- En
- Fr
- عربي
اقتصاد ومال
سلامة: نتوقع نمواً يفوق الـ 7٪ أما التضخّم ففي حدود 3٪ وهذه معطيات جيدة
المر: من الصعب نجاح أي إجراءات إقتصادية في ظل ترهّل الإدارات العامة
الحاج: 24 دراسة لإصلاح الكهرباء وعجزها كلّف الخزينة أكثر من 11 مليار دولار
كثيرة هي الملفات الإقتصادية الشائكة التي ستواجهها الحكومة الجديدة، وكثيرة هي التحديات والاستحقاقات.
فمن تبعات الدين العام وعجز الموازنة، إلى مشكلة الكهرباء وإرتفاع الأسعار، وانحسار فرص العمل... يتفاقم الوضع الإقتصادي والإجتماعي، وتزداد المشاكل التي تعانيها مالية الدولة وتؤثر على القطاعات المنتجة كما على المواطنين في حياتهم اليومية.
كيف ينظر أهل الشأن إلى الوضع الإقتصادي والمالي في لبنان؟
ثلاث قراءات للواقع مع تصوّر للحلول قدّمها كل من: حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الأستاذ الجامعي بشير المرّ، والمحلل الإقتصادي عدنان الحاج.
سلامة:نحاول ترجمة النجاح النقدي منافع إقتصادية وإجتماعية وبيئية
بداية تحدّث الدكتور رياض سلامة عن وضع الأسواق المالية، بعد الأزمة المالية العالمية ونسبة التحاويل من الدولار إلى الليرة، وكيفية إستفادة لبنان والمصارف من حجم الفائض من السيولة فقال:
إن تخطي لبنان الأزمة المالية أمر مؤكد، نظراً الى الثقة التي أوجدناها والتي ترجمت بالأرقام، بحيث أن الودائع المصرفية زادت نحو 16 مليار دولار خلال عام، ومعظم هذه الأموال التي أضيفت إلى الودائع، تمّ تحويلها إلى الليرة اللبنانية. وبالتالي إن الموجودات بالعملات الأجنبية السائلة، قاربت الـ25 مليار دولار، إضافة إلى الذهب الذي تبلغ قيمته نحو 8.5 مليار دولار، وكذلك موجودات مصرف لبنان من عقارات ومساهمات، تقارب المليار والنصف، مما يعني أن حجم ميزانية البنك المركزي نحو 35 مليار دولار، ويمكن القول إن هذا الرقم تخطى رقم الناتج المحلي، المقدر بـ30 مليار دولار للعام 2009. وما تقدم ذكره يؤكد أن لبنان، قد تخطى هذه الأزمة بشكل حقيقي، وتوقعاتنا للنمو الحقيقي هذا العام قد تفوق الـ7 في المئة، أما نسب التضخم فسوف تكون في حدود الـ3 في المئة. وتعتبر هذه المعطيات جيدة، مقارنة مع النسب عالمياً التي تؤشر إلى انعدام النمو، بل وإلى تراجع كبير، خصوصاً في الدول الناشئة.
وأضاف سلامة:
نجاحنا في تخطي الأزمة حافظ على قدرة اللبنانيين الشرائية، حيث أن الليرة حافظت على ثباتها، وكان الطلب عليها كبيراً، في حين أننا شهدنا تدهوراً كبيراً في عملات الدول الناشئة، (وصلت نسبته إلى ما بين 30 و40 في المئة)، وهذا ما ساعد في لبنان على النمو ولجم التضخم.
لقد اتخذ مصرف لبنان عدة تعاميم وأصدر عدة قرارات نظراً الى تدفق الأموال من الخارج، أهمها إعفاء أي مشروع ينطلق بين 2009 و2010 من الإحتياط الإلزامي، في حال إستدان صاحبه من المصارف. ويشجّع هذا الأمر التسليف بالليرة اللبنانية، وبفوائد مقبولة تراوح ما بين 5 و7 في المئة. فمصرف لبنان يهمه أن تصبح الليرة اللبنانية عملة تسليف، لأنها تعطي الإقتصاد إمكانات أكثر من حيث السيولة، وتعطي للمصرف المركزي الدور الأكبر، في التأثير على الإقتصاد اللبناني. ولقد شملت التعاميم أيضاً المسكن الأساسي، البيئة في عناصرها كافة، كما شملت تمويل الدراسة الجامعية، بحيث أنه بإمكان الطالب إستدانة القروض ولمدة عشر سنوات بفائدة 3 في المئة. وبالتالي فإن مصرف لبنان يحاول ترجمة النجاح النقدي إلى منافع إقتصادية وإجتماعية وبيئية.
وقال سلامة، إن توفير فرص عمل للبنانين يجب أن يكون من أولويات الحكومة، من خلال إقامة المشاريع التنموية. فعلى الرغم من أن عودة اللبنانيين العاملين في الخارج لم تكن مهمة، ولكن نتيجة الأزمة المالية العالمية، لم تعد عروض الوظائف أمام اللبنانيين متوافرة كما في السابق.
وأمل في توسيع طاقة لبنان الاستيعابية من خلال تطوير البنية التحتية، لإستمرارية النمو الإقتصادي على الوتيرة نفسها التي نشهدها منذ نحو سنتين. فهنالك مشاريع لها علاقة بالطاقة ولا سيما الكهرباء والمياه، من شأنها توفير مبالغ طائلة على خزينة الدولة، وتفعيل الإقتصاد، كما أن هناك مشاريع بيئية، خصوصاً أن لبنان بلد سياحي ويحتاج إلى بحر نظيف ومياه شفة نقية... هذه المشاريع مكلفة، ولكن يمكن تنفيذها بالتعاون مع القطاع الخاص. هذا عدا الجهد الممكن بذله في قطاع التربية وغيره، في ظل أموال طائلة متوافرة في المصارف وتبحث عن الإستثمار.
وعن أولويات دعم الإقتصاد وتبعات تأخّر تشكيل الحكومة قال: إن الإستقرار السياسي والأمني هما أساس لأية تنمية إقتصادية. الإستحقاقات الدستورية والسياسية موجودة دائماً، مثل تشكيل حكومة أو إنتخابات نيابية... ولكن لا يمكننا الإنتظار، بل علينا العمل. وإن التأخّر بتشكيل الحكومة لم يكن له آثار سيئة على الإقتصاد، بدليل النجاح الذي حققه الموسم السياحي هذا الصيف، كما لم يكن له أي تأثير سلبي على القطاع المالي والمصرفي، لأن الصراع ديمقراطي ومحصور ضمن المؤسسات.
كما أن تشكيل الحكومة ضروري لتحقيق الإصلاحات الضرورية لتحسين الوضع، وإنجاز المشاريع.
وأشار إلى أن الثقة الدولية بلبنان عالية، ولم تتأثر بالوضع السياسي، كما إن لنجاح لبنان في تخطي الأزمة المالية، مردوداً إيجابياً في الخارج، وهو موضع إهتمام وتقدير، الأرقام تشير إلى ذلك، ولا سيما إننا نشهد تراجعاً في الفوائد، يتم إما على سندات الخزينة بالليرة اللبنانية (إنخفضت بنسبة 1 - 2.5 في المئة وفق الآجال)، أو على السندات باليورو بوند لمدة خمس سنوات، (انخفضت نحو 3 في المئة)، وكذلك بالنسبة الى التأمين على المخاطر الائتمانية للبنان، الذي كانت تبلغ كلفته نحو 7 في المئة منذ نحو السنة، وأصبحت اليوم أقل من 3 في المئة، وبالتالي الثقة موجودة وترجمت بالأرقام.
ورداً على الدعوات المطالبة بتحرير الليرة من الإستقرار النقدي لإنعاش الإقتصاد قال:
حتى صندوق النقد الدولي الذي كان لديه رأي مغاير لسياسة مصرف لبنان حول تثبيت سعر صرف الليرة، غيّر رأيه اليوم، وإعتبر أن السياسة التي اعتمدها المصرف للمحافظة على استقرار سعر صرف الليرة، هي حجر الزاوية للاستقرار والنمو الإقتصادي وعنوان مهم للثقة بالقطاع المالي اللبناني، ولاستقطاب رؤوس الأموال الى لبنان. وهذا الإستقرار هو الذي ساعد على تخفيض الفوائد في لبنان، فالتخفيض تمّ بالرغم من الزيادات التي طرأت على الدين العام، وعلى الدين في القطاع الخاص. وأعتقد أنه باستثناء دول كبرى كالولايات المتحدة الأميركية أو أوروبا، يصعب اليوم على الدول الأخرى التعاطي بنظام لعملاتها خارج إدارة معينة. وإننا نشاهد العديد من الدول كالصين مثلاً، لا تتخلى عن إستقرار عملتها، أو التدخل للمحافظة على مستوى ثابت للعملة، وكذلك الأمر بالنسبة الى الدول العربية، وحتى في أوروبا، حيث التدخل الدائم للمحافظة على السعر بين اليورو والعملات الأوروبية الخارجة عن نطاقه.
نحن نحترم الآراء الإقتصادية كافة، ولكننا ثابتون على سياسة الإستقرار، لأنها أثبتت منافعها على صعيد الثقة والإستقرار الإجتماعي، كما أنها ساعدت على إرساء مناخات إيجابية للإقتصاد. صحيح أن هناك آراء تدعو إلى ضرورة أن تكون أسعار الليرة بالنسبة الى الدولار، أقوى مما هي حالياً، إنما يظل الدين العام الموجود بالليرة اللبنانية، وأي تحسن لليرة، يرفع من قيمة الدين العام، في حال تمّ تحويله إلى العملات الأجنبية. نحن نفضل أن يتم احتساب الزيادة بالدين في العملات الأجنبية، من خلال مشاريع يستفيد منها البلد، وليس أصحاب السندات بالليرة أو باليورو بوند وحسب.
في ما يتعلق بالدين العام، قال سلامة:
إن الأسواق إستوعبت الدين العام، فالدين الموجود في السوق يشكّل تقريباً نحو 30 في المئة من الإمكانات التي تحتاجها المصارف، لتوظيف سيولتها. وبالتالي فإن قدرة لبنان على تحمّل الدين العام موجودة، لذا لا يشكل عنصراً ضاغطاً على الإستقرار. ولكن مشكلتنا التي ندعو إلى معالجتها هي قضية العجز السنوي في الموازنة، الذي يضاف إلى الدين العام، فلمعالجة العجز، مردود إيجابي خصوصاً على الفوائد.
ورداً على سؤال حول عدم قيام مصرف لبنان بخطوة إنقاذية حيال مؤسسة كهرباء لبنان كما حصل بالنسبة الى الميدل ايست. قال:
لا توجد لدينا أية نيّة أو رغبة في القيام بخطوة مماثلة. كان لبنان يمرّ في ظروف إستثنائية بعد حرب مدمّرة، وكان من واجبات الجميع وضع كامل طاقاتهم لإطلاق المؤسسات الأساسية في الإقتصاد اللبناني. اليوم على البنك المركزي العودة إلى دوره الأساسي، أي دوره النقدي، وذلك حفاظاً على إستقلاليته. فالمؤسسات التجارية والصناعية أو السياحية، لديها نمط مختلف في تعاطي الأعمال، ما قد يكون مضراً بدور البنك المركزي كسلطة نقدية تتمتع بالإستقلالية.
وفي ما يتعلق ببيع الـ«ميدل إيست» قال: إنها شركة تجارية مملوكة من مصرف لبنان، وبإمكانه بيعها، ولكننا نرغب بالعمل ضمن إطار توافق حول عملية البيع. وكنا قد قررنا بيع نحو 25 في المئة من قيمة الأسهم، لكن الظروف منعتنا من ذلك في عدة مراحل، من حرب تموز 2006، إلى الأزمة السياسية والفراغ الدستوري، وأخيراً الأزمة المالية العالمية، التي جعلت الأوراق غير مرغوبة.
أخيراً أشار سلامة إلى أن التنسيق تام والعلاقة جيدة بين وزارة المالية ومصرف لبنان، وهو ما أدى إلى إستيعاب السيولة الناجمة عن التدفقات المالية الكبيرة.
المرّ: إدارة الدين العام وتبعاته
عبء على الدولة والإقتصاد
الخبير الاقتصادي الدكتور بشير المرّ (أستاذ مساعد في كلية العلوم الإقتصادية وإدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية - الفرع الثاني) توقّع أن تواجه الحكومة الجديدة عدة تحديات منها ما هو خارجي، كاحترام المعاهدات الإقليمية والدولية وتفادي تداعيات الأزمة العالمية الراهنة، ومنها ما هو داخلي كإدارة وحل مشاكل المالية العامة وخصوصاً: الدين العام، الكهرباء، ترشيد الإنفاق، الخصخصة، وإعتماد النظام الضريبي الموحّد. واعتبر أن على الحكومة السعي إلى وضع خطة متكاملة للخروج من الوضع الإقتصادي والإجتماعي المتفاقم، نتيجة إرتفاع الأسعار داخلياً وعالمياً، والتفاوت في توزيع المداخيل واعتماد الإنماء غير المتوازن في المراحل السابقة.
ورأى المرّ أن النجاح في مواجهة هذه التحديات، مرهون أولاً بالإصلاحات السياسية والإدارية والقضائية، التي باتت أكثر من ملحة، لما لها من تأثير مباشر على فعالية أي خطوة إقتصادية قد تعتمدها الحكومة. فمن الصعب نجاح أي إجراءات إقتصادية في ظل ترهّل الإدارات العامة.
في المقابل من شأن الإصلاح السياسي فك الإرتباط القائم منذ سنين ما بين السياسي والإداري من جهة، وما بين السياسي والقضائي من جهة أخرى. ففك الإرتباط هذا، يسمح بمحاسبة التقاعس والفساد والغش، وباتخاذ تدابير من شأنها تفعيل أداء الإدارة والقضاء في مواكبة أعمال القطاع الخاص المنتج ونشاطه.
في ما يخص التعامل مع المعاهدات الإقليمية والدولية التي وقّعها لبنان، أشار الدكتور المر الى ضرورة التزامها بشكل كامل ومواكبتها بجملة من الخطوات الداخلية المحفّزة والتأهيلية، لتلافي إلحاق الضرر ببعض القطاعات المنتجة. مثلاً تأهيل المزارعين وتحضيرهم للتعاطي مع معاهدة التيسير والتنمية العربية من خلال منحهم قروضاً ميسّرة، وتوفير المبيدات لهم بأسعار مدعومة، وحثّهم على الإستثمار بالآلات المتطورة، وتوجيههم إلى الزراعات البديلة ذات القيمة التفاضلية العالية، يمكّنهم من مواجهة المنافسة الخارجية في الأسواق المحلية، والإفادة من التسهيلات الجمركية التي قدّمتها هذه المعاهدة في تدعيم قدرتهم التنافسية في الأسواق المجاورة.
أما لجهة انضمام لبنان إلى منظمة التجارة العالمية فقال: إن لبنان عضو مراقب منذ التسعينيات، وما زال يتابع العمل من أجل الحصول على العضوية الكاملة، بالرغم من العقبات السياسية الدولية التي تعترضه. وقد قطع أشواطاً مهمة في تنفيذ التحضيرات اللازمة لقبول عضويته، على الصعيدين التقني والقانوني، إضافة إلى استحداث الضريبة على القيمة المضافة وتعديل التعرفة الجمركية تدريجياً، وصولاً إلى إلغائها مستقبلاً. وهذا يتلازم أيضاً مع مقتضيات المعاهدة الأوروبية الشرق أوسطية (Euromed)، التي أعطي بموجبها لبنان مهلة إثني عشر عاماً (إعتباراً من العام 2004)، لإلغاء رسومه الجمركية أمام الصناعات الأوروبية، في حين أن الصناعات اللبنانية قد منحت هذا الإعفاء في حينه. لذا ما زال على الدولة اللبنانية، القيام بالكثير من الخطوات التأهيلية للقطاعات المنتجة المحلية، لتمكينها من مواجهة المنافسة الأجنبية عند إنفتاح الأسواق بشكل كامل. وفي هذا الإطار، يجب القيام بحملات توعية مسبقة وحثّ القطاع الخاص على تحضير نفسه للتعامل بشكل فعّال مع تداعيات هذه الاستحقاقات، من خلال الإستثمار في تقنيات الإنتاج الحديثة المخفِّضة للكلفة، وتطوير طرق الإدارة والإنتاج بشكل يتطابق مع المواصفات الدولية، التي تعتبر حالياً أهم مؤشر عبور إلى الأسواق العالمية وخصوصاً الأوروبية منها. ففي ظل إنفتاح الأسواق العالمية وتعاظم وسائل الإنتاج، إكتسبت التنافسية بالجودة أهمية تضاهي التنافسية بالأسعار.
كما وعلى الدولة القيام بخطوات تحفيزية بإتجاه دعم المؤسسات وتعزيز قدراتها التنافسية، من خلال تخفيض كلفة رأس المال واليد العاملة وباقي تكاليف الإنتاج، كأسعار الطاقة والإتصالات (أسعار تفضيلية للمؤسسات) والرسوم.
أما لناحية الإستحقاقات الداخلية وهي عديدة، فلقد إستهل حديثه عنها بقضية الدين العام، حيث أوضح أنه قد تخطى الـ50 مليار دولار أي ما يفوق 180٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وهو بمعظمه من مصادر داخلية وذات إستحقاقات قريبة. وبالتالي فقد أضحى يشكّل عبئاً على الدولة في إدارته وعلى الإقتصاد اللبناني بتبعاته. حالياً تعتبر الدولة اللبنانية المدين الأول من المصارف والمنافس الأكبر للقطاع الخاص على مصادر التمويل، بإعتبار أن الدولة تمتص القدرات التمويلية للمصارف المحلية، وتقترض منها بفوائد عالية. هذا الأمر يقلّص قدرات هذه المصارف على تمويل مشاريع القطاع الخاص، الذي يضطر بدوره إلى الحصول على القروض بفوائد عالية، إذا قُدّر له الحصول عليها. وفي هذا الإطار أشار المرّ الى أنه يتحتم على الدولة سنوياً، دفع حوالى 3.5 مليار دولار أميركي كخدمة للدين العام، مما يوقع الموازنة في عجز دائم، بالرغم من الفائض الأولي المحقّق سنوياً، الأمر الذي يدفع الدولة الى تمويل خدمة الدين بالدين. ويحتل بالتالي حساب خدمة الدين المرتبة الأولى في أعباء المالية العامة (حوالى 40٪) يليه الرواتب والأجور والكهرباء (حوالى 40٪)، أما الخدمات الأخرى كالتعليم والصحة وغيرها، فلا تستحوذ كلها إلا على 20٪ من الموازنة العامة، وهذه الأرقام تعبر عن نفسها.
ويعتبر الدكتور المر أنه قد بات من الضروري والملحّ أيضاً معالجة قضية الكهرباء التي تشكّل أكبر مصدر للهدر، حيث أن الدولة تنفق على مؤسسة كهرباء لبنان نحو مليار دولار إضافي سنوياً، في حين أنه كان من الممكن أن تكون هذه القيمة ربحاً لها، وبالتالي تسجّل المؤسسة حالياً خسارة نحو ملياري دولار سنوياً. حل المشكلة برأيه يتطلب منع التعديات وتحسين الجباية في المناطق كافة وتفعيل الإدارة وإستعمال مواد نفطية بديلة (كالغاز) في تشغيل المولدات الكهربائية، وإيجاد مصادر طاقة جديدة (كالسدود في الأودية العميقة والهواء في المناطق الجبلية). وهو يؤكد أهمية التنقيب عن النفط في المياه الإقليمية اللبنانية وفي المناطق البقاعية، ما من شأنه أن يساهم أيضاً في إطفاء جزء كبير من الدين العام وتعزيز وضع المالية العامة. إلا أن هذا الموضوع، له حيثيات دقيقة على المستويين السياسي الإقليمي وعلى المستوى الداخلي حسبما يقول.
هل الخصخصة حل لجزء من مشكلة المالية العامة؟ برأيه، أنها تؤمن للخزينة العامة أموالاً يمكن من خلالها تخفيض الدين العام، وتتيح إستقدام رؤوس أموال جديدة وتقنيات حديثة وتفعّل أداء القطاع المخصخص.
إنما للخصخصة تداعيات دقيقة في ما يخص آليات تطبيقها وقيمة المداخيل المحصّلة منها للدولة، ولناحية البطالة والأسعار... لذلك ينبغي عدم السماح بإحتكار القطاع المخصخص وبتغييب المنافسة بين المستثمرين. وأشار الى أنه مع ظهور الأزمة المالية العالمية خلال العام 2008، يعاد النظر عالمياً في النظرة الى مفهوم الدولة، ودورها في تحقيق الأمن الإجتماعي والإقتصادي، وفي طريقة تشغيل المرافق العامة، وفي التوجيه والرعاية للقطاع الخاص.
تحدٍ آخر ينتظر الحكومة، وهو تحديث النظام الضريبي، ويعتبر المرّ أن الضريبة على القيمة المضافة (TVA) تشكّل أول خطوة في طريق الألف ميل. فلهذه الضريبة إيجابيات عديدة، لناحية حجم الإيراد الضريبي والحياد الضريبي بين السلع المستوردة والسلع المحلية، مما يجعلها البديل الأفضل للتعرفة الجمركية، إلا أنها غير محبّذة لناحية العدالة الضريبية. وثمة حاجة ماسة لتكامل النظام الضريبي، أكان لناحية الإيرادات الضريبية أو لجهة العدالة الضريبية. وإقرار مشروع الضريبة على الدخل الموحّد، من شأنه معالجة الخلل القائم في العدالة الضريبية، بين العمل ورأس المال من جهة، وبين رأس المال المستثمر وذلك الريعي من جهة أخرى. ففي حين تقتطع ضريبة الدخل مباشرة عند المصدر من أجر العامل، (ولا مجال بالتالي للتهرّب منها) تظل فرص التهرب كبيرة بالنسبة الى رأس المال. إلى ذلك يدفع المستثمر ضريبة ولو بنسبة منخفضة، إلا أن رأس المال الريعي معفى منها بشكل كامل. فالضريبة على الفائدة (5٪) تطال فعلياً أصحاب الدخل المحدود، أما كبار المتمولين فلا يوظّفون أموالهم عادة في حسابات إدخار بسيطة بل في أوراق مالية وسندات في البورصات المحلية والعالمية، وكذلك في العقارات والأملاك المبنية، وهذه جميعها معفاة من الضريبة.
وأضاف: إن إعادة هيكلة النظام الضريبي، قد تساهم في إرساء العدالة الإجتماعية، إذا ما إستكملت بجهد كبير لناحية التنمية المتوازنة بين المناطق، ولناحية تعزيز القدرة الشرائية لدى المواطنين. وفي هذا الإطار، حذّر من مغبّة الإسترسال في زيادة الأجور الإسمية، التي تدخل البلد في دوامة تضخمية مغلقة. واقترح إعادة النظر بقيمة معدل الصرف لليرة اللبنانية، على مستوى أعلى لليرة مقابل العملات الأجنبية الأخرى، وخصوصاً الدولار الأميركي الذي فقد في المرحلة الأخيرة جزءاً كبيراً من قيمته، الأمر الذي لم ينعكس حتى الآن على قيمة الليرة اللبنانية. فتحسين وضع الليرة بالنسبة الى الدولار، من شأنه إذا ما طبّق تدريجياً، بالتوافق والتنسيق الكامل بين المصرف المركزي والمصارف التجارية اللبنانية، أن يدعم القدرة الشرائية لليرة اللبنانية، وأن يخفّض أسعار السلع المستوردة بالليرة اللبنانية، والتي تشكّل حوالى 75٪ من مجمل استهلاك السلع في لبنان. ويجب أن تترافق هذه التدابير مع تشديد مراقبة مديرية حماية المستهلك في وزارة الإقتصاد، وكذلك مع إدارة أفضل لشراء المواد النفطية، من أجل تحقيق ثبات أسعارها داخلياً، بالرغم من تلاعبها دولياً.
الحاج: غياب الإستقرار والسياسات الواضحة
يطرح أسئلة وهواجس
من جهته، ينظر مدير تحرير القسم الإقتصادي في جريدة «السفير» الزميل عدنان الحاج بقلق إلى تردّي الأداء الإداري وزيادة الأعباء على المؤسسات والأفراد، بدءاً من كارثة الكهرباء، التي ينمو تقنينها بشكل مرهق للعاصمة والمناطق، من دون أسئلة فعلية عن أثر ذلك على مصالح الناس والإقتصاد والمستهلك، من خسائر مباشرة وغير مباشرة.
وأضاف: كل سؤال يعتبر مشروعاً وهواجسه في محلها مع إرتفاع الأسعار، وتفاقم الأزمات الخدماتية (الماء والكهرباء)، وإرتفاع العجز في المالية العامة شهراً بعد شهر. وكذلك تزايد العجز عند المواطن والمستهلك بسبب تدني المداخيل من جهة واستغلال الفرص من قبل بعض التجار والوكلاء، من جهة أخرى.
وأوضح الحاج أنه لا يمكن الفصل بين السلبيات الإقتصادية والسلبيات السياسية. فمن حيث الشكل، تعتبر الإنطلاقة السريعة للحكومة من أهم مؤشرات قوة الإنسجام والتوافق الداخلي حول عملها.
وشدّد على أهمية الإستقرار السياسي في البلاد، كعنصر أساسي لإنطلاقة الإستثمارات الكبيرة التي تحتاج قبل أي شيء إلى الإستقرار السياسي والإجتماعي.
فلبنان يعاني اليوم مشكلة أساسية قابلة للتفاقم، هي مشكلة عدم توافر فرص العمل لمتخرجي الجامعات وأصحاب المهن.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية تغيب الإستثمارات الكبيرة والتوظيفات في المشاريع الكبيرة، على الرغم من إرتفاع نمو الودائع المصرفية وتزايد حركة الرساميل الوافدة. وفي الحركة تتجه الى التوظيف بالليرة اللبنانية في سندات الخزينة والإيداع، سعياً وراء أسعار الفوائد الأعلى.
وقال: لا يمكن مواجهة مشكلة الكهرباء التي تكاد تتحول الى كارثة، من دون فرض التوجهات الإصلاحية، للإفادة من فرص التمويل التي وفرها باريس3، خصوصاً أن عجز المؤسسة كلّف الخزينة أكثر من 11 مليار دولار. وأهم أسباب العجز والقصور عن المعالجة برأيه هي تزايد التعديات، ومشكلة الجباية التي لا تصل إلى 50 في المئة في بعض المناطق، كون الدولة عاجزة عن قمع المخالفات وتحريك القضاء ضد المخالفين وإزالة التعديات.
وسأل: كيف يمكن لمؤسسة أن تستقيم إذا كانت تجبي 850 مليار ليرة كحد أقصى، بينما نفقاتها تفوق 2500 مليار ليرة، منها حوالى 85 في المئة ثمن محروقات (مازوت وفيول).
وقال الحاج إنه بين العامين 1992 و2009 وضعت أكثر من 24 دراسة لإصلاح الكهرباء لكن أي واحدة منها لم تبصر النور، نتيجة فقدان الثقة بين السلطات التي إذا توافقت فعلى مصالح متقاطعة.
وطرح الحاج سؤالاً آخر حول إمكان التوصل الى توافق على التوجهات الأساسية في اتخاذ القرارات الإقتصادية والإجتماعية.
وعمّا إذا كانت قضية الخصخصة ما زالت ضرورية اليوم، وخصوصاً أن العالم يعيد النظر بجدواها بعد الأزمة المالية العالمية، إعتبر الحاج أن الخصخصة ضرورية لإنقاذ المؤسسات العامة الإستثمارية والخدماتية أولاً، بسبب خسائر هذه المؤسسات وعجزها المالي والإداري. وثانياً لكون الخصخصة عملية إصلاحية إدارية بالدرجة الأولى، تلغي التعيينات السياسية والطائفية.وحدد مبادئ يجب مراعاتها في عملية الخصخصة، أولها المحافظة على مصلحة المستهلك، إنطلاقاً من مبدأ أفضل خدمة وأفضل سعر، ومراعاة مصلحة الخزينة والدولة، بمعنى تحصيل أفضل مردود للدولة وللخزينة، بما يضمن تخفيف أصل الدين العام وكلفته وهي في حدود 6400 مليار ليرة سنوياً. واشترط أن تتم عملية الخصخصة بشفافية كاملة ومنافسة شريفة، بعيداً عن المحسوبيات والتنفيعات في كل القطاعات.
وأشار الحاج، إلى أن الضمان الإجتماعي يجب أن لا يخصخص، وإنما يجب أن يعطى ممثلو العمال وأصحاب العمل صلاحيات أكبر في مجلس الإدارة للتأثير على القرار الإداري بغية تفعيل الضمان وتحسين الخدمة، إضافة إلى وقف الهدر والتخفيف من عذابات المضمونين أمام أبواب المستشفيات.
وقدّر الحاج الدين العام بـ47.8 مليار دولار، وهو سوف يتخطى عتبة الـ50 مليار دولار، مع احتساب عجز الموازنة، الذي يدفع بالمصارف إلى إنتظار المشاركة بإصدارات خزينة لتغطية تمويله، وطالما أن الدين العام ينمو أكثر من نمو الإقتصاد تبرز المخاطر في الإقتصاد.
وعن تسليفات المصارف للقطاع الخاص، أوضح أن القطاع المصرفي اللبناني يموّل الدولة حتى الآن بحوالى 25.5 مليار دولار. أما قروض القطاع الخاص فهي 26.5 مليار دولار، وهذه الأرقام تنفي مقولة أن الدولة تأخذ الحصة الأكبر من القروض المصرفية. والجدير بالذكر أن الوفورات الموجودة في القطاع المصرفي تقدّر بـ31 مليار دولار، مما يعني أن القطاع يبحث عن تسليفات ومستثمرين. ولكن المشكلة أن أصحاب رأس المال لا يخاطرون برؤوس أموالهم، نتيجة غياب الإستقرار السائد في البلاد.
وتوقّف الحاج عند توزيع التسليفات المصرفية:
- قطاع التجارة والخدمات 40 في المئة.
- الصناعة 12 في المئة.
- الزراعة 1 في المئة.
- مقاولات وبناء 17 في المئة.
- وساطة مالية 7 في المئة.
- قروض الأفراد 19 في المئة.
وقال: يدل هذا التوزيع على أن القطاع الزراعي يبقى الأضعف، بسبب غياب السياسات الزراعية وغياب التنمية في المناطق الريفية، ولجوء عدد كبير من المزارعين الى زراعات مدعومة من الدولة، والنزوح إلى المدن.
وأضاف: إن حلّ هذه المعضلات يكون بإيجاد سياسات زراعية داعمة للمزارع، وتخفيض كلفة الإنتاج، وتأمين البنية التحتية في المناطق الزراعية كافة، وكذلك إنشاء مؤسسات صناعية قرب المناطق الزراعية، وإقامة تعاونيات زراعية لتسويق الإنتاج، مع التركيز على مواصفات الإنتاج الزراعي اللبناني، ولا سيما أن هذا هو السبب الذي سيؤخر دخول لبنان إلى منظمة التجارة العالمية، والإفادة من الأسواق العالمية وإتفاقية التيسير العربية.
هذا التأخير سيؤدي برأي الحاج إلى:
- ضيق في الأسواق العالمية أمام المنتجات الزراعية.
- عدم معالجة موضوعي الطاقة والمياه مما يرفع كلفة الإنتاج، ويجعله غير قادر على المنافسة داخلياً وخارجياً.
وختم الزميل عدنان الحاج:
إن لبنان يشكو من عدم وجود سياسات واضحة للقطاعات الإقتصادية اللبنانية بشكل كامل، من زراعية وصناعية وسياحية... مما يضعف تسويق المنتجات اللبنانية على اختلافها، ويضعف بالتالي العنصر التفاوضي مع المؤسسات والمنظمات الدولية، لتحسين وتنمية القطاعات، وخلق فرص عمل إضافية لمواجهة الأزمة المالية العالمية، التي قلّصت فرص العمل أمام اللبنانيين في الخارج.
واعتبر أن القطاع الخاص هو القادر على خلق فرص عمل وتوسيعها في حال تم تأمين عنصرين لمناخ الإستثمار:
- الإستقرار الأمني والسياسي.
- التسهيلات المالية والإدارية والمصرفية، عن طريق تحفيز المؤسسات نحو التوسّع وخلق فرص عمل، مقابل إعفاءات ضريبية لسنوات محدودة.
تصوير: الرقيب ريمون واكيم