ملف العدد

معهد القديس يوسف - عينطورة
إعداد: ندين البلعة خيرالله


«أنا لبناني، أنا من البلد الذي صدّر الحرف والأدمغة...»

في مرحلة كان فيها العلم قليل الانتشار في لبنان، تأسّس معهد القديس يوسف - عينطورة (تشرين الثاني 1834)، أي قبل الاستقلال بمئة وتسعة أعوام... أرشيف المعهد العريق يحتفظ بأسماء التلامذة الأوائل ومن بينهم عدد من صانعي الاستقلال، من سليم تقلا إلى موريس الجميّل، وألفرد شهاب، وعمر بيك الداعوق، وحميد فرنجية وغيرهم... ممّن أدّوا دورًا سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا مهمًا في لبنان بين الحربَين العالميّتَين والاستقلال.
مباني المدرسة الأثرية تشبه خبايا قلعة راشيا، والقلعة الشامخة في باحة المدرسة الخارجية والتي هي شعارها، تحتفل في كل سنة بعيد الاستقلال فترتدي العلم اللبناني يرفعه طلابها وإدارتها للمناسبة. وتُقام الحفلات والنشاطات التي تعدّها هيئة المدرسة مع طلابها لتذكّرهم بمعنى هذا العيد وأهميته.
طلاب معهد القديس يوسف - عينطورة، بمختلف أعمارهم ومستوياتهم المدرسية، يرون أنّ الاستقلال هو في أن يحكم لبنان نفسه بنفسه وأن يملك حرية سياسية واقتصادية وأن يكون قادرًا على صنع قراراته.


شهداؤنا ومعنى الاستقلال
آية عضم (13 سنة) ترى أنه «من الضروري أن يعرف كلّ منّا تاريخه، وأن يعرف كيف ومتى أصبح لبنان بلدًا حرًا ومستقلًا وتخلّص من حكم بلدٍ آخر. أمّا بالنسبة إليّ فأهم رموز الاستقلال والوحيد القادر على حمايته هو الجيش الذي لا مصلحة خاصة له ويدافع عنّا من دون مقابل».
بالنسبة الى داني فيصل (15 سنة - الثاني ثانوي)، «البلد ليس فقط مساحة وحدودًا، بل هو أيضًا شعب ودولة. وعندما يستقلّ البلد فإنّ ذلك يعني أنّ سكّانه أصبحوا قادرين على الوصول إلى المناصب التي يطمحون إليها والتعبير عن آرائهم بحرية واتخاذ قراراتهم بأنفسهم».
ويضيف إدي عطّوف (18 سنة - ثالث ثانوي اقتصاد واجتماع): «أن يكون المواطن حرًّا يعني أن يصبح لديه حق بممارسة حقوقه المدنية وتطبيق واجباته فيعرف الشعب معنى العدل والاستقلال».
نايلة عبيد (17 سنة - ثالث ثانوي، اقتصاد واجتماع) تلاحظ أننا «في كل سنة نعيد ذكرى الاستقلال ونتذكر أنه لم يعد هناك دولة غريبة تحكمنا وانتهى الانتداب، ولكننا ننسى الشهداء وكل من سُجنوا حتى حصلنا على الاستقلال. ننسى أنه على كلٍّ منّا أن يحافظ على إرث هؤلاء الذين ضحّوا لكي يحصل لبنان على استقلاله، مع أننا نشعر أن الاستقلال اليوم ناقص بسبب التدخلات الخارجية».
بدوره يسأل أنطوني معلوف (18 سنة - ثالث ثانوي، اقتصاد واجتماع)، «إلى أي درجة نعيش استقلالنا؟ إذا لم نكن مواطنين حقيقيين متمسّكين بأرضنا، وإذا كان كل واحد منّا تابعًا لحزب سياسي، والأحزاب في لبنان يتبع كل منها لجهة خارجية، فأي استقلال نعيش؟

 

والحلّ؟؟
نحن جيل المستقبل، والتغيير لا يأتي منزلًا بل يحتاج إلى جهد وإصرار وقرار... رأي اتفق عليه هؤلاء الطلاب ولكلٍّ منهم اقتراح لتغيير صورة لبنان ليكون كما يطمحون.
ندي سعادة (12 سنة) يشدّد على أنه يجب أن نعيش مواطنيّتنا. فهو يعتقد أنّ «كثيرين اليوم هم في مركز المسؤولية ولكنهم لا يتصرّفون بالطريقة الصحيحة، لذا يجب أن يستحق كل شخص منصبه، ويستغلّه لما فيه مصلحة لبنان وأهله».
نديم روحانا (14 سنة) وكارلا حكيّم (12 سنة) يعتقدان أن «حماية لبنان واستقلاله يتطلّبان التمثيل الصحيح، أي أن نعرف من ننتخب لكي يعمل من ننتخبهم لمصلحتنا ومصلحة الوطن... ما زلنا حتى الآن ننتخب زعماء الحرب، فكيف سيحكمون بعدلٍ وسلام؟».
من جهتها ترى كريستين قرقفي (17 سنة - ثالث ثانوي اقتصاد واجتماع) أنّ «التغيير لا يأتي إذا كنا نكره وطننا ونفكّر دائمًا بالتخلّي عنه والسفر والاستسلام. من هنا علينا أن نتعمّق في تاريخه وننظر إلى الأسباب التي أدّت إلى الحالة التي وصلنا إليها لكي نعالج المشكلة من أساسها».
أمّا يارا بو معشر (15 سنة - أول ثانوي) فتشدّد على «ضرورة احترام الآخر وحقوقه في وطننا من أي طائفة كان. علينا أن نتضامن في ظل المساواة بين الجميع لنصل إلى مستقبل أفضل».
ويلفت أنطوني نوّار (13 سنة) إلى أن «الاستقلال لا يعني فقط طرد دولة غريبة عن أرضنا والتخلّص من انتدابها، بل يعني أن نستقلّ اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، وأن نعيش بحرية ونكون مسؤولين عن أنفسنا...
هكذا نعيش عمق الاستقلال، وهذه هي الصورة التي نطمح أن نراها في لبنان».
أمّا أماني حكيّم (14 سنة) فتطمح إلى الحرية والديمقراطية...

 

حامي الاستقلال
يتّفـق الجميـع على أنّ الحامي الأول والأخير للاستقلال ومعناه الحقيقي هو الجيش. فهو لا ينتمي لأي حزب أو طرف سياسي، ويعمل بعيدًا عن المصلحة الشخصية، يضحّي بحياته من أجلنا من دون أي مقابل وهو جدير بالثقة والاحترام، كما علينا أن نتشبّه بوحدته واتحاده من أجل لبنان ولبنان فقط.
ولا يخجلون من التعبير بصراحة عن ضـرورة اتخـاذ السياسيين من الجيش مثالًا لهم في وحدته وعمله لمصلحة الوطن مع الحفاظ على حرية الرأي والتعبير.
سارة ماريا خوري (17 سنة - ثالث ثانوي اقتصاد واجتماع) تضيف إلى ما سبق «أهمية الجمعيات والمؤسسات التي لا تبغي الربح (ONG) والتي تعمل لمصلحة المجتمع وتدعم اللبنانيين بشكل غير مباشر للحفاظ على استقلالهم وحريّتهم والعيش بكرامة».
أمّا كارلا فتعتبر أن «بعض المسؤولين يهتمّون لأمر لبنان ومصلحته واستقلاله ويحاولون العمل على حماية هذا الاستقلال، بخلاف آخرين...».
المرشدة الاجتماعية جوانا مكربل أوضحت أن المدرسة تنظّم النشاطات الخاصة بعيد الاستقلال كل عام، بدءًا بالتقليد السنوي برفع العلم على البرج وتكريمه مع النشيد الوطني، مرورًا بكلمات التلامذة والإدارة للمناسبة، وتوزيع الأعلام والشعارات وإلقاء الأشعار.
وتضيف السيدة ريتا خوري (من قسم التوثيق في المدرسة) أن الإدارة رغبت هذا العام بتعريف طلاب الصفوف التكميلية على عاصمة لبنان، فتمّ تحضير لوحة تفصّل أقسام بيروت الإدارية والجغرافية والمتاحف والأماكن الأثرية، والمراكز الثقافية والسياسية والدبلوماسية فيها. كما خُصِّصَت زاوية لنشر الكتب التي تتحدّث عن لبنان باللغات الثلاث.

 

أنا لبناني
على الرغم من كل ما يعصف بالوطن من مشاكل وصراعات وتجاذبات، إلاّ أنّ الهوية اللبنانية تبقى مصدر فخرٍ لتلامذة معهد القديس يوسف - عينطورة.
فكوني لبنانيًا لا يعني فقط أن أسكن على الأراضي اللبنانية، بل أن أدافع عن وطني وأحمي مصالحه.
أن أكون لبنانيًا يعني أن أحمل جنسية البلد الذي صدّر الثقافة والحرف إلى العالم، وكان وما زال معبرًا وملتقى لكل الثقافات والبلدان... فيه تعدّد اللغات والثقافات والانتماءات... فيه التنوّع البيئي والسياحي... فيه المستوى العلمي والثقافي الذي يفوق المستويات العلمية في دول الغرب المتطوّرة، فمدارسه وجامعاته تستقبل طلاّبًا من مختلف الدول المجاورة والبعيدة...
أن أكون لبنانيًا يعني أنّني من البلد الذي ما زال محافظًا على الروابط العائلية، والذي يتّكل أبناؤه على أنفسهم، والذي يتميّز أهله بروح الضيافة ويفخرون بتقاليدهم وعاداتهم وأخلاقياتهم... أنا لبناني، أنا من البلد الذي صدّر الأدمغة إلى الغرب ليكون أبناؤه روّاد الاختراعات والتكنولوجيا والتطوّر...