منشآتنا

مسيرة التطور المتواصل في الصرح العريق
إعداد: ريما سليم ضوميط

هي الصرح الوطني الذي يخرّج أفواجًا من خيرة الرجال، وهي الكلية العريقة التي تشرّع أبوابها أمام الوفود العربية والأجنبية في إطار تبادل الخبرات التعليمية، وهي أيضًا المنزل الثاني لمئات التلامذة الضباط الذين يتمرسون في صفوفها على أصول خدمة الوطن والدفاع عنه أرضًا وشعبًا، ملتزمين مبادئ الشرف والتضحية والوفاء.

إنّها الكلية الحربية، العين الساهرة لمواكبة كل تطور على المستوى الأكاديمي والعسكري بهدف الارتقاء بنهجها التعليمي إلى أفضل المستويات. ولتحقيق هذا الهدف، فإنّها تظل في تجددٍ دائم، وقد شهدت في السنوات الأخيرة ورشة تحديث متكاملة لم تقتصر على الشق التعليمي وإنما شملت عدة مجالات.

 

التطوير والتحديث كان العنوان العريض للورشة التي شهدتها الكلية الحربية والتي شملت إلى جانب تطوير المنهج التعليمي إصلاحات مختلفة على غير صعيد. في هذا الإطار يشير قائد الكلية العميد الركن جورج الحايك إلى أنّ العمل تم وفق ثلاث مسارات، فمن جهةٍ تمّ تحديث المباني وترميم القديم منها، ومن جهةٍ أخرى جرى تحديث المنهاج التعليمي. إلى ذلك، عملت الكلية على رفع نسبة عديدها، كما حرصت على تطبيق القوانين بصرامةٍ، لا سيما لجهة تطويع التلامذة الضباط والتشديد على كفاءة كل منهم ونزاهته وانضباطه.

 

شهادتان لخريجي الحربية

يؤكد العميد الركن الحايك أنّ عمليتي التعليم والتدريب تحظيان بالأولوية في اهتمامات الكلية، ولذلك كان الهم الأول تطوير المنهج وتحديثه لمواكبة مقتضيات العصر. وقد تم في هذا الإطار تعديل المناهج وإدخال مواد جديدة بما يتناسب مع التقدم العلمي والعسكري. كما أُقيم جسر تواصل بين الكلية وعددٍ كبير من الجامعات الوطنية من خلال توقيع اتفاقيات تعاون تم بموجبها انتداب ضباط وعسكريين لمتابعة التعليم في الجامعات، وانتداب أساتذة جامعيين للتعليم في الكلية، إلى جانب إقامة الكثير من الندوات والمحاضرات واللقاءات، وتبادل الخبرات وتوظيف الوسائل والإمكانات المتاحة بما يصب في مصلحة الجميع. كذلك، واصلت الكلية استقبال الوفود العربية والأجنبية بهدف تبادل الخبرات التعليمية، وقد أثنت هذه الوفود على البرامج والمنهج التعليمي الذي يضاهي مناهج الدول المتقدمة. في المقابل، قام قائد الكلية العميد الركن الحايك وعدد من ضباطها بزيارة كليات في الخارج للغاية نفسها، من بينها كليّتا Saint Cyr وSaummur في فرنسا.

أمّا التغيير الأبرز الذي تسعى الكلية إلى تحقيقه، فهو إضافة سنة رابعة إلى المنهاج التعليمي وتمكين التلميذ الضابط من حيازة شهادتين بعد تخرجّه من الكليّة الحربية، الأولى في العلوم العسكرية والثانية شهادة جامعية في الاختصاص الذي يختاره. ويؤكد العميد الركن الحايك الذي يبدي حماسة كبيرة للمشروع، أنّ الكلية تعد مشروعًا متكاملًا في هذا الإطار سوف يتم عرضه على وزارة التربية للموافقة والاتفاق على الصيغة المناسبة لأخذه إلى موضع التنفيذ.

 

الإعداد الجسدي

في موازاة الإعداد العلمي والفكري للطلاب، تهدف الكلية الحربية إلى الحفاظ على اللياقة البدنية لطلابها، وقد قامت لهذه الغاية بتأهيل قاعةٍ رياضية وتجهيزها بمعداتٍ حديثة. كما تولّت ترميم ملاعب كرة السلة، وكرة الطائرة وكرة المضرب، وإعادة تأهيلها. كما حرصت على أن يواظب طلابها على التمارين الرياضية اليومية، وأن يتم إعدادهم للمشاركة في مختلف المباريات الرياضية وبطولات المؤسسة العسكرية.

من جهةٍ أخرى، تشدد الكلية على توعية طلابها في مختلف المجالات. وفي إطار التوعية والإرشاد حول مخاطر السرعة والقيادة المتهورة، تم استحداث نصب لحوادث السير هو عبارة عن هيكل سيارة محطمة، وفي أسفلها لوحة كتب عليها «لا تسرع فالموت أسرع. تذكّر رفاقك الذين قضوا في حوادث سير!».

 

تعديل جدول العديد

على مسارٍ آخر، قامت الكلية بتعديل جدول العديد والتجهيز والنظام الداخلي. وقد عملت على زيادة عديدها بما يتناسب مع المسؤوليات الملقاة على عاتقها. واللافت إدخال العنصر النسائي إلى الكلية إن من خلال تطويع تلامذة ضباط إناث، أو عبر توزيع عدد من الرتباء والجنود الإناث في أمانات السر حيث أثبتن دقةً وكفاءةً في العمل المكتبي.

في إطارٍ مماثل، تم زيادة عدد الأطباء والاختصاصيين في الكلية بعد تطوير المستوصف وتحويله إلى مركز طبي مؤلف من ست عشرة غرفة ويؤمّن المعاينات الطبية في عددٍ كبير من الاختصاصات، من بينها طب الأسنان، التغذية، علاج الجلد والعظم، العلاج النفسي والعلاج الفيزيائي، إلى جانب علاج المسالك البولية، وغيرها...وقد تم تجهيز المركز بغرفة طوارئ، وبصحيةٍ مزودة جهاز إنعاش. كما تم استحداث مخزن للمعدات الطبية.

 

المنشآت والمباني

من المستوصف إلى مختلف المباني والمنشآت كان امتداد ورشة التحديث والترميم، التي طالت معظم مباني الكلية، ومن ضمنها مبنى فرنسيس زين، ومبنى بيضون الذي حُوّل إلى مكاتب للضباط، ومبنى جورج رحال الذي جرى ترميمه وإعادة تنظيم لفيف التدريب فيه، بالإضافة إلى مبنى جورج مرعب حيث أُنشئت ردهة استقبال وجُهّزت بالكامل.

إلى ذلك، شملت أعمال الترميم المدخل الشرقي للحربية والأدراج التي تربط المباني ببعضها البعض، إضافةً إلى متحف الكلية وقاعة نديم سمعان (القاعة الكبرى للمحاضرات). وقد جُهّز مدخل لقيادة الكلية أمام القاعة الوسطى، وأُعيد تأهيل الحدائق والأحواض، وإنشاء الجديد منها. ووُضعت آلات إلكترونية للتفتيش على المداخل المختلفة، كما استُحدثت غرفة لكاميرات المراقبة التي تعمل طوال ٢٤ ساعة، وتم إنشاء سور وأبراج لحماية الكلية.

وشملت الأشغال أيضًا، تجديد مكاتب الضباط وتجهيزها، وتجهيز قاعة اجتماعات، واستحداث غرفة عمليات، إضافةً إلى تأهيل نادي الضباط، واستحداث قسم مخصص لمنامة الإناث، وإنشاء نادي للرتباء، وتحديث المطبخ وتجهيزه وترميم الحمامات. كما تم ترميم مخازن الذخيرة وفق مواصفات فنية عالية، وإنشاء مخزن حديث لمساعدة التدريب، وتركيب طاقة شمسية في مختلف المباني. كذلك، تم تحديث أسطول آليات خاص بالكلية الحربية شمل شاحنات وفانات نقل جماعي للطلاب والضباط.

في الإطار نفسه، استُحدث نصب جديد للشهداء الضباط في الكلية بدلًا من النصب القديم، وتم تأهيل نصب دورة شهداء الجيش وساحتي العلم والشرف بالإضافة إلى تركيز النصب التذكارية العائدة للدورات المختلفة.

إلى ذلك، تم استحداث مكتبة خاصة بالكتب الفرنسية وذلك لتمرس التلامذة الراغبين باكتساب اللغة، كما جرى ترميم مختبر اللغة الإنكليزية وتحديثه.

وبهدف تحفيز التلامذة الضباط على القراءة والحفاظ على أجواء الثقافة، تم تفعيل اللوحات الإعلامية، إذ يقوم طلاب كل من السنوات الثلاث بإعداد لوحته الخاصة، ويكافأ أصحاب اللوحة الأفضل بينها.

وجدير بالذكر أنّ أعمال الترميم والتجهيز لم تُكبّد الجيش تكاليف مادية تُذكر إذ كانت عبارة عن تقدمات وهبات، كما أنّ الأعمال الخشبية نُفّذت في المنشرة التي تم إنشاؤها في الكلية وزُوّدت جميع المعدات والتجهيزات اللازمة.

بالإضافة إلى الإنجازات المذكورة، تسعى الكلية إلى إنشاء المزيد من المباني الحديثة بالإضافة إلى حديقة عامة ومواقف للسيارات، وتوسيع ردهة الشرف والمكتبة.

 

ميثاق شرف

في ساحة عبدو جبرائيل في الكلية الحربية، يرتفع نصب التلميذ الضابط حارسًا للوحةٍ مميزة، استُحدتت في السنوات الأخيرة، وتحمل ميثاق شرف ينص على أن التلميذ الضابط لا يكذب ولا يسرق ولا يتساهل مع الفاسدين.

 

من المدرسة الحربية إلى الكلية الحربية

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، نَظّم الجيش الفرنسي في الدول الخاضعة لانتدابه وحدات من مختلف الأسلحة، فبرزت الحاجة إلى ضباط ومترجمين واختصاصيين وطنيين، بهدف تشكيل ملاكات لهذه الوحدات وتحضيرها لتصبح مستقلة. وهكذا تمّ إنشاء وحدة تدريبية في مدينة دمشق في العام ١٩٢١، أُطلق عليها اسم «المدرسة الحربية»، لإعداد ضباط للوحدات الجديدة. وقد بقيت هذه المدرسة في مدينة دمشق إلى العام ١٩٣٢ حين انتقلت إلى مدينة حمص.

في بداية العام ١٩٤٥، وبعد فصل الجيش إلى وحدات لبنانية وأخرى سورية، التحق اللبنانيون من طلّاب المدرسة بالجيش اللبناني في مدرسة أُنشئت مؤقتًا في كوسبا تحت اسم «مدرسة الضباط». وفي ٢٥ أيلول من العام نفسه، انتقلت المدرسة إلى دير مار أنطونيوس في بعبدا، حيث بقيت لمدة سنة تقريبًا، ثم انتقلت في ١٤ تشرين الثاني من العام ١٩٤٦ إلى ثكنة شكري غانم - الفياضية، وأُلحقت إداريًا بمفرزة القيادة والإدارة، وهي ما زالت في موقعها إلى يومنا هذا.

كانت أبنية المدرسة آنذاك عبارة عن منشآت استعملها الجنود الإنكليز قبل مغادرتهم لبنان، وفي الحادي والثلاثين من كانون الأول من العام ١٩٥١ يوم ذكـرى الجلاء، قام رئيس الجمهورية في حينه الشيخ بشارة الخوري بتدشـين الأبنية الجديدة للمدرسة الحربية.

في العام ٢٠١١، تحوّلت المدرسة الحربية إلى كلية حربية ووُضع نظام جديد لها بموجب القانون الرقم ١٦٣ تاريخ ٢٠١١/٠٨/١٧.

 

مبانٍ وباحات

تتميز الكليّة الحربية بالمباني المنظمة والباحات الفسيحة. وهي تضم قاعات للتدريس وأخرى للمحاضرات بالإضافة إلى مركز للمعلوماتية يتابع فيه التلامذة أحدث الطرق والوسائل التقنية المتطورة في هذا الحقل. كذلك تحتوي الكليّة على مكتبة غنية بالمراجع والمؤلفات التي تشمل مختلف المواضيع العلمية والثقافية والأدبية والاجتماعية، علمًا أنّ قيادة الكليّة تحرص على إغنائها بأبرز المطبوعات والمنشورات الحديثة.

وتضم الكليّة الحربية أيضًا متحفًا عسكريًا يحفظ بين جدرانه تاريخ الجيش بالصور والوثائق، كما يحتوي على لوحات زيتية لشخصياتٍ وطنية أو أحداث تاريخية مع نبذة تاريخية عنها.