مفاهيم أساسية

مفاهيم لتطوير الذات وتحصينها

مشاعر الخوف، والغضب، والاكتئاب، والغيرة والحزن هي طاقات وذبذبات نلتقطها من محيطنا ونقوم بامتصاصها من دون أن ندرك ذلك. لذا من المهم أن نعرف كيف نتجنب الانفعالات السلبية ونبعدها عنا، وبالتالي نحدّ من تأثيراتها علينا حتى نحمي أنفسنا ونظل قادرين على التكيّف مع الظروف ومواجهة الصعاب، والمضي قدمًا في تطوير الذات.


ترى اختصاصية علم النفس الدكتورة ماري- أنج مرعي أنّ الحصانة الذاتية إحدى أهم ركائز تطوير الذات، فهي المناعة التي يحتاجها الإنسان ليتقدّم بالحياة. وهذه الحصانة تتطلب أحيانًا عدم الإصغاء إلى ترددات المحيطين بنا الذين غالبًا ما يُضعفون إرادتنا حين يقولون «لا يمكنك القيام بذلك أو يصعب عليك ذلك». هي كلمات لا تشجّع بل تهدّد الثقة وتُضعف الإرادة. فالنجاح يسعى له المرء من خلال عمله فقـط ويُبرهَن من خلال تحصين أنفسنـا من الأفكار الخارجية السلبية، وتحمّل المسؤولية بدلًا من رمي الكرة في ملعب الآخرين.


تقبّل الآخر والاعتدال
يُعتبر تقبّل الآخر من أكبر التحديات التي قد تعترض مسار تطوير الذات في أيامنا هذه، فليس من السهل أن ننفتح على الآخر من دون أفكار مسبقة، ونناقش أفكاره وقناعاته بإيجابية ورحابة صدر. لذلك يجب أن نضع نصب أعيننا أنّ الاختلاف يُغني ولا يشكّل سببًا للخلاف.


بل انّ الاختلاف هو من الطبيعة البشرية التي لا يمكن إنكارها. ولو تأملنا جيدًا لوجدنا أن المشكلة التي تواجهنا في الكثير من الأحيان هي عدم قبول الاختلاف وليس الاختلاف حول الموضوع بحدّ ذاته. وفي حقيقة الأمر، إنّ الاختلاف الفكري بين البشر هو ميزة يمكن تحويلها إلى طاقة إيجابية، إذا تأملنا في أسباب الفروقات وأدركنا أعماقها وتقبّلنا ما تستطيع تغييره فينا.


وبرأيها أيضًا، أنّ العلم والدين مثلًا لا يتناقضان على الإطلاق، بل هما معًا لخدمة الإنسان ومن أجل الحفاظ على حريته. الاختلاف في المعتقد حق مكتسب، أما الإيمان فنسبي. وتبقى الإنسانية هي الجامعة على الرغم من اختلافات المعتقد.
غير بعيد مما تقدّم تؤكد الدكتورة مرعي أنّ التطرّف بحدّ ذاته، سواء كان في الدين أو السياسة أو الحب أو القيادة أو تناول الطعام... هو مؤذٍ في جميع الحالات. والمطلوب هو الاعتدال بكل شيء، من الكلام، إلى السلوك إلى الشعور، بما يضمن الحصانة الذاتية ويتيح التغيير بشكل سلس، ويدعم التطوير نحو مستقبل أفضل.
 
نقاوم لنبقى
تطوير الذات يتطلب الثقة بالنفس، وفي هذا السياق تشير الدكتورة مرعي إلى أنّ الثقة بالذات من شيم الإنسان الواعي والواعد، الذي يعرف قدراته وإنما أيضًا حدوده. وهذا ما يصحّ في الأفراد والجماعات. واللبنانيون كشعب متّحد ومؤمن بقدراته، يستطيعون أن يحققوا التغيير إذا سعوا إليه بإخلاص وتفانٍ، على الصعيد المجتمعي والوطني. لذا يجب أن نتأقلم ونتجدّد من دون أذية، ونكتسب المناعة النفسية الدائمة لكل أوجاع الحياة ومتغيراتها.


الثقة بالنفس تجنّبنا الغرق في مستنقع الإحباط على صعيد فردي، وتبعد عنّا الكآبة واليأس على صعيد العائلة والمجتمع. فالمقاومة الحقيقية تتمثّل بمواجهة كل الصعوبات والاستمرار بالنضال من أجل تحقيق حياة أفضل وغريزة البقـاء تكرّس هذا الهدف.
 
المناعة سلاحنا السري
ترى الدكتورة مرعي أنّ المناعة النفسية تقوى عندما نأخذ القرار بالتغلب على المرض أو على الكآبة أو على كل ما يمس استقرارنا الذاتي، إذ يتولى الجهاز المناعي المحصّن ضد الضغوط إضعاف المرض وصولًا إلى إخراجه. وهذا ما يفسر قدرتنا على الخروج من الحزن الشديد أو الضغوط النفسية القاسية إذا ما قرّرنا. كيف نعزّز جهازنا المناعي؟ ببساطة عبر الدعم النفسي من خلال التقرّب ممن نحب وبممارسة الرياضة الجسدية أو الفن كالغناء والرقص، أو القراءة لتطوير الفكر أو اللجوء إلى الطبيعة من خلال تأمّل المناظر الجميلة. كل ذلك يسمح بتوسيع آفاقنا الذهنية، ويمنحنا القدرة على الإبداع في ابتكار طرق للمواجهة السليمة. كلّ ما عدا ذلك يهدّد بالصدامية، التي بدورها تسبب اضطرابات نفسية وعاطفية.


تعلّمنـا الحياة الكثير ولعلّ من أبـرز الدروس أنّنا نستطيـع أن نطوّر ذواتنا دائمًا، وأنّ بمقدورنا أن نفعل الكثيـر لنعيش حيـاة أفضل.