- En
- Fr
- عربي
في ثكناتنا
غطّاسو القتال في مغاوير البحرنحن جاهزون
عند سماع عبارة «غطّاس قتال» قد يتبادر الى الذهن مشهد قتال يدور على عمق أمتار في البحر.
في الواقع الأمر غير ذلك. فغطّاسو القتال يحترفون الأعمال القتالية الصعبة في الأعماق وعلى سطح المياه وسطح اليابسة والجو...
إنهم من المقاتلين الإستثنائيين الذين تصقل قدراتهم بالتدريبات القاسية وتتعزّز مهاراتهم بمعارف عسكرية على أعلى المستويات.
في فوج مغاوير البحر خضع متدربون لدورة غطّاس قتال، هؤلاء كان عليهم أن يتخطّوا عدة مراحل قاسية من التدريب، وفي النهاية تمكّن نصف عديدهم من بلوغ اللقب المنشود، فما هي حكاية هذه الدورة؟
الشروط المطلوبة
بدأ الرائد فادي مخول المشرف على الدورة حديثه بالقول: إنها الدورة الثالثة من نوعها، آخر دورة سبقتها كانت العام 2005، فنحن نحرص على تباعد هذه الدورات المميّزة لكي تتاح للراغبين فرصة تحقيق الشروط المطلوبة.
أقيمت هذه الدورة على نموذج مزدوج أميركي - فرنسي، وبعد تدريبات داخلية وخارجية قمنا بها كضباط من فوج مغاوير البحر في البلدين، توصلنا الى نظام تدريب يتيح تخريج غطّاسي قتال على مستوى عالٍ جداً يراعي المعايير الخاصة لجيوش العالم المتقدّمة، وفي الوقت عينه يلائم طبيعة أرضنا وبحرنا والاحتياجات أو الأحداث التي يمكن أن تطرأ عندنا.
استمرت الدورة حوالى الأربعة أشهر ونصف الشهر وشارك فيها أربعة ضباط وستة عسكريين وجميعهم من مغاوير البحر. فشروط الدورة تقتضي أن يكون المشارك فيها مغواراً بحرياً وخاضعاً لدورة غطّاس تأسيسية في مدرسة القوات البحرية في جونيه، وهي شروط دقيقة نوعاً ما؛ كذلك فإن الدورة صعبة الى حد كبير بحيث أننا بدأنا في المرحلة الأولى بتدريب 20 مغواراً أصبحوا اليوم عشرة فقط وهذا يدل على مدى صعوبة دورة غطّاس القتال ودقتها. تشمل الدورة ثلاث مراحل: مدة كل من الأولى والثانية شهر، أما الثالثة فهي الأطول حيث تمتد شهرين ونصف الشهر لأن موادها واختباراتها هي الأدق والأصعب. وفي نهاية كل مرحلة يخضع العسكريون لامتحان نظري وعملي «يشحّل» منهم غير المؤهلين للوصول الى النهاية.
وتتصاعد ساعات التدريس من 229 كمرحلة أولى الى 235 في المرحلة الثانية وصولاً الى 518 ساعة في المرحلة الثالثة والأخيرة.
مهمات غطّاس القتال
• ما الذي تتضمّنه دورة غطّاس قتال وكيف تم تقسيمها؟
يجيب الرائد مخول عن هذا السؤال قائلاً:
تشمل مهمات غطّاس القتال العمل في البحر والبر، ومنها إزالة العوائق والتفخيخات، والإغارة خلف خطوط العدو، والقتال في الأماكن الآهلة، والقيام بعمليات مجوقلة، كأي مغوار بحري؛ إلا أنه يتخطّى هذه المهمات الى دهم السفن لتخليص رهائن في البحر والتسلّل وتفجير المرافئ ومراكب عدوّة، الى الاستطلاع والمراقبة براً وبحراً.
في المرحلة الأولى للدورة مواد نظرية وعملية ومنها التدريب على اللياقة البدنية والتحمّل داخل الماء، والتمارين على الغطس بالهواء العادي والتعامل مع الزورق، والتجذيف والملاحة، وتنفيذ بعض العمليات من دهم غرف وكمائن وقتال الدوريات والمناورات.
وتمتاز المرحلة الثانية ببداية عملية الغطس بجهاز الدائرة المغلقة (Circuit Fermé)، وهو جهاز يحمله الغطّاس على ظهره فيحوّل، بواسطة آلة صغيرة خاصة، ثاني أوكسيد الكربون الذي ينفثه الغطّاس في أنبوب الى غاز الأوكسيجين فيعود ليتنشقه من أنبوب ثان، وهذه العملية غاية في الدقة وتتطلب رباطة جأش وتمارين كثيرة، لأنها تعتمد بشكل أولي على تركيز الغطّاس وسيطرته الكاملة على عملية تنفسه المنتظمة.
إضافة الى التدريب على هذا الجهاز تتضمّن المرحلة الثانية التدريبات العادية وتمارين الإشارة ودراسة المتفجرات وقراءة الخرائط وتنفيذ عمليات تسلّل بحرية للقيام بعمليات خاصة خلف خطوط العدو.
وفي المرحلة الثالثة وهي الأصعب تبدأ العمليات الخاصة البحرية، فيتعوّد المتدرّب على التسلّل تحت الماء للإغارة خلف خطوط العدو بواسطة جهاز الدائرة المغلقة، ويتلقى تدريبات تتعلق بالمتفجرات والإشارة والقتال والرمايات وعمليات الدهم، الى التعامل مع الطوافة والقفز منها الى البر أو البحر.
براً وبحراً وجواً!
يستعمل غطّاس القتال البحر والبر والجو لتنفيذ المهمة المطلوبة منه، فهو يستخدم الزورق وأدوات الغطس تحت الماء، إضافة الى الآليات البرية وأدوات القفز من الطوافة الى الماء أو اليابسة. وينبغي عليه في كل الأوقات أن يكون على درجة عالية جداً من الجهوزية فمهماته تندرج ضمن إطار «القتال الخاص» وهو أصعب أنواع القتال المعروفة في الجيوش.
في نهاية الدورة، أقيمت مناورات بالذخيرة الحية شملت الغطس والتسلّل 3 كلم تحت الماء بكامل العتاد، مع السير حوالى 20 كلم في الوادي، وصولاً الى جبال مشمش والعاقورة.
هذا الاختبار النهائي يحدد مدى قدرة الفرد على العمل ضمن مجموعة كشرط أساسي للنجاح، وقدرته على تحمّل المشقات والعمل تحت ضغوط كبيرة والتفكير والتركيز ومعالجة المشاكل وإيجاد الحلول في وقت قصير ومن دون توتر. وختم الرائد مخول حديثه بالقول «لقد أصبح لدينا 4 ضباط يحملون شهادة غطّاس قتال. وهؤلاء جاهزون ومؤهلون لتدريب الراغبين القيام بهذه الدورة الخاصة التي أصبح بالإمكان تنفيذها في الداخل وبالمواصفات والمعايير المطلوبة عالمياً».
شهادات المشاركين
• الملازم الأول سركيس معوض شارك في الدورة علماً أنه في الوقت عينه مساعد المشرف عليها، يخبرنا أن تدريباته لا تتوقف وهو بحاجة الى هذه الدورة حتى يتمكّن لاحقاً من أن يتسلّم بدوره مهمة تدريب وتخريج غطّاسي قتال من الطراز الأول.
المرحلة الثالثة من الدورة هي الأهم والأصعب بنظره، لأنها تتضمّن التمارين على استخدام جهاز الدائرة المغلقة والذي مهمته مساعدة الغطّاس على التسلّل داخل الماء على عمق لا يتجاوز الثمانية أمتار، خصوصاً وأنه لا يطلق فقاقيع هواء الى الخارج ما يجعل عمل الغطّاس سرياً؛ إلا أن خطره يكمن في إمكان التعرض للتسمم بغاز الأوكسيجين أو بثاني أوكسيد الكربون أو ضغط رئوي حاد عند تجاوز العمق المحدد أو في حال عدم الهدوء، والتركيز على طريقة التنفس.
وختم الملازم الأول معوض بالقول، إنها الدورة الأصعب في الجيش لأنها تعتمد على اللياقة البدنية العالية وهي تشمل العمل على البر وفي البحر والجو، لذا فهي عملية تخريج مقاتل «نخب أول» على صعيد الجيش ككل.
• الملازم الأول وائل علية الخاضع لثلاث دورات أساسية كعناصر الدورة كافة (مغوار، مغوار بحري وغطّاس)، ما زال يتحدى صعوبة التدريبات وقساوتها ويجتاز الاختبارات التي يخضع لها وزملاؤه في نهاية كل مرحلة، والتي يتم على أساسها اختيار الأفضل.
يخبرنا الملازم الأول علية أن مَن شاركوا في هذه الدورة خضعوا لامتحان دخول معدله سبعون علامة وضمّ سواعد، جذع، عارضة ثابتة، ركض، غطس 25م، عوم لدقيقتين من دون استخدام اليدين، 50م سباحة وتجذيف سريع.
وأخيراً رأى الملازم علية أن هذه الدورة هي قمة تحدي القدرات البدنية والذهنية.
• العريف الأول بلال الحاج أوجز هدف الدورة بتمكين المغوار البحري من الانتقال من نقطة بعيدة داخل الماء من دون أن يكتشفه أحد، والوصول الى الشاطئ حيث يقوم بالمهمة الموكلة اليه مهما بلغت صعوبتها.
وأضاف العريف الأول الحاج انه لا يمكن الاستسلام للتعب في أي وقت من الأوقات، فنحن نخضع لضغوط كبيرة قبل تنفيذ المهمات، ومَن لا يملك قدرة التحمّل قد ينهار خصوصاً عند الوصول الى تمارين جهاز الدائرة المغلقة. وبرأيه أن التمارين التي يتابعها العناصر في هذه الدورة تعزّز من ثقتهم بنفسهم وبقدراتهم الجسدية خصوصاً تحت الماء، فهم يتدربون في السباحة موثوقي الأرجل والأيدي ما يمكّنهم من التعامل مع مختلف المواقف التي يمكن أن تطرأ عليهم في أي وقت كالأسر، وغياب المعدات أو تعرّض رفيق لطارئ صحي، كما تمكّنهم من الغطس محمّلين بعتاد وبأوزان تتعدى الـ25 كيلوغرام.
• العريف الأول أحمد القادري يعتبر أن ما يميّز دورة غطّاس القتال هو أنها تجمع أكبر عدد من المعلومات والتدريبات والمهارات فهي تشمل التوجّه بالبوصلة، والتعامل مع المتفجرات، وقراءة الخرائط، وتقنيات الرماية وتنفيذ المناورات على الأرض وفي البحر.
ويضيف: إن التدريب اليومي (يبدأ عند الخامسة والنصف صباحاً وينتهي عند الثانية عشر ليلاً) يصقل الجسم والعقل معاً ويجعلهما جاهزين لمواجهة أي طارئ أو صعوبة.
وإذ يعتبر أن الغطّاس اللبناني من الغطّاسين المميّزين في العالم، يتمنى أن يزداد عدد الراغبين بالمشاركة بهذه الدورة، خصوصاً وأنها تنمّي قدرة التحمّل وروح التحدّي.