- En
- Fr
- عربي
قضايا دولية
بحـكم طبيعة تشكـيل دولة إسرائيل كمجمع عسكري إستيطاني مـعاد للوسط الجغرافي الإجـتماعي المحـيط فيه, زادت الحـاجة الى التـمول الخارجي من أجل سـد الفجوة بين الضرورات التي تطلبتها إقامة دولة الإحـتلال وبين إمكانـاتها المتـوفرة, ما أوجب تلقي إسرائيل مساعدات مالية ضخمة من الدول الكبرى, سواء عن طريق ضمانات القروض والإعتمادات بفوائد منخفضة, أو عبر المنح المباشرة من وزارة المالية الأميركية التي يحوّل جزء منها الى المساعدات العسكرية والأمنية, والتي تبلغ حجماً سنوياً يصل الى حوالى 1.3 مليار دولار أميركي. وتطالب إسرائيل الآن بمبلغ 12 مليار دولار لمواجهة كلفة الإنتفاضة ولانعاش إقتصادها المتدهور.
المساعدات الأميركية منذ قيام إسرائيل
على مدى خمسين سنة, قدمت الولايات المتحدة الأميركية 1.6 تريليون دولار (1600 مليار دولار) مساعدات مالية للدولة العبرية. وتشير الإحصاءات الى أن ما تلقته إسرائيل من الولايات المتحدة منذ سنة 1948 يوازي 93% من قيمة المساعدات الأميركية الرسمية المرسلة الى منطقة الشرق الأوسط.
في سنة 1953, أوقفت الولايات المتحدة مساعداتها لإسرائيل نتيجة الأزمة الناجمة عن قيام الأخيرة ببناء قناة خاصة لتحويل معظم مياه نهر الأردن إليها. وأسفرت الأزمة عن وقف إسرائيل للمشروع, فاستأنفت الولايات المتحدة إرسال مساعداتها, التي استمرت في مستوى مرتفع سنة 1954, ثم انخفضت في الفترة الممتدة ما بين الأعوام 1955 و1961. لتعود فترتفع ثانية في العام 1962, وعقب إغتيال الرئيس الأميركي جون كينيدي وتولي ليندون جونسون المعروف بدعمه غير المحدود لإسرائيل سدة الرئاسة, ارتفعت المساعدات الأميركية من 40 مليون دولار سنة 1964 الى 71 مليون دولار سنة 1965, ثم قفزت الى نحو 128 مليون دولار سنة 1966, وهي السنة ما قبل حرب حزيران التي شهدت بيع صفقات أسلحة أميركية ضخمة لإسرائيل. ثم تراجع حجم المساعدات سنة 1967 نتيجة حصول إسرائيل على مساعدات ضخمة من مصادر خارجية أخرى, فضلاً عن أن أمنها لم يعد مهدداً بعد إنتصارها, وكذلك نتيجة المغانم التي حصدتها وأدت الى زيادة مواردها.
لكن إعتباراً من بداية السبعينات, بدأ سباق التسلح مرة أخرى, وبدءاً من سنة 1971 قفزت المساعدات الأميركية لإسرائيل قفزة هائلة, فارتفعت قيمتها من 71 مليون دولار الى 601 مليون دولار. وفي سنة 1974, قدمت الولايات المتحدة مساعدة استثنائية بلغت قيمتها 2570 مليون دولار, وذلك نتيجة خسائر إسرائيل في حرب تشرين الأول 1973, وارتفعت قيمة المساعدات مرة أخرى سنة 1979 فبلغت 4815 مليون دولار, وذلك ثمناً لإتفاق السلام الذي وقعته إسرائيل مع مصر لتعود الى مستواها السابق في السنة التالية. وخلال الفترة ما بين 1981 والعام 1985, كان نصيب إسرائيل النسبي من المساعدات الأميركية يبلغ ربع مساعدات الولايات المتحدة الى دول العالم تقريباً.
في سنة 1986, تلقت إسرائيل المساعدات الأميركية الإعتيادية التي بلغت 3 مليارات دولار, منها 1.8مليار دولار مساعدات عسكرية, و1.2 مليار دولار مساعدات إقتصادية, وكلها منح لا ترد, فضلاً عن منحة طارئة بلغت قيمتها 1500 مليون دولار.
في العام 1991, تلقت إسرائيل 3 مليارات دولار من الولايات المتحدة وهي المنحة المعتادة, فضلاً عن تقديم ضمانات من الحكومة الأميركية لقروض مصرفية من البنوك الأميركية بقيمة 10 مليارات دولار. واستخدمت ضمانات القروض لحفز إسرائيل على المشاركة في عملية التسوية التي بدأت في مدريد في تشرين الأول 1991, وتستمر هذه المساعدات حتى اليوم بأشكال أخرى منها:
- 50 الى 60 مليار دولار على شكل أسهم إسرائيلية اشترتها المنظمات اليهودية الأميركية.
- 25 مليار دولار قدمتها الولايات المتحدة على شكل ضمانات لقروض تجارية, و60 مليار دولار على شكل قروض لبيوت سكنية.
- 25 مليار دولار لدعم مشروع الطائرة الحربية “لافي” وصاروخ “آرو”, وتستعمل الدولة العبرية 40% تقريباً من مبلغ 1.8 مليار دولار في السنة, تقدمها واشنطن على شكل مساعدات عسكرية لشراء أسلحة أميركية.
الدعم الإقتصادي والتمويل العسكري
يستند مبدأ المساعدات المالية الأميركية لإسرائيل على تقوية التعاون الإستراتيجي بين الدولتين, والذي يرتكز حالياً على صيغتين في المساعدات المتعلقة بالمسائل العسكرية هما: تقديم “أموال الدعم الاقتصادي” ESF)) و”التمويل العسكري الخارجي” FMF)) . والصيغة الكبرى من هاتين الصيغتين هي التمويل العسكري الخارجي وهدفها مساعدة إسرائيل على تمويل ما تحصل عليه من خدمات وتدريب. وهذا التمويل من المقرر له أن يزيد بمقدار 60 مليون دولار في كل سنة ضمن خطة مستمرة تؤدي الى وقف تقديم الدعم المالي الاقتصادي في العام 2008.
ولا تقتصر المساعدات الأميركية على هذا الشكل المباشر, وإنما تتخذ أشكالاً أخرى قد تكون أكثر أهمية مثل تزويد إسرائيل بالتكنولوجيا المتقدمة العسكرية والمدنية, وإعفاء البضائع الإسرائيلية من الرسوم الجمركية ومساعدتها على التوغل في الأسواق العالمية وخاصة الأفريقية والآسيوية, إضافة الى الإستثمارات الأميركية المباشرة في إسرائيل.
ومن أمثلة هذه المساعدات أيضاً, بناء الولايات المتحدة لعدد من المستشفيات الإسرائيلية وكذلك الجامعات, التي تم تسجيلها في الولايات المتحدة لاكسابها صفة قانونية تتيح لها الحصول على المنح والهبات الأميركية. يضاف الى ما تقدم التعاون العسكري المعروف بين الجانبين, والذي يتيح وضع الكثير من أسرار التكنولوجيا العسكرية في خدمة إسرائيل, كما يتضمن تمويل الأبحاث العسكرية الإسرائيلية كلياً أو جزئياً من قبل وزارة الدفاع الأميركية.
معدل الناتج القومي الإسرائيلي
إن إسرائيل, التي تزداد متاعبها بسبب عدم رغبتها بإعادة الأراضي التي احتلتها عام 1967 مقابل السلام مع جيرانها, لا تعد من الدول الفقيرة التي تستحق المساعدات. ففي العام 1995, وصلت قيمة معدل الناتج القومي السنوي الشامل للفرد الإسرائيلي الى 15800 دولار, وهذه القيمة أقل بقليل من مثيلتها في بريطانيا (19500 دولار) وفي إيطاليا (18700), وهي تزيد عن إسبانيا بألف وخمسمئة دولار وعن إيرلندا بأربعمئة دولار. وهذه الدول تقدم مساعدات لأنحاء العالم ولا تتلقى مساعدات. وإسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تنال الفائدة حتى على المساعدات المالية السنوية التي تخصصها لها واشنطن, لأنها تعطي الحق لإسرائيل بالتصرف بها في الشهر الأول من كل عام وعلى النحو الذي ترغب به.
وبحسب صحيفة “كريستيان سايتس مونيتور”, فإنه بالرغم من كل هذه المساعدات التي تمد الولايات المتحدة إسرائيل بها, إلا أنها تشعر بأن أمنها مهدد في كل لحظة نتيجة تزايد مظاهر العداء العربي تجاهها. كما ترى الصحيفة, بأن واشنطن, على المدى البعيد, لا تولي أي أهمية للسلام والإستقرار والتعاون مع العالم العربي, إلا بقدر أقل بكثير من إهتمامها بالتحالف مع إسرائيل التي تأتي في قائمة الدعم الأميركي, من دون ملاحظة الأثر السلبي على إقتصادها القومي الذي يبدو مثيراً للجدل, ماضياً وحاضراً ومستقبلاً, الى أن يفكك اللغز.
المراجع
- هآرتس 21 / 10 / 2002 تقرير أمنون يوزيلاي.
- مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية في الأهرام القاهرة, دراسة نشرت في مؤسسة الدراسات الفلسطينية شتاء 2002.
- توماس ستوفر, محاضرة في جامعة مين بتكليف من الكلية الحربية الأميركية أول كانون الثانية 2003.
- صحيفة كريستيان مونيتور, 3 / 1 / 2003.
- مركز دراسات السياسة الخارجية الأميركية النشرة الفصلية الباحث جوزيف باكلي حزيران 2002.
- مجلة واشنطن ريبورت الأميركية كانون الأول 2002.