- En
- Fr
- عربي
من جديد: لا للفتنة
لم يكن من الجائز أن يستمرّ المتنافسون المتصارعون والمتقاتلون، من أبناء الوطن في عاصمة الشمال، في ما هم عليه، خصوصًا وأنّ الأمر كاد يصل بهم إلى التمكن من إحداث فتنة بشكل أو بآخر، فتنة تمتلك الخاصرة الشمالية، وتزنّرها بنار عاتية قد تعمّ المناطق بأسرها. وكأننا بهذه الفتنة الملعونة لا تنفكّ تكرّر محاولاتها، وتجرّب أفعالها في هذا الأمر أو ذاك. تفشل هنا فتحاول هناك، وتلتفت إلى هنالك، من دون كلل ولا ملل ولا يأس. والمحاولات هي هي، سواء كانت بالحجارة والعصيّ، أو انتقلت إلى المسدس والبندقية، أو ارتفعت إلى القاذف والقاصف والمتفجّر والمفجّر الخطر في الأمر هو روح الصّراع والعراك، وشرذمة الأحياء والمدن والبلاد، وتشريع أبواب المواطنين على المجهول، ما بين معاناة وصبر وتجلّد ويأس... ورحيل.
كان لا بدّ للجيش أن ينبري للمعالجة، فيكثف إجراءاته، ويوسّع انتشاره لوقف الجنون الحاصل، ومسح آثاره. لقد خرج المتقاتلون عن أطوارهم، وتخطّوا برامجهم نفسها، وأفلتوا من عقال مديريهم في حالات كثيرة، ومضوا في غيّهم وقد فقدوا الكوابح وغلبت عليهم ردّات الفعل وبواعث الانتقام، فهبّت المؤسسة العسكرية لمواجهة ذلك، وإلى جانبها شقيقاتها من المؤسسات الأمنية الأخرى، والهدف هو وقف الاقتتال، وإزالة الدشم، وإعادة أكياس الرّمل إلى حيث يجب أن تكون، وتهيئة الأجواء أمام المواطنين لرفع الأنقاض، والبدء ببناء الجدران، وإنشاء سقوف تبعد سيول المطر عن رؤوس العائلات. الهدف هو تيسير استئناف المدارس لبرامجها، ودعوة الأطفال إلى ملاعبهم من جديد، ونشر الأمن والاستقرار في الرّبوع.
لن يكون للجيش دخل في تحديد ما هي العقائد الصحيحة، وتلك التي يفترض أنها غير صحيحة في أعراف السّياسة. ما يسعى إليه الجيش هو تهيئة الأجواء المناسبة للنّقاش بين الأفراد، والحوار بين المجموعات، بالأشكال التي يرونها مناسبة في ظلّ حرّية التّعبير التّي نفتخر بها، ونحميها.
إن سلاح الجيش لا يقتل المواطنين المطلوبة مهما أساء بعضهم التصرّف، لكنه يهدف إلى منعهم من أن يقتل واحدهم الآخر، والدّعوة المتعلقة من كلّ عاقل هي في كلّ حين: لنرفع الغطاء عن المخلّين والمسلّحين، ولنتوقف عن حمايتهم.