مفهوم القوة في العلاقات الدولية

مفهوم القوة في العلاقات الدولية
إعداد: العميد حسين غدار
مدير التوجيه

تعرَّف القوة في العلاقات الدولية بأنها المجموع الكلي لقدرات الدولة التي يمكن استخدامها لتعزيز مصالحها وتحقيق أهدافها الوطنية. يمثّل هذا المفهوم أحد المبادئ الأكثر أهمية في الجغرافيا السياسية والاستراتيجية العالمية، وأحد المرتكزات الأساسية للعلاقات الدولية، فهذه القوة بأشكالها المتنوعة تُحدد ديناميات التفاعلات بين الدول، وتساهم في تشكيل سلوكياتها واستراتيجياتها وتحالفاتها على المسرح العالمي. وهي تشمل أبعادًا مختلفة، أبرزها القوة العسكرية الضرورية للدفاع عن الأمن القومي والمصالح الحيوية من خلال القوات المسلحة، والقوة الاقتصادية التي يرتكز عليها ازدهار المجتمع وكذلك الإمكانات العسكرية والنفوذ الاقتصادي، والقوة الديبلوماسية المستخدَمة أثناء المفاوضات للتأثير في عملية صنع القرار للطرف الآخر، والقوة التكنولوجية القائمة على الابتكار والبحث والتطوير والتقنيات المتطورة مثل الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني واستكشاف الفضاء، وأخيرًا التأثير الثقافي وما يرتبط به من اللغة والأدب والفنون والإعلام والتعليم والثقافة الشعبية.

تتدرج الدول في استخدام القوة أثناء الصراعات بدءًا من الوسائل الديبلوماسية، والضغوط والعقوبات الاقتصادية، وصولًا إلى القوة العسكرية عندما تعجز الحلول السلمية، وذلك بهدف إجبار طرف على الإذعان لطرف آخر.

بناء على ما سبق، يسمح الفهم العميق لمفهوم القوة في العلاقات الدولية بتفسير أنماط السلوك بين الدول، وتَوَقُّع نتائج الصراعات أو المفاوضات أو التحولات في موازين القوى العالمية. في عالم اليوم، يشغل هذا الشأن حيّزًا كبيرًا من اهتمام القادة السياسيّين والعسكريّين الساعين إلى إنفاذ مصالح بلادهم وسط المنافسة المحتدمة والخصومة الشديدة التي قد تصل إلى الحرب المفتوحة كما نرى في عدة أنحاء من العالم.

وبالنظر إلى ما يسمّى الأخلاقيات الدولية، تترتّب على البلدان القوية مسؤولية أخلاقية وإنسانية ربطًا بالقيم التي تنطلق منها الحكومات لاتخاذ قراراتها الداخلية والخارجية، فلا يجوز أن يتحول العالم إلى ساحة للتصادم المتفلّت من الضوابط العقلية، وأن تعتمد الدول أسلوب القوة أو تدعم استخدامه بلا رادع يَلحظ المصلحة البشرية وحقوق الشعوب. هذا بالإجمال هو الدافع الأول وراء إنشاء المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة التي تسعى قدر الإمكان إلى حل النزاعات بالسبل السلمية، وضبط استخدام القوة حسب قواعد موضوعية وإنسانية.

العميد حسين غدار

مدير التوجيه