مشاريع ومبادرات

من حماية القطع الأثرية إلى ترميم المباني التاريخية... فوج الأشغال أيضًا وأيضًا
إعداد: ندين البلعة خيرالله

مهما أعدنا التذكير بما أنجزه فوج الأشغال المستقل في الجيش اللبناني خلال السنوات الأخيرة، لن يكون ذلك كافيًا لتقدير الجهود التي يبذلها هذا الفوج بضباطه وعسكرييه رغم وجود ألف سبب وسبب لكبح فرامل العمل والإنتاجية في ظل الظروف القائمة. وها هو اليوم يستفيد من خبرات أهم الدول في مجال حماية الممتلكات الثقافية والأثرية، ويعزّز قدراته في هذا المجال، من خلال دورة تدريب على ترميم المباني الأثرية، علمًا أنّ برنامجها يتضمن أيضًا تنفيذ أعمال ترميم في هذه المباني. تنتهي الدورة التي تم تنظيمها بالتعاون مع المعهد الألماني للآثار Deutsches Archäologisches Institut، في منتصف شهر كانون الأول، وهدفها طويل الأمد وهو ترميم المباني التاريخية داخل الثكنات العسكرية.

 


كيف بدأ التعاون؟ شارك العقيد الركن حسن حرقوص رئيس الفرع الثالث في فوج الأشغال المستقل إلى جانب مجموعة من الشركات والمهندسين اللبنانيين العاملين في مجال الحفاظ على الممتلكات الثقافية وترميم المباني الأثرية والتاريخية، في معرض فيريرا للترميم في مدينة بولونيا -إيطاليا. والمعرض الذي نظمته الوكالة الإيطالية للتجارة Italian Trade Agency) -ITA)  التابعة للسفارة الإيطالية، متخصص في عرض المواد والطرق الحديثة لترميم وتأهيل المباني الأثرية والتاريخية والحفاظ على التراث الثقافي. وقد قدّم العقيد الركن حرقوص عرضًا عن الفوج والإنجازات التي تحقّقت في مجال حماية الممتلكات الثقافية، فأبدى الجميع إعجابهم وتقديرهم وتفاجؤوا بما حققه الفوج، وعند العودة إلى بيروت استمرّ التواصل مع هؤلاء المهندسين والمرمّمين الذين يعملون مع المعهد الألماني للآثار لترميم مبانٍ أثرية في بيروت، ومن بينها العقار 749 في منطقة المدوّر العقارية وهو مبنى أثري.
وبما أنّ إعادة ترميم مثل هذه المباني يتطلّب مواد محدّدة وعملًا خاصًا ودقيقًا، أرسل الفوج على دفعات من 9 عسكريين من مختلف الاختصاصات ذات الصلة بالترميم ليتدرّبوا بإشراف مهندسين متخصصين، بالإضافة إلى متابعة 10 ضباط من الفوج دورات متقدمة في هذا المجال. والهدف من ذلك أن يتعلّم اختصاصيو الفوج كيفية تحويل قدراتهم ومعارفهم وتطويعها في مجال المباني الأثرية وترميمها من دون تغيير معالمها.
ويؤكّد قائد الفوج العميد الركن يوسف حيدر أنّ "هدفنا هو التدعيم الطارئ وتنفيذ الأشغال الأولية في المباني الأثرية للحؤول دون تعرّضها لمزيد من الأضرار، ومن ثم تسليمها إلى المرممين المتخصصين... ونحن لا نتدخّل إلا إذا طُلب منّا ذلك". وأضاف قائلًا: "حين بدأنا بالعمل، كنا نتدرّب على صعيد إخلاء أجسام وقطع أثرية متحركة، وحفظها وتوثيقها. وكان علينا استكمال ذلك بتعزيز خبراتنا في كيفية التعامل مع المباني والآثار المنقولة. وقد تدرّب عسكريونا لفهم آلية العمل بإشراف مرمّم اختصاصي وممثلين عن المديرية العامة للآثار، وأثبتوا أنّهم يملكون مهارات يمكن الاستفادة منها لما فيه مصلحة المجتمع اللبناني وتاريخه".

 

مشروع جديد
في إطار الخبرات التي يسعى الفوج إلى اكتسابها في مجال ترميم الآثار، بدأ مشروع ترميم نافورة المياه الموزاييك الموجودة أمام فندق "راديسون بلو" في فردان، والتي تشبه نافورة في إيطاليا، بإشراف الفنان الذي قام بإبداعهما. بدأ العمل بمسح ثلاثي الأبعاد للنافورة، ليُصار إلى تنفيذ المشروع من قبل فوج الأشغال المستقل بالتعاون مع متخصصين وفنيين من المديرية العامة للآثار، ومن جامعة الروح القدس- الكسليك استنادًا إلى بروتوكول التعاون الأكاديمي الموقع بين الفوج والجامعة، وذلك بتنظيم وتمويل من الوكالة الإيطالية للتجارة ITA.ولكن الهدف الأهم من هذا التدريب والخبرات المُكتسبة هو ترميم المباني الأثرية داخل الثكنات العسكرية بشكلٍ محترف من خلال توظيف مهارات العسكريين والتوفير في التكاليف. فالفوج يقوم بجردة على كل الثكنات العسكرية الموجودة في الجيش، من رياق، إلى جبل لبنان والطبابة العسكرية وقاعدة بيروت البحرية وكل الأماكن الباقية منذ أيام الانتداب بهدف ترميمها يومًا ما بإشراف ودعم المؤسسات المختصة.

 

زيارة مميزة
إن إبداع عسكريي الفوج في هذه التدريبات والخبرات جذب رئيسة مكتب الشرق في المعهد الألماني للآثار الدكتورة Margarete van Ess، التي زارت الفوج واطّلعت عن قرب على هذه القدرات. وانطلاقًا من خبرتها العلمية في الكثير من المشاريع التي تُعنى بالإرث الثقافي في لبنان وسوريا والأردن والعراق وشبه الجزيرة العربية، أبدت دهشتها لما عاينته في الفوج من تطوّر تم تحقيقه خلال السنوات الثلاث الماضية. وأكّدت أنها ستحمل هذه الرسالة معها خصوصًا بعد أن تأثّرت بشغف العسكريين وحماستهم، وبإرادة الشعب اللبناني الذي تخطّى مصيبته بسرعة على الرغم من الأزمات الاقتصادية والسياسية.
وقد كتبت في كلمتها في السجل الذهبي لدى الفوج: "بعد كل كارثة هناك أمل بأن أمرًا أفضل سيولد من رحم هذه الكارثة، وقد تبين ذلك لدى شعبكم الذي دعم بعضه البعض لينهض بعد كارثة انفجار المرفأ. واليوم تعرفت على نتيجة أخرى مهمة جدًا نتجت عن الانفجار وهي إنشاء قدرة خاصة في الجيش اللبناني لحماية الممتلكات الثقافية. أتمنى لكم دوام التقدم وتأكدوا بأن ألمانيا ومعهدنا سيبقيان إلى جانبكم".