الجيش والمجتمع

من البترون إلى الهرمل على «درب الوفاء» ...

على الرغم من معاناته بسبب الأوضاع الراهنة، يمد الجيش اللبناني يده للتخفيف من معاناة شعبه ومساندته ليتمكن من الصمود وتجاوز المرحلة الصعبة التي يمر بها الوطن. هذه اليد الممدودة للمساعدة التي تمثلها بشكلٍ أساسي مديرية التعاون العسكري-المدني، باشرت منذ العام ٢٠١٥ تنفيذ العديد من المشاريع الحياتية والإنمائية في مختلف المناطق، تأكيدًا على التلازم والالتزام والتكامل ما بين الجيش والشعب.

 

في هذا السياق يأتي مشروع شق طريق زراعي وتعبيده في بلدة وجه الحجر البترونية نموذجًا لهذه العلاقة التكاملية، علاقة قائمة على المحبة والاحترام والوفاء المتبادل. «درب الوفاء» هو طريق يسهّل وصول المزارعين إلى أراضيهم واستثمارها وزيادة إنتاجها، كما يتيح لآليات الدفاع المدني التدخل لإخماد الحرائق عند نشوبها. ومع شق هذا الطريق الممول من المملكة الهولندية، حل الجيش مشكلة يعاني منها أهالي المنطقة وحافظ على الخصوصية الأمنية لمنشآته ومراكزه وذلك على غرار ما فعله في مناطق أخرى.

«المنطقة كانت ميتة، فجاء الجيش وفتح لنا طريق الحياة»، هي كلمات المهندس زاهي جبرايل ابن بلدة وجه الحجر الذي يُعرب عن إيمانه بضرورة التعاون المدني-العسكري. ومن هذا المنطلق تواصل وأهالي بلدته مع الجيش فأمّنت مديرية التعاون العسكري-المدني التمويل لافتتاح الطريق الزراعي المؤدي إلى هذه الأراضي.

ويقول: «بوجود هذا الطريق، بات الأهالي يترددون إلى أراضيهم بسهولةٍ، وبات استثمارهم فيها أفضل. كما أنّهم استفادوا من الطريق لممارسة رياضة المشي، وللوصول إلى أراضيهم في حال نشوب حريق بسرعةٍ والحؤول دون تمدده». وهو يضيف: «أسمينا هذا الطريق «درب الوفاء»، وفاءً لأرواح أجدادنا الذين استصلحوا هذه الأرض وزرعوها وشقوا الطرقات المؤدية إليها، ووفاءً للمؤسسة العسكرية، ولوطنيتنا ولمن موّل المشروع. لقد كان من المستحيل التعاون مع أي جهة أخرى لتنفيذ هذا المشروع. فالجيش أعطى من دون أي مقابل، فهو يعتبر أنّ الأرض أرضه والأهالي عائلته، عسكريونا هم النساك الحقيقيون في بلدنا»!

 

فتحت قلوبنا

خلال تدشين الطريق عبّر الأهالي عن امتنانهم العميق للجيش الذي لا يجدون سواه إلى جانبهم في الأوقات الصعبة. أما كاهن البلدة الأب جان ضاهر فقد شكر الجيش على هذه المبادرة التي سهّلت حياة المواطنين، وأكد التطلع إلى مزيد من التعاون مثمنًا جهوده الجبارة. ووجهت مختارة وجه الحجر السيدة أنطوانيت طانيوس سليمان «تحية إكبار وإجلال وفخر للجيش اللبناني وقائده العظيم والحكيم»، وأضافت إليها دعوة من أعماق قلبها متمنية للجيش النجاح والحماية من الشر، «لأنّه هو من سيهزم الشر»... المواطن عبود مخائيل عبود الذي تحدّث «من قلب محروق» صرخ، «تاج راسنا الجيش وحامي حمانا، فتحت قلوبنا مع فتح الطريق، ما كنا نقدر نوصل على أرضنا، كنا نتهشّم وما نوصل»... أما سائر المواطنين الذين حضروا الاحتفال فكانوا في فرح غامر.

 

إلى المناطق النائية والمحرومة...

من البترون إلى بعلبك – الهرمل حيث أنهت مديرية التعاون العسكري-المدني بالتعاون مع المملكة الهولندية مشروع تطوير معهد القصر الفني في المنطقة، فقد كان بحاجةٍ إلى سور واقٍ يوفّر الحماية للطلاب، وملعب شتوي يتيح لهم ممارسة الرياضة من دون التعرّض للبرد القارص، وهذا ما أمّنه الجيش.

وجّه الأهالي الشكر من القلب إلى الجيش الذي يسعى إلى تخفيف معاناة المواطنين خصوصًا «في هذه المنطقة المحرومة والنائية والبعيدة عن بيروت»، كما قال رئيس بلدية القصر السيد محمد زعيتر. الأساتذة والطلاب أعربوا بدورهم عن فرحتهم الكبيرة بهذه الخطوة. ففاطمة ناصر الدين وهي معلمة في المعهد، تُشير إلى أهمية هذا المشروع بالنسبة إلى أولاد المنطقة المحرومين حتى من أبسط حقوقهم بالعلم. فقد ظهر الفرح في عيونهم وهم يشكرون الجيش لأنه بنى سورًا يحميهم، وملعبًا يضمن حقهم باللعب شتاءً.

 

مشاريع مدعومة

يُشكل مشروعا طريق وجه الحجر ومعهد القصر الفني نموذجًا للمشاريع التي يُنفّذها الجيش وتحظى بدعمٍ أجنبي، لأهميتها خصوصًا على صعيد «إرساء الاستقرار والأمن محليًا وإقليميًا، وتعزيز المجتمع المدني ودعمه من خلال تلبية حاجات السكان الأساسية»، وفق ما أكد سفير مملكة هولندا في لبنان السيد هانس بيتر فان دير وود Hans Peter Van Der Woude خلال تدشين «درب الوفاء». كما أنّه أوضح في بلدة القصر أنّ الأهم من إنجاز هذا المشروع هو «إظهار سلطة الدولة ووجودها في لبنان من خلال مديرية التعاون العسكري- المدني في الجيش».

أما رئيس مكتب لبنان في المركز السيد آدم ستيب ريكوفسكي فلفت إلى أهمية المشروع الذي يركّز على «مسائل باتت ملحة في ظل الأزمة الاجتماعية - الاقتصادية التي يعانيها لبنان، وتتعلق بتعليم الطلاب ودورهم في المجتمع».

اليوم في البترون والهرمل، وغدًا كما بالأمس في مناطق أخرى، يؤكد الجيش بهمة عسكرييه ووفائهم، أنّه باق إلى جانب أهله ضمانة للأمن والاستقرار، مهما اشتدت التحديات وغلت التضحيات.