- En
- Fr
- عربي
بحث وإنقاذ
في منتصف شهر آذار الماضي، ولدى توافر معلومات عن تعرّض مركب للغرق قبالة شاطئ مدينة طرابلس أثناء استخدامه لتهريب أشخاص بطريقة غير شرعية، تمكنت دورية من القوات البحرية في الجيش من إنقاذ 20 سوريًّا بينهم نساء كانوا على متنه.
وقد عمل الجيش على مساعفتهم بمساعدة عناصر من الصليب الأحمر اللبناني والمنظمة العالمية للهجرة (IOM)، ونقْل المركب إلى الشاطئ.
عملية الإنقاذ هذه، هي واحدة من مئات العمليات التي نفّذها الجيش في إطار مكافحة الهجرة غير الشرعية الناشطة منذ سنوات في لبنان.
إنّ مكافحة الهجرة غير الشرعية هي من صلب مهمات القوات البحرية، بحسب ما يشير قائد القوات البحرية العميد الركن البحري هيثم الضناوي، الذي يؤكد أنّ «الواجب الإنساني يجبرنا على تخصيص الكثير من الجهد والقدرات لملاحقتهم ومنعهم من المغامرة بحياتهم، ذلك أنّ المراكب المستخدمة قديمة وغير آمنة وتعرّضهم للموت غرقًا». ويضيف أنّه سبق للقوات البحرية أن أوقفت الكثير من القوارب التي تنقل مهاجرين غير شرعيّين في الأعوام الأخيرة، وهي تتعاون حاليًا مع الأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR والمنظمة العالمية للهجرة والصليب الأحمر لمكافحة الهجرة غير الشرعية لما تشكّله من خطر على حياة المهاجرين، لافتًا إلى صعوبة هذه المهمة في وجود عصابات تحترف عمليات التهريب وتجني منها أرباحًا طائلة.
آلية عمل القوات البحرية
ترتكز عمليات مكافحة الهجرة غير الشرعية على المراقبة والرصد من جهة، وعلى عمليات الاعتراض من جهة أخرى. تتم المراقبة من خلال شبكة المراقبة الساحلية لدى القوات البحرية، بالإضافة إلى المراكب التي تقوم بدوريات في البحر لرصد النشاطات المشبوهة. وقد ساهمت أعمال تطوير الشبكة الراداريّة بتعزيز قدرة القوات البحرية على رصد المراكب المشبوهة من مسافاتٍ بعيدة، ما يتيح لها تلقّي الإنذار المبكر والتدخل. أما عملية اعتراض قوارب الهجرة غير الشرعية فتنفّذها مراكب الاعتراض المتمركزة في القواعد أو المراكز البحرية على طول الشاطئ، والمراكب التي تقوم بالدوريّات.
في هذا الإطار، يوضح العميد الركن الضناوي أنّ القوات البحرية تلقى دعمًا دوليًا في مهمتها المتعلقة بحماية الحدود البحرية، وعليه يتم رفدها بمسيّرات ومراكب حديثة. وهو يشير في هذا السياق إلى استلامها حديثًا أربعة مراكب Archangel جديدة، ومن المنتظر استلام ثمانية من النوع نفسه قريبًا.
الهجرة غير الشرعية في لبنان
تتمثّل الهجرة غير الشرعية في لبنان بمغادرة الأراضي اللبنانية عبر قوارب أو مراكب صغيرة، تنطلق من الشاطئ اللبناني وتتجه غالبًا نحو قبرص استعدادًا للهروب إلى أوروبا.
ازدهر هذا النوع من الهجرة منذ العام 2011، وكان محصورًا بالنازحين السوريّين، إلّا أنّ تدهور الأوضاع الاقتصادية أدى إلى ارتفاع عدد اللبنانيّين الذين يتورطون في الهروب، حيث يبيعون كل ما لديهم من مقتنيات في سبيل تأمين المبلغ الذي يطلبه المهربون. وعلى الرغم من انتهاء معظم محاولات الهجرة بالزوارق إما بالتوقيف في لبنان أو في قبرص أو بالموت غرقًا، فإنّ ذلك لم يحدّ من نسبة الهجرة غير الشرعية، إذ تنظم مافيات التهريب الناشطة في مناطق الشمال، رحلات متواصلة انطلاقًا من شواطئ العبدة والمنية وطرابلس، وتتقاضى ما بين الثلاثة آلاف والخمسة آلاف دولار أميركي عن الشخص الواحد، علمًا أنّ عددًا قليلًا من المراكب ينجح في الوصول. وبحسب مصدر في مرفأ طرابلس، فإنّ إعادة قوارب الهاربين إلى المرفأ باتت مسألة متكررة، خصوصًا وأنّ الجيش اللبناني يتشدد في مراقبة الشواطئ البحرية، لا سيما في المناطق التي شهدت سابقًا عمليات تهريب، ومع ذلك تستمر المحاولات بسبب الوضع الاقتصادي.
عشرات الضحايا
ليس هناك إحصاءات رسمية دقيقة حول الهجرة غير الشرعية من لبنان، إلّا أنّ المعلومات تفيد بتوقيف ما يزيد عن ٢٥ قاربًا في العام ٢٠٢١، كان على متنها قرابة ٧٥٠ شخصًا، وهذه نسبة مرتفعة مقارنة بالعام ٢٠٢٠، حين ألقى الجيش القبض على خمسة قوارب، مجموع الهاربين فيها ١٢٦ شخصًا.
وتنشط حركة الهجرة غير الشرعية في فصل الصيف، وبحسب بيانات نشرها الجيش اللبناني عبر موقعه الإلكتروني ما بين حزيران وأيلول من العام ٢٠٢١، تبيّن أنّ كلّ شهر يُسجّل فيه توقيف مركب أو اثنين لأشخاص حاولوا الهرب في «قوارب الموت». وخلال العام ٢٠٢٠، غادرت ثلاثة قوارب خلال شهر تموز وحده، لتتبعها أخرى في الفترة الممتدة ما بين نهاية آب والأسبوع الأول من أيلول، ثمانية من تلك القوارب وصلت إلى الساحل القبرصي، في حين اعترض الجيش خمسة قوارب.
وفي تقرير للدوليّة للإحصاءات غير الحكومية، فإنّ السنوات الماضية شهدت خمسة حوادث أدّت إلى غرق ٥١ شخصًا ووفاتهم، معظمهم من عكار وطرابلس، في حين أنّ العام ٢٠٢٢ شهد كارثةً في هذا الإطار إذ قضى العشرات نَحْبَهم ومن بينهم أطفال. أما في العام ٢٠٢٣، فقد تمكنت القوات البحرية من إنقاذ تسعة مراكب على متنها ٤٢٦ راكبًا.
تستمر المعاناة في جرّ اليائسين إلى المغامرة بأرواحهم في رحلات قد تودي بحياة عائلات بأكملها، وبانتظار الحلول التي تغيّر الواقع يستمر الجيش في أداء واجبه من خلال منع تهريب أشخاص وإنقاذ آخرين انطلقوا في رحلات غالبًا ما تكون نهايتها مأساوية.