 38 مليار طن سنوياً من الغاز الروسي إلى الصين لمدة 30 عاماً، وفق إطار زمني متفق عليه بين الجانبين. ووفقًا للجمارك الصينية، في عام 2022، زادت واردات الصين من النفط الروسي بنسبة 8.2% لتصل إلى 86.2 مليون طن، وزادت إمدادات الغاز الطبيعي المسال بنسبة 44% لتصل إلى 6.5 مليون طن. ويصل الغاز الروسي إلى بكين حالياً من خلال خط الأنابيب هذا الذي يمر عبر منطقة سيبيريا، وتسعى موسكو لبناء خط أنابيب عملاق ثان بين البلدين هو "طاقة سيبيريا 2" الذي سيمر عبر منغوليا. ومن المتوقع بحلول 2030، أن يسمح "طاقة سيبريا 2" لروسيا بزيادة صادراتها للصين إلى حوالى مئة مليار متر مكعب من الغاز في السنة. كما تعمل روسيا على زيادة إمداداتها الغذائية إلى الصين. يرمز الجسران اللذان تم الانتهاء من تشييدهما مؤخّرًا على نهر آمور الحدودي، أحدهما لحركة السكك الحديدية والآخر للمركبات، إلى التقارب المتزايد بين الدولتين.
جسر الصين-روسيا تونغجيانغ-نيجنلينينسكوي
في أعقاب اتفاقيات تجارة الطاقة والتسليح في العقد الماضي، أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لروسيا في عام 2023، إذ بلغ إجمالي حجم التجارة المتبادلة بين البلدين أكثر من 240 مليار دولار بزيادة نحو 30 بالمئة مقارنة مع ما كان الحال عليه في نفس الفترة من العام السابق. كما يعمل البلدان على توسيع تعاونهما في مجالات تقنيات الجيل الخامس والتجارة الإلكترونية العابرة للحدود والاقتصاد الرقمي والاقتصاد المنخفض الكربون وغيرها من المجالات الجديدة. يتعاون البلدان أيضًا في المجال المالي. ففي عام 2019، وقّعت موسكو وبكين اتفاقية للتحوّل إلى العملات الوطنية في التجارة الثنائية مع تكثيف الجهود للابتعاد عن الدولار الأميركي.
بالرغم من هذا التطّور الحاصل، فشلت موسكو في جذب الاستثمارات الصينية، في الوقت الذي ما زالت فيه مصمّمة على تجنّب زيادة التبعية للصين، خوفًا من فقدان استقلالها وسيادتها. كما أنّ بعض الشركات الصينية الكبرى مثل هواوي انسحبت من السوق الروسية خشية تعرضها لعقوبات غربية مثل تلك التي كانت تفرض على من يتعامل مع إيران. أضف إلى ذلك، رفضت روسيا بيع الأصول الاستراتيجية للصين، مثل الموانئ، كما أحجمت عن قبول القروض الصينية، حرصًا منها على عدم تحمل ديون كبيرة لها.
ثالثًا: التعاون العسكري
ساهمت مبيعات الأسلحة الروسية بشكل كبير في التحديث العسكري للصين في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين. في عام 2015، وافقت موسكو على بيع الصين اثنين من أفضل أسلحتها التقليدية، أنظمة صواريخ أرض جو إس-400 وطائرات مقاتلة من طراز سو-35، ما جعل بكين أول مشتري أجنبي لها.
لم تقتصر مساعدة روسيا للصين على الأسلحة التقليدية فقط. ففي تشرين الأول/أكتوبر 2019، أقدمت روسيا على مساعدة الصين في بناء نظام إنذار مبكر للهجوم الصاروخي الذي يسمح باكتشاف الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. إشارة إلى أنّ الولايات المتحدة وروسيا تمتلكان فقط مثل هذه الأنظمة التي تشكّل مكوّنات حاسمة لقدرتهما على الردع الاستراتيجي. يدل هذا الأمر على تطوّر نوعي في التعاون العسكري والسياسي والتكنولوجي بين روسيا والصين.
تتزايد الجهود المشتركة من قبل روسيا والصين في مجالات الدفاع الصاروخي الاستراتيجي والغواصات التي تعمل بالطاقة النووية. إشارة إلى أنّ التعاون العسكري الحالي بين روسيا والصين يقع في الغالب في مجالات لا تًعرّض الأمن القومي الروسي للخطر، ولكنه سيعقّد بشكل كبير التخطيط العسكري الأميركي تجاه الصين. علاوة على ذلك، على الرغم من أنّ الصين لا تزال تعتمد بشكل كبير على روسيا في مجالات مثل محركات الطائرات عالية الأداء، فقد تفوّقت بكين على موسكو في مجالات الذكاء الاصطناعي وبناء السفن والطائرات بدون طيار.
تعتبر التمارين العسكرية المشتركة من المجالات المهمة الأخرى للتعاون العسكري الصيني الروسي. على الرغم من أن القوات الروسية والصينية كانت تتدّرب بانتظام معًا منذ عام 2005، إلّا أنّ اللحظة الهامة جاءت في ايلول/سبتمبر 2018 عندما شاركت الصين بآلاف القوات والمركبات في مناورات فوستوك 2018 الاستراتيجية الروسية التي أجريت في الشرق الأقصى الروسي، والتي تعد أكبر مناورة عسكرية للبلاد منذ عام 1981. أرسل دعوة روسيا للصين للمشاركة في تدريبات فوستوك وقرار بكين بزيادة حجم مشاركتها العسكرية إشارات مهمة. لو لم تشارك الصين، فإنّ أي تدريب على هذا النطاق من شأنه أن يثير بطبيعته شكوك المسؤولين الصينيين في أنّ المناورات الحربية تستهدفهم. على العكس، بدءًا من عام 2014، كانت موسكو حريصة على جعل سيناريو التدريبات في فوستوك يعتمد بشكل أكبر على مجابهة الهجوم الجوي والبحري، أي أنّه يستهدف قوات التدخل السريع الأميركية وحلفاءها في المحيط الهادئ، بدلاً من مجابهة القوات البرية التي من الممكن أن تتضمن قتالًا ضد القوات الصينية. تُعد المشاركة الصينية الرسمية مؤشرًا آخر على أنّ روسيا والصين أكثر ميلاً إلى تحقيق التوازن مع الولايات المتحدة عوضًا من القيام بذلك بين بعضهما البعض. إضافة إلى هذه التمارين المشتركة، يجري الجيشان الصيني والروسي اعتبارًا من العام 2019 دوريات جوية استراتيجية مشتركة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، تعكس هي الأخرى مستوى عال من التعاون العسكري المتزايد والثقة المتبادلة بين القوتين.
علاوة على ذلك، ضمّن الصينيون وثائقهم العسكرية إشارات واضحة إلى المكانة الرفيعة للعلاقات العسكرية بين الصين وروسيا. جاء في الكتاب الأبيض الصيني لعام 2019 حول الدفاع الوطني، أنّ "العلاقة العسكرية بين الصين وروسيا مستمرة في التطور على مستوى عالٍ، ما يعمل على تعزيز شراكة التنسيق الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا ويلعب دوراً مهماً في الحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي العالمي".
أخيرًا، تجدر الملاحظة إلى أنّ حجم وطبيعة أنشطة البلدين المشتركة في المجالات العسكرية والأمنية وتكنولوجيا الدفاع يتوافقان مع الاستعداد لعمل عسكري مشترك محتمل ضد دولة معادية كبرى. بدأ هذا الواقع بالفعل في تعقيد الموقف العسكري الأميركي بشكل خطير. فالولايات المتحدة لا تملك القدرة على التعامل في الوقت نفسه مع روسيا الصاعدة في أوروبا والتحدّي الصيني في المحيط الهادئ. لم يعد السيناريو الذي تتّخذ فيه الصين وروسيا إجراءات عسكرية منسّقة في المحيط الهادئ والمسارح الأوروبية يبدو خيالياً أبداً. على سبيل المثال، تغزو الصين تايوان خلال شن روسيا عمليتها العسكرية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا. كما يُعدّ شمال شرق آسيا حاليًا المسرح الأكثر ملاءمة لتفعيل التحالف العسكري الناشئ بين موسكو وبكين. تتمتّع روسيا والصين بحضور مباشر في المنطقة، حيث تحتفظان بإمكانات عسكرية كبيرة يمكن، إذا تم دمجهما، أن يكمل كل منهما الآخر. الأهم من ذلك، أنّها تقع في شمال المحيط الهادئ حيث تتقاطع بشكل مباشر مع الولايات المتحدة. يعتقد بعض المحلّلين الروس أنّ إحدى الخطوات التالية في التعاون العسكري يمكن أن تتمثّل في تشكيل مجموعة مشتركة مكوّنة من طائرات الاستطلاع وطائرات النقل، لمساعدة القوات الروسية والصينية العاملة في المحيط الهادئ. إذا استمرت الشراكة العسكرية بين الصين وروسيا في اتجاهها التصاعدي، فسوف تؤثّر حتماً على النظام الأمني في غرب المحيط الهادئ. من الممكن أن تتحدى التحركات المشتركة من جانب روسيا والصين نظام التحالفات التي تتمحور حول الولايات المتحدة في شرق آسيا وأن تغير التوازن الاستراتيجي هناك. من الممكن أيضًا تسيير دوريات في المستقبل بين الصين وروسيا وغيرها من المهام العسكرية المشتركة التي تتنافس مع التفوق العسكري الأميركي خارج شرق آسيا، على سبيل المثال، في المحيط الأطلسي، أو الشرق الأوسط، أو حتى منطقة البحر الكاريبي، خاصة وأنّ الصين تعمل على تنمية قدراتها على استعراض القوة وبناء جيش قوي وإنشاء شبكة من القواعد العسكرية الخارجية، كما هو الحال في جيبوتي وجوادار الباكستانية.
القسم الثاني: امكانية التحالف
تؤدّي المستويات المتزايدة للتعاون الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري بين روسيا والصين حتماً إلى التساؤل عمّا إذا كان بإمكانهما أن يكونا على وشك تشكيل تحالف. رسميًا، نفت كل من بكين وموسكو أي نية لإنشاء تحالف سياسي عسكري. على سبيل المثال، في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، أكّد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنّ العلاقات الروسية الصينية "لم تكن أبدًا على هذا المستوى العالي والثقة في جميع المجالات"، لكنّه أكّد في الوقت نفسه أنّ "لا روسيا ولا الصين تخطّطان لإنشاء تحالف عسكري". مع ذلك، أضاف لافروف على الفور بعض الغموض إلى بيانه، مشيرًا إلى أنّ القوتين حليفتان عندما يتعلّق الأمر "بالدفاع عن القانون الدولي" ومعارضة "التدخّل في الشؤون الداخلية". ساهم ذلك في الحفاظ على استقرار العلاقات الصينية الروسية ومساحة كاملة للتعاون من دون أن يلزم أي جانب بإدخال تعديلات كبرى على سياساته. من المرجّح أن يكون الغموض في وصف العلاقة مع الصين متعمّدًا واستراتيجيًا، ويهدف إلى الإشارة إلى الولايات المتحدة بأنّ موسكو على بعد خطوة واحدة فقط من تشكيل تحالف كامل مع بكين.
لم يطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ وغيره من المسؤولين الصينيين علناً على العلاقات مع روسيا اسم "الحلفاء". هذا ليس مفاجئًا لأنّ القيام بذلك سيتناقض بشكل مباشر مع تعهدّات الصين بعدم التكتّل وعدم الانحياز والتي لا تزال جزءًا من العقيدة الرسمية لبكين. لقد نص الإعلان المشترك الذي أعقب زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ لروسيا في حزيران/ يونيو 2019 على ما يلي: "الامتناع عن إقامة تحالفات أو محاور أو توجيه السياسات ضد أطراف ثالثة". وهكذا سُمي رفض التحالف بـالمبدأ الأساسي للعلاقات الثنائية، في وضع كانت فيه روسيا والصين فعلياً في حالة حرب اقتصادية ومواجهة عسكرية سياسية مع الولايات المتحدة. قد تكون بكين حريصة أيضًا على عدم استفزاز الولايات المتحدة بشكل مفرط من خلال تصريحات عن تحالف بين القوى العظمى المنافسة لها. علاوة على ذلك، يشكّك بعض الخبراء الصينيين علناً في حكمة التحالف الصيني الروسي، ومع ذلك، لم تدحض بكين الرسمية مطلقًا استحضار موسكو المتكرّر للغة التحالف فيما يتعلّق بالعلاقات الروسية الصينية، ما يمكن تفسيره على أنّه رغبة في الحفاظ على بعض الغموض.
وفّرت معاهدة حسن الجوار والتعاون الودّي الموقّعة بين الصين وروسيا في عام 2001 بالفعل بعض الأسس القانونية لإقامة تحالف عسكري. نصّت المادّة التاسعة منها على ما يلي: "عندما ينشأ موقف يرى فيه أحد الأطراف المتعاقدة أنّ السلام مهدّد أو أنّ مصالحه الأمنية معرّضة للخطر أو عندما يواجه خطر العدوان، يتعيّن على الأطراف المتعاقدة إجراء اتصالات ومشاورات من أجل القضاء على هذه التهديدات". أشار ذلك ضمناً إلى إمكانية التخطيط المشترك والقيام بأعمال عسكرية مشتركة لمواجهة التهديدات والأعداء المشتركين. لا تختلف هذه الصياغة كثيرًا عن اللغة الغامضة إلى حد ما الموجودة في معاهدات التحالف الغربي، مثل المادة الخامسة لحلف الناتو أو المادة الخامسة من المعاهدة الأمنية بين الولايات المتحدة واليابان لعام 1960. تترك كل هذه المعاهدات الأمر للأطراف ليقرّروا ما إذا كانوا سيرسلون قوات عسكرية لمساعدة الشركاء في المعاهدة في حالة الطوارئ وبأي طريقة. ما يهم أكثر من اللغة القانونية هو الدرجة والنطاق الملموسين للتخطيط العسكري المشترك والامكانية التقنية للعمل معًا والشراكة العسكرية التكنولوجية. في نهاية المطاف، يجب أن تكون هناك إرادة سياسية لتنفيذ التزامات التحالف الرسمية عندما يحين الوقت. بهذا المعنى ربما لا تكون الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والصين، وإن لم تكن تحالفاً رسمياً، أقل فعالية بالفعل من بعض التحالفات التي تقودها الولايات المتحدة. قد تتبنى روسيا والصين أو لا تتبنى التزامات دفاعية مشتركة ملزمة قانونًا على غرار المادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي. في المستقبل القريب، يبدو هذا الأمر غير مرجح إلى حد ما، لم يكن مستبعداً على المدى الطويل. لكن من المؤكّد أنّ بكين وموسكو ستواصلان توسيع وتعميق تعاونهما الاستراتيجي في مجالات مختلفة بما يعادل بناء تحالف فعلي.
ينتقد بعض الخبراء إمكانية التحالف الصيني الروسي من زاوية أنّ روسيا سوف تصبح شريكاً تابعاً للصين. ليس هناك من ينكر التفاوت المتزايد في القوة الاقتصادية بين روسيا والصين. بلغ الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للصين في عام 2023 على 14.14 تريليون دولار (14.66% من الناتج المحلي الإجمالي العالم) وروسيا 1.7 تريليون دولار. مع ذلك، لا يعني عدم التماثل الاقتصادي التبعية السياسية. فكوريا الشمالية، على سبيل المثال، تعتمد على الصين بنسبة 90 بالمائة تجارتها ولكنّها لا تزال تحتفظ باستقلالها السياسي الكامل. وما دامت روسيا تحافظ على عقلية القوة العظمى وتمتلك أسلحة نووية، فإنّها لن تكون في مرتبة أدنى من الصين سياسيًا. علاوة على ذلك، ورغم تسليط الضوء على اعتماد روسيا الاقتصادي المتزايد على الصين، فمن المحتمل أن يكون هناك بعض الاستهانة بدرجة اعتماد الصين نفسها على روسيا. طالما أنّ هناك خطر حقيقي ومتزايد يتمثل في صدام الصين مع الولايات المتحدة حول بحر الصين الجنوبي أو تايوان أو قضايا أخرى، فإنّ العلاقة القوية مع روسيا، القوة الكبرى الوحيدة التي يمكنها تزويد بكين بالدعم الدبلوماسي والعسكري والتكنولوجي، والوصول الآمن إلى السلع الحيوية، سيكون أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة لجمهورية الصين الشعبية. مع وجود موسكو كشريك وثيق، يمكن لبكين أن تكون واثقة بشأن أمن حدودها الشمالية، وتحوّلها إلى منطقة خلفية استراتيجية مستقرة.
يمكن فهم العلاقة الاستراتيجية الحالية بين روسيا والصين باعتبارها اتفاقًا بين القوى العظمى أو وفاقًا، لا يرقى إلى مستوى التحالف الرسمي، لكنّه أصبح أقرب بكثير من الشراكة الاستراتيجية التي أسّسها البلدان في التسعينيات. يعني هذا الوفاق رابطة متناغمة بين قوتين رئيسيتين على أساس القواسم المشتركة لبعض المصالح الرئيسية، وتصوّر التهديدات المشتركة، ومقياس لتنسيق السياسة الخارجية والأمنية، ودرجة من التعاطف بين قادتهما. بالمثل، يشبّه فرانس ستيفن جادي (Franz-Stefan Gady) محور موسكو- بكين المعاصر الذي يعارض الولايات المتحدة الأميركية بالوفاق الودي، وهو الاتفاق الأنجلو-فرنسي لعام 1904 الذي مهّد الطريق أمام فرنسا وبريطانيا العظمى لتصبحا حليفتين ضد ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى. ما يساعد في الوفاق الصيني الروسي حقيقة أنّ كلاً من روسيا والصين، في سياساتهما الخارجية الفعلية، تلتزمان بمنطق القوى العظمى الكلاسيكي لتقاسم مناطق النفوذ، على الرغم من خطابهما المعلن حول ضرورة الحفاظ على سيادة الدول في العلاقات الدولية. إذ يبدو أنّ هناك تفاهمًا بين الدولتين على أن تعترف موسكو لبكين بنفوذها في شرق آسيا مقابل أن يعترف الصينيون بالدور السياسي الرائد لروسيا في جزء كبير من المنطقة التي كانت تابعة للإتحاد السوفياتي والشرق الأوسط.
القسم الثالث: تقاطع المصالح في أوراسيا
يدور التساؤل بشكل دائم حول إمكانية التعاون بين الصين وروسيا، خاصة وأنّ الدولتين تُعدّان أكبر قوتين متجاورتين في أوراسيا القارية، وأنّ واحدة تكتسب قوة عظمى بسرعة والأخرى في انحدار نسبي. يفيد تاريخ العلاقات الدولية أنّ قوتين رئيسيتين طموحتين وتشتركان في حدود برية من غير المرجّح أن تعقدا تحالفًا، في حين أنّهما أكثر عرضة للانخراط في نزاعات إقليمية مع بعضهما البعض فضلًا عن التنافس على الأولويات في مناطق تقاطع المصالح الحيوية لكل منهم. فالصين وروسيا تهتمان على الأقل بثلاثة أجزاء رئيسية من أوراسيا هي: شرق آسيا، وآسيا الوسطى وجنوب القوقاز، والقطب الشمالي. ولكن من ناحية أخرى، إذا أديرت المصالح والرهانات المتداخلة بحكمة، فمن الممكن أيضاً أن تعمل على توليد فرص للتعاون. تتناول الفقرات التالية كيف تمكّنت روسيا والصين من إبقاء خلافاتهما في المناطق الأوراسية الرئيسية تحت السيطرة مع إظهار درجة كبيرة من التعاون المتبادل.
1- شرق آسيا
تُعدّ هذه المنطقة حيوية جدًا للصين، ولكنّها أيضاً منطقة اهتمام لروسيا، بحكم امتلاكها أراضي الشرق الأقصى. إذ تهتم وموسكو تقليدياً بالحفاظ على سيادتها على شرقها الأقصى المعرّض للخطر، ولكنّها لا ترى في الوقت الحاضر أنّ الصين تمثّل خطرًا أمنيًا كبيرًا على الحدود الشرقية لروسيا. تم حل جميع قضايا ترسيم الحدود بين موسكو وبكين في التسعينيات والعقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين، في حين تنص المعاهدة الصينية الروسية لعام 2001 صراحة على أنّه ليس لدى البلدين أي مطالبات إقليمية لبعضهما البعض. علاوة على ذلك، تدرك موسكو جيدًا أنّ الاستعدادات العسكرية الصينية موجّهة في المقام الأول نحو تايوان وغرب المحيط الهادئ وبحر الصين الجنوبي، وليس ضد الشرق الأقصى الروسي. نظرًا لعدم شعورها بأي تهديد صيني كبير على الشرق الأقصى الروسي، رفضت روسيا الدخول في منافسة مع الصين في شرق آسيا. فيما يتعلّق بأهم القضايا الجيوسياسية المعاصرة في شرق آسيا، تميل موسكو إلى دعم بكين أو إظهار الحياد الودي. في شبه الجزيرة الكورية، لعبت موسكو إلى حد كبير دوراً ثانوياً بعد بكين. فيما يتعلّق بنزاعات بحر الصين الجنوبي، على الرغم من أنّ الموقف الرسمي الروسي يتّسم بالحياد الصارم، إلّا أنّ بعض التحركات الروسية قد يُنظر إليها على أنّها تحابي بكين. على سبيل المثال، في أعقاب حكم محكمة لاهاي الصادر في يوليو/تموز 2016 والذي رفض مزاعم الصين بالسيادة على بحر الصين الجنوبي، أعرب بوتين عن تضامنه مع الصين، واصفًا قرار المحكمة الدولية بأنه "يأتي بنتائج عكسية".
تشترك روسيا مع الصين في هدف الحد من النفوذ الأميركي في شرق آسيا وتقويض التحالفات التي تتمحور حول الولايات المتحدة في المنطقة. تساعد مبيعات الأسلحة الروسية الصين على تغيير التوازن العسكري في غرب المحيط الهادئ على حساب اميركا وحلفائها. ربما كان قرار روسيا بمساعدة الصين في الحصول على نظام إنذار مبكر للهجوم الصاروخي مدفوعًا جزئيًا بالرغبة في تقوية الصين في مواجهة الولايات المتحدة في تنافسها على التفوق في شرق آسيا.
سيكون من غير الصحيح القول أنّ روسيا انسحبت بالكامل من الجغرافيا السياسية في شرق آسيا. في بعض الحالات، تتصرّف روسيا ضد رغبات الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. من الأمثلة الحديثة على ذلك إصرار روسيا الهادئ على مواصلة الحفر في مناطق بحر الصين الجنوبي على الجرف القاري الفيتنامي الذي تطالب الصين بالسيادة عليه، حيث تعمل شركة الطاقة الروسية المملوكة للدولة روسنفت (Rosneft)، على الرغم من استياء بكين والمضايقات الدورية من قبل السفن الصينية. بصرف النظر عن الرغبة في تحقيق الأرباح من النفط والغاز في بحر الصين الجنوبي، فربما تسعى روسيا إلى دعم صديقتها القديمة فيتنام والتي تبيعها الأسلحة أيضًا، فضلاً عن إثبات أنّها لا تزال جهة فاعلة مستقلة في شرق آسيا. من خلال مثل هذا السلوك على أطراف الصين في جنوب شرق آسيا، ربما يرسل الكرملين أيضاً إشارة إلى بكين مفادها أنّه إذا انخرطت الصين بشكل وثيق في الفناء الخلفي لروسيا، مثل آسيا الوسطى أو القوقاز، فإنّ روسيا قادرة على القيام بأشياء مماثلة في الفناء الخلفي للصين. على الرغم من أنّها نقطة احتكاك بين بكين وموسكو، إلّا أنّ الأنشطة التي تقوم بها شركات الطاقة الروسية في بحر الصين الجنوبي من غير المرجّح أن تؤدي إلى زعزعة استقرار الوفاق الصيني الروسي، لأنّ موسكو وبكين تحتاجان إلى بعضهما البعض في قضايا أكبر بكثير.
2- آسيا الوسطى وجنوب القوقاز
تتمتّع روسيا بمصالح حيوية في الفضاء الجيوسياسي الذي كان يحتله الاتحاد السوفياتي سابقاً، وهي على استعداد لبذل جهود كبيرة للدفاع عن تلك المصالح. عندما يتعلّق الأمر بالسياسة بين موسكو وبكين بشأن المنطقة التي كان يحتلها الاتحاد السوفياتي، فإنّ السؤال الأكثر إشكالية هو بالتأكيد ما يتعلق بآسيا الوسطى، وهي منطقة تتألف من خمس جمهوريات سوفياتية سابقة تشترك في الحدود مع كل من روسيا والصين. منذ القرن التاسع عشر، كانت روسيا تعتبر آسيا الوسطى منطقة نفوذها تقليدياً. مع ذلك، بدأت الصين في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، توسّعها الاقتصادي في المنطقة، حيث تُعدّ الآن أكبر شريك تجاري لدول آسيا الوسطى، فضلاً عن أنّها أكبر مصدر للاستثمارات. كما أقامت الصين وجودًا عسكريًا صغيرًا داخل طاجيكستان، على ما يبدو لتأمين منطقة حساسة على الحدود مع منطقة شينجيانغ الصينية وأفغانستان.
في عام 1996، شكّلت الصين وكازاخستان وقيرغيزستان وروسيا وطاجيكستان هيئة شنغهاي الخمسة، وهي هيئة تعاونية تم تغيير اسمها إلى منظمة شنغهاي للتعاون مع إضافة أوزبكستان في عام 2001. يدعو القادة الروس والصينيون بانتظام إلى مزيد من التعاون والتنسيق من خلال منظمة شانغهاي للتعاون بين البلدين في سياق هدفهم الأوسع المتمثل في تعزيز الدبلوماسية المتعددة الأطراف.
لم يلحق اختراق الصين اقتصادياً لآسيا الوسطى حتى الآن أي ضرر كبير بالمصالح الروسية على الرغم من المخاوف الأوّلية في موسكو. تتحرّك دول آسيا الوسطى، تمامًا مثل روسيا نفسها، بحذر شديد فيما يتعلّق بدعوات بكين لإنشاء منطقة تجارة حرة، خوفًا من أن تلتهم الصين اقتصاداتها. إنّ روسيا واثقة إلى حد ما من أنّ دول آسيا الوسطى لن تتخلى عنها لصالح الصين. بل على العكس من ذلك، قد تحتاج إلى موسكو أكثر ضد النفوذ الجغرافي الاقتصادي المتزايد لبكين.
ثبت حتى الآن خطأ توقّعات المحلّلين الغربيين المتعدّدة بأنّ موسكو وبكين سوف تصطدمان حتماً حول آسيا الوسطى. تمكّنت روسيا والصين من إرساء تفاهم وتحقيق توازن مستقر إلى حد ما في آسيا الوسطى، حيث برزت بكين كقوة اقتصادية رئيسية بينما احتفظت موسكو بوضعها كحليف وشريك سياسي عسكري رئيسي لدول آسيا الوسطى.
تُعدّ آسيا الوسطى المنطقة الأكثر أهمية، ولكنّها ليست المنطقة الوحيدة في منطقة ما بعد الاتحاد السوفياتي، حيث يمكن أن يأتي التدخل الصيني المتزايد على حساب روسيا. في السنوات الأخيرة، أبدت الصين اهتماماً متزايداً بجنوب القوقاز، وهي المنطقة الاستراتيجية التي تتألف من الجمهوريات السوفياتية الثلاث السابقة: جورجيا وأرمينيا وأذربيجان. جعل الموقع الجغرافي لجنوب القوقاز جزءًا مهمًا من مبادرة الحزام والطريق الصينية. بالنسبة للدول الثلاث، تلعب الصين دور البديل لروسيا والغرب، ويُنظر إلى بكين على أنها ثقل موازن محتمل للغرب. إضافة إلى ذلك، وطّدت الصين علاقتها مع بيلاروسيا، التي حصلت منها على قرض بقيمة 500 مليون دولار كبديل للتمويل من روسيا. كانت موسكو قد حجبت في وقت سابق المساعدات المالية لإجبار مينسك على الموافقة على تكامل أوثق مع روسيا.
من غير المرّجح أن تتوسّع بكين في "الخارج القريب" لروسيا. في معظم الحالات، تواجه الصين رهانات ليست عالية بالدرجة التي تجعلها تستحق اختبار الشراكة الاستراتيجية مع روسيا. حيثما يكون للصين مصالح مهمة في المنطقة التي كانت تحت سيطرة الاتحاد السوفياتي، كما هو الحال في آسيا الوسطى، يتبيًن أن بكين قادرة على إيجاد تسوية مع موسكو.
3- القطب الشمالي
بصرف النظر عن شرق آسيا وآسيا الوسطى وجنوب القوقاز، فإنّ القطب الشمالي هو منطقة أخرى قد تتعارض فيها مصالح روسيا والصين، من الناحية النظرية. تطالب روسيا بجزء كبير من المحيط المتجمد الشمالي وتعتبره ملاذاً حيوياً لأمن البلاد ومصالحها الاقتصادية، فضلاً عن الهوية الوطنية. من ناحية أخرى، كانت الصين تستعرض طموحاتها في القطب الشمالي، وتطلق على نفسها اسم دولة قريبة من القطب الشمالي وتسعى إلى الوصول إلى موارده، بما في ذلك من خلال عبور السفن الصينية هذا القطب.
كانت روسيا حتى وقت قريب حذرة من السماح للصين بالدخول إلى القطب الشمالي. لكن يبدو أنّ هذا الأمر يتغيّر. تستلزم الشراكة الاستراتيجية المعزّزة بين روسيا والصين اتخاذ موقف أكثر مرونة من جانب موسكو تجاه تطلعات بكين في القطب الشمالي. علاوة على ذلك، ومع الانخفاض الشديد في الوصول إلى رأس المال والتكنولوجيا الغربية، يبدو التعاون مع الصين وكأنّه الخيار الواقعي الوحيد لتنفيذ مشاريع كبرى في القطب الشمالي الروسي، والتي لا تستطيع روسيا تحمل تكاليف تنفيذها بمفردها بسبب تكاليفها الضخمة وتعقيدها التكنولوجي.
صرّح المسؤولون الروس في السنوات الأخيرة أنّ روسيا مستعدة لمزيد من التعاون مع الصين في القطب الشمالي، حيث وقّع البلدان على عدد من الاتفاقيات بشأن مشاريع القطب الشمالي، أبرزها المشاركة في مشاريع الغاز الطبيعي المسال على شاطئ القطب الشمالي الروسي. كما تأمل روسيا أيضًا في جذب الاستثمارات الصينية إلى طريق بحر الشمال، وهو شريان الشحن الرئيسي في القطب الشمالي وممر بحري محتمل بين آسيا وأوروبا. يراهن الكرملين على أنّه سيكون قادراً على إدارة الوجود الصيني المتزايد في أقصى الشمال دون المخاطرة بالهيمنة الروسية على القطب الشمالي.
يتناقض احتضان روسيا للصين في القطب الشمالي بشكل حاد مع الموقف الأميركي، حيث حذّر المسؤولون الأميركيون من أنّه لا يمكن الوثوق في نوايا الصين، لأن نمط سلوكها العدواني في أماكن أخرى سيحدّد كيفية تعاملها مع القطب الشمالي.
القسم الرابع: مستقبل العلاقة
من خلال تحليل الشراكة الإستراتيجية الروسية الصينية، والتي كانت منطلقًا لتوجه جديد في العلاقات الدولية، يرفض الأحادية القطبية ويدعو لتعدّد الأقطاب، سنتناول أهم السيناريوهات التي تحكم التوجه الروسي الصيني، انطلاقًا من العوامل التي تجمع بين القوتين.
أولًا: عوامل التوافق
بلغت العلاقات الصينية الروسية الآن أعلى مستوياتها منذ منتصف الخمسينيات، عندما كانت موسكو وبكين حليفتين شيوعيتين. أصبح الوفاق بين روسيا والصين أقوى في أعقاب جائحة فيروس كورونا. في مواجهة العداء المتزايد من واشنطن، ستحتاج بكين إلى صديقتها الكبرى الوحيدة روسيا أكثر من أي وقت. في الوقت نفسه، تنظر موسكو إلى الصين، وطلبها المستمر على الطاقة والسلع الروسية، باعتبارها أفضل فرصة لروسيا للتعافي اقتصاديًا بعد الوباء والعقوبات الغربية. تلعب عدة عوامل على تعزيز التعاون بينهما.
1- التهديد المشترك
تنجذب روسيا والصين إلى بعضهما البعض بفعل نظرية توازن القوى التي تشير أنّه من الطبيعي أن يتّحد قطبان أقل قوة ضد اللاعب المهيمن في النظام الدولي، وهو الولايات المتحدة. صرّح بوتين بأنّ التعاون الروسي الصيني أمر بالغ الأهمية لإنشاء "عالم متعدّد الأقطاب" بدلاً من "هيكل أحادي القطب، مع مركز واحد يحكم المجتمع الدولي بأكمله".
2- الأنظمة المتشابهة
بالإضافة إلى رؤية واشنطن باعتبارها المشكلة الرئيسية فيما يتعلّق بتوازن القوى الهيكلي، تنظر كل من موسكو وبكين إلى الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة باعتباره التهديد الرئيسي لأنظمتهما السياسية. يشكّل التشابه بين النظامين السياسيين المعاصرين في روسيا والصين ركيزة حاسمة أخرى للوفاق الاستراتيجي بينهما. كما أصبحت روسيا والصين متقاربتين بشكل متزايد في مفاهيمهما حول الحكم السياسي، ولدى البلدين رصيد أكبر في الدعم المتبادل لمواجهة الضغوط السياسية من الغرب. تلتقي موسكو وبكين حول القضايا السياسية الداخلية. على سبيل المثال، شكّلت روسيا والصين جبهة موحّدة ضد التدخل الأميركي عندما اندلعت احتجاجات سياسية حاشدة في موسكو وهونج كونج.
3- تقارب القادة
تشكّل شخصيات الزعيمين الروسي والصيني، فلاديمير بوتين وشي جين بينغ، عاملاً رئيسياً آخر في التحالف الروسي الصيني المعاصر. يتّفق الرجلان، وهما في نفس العمر تقريبًا، بشكل جيد للغاية، ويبدو أن هناك تقاربًا شخصيًا بين الاثنين، إذ يتقاسمان من حيث فلسفاتهما السياسية الميل نحو السياسة الواقعية في الشؤون الدولية، إلى جانب المركزية القوية والقومية في السياسة الداخلية. يولي كلا الزعيمين أولوية عالية للقوة العسكرية والأجهزة الأمنية كأدوات للدفاع عن المصالح الوطنية في الخارج والحفاظ على ما يعتبرانه نظامًا مشروعًا في الداخل. ربما يبقى الرئيسان في السلطة لفترة طويلة. تنتهي ولاية بوتين الرئاسية الحالية في عام 2024، ولكن التعديلات الأخيرة على الدستور الروسي تسمح له بالبقاء في منصبه حتى عام 2036. وعلى نحو مماثل، من الممكن أن يظل شي جين بينغ في السلطة لفترة مماثلة أيضًا.
ثانيًا: سيناريوهات العلاقة المستقبلية
طالما أنّ العوامل المذكورة أعلاه، أي التصور المشترك للولايات المتحدة باعتبارها التهديد الخارجي الرئيسي، وتضامن الأنظمة غير الليبرالية، والتقارب الشخصي بين القادة، مستمرة في العمل بين روسيا والصين، فإنّه من المتوقع أن يستمر محور موسكو بكين في الوجود، وربما ينمو بشكل أكبر. كما يمكن الافتراض أنّ هذه الظروف ستستمر في المستقبل المنظور، على الأقل خلال السنوات القليلة المقبلة. لكن على المدى الأبعد، ماذا قد يحدث للعلاقة بين روسيا والصين إذا ضعفت الروابط بينهما أو اختفت تماماً؟ يمكن وضع العديد من السيناريوهات المثالية لمحاولة تصور مستقبل العلاقات الاستراتيجية بين روسيا والصين على مدى سبع إلى عشر سنوات.
1- استمرار الوفاق الصيني الروسي
من المحتمل جدًا، حتى بعد سبع أو عشر سنوات في المستقبل، أن تظل العوامل التي تدعم حاليًا محور موسكو وبكين موجودة، أو قد تتكثّف خاصة بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات الغربية على روسيا. كما أنّ تداعيات ما يحصل في باب المندب حاليًا وتأثير ذلك على خطوط التجارة الصينية قد يدفع الصين إلى مسارات بديلة أخرى، تقرّبها من روسيا أكثر وأكثر. من الممكن أن يصبح التنافس بين روسيا والصين مع الولايات المتحدة أكثر حدّة، سيؤدّي ذلك إلى استمرار الوفاق الصيني الروسي، مع روابط سياسية وأيديولوجية وعسكرية واقتصادية أكثر إحكامًا بين موسكو وبكين، وقد يؤدي حتى إلى رفع الشراكة الإستراتيجية بينهما إلى مستوى التحالف الكامل القائم على أساس معاهدة رسمية.
2- انفصال النظامين السياسيين في روسيا والصين
لا يمكننا أن نستبعد أنّ روسيا في مرحلة ما بعد بوتين سوف تنتقل من النظام غير الليبرالي إلى نظام أكثر ليبرالية وديمقراطية، وأكثر توافقًا مع القيم الغربية. قد تدفع تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية السلبية على الداخل الروسي إلى المزيد من التململ الشعبي والاضطرابات التي تضعف حكم بوتين. وإذا حدث ذلك فسوف تضعف الروابط السياسية بين روسيا والصين التي يهيمن عليها الحزب الشيوعي الصيني، على الرغم من استحالة التنبؤ بمدى التأثير السلبي لذلك. يمكن تخيّل ما سيحدث بالمقارنة مع مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في أوائل التسعينيات عندما سعت روسيا ما بعد الشيوعية تحت قيادة يلتسين، أن تكون جزءاً من الغرب وتبتعد عن الصين الشيوعية. من الممكن أن تقرّر موسكو لصالح علاقات حسن الجوار مع بكين، وإن لم تكن في ذلك الوقت شراكة أو وفاقاً استراتيجياً من الحفاظ على علاقات ودية بشكل عام مع الصين حتى لو كان لديهما أنظمة سياسية مختلفة مثل الديمقراطية الليبرالية في موسكو واستبداد الدولة الحزبية في بكين. مع ذلك، يظل السؤال مفتوحاً ما إذا كان الطرفان قادران على الحفاظ على الوفاق بينهما في ظل هذه الظروف، وخاصة إذا أدّى التحرّر السياسي في روسيا إلى تحسن كبير في علاقاتها مع الغرب. هناك احتمال نظري لسيناريو عكسي، حيث تظل روسيا على نظامها الحالي في حين تخضع الصين للديمقراطية والتحرّر السياسي. مع ذلك، فإنّ مثل هذا السيناريو أقل احتمالا لأنّ الدولة الحزبية في جمهورية الصين الشعبية تبدو أكثر قابلية للحياة من النظام السياسي الحالي في روسيا.
3- انعدام التوازن
يعتمد الوفاق الروسي الصيني، إلى حد كبير، على الاعتراف المتبادل ببعضهما البعض على قدم المساواة. تتعامل موسكو وبكين مع بعضهما البعض كقوتين عظميين متساويتين. لكن قد تبرز الإشكالية في حال استمر التصاعد في الاختلال في توازن القوة المادية بين الصين وروسيا، لا سيما وأنّ الصين مستمرة في توسيع الفجوة الاقتصادية مع روسيا، حيث يبلغ اقتصاد الصين ثمانية أضعاف نظيره في روسيا، وفي زيادة تقدّمها في العديد من المجالات التكنولوجية الحاسمة. سيكون لعدم التماثل الاقتصادي والتكنولوجي أيضًا آثار على التوازن العسكري بين الاثنين: فاليوم لا تزال روسيا قوة عسكرية هائلة أكثر من الصين، لكنّ هذا الأمر قد يتغّير في غضون عقد من الزمن أو نحو ذلك. يمكن أن يتفاقم الوضع بسبب التغيير الحتمي في القيادة العليا. يتبادل فلاديمير بوتين وشي جين بينج الاحترام لبعضهما البعض، ولكن قد لا تكون هذه هي الحال مع خلفائهما. من الممكن أن يطوّر جيل النخبة الصينية في مرحلة ما بعد شي جين بينغ عقدة تفوق تجاه روسيا ويرفض معاملتها كشريك على قدم المساواة. وقد تقبل روسيا الدور الجديد كحليف أقل أهمية، وقد لا تقبله. إذا أصرت موسكو، من منطلق اعتزازها كقوة عظمى، على المساواة السياسية الكاملة مع الصين، فقد يؤدّي ذلك إلى تمزّق المحور الروسي الصيني. من بين السيناريوهات الثلاثة المقدمة، ربما يكون هذا السيناريو هو الأكثر خطورة لأنه يتضمن مسائل المكانة والرتبة والشرف، وهي دائمًا قضايا الهوية الأساسية لروسيا وبالتالي عاطفية للغاية.
الخاتمة
قد يستمر الوفاق الصيني الروسي لفترة طويلة في المستقبل وقد لا يستمر. في مقابل كل عوامل التلاقي بين البلدين التي أشرنا اليها، لا بدّ من التنبّه إلى عوامل أخرى قد تؤدي إلى إبطاء هذا التعاون، على سبيل المثال مستوى قابلية التشغيل والمعايير الفنية التي تحقّقت داخل الناتو مثلاً، غير وارد لغاية الآن بشكل كبير بين روسيا والصين، بالرغم من التدريبات المشتركة. إذ يستخدم الجانبان عناصر مختلفة في كثير من أنواع الأسلحة وأنظمة الاتصالات والتحكّم، كما تختلف مقارباتهما لتكتيكات الحرب اختلافًا كبيرًا.
يعرقل عنصر آخر إمكانية بناء حلف عسكري، وهو ينطلق من خطاب السياسة الخارجية الراسخ للبلدين وخصائص سياستهما الداخلية. إذ أمضت كل من موسكو وبكين عقوداً بعد الحرب الباردة في انتقاد التحالفات العسكرية والسياسية من حيث المبدأ باعتبارها من بقايا ماضٍ مظلم وعامل مزعزع للاستقرار على الساحة الدولية. كانت موسكو تفعل ذلك في سياق محاربة توسع الناتو، بينما تحاول بكين إحياء منظومة التحالفات الأميركية في المحيط الهادي وتعزيزها. لهذا يبدو تشكيل تحالف روسي صيني صعباً للغاية من دون التخلّي العلني عن عدد من المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية للبلدين والتغيير الكامل في خطاب سياستهما الخارجية. لكن ما يمكن توقعه بقدر أكبر من اليقين هو أنّ روسيا والصين سوف تكونان متردّدتين للغاية في الانجرار إلى علاقة عدائية. تدرك موسكو وبكين أنّ ثمن المواجهة قد يكون باهظاً للغاية بالنسبة لكليهما. إذ لا تزال تجربة المواجهة الماضية ماثلة في الأذهان في العاصمتين. تخبر الدروس المستفادة من التاريخ أنّه يجب على البلدين الحفاظ على العلاقات الودية، مع الأخذ في الاعتبار أن روسيا والصين هما أكبر جارتين لبعضهما البعض. بالنظر إلى أنّ قوة كل دولة يمكن أن تلحق ضررًا قاتلًا بكلا الجانبين، من المرجّح أن تستمر العلاقات بين روسيا والصين في الاسترشاد بالعقلانية والواقعية، ولكن بطبيعة الحال، ليس هناك ما يضمن أنّها ستبقى على هذا النحو إلى الأبد.
قائمة المراجع
المواقع الالكترونية بالعربية
1) روسيا اليوم، الجمارك الصينية: صادرات الطاقة الروسية إلى الصين تسجل ارتفاعا ملحوظا في 2023، 20/8/2023، متوافر على الموقع https://shorturl.at/gLOPU، الدخول 7/2/2024.
2) عبد الواحد طه، بيلاروسيا تقترض من الصين هرباً من المناورات الروسية، الشرق الاوسط، 16/12/2019، متوافر على الموقع https://rb.gy/68zdvh، الدخول 13/10/2023.
3) عكاشة خالد ، هل ينجح الرئيس الصينى مع روسيا.. فى كسر الهيمنة، الدستور، 22 آذار/مارس 2023، متوافر على الموقع https://www.dostor.org/4344828، الدخول 24/11/2023.
4) فرانس 24، الصين - روسيا: من التنافس الإقليمي إلى تعزيز العلاقات بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، 21/3/2023، متوافر على الموقع علىhttps://rb.gy/pxz88r ، الدخول 24/11/2023.
5) السيد محمد، ترتيب دول العالم اقتصاديًا 2023، بورصات، 14 ايلول 2023، متوافر على الموقع https://shorturl.at/jlP68، الدخول 29/11/2023.
الكتب بالأجنبية
1) Friedberg Aaron, A Contest for Supremacy: China, America, and the Struggle for Mastery in Asia, W.W. Norton, New York, 2012.
2) Trenin Dmitry, From greater Europe to greater Asia? The Sino–Russian entente, Carnegie Moscow Center, Moscow, 2015.
المواقع الالكترونية بالأجنبية
1) Bhutia Sam, The EU’s new Central Asia strategy: What does it mean for trade? Eurasianet, 5/6/2019, available at https://eurasianet.org/the-eus-new-central-asia-strategy-what-does-it-mean-for-trade, accessed 13/10/2023.
2) Biagioni Matilde, China’s Push-in Strategy in the Arctic and Its Impact on Regional Governance, Istituto Affari Internazionali, 05/09/2023, available at https://www.iai.it/en/pubblicazioni/chinas-push-strategy-arctic-and-its-impact-regional-governance, accessed 12/10/2023.
3) Cole J. Michael, The Third Taiwan Strait Crisis: The Forgotten Showdown Between China and America, 10/3/2017, The national interest, available at https://rb.gy/tbl59h, accessed 6/2/2024.
4) Digges Charles, Russian–Chinese relations are warming the Arctic, Bellona, 24/5/2019, available at https://bellona.org/news/arctic/2019-05-russian-chinese-relations-are-warming-the-arctic, accessed 12/10/23.
5) Gady Franz-Stefan, China–Russia: the Entente Cordiale of the 21st century? 7/10/ 2019, East West Institute, available at https://www.eastwest.ngo/idea/china-russia-entente-cordiale-21st-century, accessed 11/10/2023.
6) Grove Thomas, Anatoly Kurmanaev, A surprise winner from the US-China trade spat: Russian soybean farmers, The Wall Street Journal, New York, United States, 21/2/2019, available at https://www.wsj.com/articles/russia-exploits-u-s-china-trade-tensions-to-sell-more-soybeans-11550745001, accessed 11/10/2023.
7) Guan Guihai , Thirty years of China–Russia strategic relations: achievements, characteristics and prospects, The Institute of International and Strategic Studies (IISS), Peking University, April 2022, available at https://doi.org/10.1007/s42533-022-00101-6, accessed 11/12/2023.
8) Humpert Malte, China Acquires 20 Percent Stake in Novatek’s Latest Arctic LNG Project, High North News, 29/4/2019, available at https://www.highnorthnews.com/en/china-acquires-20-percent-stake-novateks-latest-arctic-lng-project, accessed 12/10/23.
9) Kashin Vasily, The current state of Russian–Chinese defense cooperation, Center for Naval Analyses, August 2018, available at https://www.cna.org/CNA_files/PDF/DOP-2018-U-018184-Final.pdf, accessed 11/10/2023.
10) Kortunov Andrew, Pyongyang starts and wins. What can the losers do?, Russian International Affairs Council, 13/11/2017, available at https://russiancouncil.ru/en/analytics-and-comments/analytics/pyongyang-is-starts-and-wins-what-can-the-losers-do-/Lendon, accessed 11/10/2023.
11) Lavrov Sergey, Russia, China not seeking military alliance,Tass, 2/11/2019, available at https://tass.com/politics/1086654, accessed 11/10/2023.
12) Lo Kinling, China increases its presence in Russia’s former Central Asian backyard, South China Morning Post, 25/8/2019, available at https://www.scmp.com/news/china/diplomacy/article/3024261/china-steps-its-presence-russias-former-central-asian-backyard, accessed 13/10/2023.
13) Lukin Artyom, The Russia–China entente and it’s future, International Politics,58, 2020, available at https:// doi.org.10.1057/s41311-020-00251-7, accessed 9/10/2023.
14) MacFarquhar Neil, Xi Jinping’s Visit to Russia Accents Ties in Face of Tensions with U.S., The New York Times, available at https://shorturl.at/hxGQ0 accessed 11/10/2023.
15) Markedonov Sergei, Belt and road and beyond: China makes inroads into South Caucasus, Carnegie Moscow Center, 5/11/ 2019, available at https://carnegie.ru/commentary/80268, accessed 12/10/2023.
16) Ministry of Foreign Affairs of the People’s Republic of China, Treaty of good-neighborliness and friendly cooperation between the People’s Republic of China and the Russian Federation, 24/7/2001, available at https://www.fmprc.gov.cn/mfa_eng/wjdt_665385/2649_665393/t15771.shtml, accessed 11/10/2023.
17) Newsham Grant, War in The Taiwan Strait is not unthinkable: some will lose more than others, Journal of Political Risk, Volume 7, Issue 11, November 2019, available at http://www.jpolrisk.com/war-in-the-taiwan-strait-is-not-unthinkable-some-will-lose-more-than-others/#_ftnref11, accessed 11/10/2023.
18) Perlez Jane, China and Russia Reach 30-Year Gas Deal, The New York Times, 22 May 2014, available at https://shorturl.at/twBR6, accessed 6/2/2024.
19) Putin Vladimir, Vladimir Putin’s annual news conference, President of Russia, 19/12/2019, available at http://en.kremlin.ru/events/president/news/62366, accessed 12/10/23.
20) Reuters Staff, Putin: outside interference in South China Sea dispute will do only to harm, Reuters, 5/9/2016, available at https://www.reuters.com/article/us-g20-russia-china-idUSKCN11B1QC, accessed 12/10/2023.
21) Reuters, China-Russia 2023 trade value hits record high of $240 bln, Chinese customs, 12/1/2024, available at https://shorturl.at/AHMSW, accessed 5/2/2024.
22) Stefanovich Dmitry, Russia to help China develop an early warning system, The Diplomat, 25/10/2019, available at https://thediplomat.com/2019/10/russia-to-help-china-develop-an-early-warning-system/, accessed 11/10/2023.
23) The State Council Information Office of the People’s Republic of China, China’s National Defense in the New Era, 24/7/2019, available at http://english.www.gov.cn/archive/whitepaper/201907/24/content_WS5d3941ddc6d08408f502283d.html, accessed 11/10/2023.
24) U.S. Department of Defense, Assessment on U.S. defense implications of China’s expanding global access, Washington D.C., December 2018, available at https://media.defense.gov/2019/ Jan/14/2002079292/-1/-1/1/EXPANDING-GLOBAL-ACCESS-REPORT-FINAL.PDF, accessed 11/10/2023.
25) Wang Orange, Chinese economists warn Beijing to prepare for decoupling from US, South China Morning Post, 7/7/2019, available at https://www.scmp.com/news/china/article/3017550/chinese-economists-warn-beijing-prepare-decoupling-us, accessed 11/10/2023.
26) Xuanzun Liu, Chinese, Russian air forces hold second joint strategic patrol of the year with first warplane exchange visits, Global Times, 30/11/2022, available at https://www.globaltimes.cn/page/202211/1280801.shtml, accessed 11/10/2023.
27) Yan Sophia, China joins Russia in largest military drill since Cold War, The Telegraph, 12/9/2018, available at https://www.telegraph.co.uk/world-news/2023/08/19/china-helping-arm-russia-helicopters-drones-metals-xi-putin/, accessed 9/10/2023.
28) Zhou Laura, As coastguard boats circle, Vietnam prepares for bigger challenge in South China Sea, South China Morning Post, 12/10/ 2019, available at https://www.scmp.com/news/china/diplomacy/article/3032536/coastguard-boats-circle-vietnam-prepares-bigger-challenge, accessed 12/10/2023.