الجيش في عيده

بمناسبة عيد الجيش: «أنتم الغد»

«ريدي... أكشن...»، وانطلق تصوير مشاهد من الفيلم: هجوم معادٍ، انفجارات وإطلاق نار، دواليب مشتعلة... وعسكريّون منتشرون على الجبهة.
لطالما كان عيد الجيش مناسبة لابتكار الأفكار والأعمال الفنيّة، تقديرًا للمؤسسة العسكرية. وقد قدّم الكثير من الفنانين الأغاني والكليبات والشعارات لهذه المناسبة.
«أنتم الغد»، فيلم قصير (3 دقائق) بمناسبة عيد الجيش، هو الأول من نوعه على صعيد الجيش اللبناني، أرادَت شركة «كليمنتين» الإعلانية من خلاله، الخروج على المألوف، والابتعاد عن الشعارات والجماليات، والغوص في أعماق الوقائع والحقائق لإظهار الصورة الحقيقية للجيش في أرض المعركة.

حلم تحقّق
سامي صعب، المدير الإبداعي في «كليمنتين» وصاحب فكرة الفيلم، يروي قصّة ولادة هذا الفيلم بحماسة كبيرة: «منذ العام 2006، وبعد حرب تموز، راحت تراودني فكرة تصوير فيلم يمثّل معركة عسكرية حقيقية؛ لم أنفّذ الفكرة بسبب عدّة صعوبــات اعترضتهــا، إلى أن عدتُ هذا العام وعرضتــها بجديّة في عـدّة لقــاءات مع جهات عسكرية، بنــاءً على خبرة سنـوات من العمــل مع المؤسسة العسكرية في مختلف المناسبات».
مع إبصارها النور، لاقَت الفكرة إجماعًا لافتًا من أشخاصٍ تحمّسوا لها وعرضوا خدماتهم للمشاركة في تنفيذها من دون أي مقابل. هذا الأمر ساهم في تحقيق الحلم الذي راود سامي طوال سنوات.
أراد سامي صعب الإضاءة على ناحية إنسانيّة لا يراها الناس في معظم الأحيان، وهي أنّ «العسكري إنسان... يشعر، يخاف، يتأثر، يحزن، يتعب... هو إنسان». اقتنع الجميع بالفكرة وباشروا العمل على تحقيقها، بدعمٍ من قائد الجيش العماد جان قهوجي وبمساعدة مدير التوجيه العميد الركن حسن أيوب.

التحضيرات
في مقدّم الضباط الذين تحمّسوا للفكرة، العميد الركن مارون الحتّي مدير العمليات في الجيش اللبناني، الذي حضر الاجتماع التحضيري ووضع خطةً وخريطة لمجريات المعركة التي هي في أساس السيناريو. تمّ اختيار حقل «المغيتة» كأفضل موقع للتصوير يستجيب للمعايير العالمية. وقد تابع العميد الركن الحتّي التصوير يومًا بيومٍ مع إعطاء التوجيهات اللازمة.
من هم الممثلّون؟ يشرح سامي صعب أنّ الفيلم «يرتكز على مجريات معركة... فكّرنا في إشراك وحدات أخرى من الجيش واختيار عناصر من أحد الألوية المنتشرة في الجنوب، عايشت الشريط الحدودي والخط الأزرق، فالمعركة في الفيلم تجري ضدّ العدو الإسرائيلي. اقترح العميد الركن الحتّي إشراك اللواء 11 في التصوير، بخاصة بعد معركة «العديسة»، حيث تكبّد شهيدَين وعدّة جرحى».

فكرة الفيلم وهدفه
يبدأ الفيلم بمشهد لشاحنة عسكرية في طريق العودة من أرض المعركة، تنقل عسكريّين منهكين متّسخين بالغبار، تلامس تعابير وجوههم مشاعر اليأس والأسى بعد ما اختبروه في المعركة. تقترب الكاميرا من «قماطي» أحد هؤلاء العسكريين الذي يبدو على شفير الانهيار، وهو يعود بالذاكرة إلى أرض المعركة حيث استشهد صديقه «ترغلّ».
قماطي وترغلّ في نقطة مراقبة يتلقّيان تحذيرًا من حركة مشبوهة لآلية للعدو الإسرائيلي... استنفار على خلفية عملية تسلّل... وتبدأ النيران والعمليات العسكرية ومحاولة إطباق العدو... رصاص حيّ... مثيل حقيقي للعدو يلبس بزّته ويتكلّم لغته (الأمر الذي يظهر للمرة الأولى في أفلامنا).
يتلقّى العسكريّان أوامر بالتقدّم بعد كشف محاولة العدو زرع جهاز تنصّت، ولكن ترغلّ يُصاب برصاصة قاتلة في موقع متقدّم الأمر الذي يضع قماطي في موقفٍ حرج: بين تأثره باستشهاد صديقه الذي كان متحمّسًا لشراء سيارة بعد مغادرة المعركة، وبين متابعة هذه المعركة. يتقدّم ويصعد إلى رأس التلّة حيث زُرِع جهاز التنصّت... ويتمكّن من العسكري العدو الذي قتل صديقه: نظراته تراوح بين الحزن والإصرار والانتقام لصديقه.
وتتقاطع مشاهد الفيلم بين العودة إلى الآلية العسكرية التي تمرّ على طول المسلك بقرى لبنانية جميلة، والعودة بالذاكرة إلى المعركة ووقائعها. إلى حين تصادف الآلية باصًا مدرسيًا ينقل طلابًا... هؤلاء راحوا يتبادلون النظرات والتساؤلات الضمنيّة مع العسكريين. أحد هؤلاء الأولاد (10 سنوات) يتبادل النظرات مع قماطي الذي، وعلى الأثر، تتغيّر ملامح وجهه وتبتسم عيناه، فللتعب والعذاب وخسارة الأصدقاء معنى آخر أمام الأمل مجسدًا بنظرات طفل.
هو مشهد التسلّم والتسليم بين جيلَين: نحن اليوم... أنتم الغد». وكأن العسكري يقول للولد: نحن اليوم أنجزنا ما أنجزناه ومسؤوليتكم متابعة هذا النهج.
الهدف من هذا الفيلم الإضاءة على الصورة الإنسانية للجيش، للعسكري المدافع عن الأرض والعقيدة والإيمان والقضية، والذي يملك الإرادة وينفّذ المطلوب منه على الرغم من محدوديّة الإمكانات.
إنها المرة الأولى التي نرى فيها العسكري يتكلّم... إنصهار بين المؤسسة العسكرية والمجتمع.
فيلم سينمائي هو الأول من نوعه على صعيد الجيش، يركّز على الصورة الحضارية والراقية للجيش لحثّ كل مواطن على الإنضمام إلى صفوف هذه المؤسسة التي هي الضمانة الوحيدة لمستقبلنا. هي ليست مؤسسة عروض عسكرية، بل هي الصورة الأصدق عن النسيج اللبناني المتنوّع.
يعبّر سامي صعب عن الفخر والشرف الكبيرَين للتطوّع والمساهمة في تحقيق هذا العمل للمؤسسة العسكرية: «رصيدي من هذا العمل هو الفخر الشخصي والإعتزاز... فأنا في جهوزية دائمة لأكون جنديًا من دون أن يُطلب منّي ذلك، وأدعو كل شخص إلى عدم التردّد إذا كان باستطاعته دعم الجيش».

اللواء 11... على أرض المعركة
استنادًا إلى خبرتهم وتجربتهم الأخيرة التي خاضوها في عملية العديسة الجنوبية، وقع الإختيار على عناصر من اللواء الحادي عشر للتمثيل في هذا الفيلم.
قائد اللواء العميد الركن كابي محفوض شجّع الفكرة وكلّف رئيس القسم الأول في اللواء، بالإشراف على التصوير.
«اخترنا عسكريّين من وحدات اللواء وسراياه كافة... شرحنا لهم الموضوع وركّزنا على أهمية هذا الفيلم كلفتة تقديرٍ للّواء وللمهمات التي ينفّذها في الجنوب، وبأنّ هذا الفيلم يحمل الصورة الإيجابيّة الحقيقيّة للمؤسسة العسكرية... فأبدى الجميع اندفاعًا للمشاركة» كما شرح رئيس القسم الأول في اللواء، والذي أضاف: «تركت فكرة تمثيل المعركة وقعًا ايجابيًا عند العسكريين، فهي بالنسبة إليهم لفتة وفاء لشهدائهم».
شارك في التمثيل عناصر يشكّلون سرية مع ملالات م113 وشاحنات وهامفي وأسلحة فردية وإجمالية. عمل عناصر الفوج على إقامة مركز مراقبة وخنادق وحفر فردية وتحصين المراكز لأغراض تمثيليّة...

أعمال هندسية
يتضمّن الفيلم مشاهد واقعية من المعركة، الأمر الذي تطلّب تدخّل عناصر من فوج الهندسة لتنفيذ المؤثرات البصرية الخاصة. فتمّ تنفيذ مثيل أو مشبّه للتفجيرات والقصف المعادي وإطلاق النار، بالإضافة إلى مراكز الرمي والسواتر والإصابات والرصاص بين العسكريّين مع استخدام ذخيرة حيّة وخلّبيّة. «إنّ العمل الهندسي خطر بطبيعته، ويتطلّب التأني والإنتباه وتدابير الحيطة اللازمة لتجنّب وقوع أي حادث أو إصابات» يقول أحد ضباط فوج الهندسة، الذي يشرح أنها  «المرة الأولى التي نقوم فيها بتركيب تفجيرات قريبة من العسكريين، وكان علينا بقدر المستطاع تحقيق الصورة التي أرادها المخرج...».

إخراج الحلم
يعتبر المخرج جاد عوّاد مشاركته في هذا العمل، طريقةً خاصة تقرّبه من الجيش. فبالنسبة إليه، هذا العمل هو جزء من المقاومة ضدّ العدو: «هذه هي طريقتي للمشاركة في هذه المقاومة».
عمل عوّاد على إخراج الصورة الحقيقية للجيش، الهدف الرئيس من هذا الفيلم. «ركّزنا على فكرة مهمّة جدًا: على الرغم من أنّ العدو مجهّز بأحدث الوسائل والدفاعات، إلاّ أنّ جيشنا يحارب من قلبه، وسلاحه الإرادة. لم تكن الدراما هي المقصودة في هذا الفيلم، بل التعاطف مع الشخصية».
وأشار إلى أنّ «التحدّي الأبرز في إخراج هذا الفيلم، كان العمل مع ممثلين غير محترفين من خلال العمل على إخراج الأحاسيس وإظهارها بصورة واقعية حقيقية. ننقل حقيقة حياتهم وعيشهم في الثكنة، حتى الألقاب التي يحملونها وكل ما له صلة واقعية بالجيش».
وعن العمل مع العسكريين، يقول: «يبقى النظام والدقّة هما سيّدا الموقف... الدقّة في التوقيت والصرامة في الإلتزام والوضوح في التعامل».
في الختام، شدّد عوّاد على أهمية الإعلام في التأثير بمجريات الحرب، ودعا الجميع إلى التنبّه إلى الدور الرئيس الذي يجب ايلاؤه لهذا الموضوع كما يحصل في الغرب.

الصورة... باحتراف
مدير التصوير فادي قاسم هو المسؤول عن الصورة بكل تقنياتها، شرح ماهية العمل في هذا الفيلم حيث «عملنا على أربع كاميرات لتغطية الـ raccord، الأمر الضروري في أفلام الحركة. لم أستخدم إنارة اصطناعية بل استعنت بالشمس وتحكّمت بلون السماء من خلال دخان الدواليب والفوسفور لإعطاء اللون للغيوم وكأننا في شهر تشرين، ولخلق الشعور بالصلة مع أرض المعركة.
طبيعة الأرض التي صوّرنا عليها ساعدت في تأمين الألوان التي احتجتها من خليط بين الأخضر والأصفر والبني والرمادي.
أمّا في ما خصّ طريقة التصوير التي عملنا على الطابع الواقعي فيها، فقد قمنا بحمل الكاميرا ثابتة على الكتف حتى نكون قريبين من الجنود. وقد قمنا بتجربة كل أنواع التفجيرات حيث عمل الفريق الهندسي على كل المؤثرات البصرية مع وضع ساتر حامٍ للكاميرا القريبة من الحركة والشخص.
حاولنا تصوير الحركة والفيلم بطريقة حقيقية في ساحة المعركة ووفق الإمكانات المتوافرة.
الصعوبة في هذا العمل هي في موضوعه، فنحن نركّز على إظهار الإرادة والإيمان ومحبّة العسكري لأرضه... يحمل الفيلم رسالةً سامية، هدفنا إظهارها».
قاسم بدوره يشعر بأنه يشارك من خلال مهنته في مقاومة الجيش العمالة والعدو الإسرائيلي، هذا الجيش الذي لا لون له ولا انتماء إلاّ الوطنية.

إدارة الإنتاج
مدير الإنتاج ناصيف الريّس، يرى نقطة مشتركة في هذا العمل بين المدنيين والعسكريين وهي أهمية فنّ التواصل وروح الفريق. ارتكز عمله على تأمين المعدات والتجهيزات وتنسيق الأوقات مع المشاركين، بالإضافة إلى تحضير مواقع تصوير اللقطات بالتتابع، فكل شيء يجب أن يكون في موقعه بالوقت المحدّد.
الأهم هو تحقيق ديكور قريب من الواقع بالتعاون مع مهندس الموقع لتلبية ما يطلبه المخرج ومدير التصوير، وما يتطلّبه هذا العمل السينمائي ليلامس الحقيقة.
ويبقى تأثره بالدقّة التي يتعامل الجيش من خلالها واضحًا، «إذ مع العسكريين يجب علينا تحديد كل شيء بتفاصيله مع التنبّه إلى التراتبيّة في التعاطي وإعطاء الأوامر».
وفي ما خصّ الـ Make up وكل المؤثرات التعبيريّة الخاصة من إصابات وجروح ناتجة عنها، فقد نفّذها جوزف حبيب ولافيين خيرالله (make up artists):  «مصاب، تعب، مشوّه، متّسخ... كل التعابير التي يمكن مواجهتها في أرض المعركة. إنها المرّة الأولى التي نعمل فيها مع الجيش، ونسعى إلى تقديم الأفضل في هذا المجال. العمل مع الجيش فخر لنا فنحن «بدّنا خدمة للوطن!!».
عمل متكامل تمّ تصويره خلال ثلاثة أيام، بدءًا من ساعات الفجر الأولى وحتى ساعة متأخرة من الليل... تعاون واضح ومثالي بين شباب مدنيين وعسكريين تكاتفوا لتحقيق فيلم سينمائي واقعي يُشعر من يشاهده بمعنى أن يكون الإنسان عسكريًا. مزيج من القساوة والرقة... الشراسة والخوف... القوة والضعف...
فيلم يُظهر معنى أن تكون إنسانًا في الحرب والسلم!! ويدعو الأجيال الصاعدة إلى حمل المشعل ومتابعة المسيرة.

تقديراً لمساهماتهم

ساهم في تحقيق هذا العمل إلى جانب «كليمنتين» أشخاص ومؤسسات أحبّ سامي صعب توجيه الشكر لهم: بدءًا بالعماد قائد الجيش الذي أبدى تعاونًا ودعمًا كبيرَين، ومديرية التوجيه لتغطيتها العمل بأكمله، ومديرية العمليات والقوات الجوية واللواء الحادي عشر وفوج الهندسة، وكل من نسّق من شركة Signature production التي ساعدت في التنفيذ، والمخرج ومديرَي التصوير والإنتاج وفريق عمل كليمنتين ومحلات Josons... الجميع تحمّسوا وتطوّعوا لايصال الرسالة المرجوّة وتنفيذ الفكرة.