- En
- Fr
- عربي
موضوع الغلاف
ينزعون الألغام في منطقة ويعملون على توعية المواطنين وحمايتهم من مخاطرها، بينما يقيم رفاقهم جسرًا في منطقة أخرى. إنشاء طرقات القتال وإصلاحها وصيانتها، كما تأمين الاستطلاع والاستعلام الهندسي، والمساعدة في اقتحام الأماكن المحصنة، من المهمات التي يتحملون مسؤوليتها بجدارةٍ وكفاءة. لكن مهماتهم ليست محصورة بما سبق ذكره فثمة الكثير بعد...
إنّهم عسكريو لواء الدعم - فوج الهندسة الذي يستطيع تأمين الدعم الهندسي لأربعة ألوية مشاة في الوقت عينه، وهو فوج ينتشر على امتداد الوطن وتتواصل مهماته على مدار الساعة. ومؤخرًا كان لسراياه، لا سيما سرية الوقاية من أسلحة الدمار الشامل وسرية الآليات الهندسية وسرية خبراء الذخائر والمتفجرات، دور كبير في أعمال البحث والإنقاذ في مرفأ بيروت إثر الكارثة التي تعرّض لها.
يتميّز فوج الهندسة بالقدرة على الإنتاج في زمن الحرب كما في زمن السلم. وبينما يشمل اختصاصه مجالات متعدّدة، تسمح له قدراته بالعمل في مختلف الظروف الطبيعية، وبتركيز الجهود في أكثر من منطقة، ما يجعله من أكثر الأفواج انتشارًا بمهمّاته على مختلف الأراضي اللبنانية. وهو يضم 11 سرية تعمل كل منها في مجال اختصاصها وفق ما يشرح لنا قائد الفوج العقيد روجيه الخوري.
من الوروار إلى جرود عرسال وبعلبك
كيف تتوزع سرايا الفوج جغرافيًا؟ وما هي المهمات التي تتولاها؟ هناك أربع سرايا قتال هندسة، يتمركز قسمٌ من السرية الأولى في قيادة الفوج في ثكنة الوروار - بعبدا، ويعمل على معالجة مهمات ذخائر وعبوات ومتفجرات ضمن قطاع جبل لبنان، فيما تقوم فصيلة من السرية نفسها بتنظيف منطقة عرسال وجرد رأس بعلبك من العبوات والقذائف غير المنفجرة التي خلفها الإرهابيون، وهذه المهمة بالغة الدقة نظرًا لطبيعة الأرض، وللأسلوب الذي اعتمده الإرهابيون في التفخيخ.
... ومن المدفون إلى النهر الكبير فالجنوب
السرية الثانية تتولى بدورها مهمات في منطقة جبل لبنان، وهي تعمل حاليًا في ورشتي نزع ألغام في عين الحور - الشوف وعاليه - بحمدون. أما السرية الثالثة فتقوم بمهمات مشابهة في بقعة تمتد من المدفون إلى النهر الكبير الجنوبي، وتساعد في تنفيذ مناورات في مدرسة القوات الخاصة - حامات.
بدورها، تتابع السرية الرابعة المتمركزة في منطقة النبطية- الجنوب، كل المهمات المتعلقة بالمواد الخطرة والقذائف والعبوات بالإضافة إلى القنابل العنقودية التي خلّفها العدوان الإسرائيلي بعد حرب الـ 2006، ومنها حاليًا حقـل ألغـام في منطقـة العمـرا - مرجعيـون، وآخـر فـي زوطـر الغربية (قنابـل عنقوديـة)، وفـي كفرحونـة حيـث تتعـاون مع لـواء المشاة السابع.
ماذا عن السرايا الأخرى؟
يفصّل العقيد الخوري مهمات هذه السرايا التي تتمركز في قيادة الفوج على الشكل الآتي:
معالجة الذخائر غير المنفجرة والعبوات غير النظامية (مدفعية وصواريخ) هي من اختصاص سرية خبراء الذخائر والمتفجرات، التي تنفّذ أيضًا مهمات الاستجابة السريعة على صعيد التحقيق عند حصول انفجار في أي بقعة على الأراضي اللبنانية. يستخدم خبراء هذه السرية عتادًا متطوّرًا جدًا في عمليات الاستطلاع والتفتيش عن الذخائر والعبوات غير النظامية وصولًا إلى إتلافها. إذ يُستخدم نظام الأشعة X-ray لتصوير الأجسام وتحديد الطريقة الفضلى لمعالجتها، بالإضافة إلى استخدام أجهزة التشويش والرجل الآلي Robot الذي يعالج الجسم من خلال أجهزة تحكّم عن بُعد ما يجنّب فريق العمل مخاطر جمّة. وفي حال حصول انفجار، يرتدي خبراء السرية بزات خاصة تؤمن سلامتهم لدى تدخلهم لتأمين البقعة التي حصل فيها. ويشير آمر السرية النقيب جورج طنوس إلى أنّ ضباط السرية وعسكرييها يتلقّون تدريبات مستمرة لتطوير قدراتهم وتعريفهم إلى أدوات حديثة وأكثر تطوّرًا تسهّل عملهم وتبقيهم في مواكبة دائمة لكل المستجدات.
الوقاية من أسلحة الدمار الشامل
سريــة أخــرى فـردة من نوعها على صعيد الجيش هي سرية الوقايــة من أسلحــة الدمــار الشامــل CBRN (Chemical, Biological, Radiological, and Nuclear (Defense وهي تشكّل نواة العمل في هذا الاختصاص، إذ تابع عناصرها دورات متخصّصة في الخارج في مجالات الاستطلاع والكشف والتطهير، وما زالوا يتابعون حاليًا (ولو عن بُعد بسبب جائحة كورونا) دورات متقدمة بإشراف فرق أجنبية. وقد أولت القيادة أهمية لهذه السرية وبخاصةٍ في ظلّ الأخطار المحيطة بلبنان.
تأسّست سرية الـ CBRN سنة 2009 في فوج الهندسة وجُهّزت بأحدث المعدات، وهي قادرة على إقامة محطات تطهير الأشخاص والآليات من مفاعيل أسلحة الدمار الشامل إذا دعت الحاجة. كما أنّها تقوم بدورٍ مهم على المستوى الوطني على اعتبار أنّها السرية الوحيدة التي تمتلك معدات خاصة بالكشف على أماكن استخدام الأسلحة أو تحضيرها من قبل الإرهابيين. وقد نفّذت عدة مهمات تتصل بوجود مواد كيميائية مخبأة في بعض المناطق وأجرت اللازم بشأنها.
معظـم الأسلحـة الكيميائيـة، وفــق مــا يشــرح آمــر سرية الـ CBRN النقيب زياد أبو ملهب، هي على شكل غاز وإيروسول Aerosol (جزيئات دقيقة)، وهي قادرة على اختراق الجسم عبر أجهزة التنفّس كالأنف والفم، كما أنّها تؤثّر على العينين. وبالتالي فإنّ القناع الواقي يُعَد الوسيلة الأنسب لحماية الناس والمقاتلين من مفاعيل هذه العوامل أو الأسلحة. أما بالنسبة إلى العوامل ذات الشكل السائل والأثر الباقي، فتُعَد البزّة الواقية Personal Protective) PPE Equipment) الوسيلة الأساسية التي تعتمدها الجيوش، على اعتبار أنّ السوائل تتسرّب عبر مسامات الجلد البشري. هذه البزّة مصنّعة من أقمشة خاصة واقية تحوي مادة الكربون التي تمتص الجزيئات الكيميائية.
الكلاب ومروّضوها
الاستطلاع والتفتيش عن ذخائر ومتفجرات وأجسام مشبوهة بواسطة الكلاب هي المهمة الأساسية لسرية التفتيش التي تأسست في العام 2015، بعد أن كانت فصيلة كلاب تفتيش عن الألغام ضمن سرية خبراء الذخائر والمتفجرات. والسرية قسمان: الأول في قيادة الفوج في الوروار يضم 18 كلب متفجرات مع مروّضيها، والثاني في منطقة حمانا يضم أيضًا 12 كلب ألغام مع مروّضيها. ويشير آمر السرية النقيب عاد طانوس إلى أنّ فريقًا فرنسيًا يتابع السرية منذ إنشائها، ففي البداية تم تدريب 10 مروّضين في السرية واستقدام 10 كلاب كدفعةٍ أولى من الهبة الفرنسية، وتوالت الدفعات للوصول إلى العدد الحالي (30 كلبًا). وقد استمر التدريب مع الفريق الفرنسي لمدة سنة ونصف تقريبًا، افتتح بعدها الفوج دورات تدريبية مستقلة كانت نتيجتها ممتازة. فريق التفتيش هو عبارة عن الكلب ومروّضه، يظلان معًا حتى السبع السنوات، إذ لا تتعدّى إنتاجية الكلب هذا العمر، وبالتالي يجب أن يتقاعد في عامه الثامن.
العناية بالكلاب تقتضي التنسيق الدائم مع الطبيب البيطري الذي يتابع دوريًا صحتها ونظامها الغذائي. أما تدريب الكلب فيركز على حاسة الشمّ لديه، إذ يبدأ المروّض بتعريفه على رائحة المتفجرات، وعندما يكتشف المواد المتفجرة يحصل على الطابة الحمراء كمكافأة وهي تشكل مركز العالم بالنسبة إليه. والتدريب يجب أن يكون متواصلًا حتى لا ينسى الكلب الروائح التي يتدرّب على كشفها.
هناك عوامل طبيعية كثيرة يمكن أن تؤثّر في إنتاجية الكلب المتخصص باكتشاف المتفجرات، فالطقس الحار مثلًا قد يمنعه من أداء مهمّته... لذلك يجب تأمين كل وسائل الراحة المتاحة لهذه الكلاب لضمان إنتاجيتها. أمّا كلاب الألغام فيأتي عملها بعد تدخّل العنصر البشري المتمثل بسرية هندسة قتال تدخّل بدايةً بتقنيات التحسس والسبر والتقنيات الميكانيكية للكشف على أماكن الألغام. وبالتالي يكون تدخّل كلاب الألغام للتأكيد على أنّ البقعة أو الحقل الذي تمّ تنظيفه بات فعلًا آمنًا.
تحت الماء
معالجة الذخائر غير المنفجرة تحت الماء على كامل الشاطئ اللبناني، وتقديم دعم هندسة القتال للأفواج الخاصة هي من المهمات الخاصة بسرية قتال هندسة خاص. ويخبرنا آمر السرية النقيب هاني عيسائي أنّ عديد هذه السرية يقوم بثلاث غطسات إجبارية في الشهر (من بينها واحدة ليلية)، يتدربون خلالها على كشف الذخائر غير المنفجرة تحت الماء ومعالجتها. عناصر هذه السرية خضعوا جميعهم لدورة غطس في قيادة القوات البحرية.
الآليات الهندسية
مهماتها الأساسية التحصين والترصين والدعم العام، إضافةً إلى شق الطرقات لوحدات الجيش كافة، إنّها سرية الآليات الهندسية التي جُهزت مؤخّرًا بآليات جديدة (حفارات ورفوشة دولاب)، وهذه الآليات موزّعة على الألوية والأفواج كافة لا سيّما تلك المنتشرة على الحدود اللبنانية.
إسمها يدل بوضوحٍ على مهماتها، إنّها سريّة الجسور التي تسهّل عبور وحدات الجيش اللبناني في أثناء المهمات العسكرية أو عند تعرّض أحد الجسور للتدمير، كما تساعد في أعمال تسييج الثكنات. من أبرز الجسور التي بنتها هذه السرية جسر نهر البارد بعد المعركة التي خاضها الجيش هناك، وقبله أقامت جسورًا في الدامور وعلمان والحجة والقاسمية ورومين والمحمودية والخردلي بعد عدوان تموز 2006.
وأخيرًا وليس آخرًا، سرية القيادة والخدمة التي تدعم جميع سرايا الفوج فتسهّل تمركزها وتساعد في دعمها اللوجستي.
إعداد النقّابين والخبراء
يتحدث العقيد الخوري عن الشق التدريبي في مهمات الفوج، فيقول: «يعمل مدربو الفوج على إعداد نقّابين وخبراء ذخائر ومتفجرات وتدريبهم لمصلحة القوى المسلحة. كما يساعد الفوج المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام ويدعمه في عمليات نزع الألغام الإنسانية، ويسهر على المراقبة والتأكد من تطبيق تعليمات التصرّف الدائمة الخاصة بعمليات نزع الألغام الإنسانية على كامل الأراضي اللبنانية.
في موازاة ذلك، يقوم بتدريب كل مكاتب الدراسة، واختصاصات هندسة القتال، والوقاية من أسلحة الدمار الشامل، وينظّم دورات متخصصة يتابعها عسكريون من الأفواج والألوية، من بينها دورة خبير متفجّرات، تدريب على المقاييس المعتمدة في مجال نزع الألغام لأهدافٍ إنسانية، وتمرّس عملي للخبراء»...
في المهمة الصعبة
بدءًا من ليلة الانفجار في الرابع من آب الماضي، توجّهت آليات الفوج باتجاه المرفأ لشقّ الطريق أمام فرق الإسعاف وتمكينها من إخلاء الجرحى. وتولى أحد أرهاط سرية الوقاية من أسلحة الدمار الشامل أخذ عينات من الماء والهواء والتربة، للتأكد من عدم وجود تلوث في المكان. وفي اليوم التالي، كُلّف الفوج بمهمة البحث والإنقـاذ داخـل المرفـأ. ووُضعـت سريّـة الوقايـة من أسلحة الدمار الشامل بتصرّف المهمة للكشف على كافة المواد الكيميائيّة الخطرة الموجودة هناك بمؤازرة فرق إيطالية وفرنسية. كما وُضعت سرية خبراء الذخيرة والمتفجرات بتصرّف المهمة أيضًا للكشف على مكان الانفجار ورفع تقرير عن المواد المشبوهة التي يُعثر عليها ومعالجتها. بدورها، تدخّلت سرية هندسة القتال الخاص لاحقًا في الكشف على بقعة الانفجار تحت الماء (تم الانتظار قليلًا لتهدأ المياه وتصبح الرؤية نوعًا ما جيّدة بعد الانفجار) من خلال فريقَين من الغطاسين، للتأكّد من عدم وجود أي مواد خطرة.
على مدى أسابيع لم يتوقّف العمل في المرفأ لإتمام عملية البحث عن المفقودين والإنقاذ من قبل فوج الهندسة بمؤازرة الفرق الأجنبية والصليب الأحمر والدفاع المدني وفوج إطفاء بيروت، وتم انتشال٢٤ جثة من تحت الردم.
كان العمل على رفع الأنقاض والبحث عن مفقودين صعبًا للغاية، يوضح العقيد الخوري، فكميات الباطون المسلّح والردم وحمولة الإهراءات التي انهارت وغطّت أرض المرفأ كانت هائلة، والضحايا والأشلاء تحتها. لذلك، عملت فرق الإنقاذ كافة بتروٍّ وحذر حرصًا على حياة من ظلوا أحياء.
تزامنًا مع عمليات البحث والإنقاذ، كانت سرية الوقاية من أسلحة الدمار الشامل التابعة لفوج الهندسة تعالج المواد الكيميائية الخطرة التي عُثر عليها داخل المرفأ وجرى العمل على احتوائها وإبطال خطورتها بمساعدة فريق إيطالي وآخر فرنسي. فقد تم الكشف على 170 مستوعبًا تحوي موادًا كيميائية خطرة، وعزل المستوعبات المشبوهة كافة، والمواد الكيمائية المبعثرة ليصار إلى معالجتها من قبل شركات متخصصة تعمل في هذا المجال.
كذلك، تم التخلّص من 4350 كلغ من نيترات الأمونيوم، كانت داخل مستوعبات، عن طريق نقلها وإتلافها في حقول التفجير المخصصة. كما فجّرت السرية 236 مستوعبًا زجاجيًا تحوي مادة Picric Acid، و10 أكياس من مادة Benzoyl Peroxide و4 مستوعبات صغيرة من النيترات تمّ تفجيرها في حقول التفجير، وتم التخلص من حوالى ٨٠ برميلًا من مادة النيتروسالولوز Nitrocellulose، وهي مادة ذات حساسية عالية. هذه المهمة كانت أيضًا بالغة الصعوبة بسبب الكميات الهائلة من مادة الأسيد، المتسربة على أرض المرفأ، والمهمة مستمرة.
للكشف على هذه المواد، ارتدت فرق السرية (يضم كل فريق 4 عناصر) بزاتها الواقية وانطلقت بتجهيزاتها المتطورة المكونة من عدّة أنواع من الكواشف تعمل من خلال التعرّف على التكوين الكيميائي لكل مادة وتترجمها على الشاشة. وللتعمّق أكثر في أنواع تلك المواد، كان لا بد من سحب بعض العينات منها، واستقدامها إلى مختبر الفوج السريع، للحصول على نتائج تعود بالمادة إلى أصلها وكيفية تحلّلها، وبالتالي تحديد مدى خطورتها (مواد منفجرة، كيميائية، سامة، قابلة للاشتعال أو التسرّب...) وكيفية التخلّص منها، لا سيما وأنّ معظمها كانت مبعثرة ولا تحمل أي ملصقات تعرّف عنها.
الخطر والضغط
الخطــر والضغــط هنــاك كانـا كبيرَيـن، يقـول آمـر سريـة الـ CBRN، وعلى الرغم من ذلك أظهر عناصر السرية تقنية عالية في العمل على الأرض في مهمة كانت من أصعب ما مرّ علينا حتى اليوم، إذ إنّ التدريبات التي كانوا يتابعونها في السرية مع الفرق الأجنبية، لا سيما خلال السنوات الخمس الأخيرة مع الفرق الإيطالية وما زالت (من خلال الـ Zoom Meetings عن بُعد في ظل جائحة كورونا)، نُفّذت كلها بشكلٍ عملي متخصّص على أرض المرفأ، ما أتاح لعناصر السرية معرفة قدراتهم لتطويرها في المستقبل.
إلى الحدود الجنوبية
في العمرا - مرجعيون، على امتداد الخط الأزرق، تتمركز سرية هندسة تابعة لفوج الهندسة لتنفيذ مهمة إنسانية. فالسرية تُعنى بنزع الألغام التي زرعها العدو الإسرائيلي في الحقل لتصبح الأرض صالحة للاستغلال الزراعي أو البناء فيها. يقول آمر السرية الملازم أول محمود أبو ضاهر في هذا السياق: «هدف عملنا إنساني، فنحن ننظّف الأرض من أجل أصحابها. لا يمكننا التوقف قبل إيجاد الألغام جميعها ونزعها».
يتألف كل حقل ألغام من منطقتَين أساسيتَين. المنطقة الخلفية وتنقسم بدورها إلى منطقتَين: منطقة السكن والمنطقة الوسطى. تُعَد منطقة السكن مركزًا للاستراحة ويوضع فيها الـ Brief Board وفيها يتمّ تعميم المهمات والواجبات على العناصر المكلّفين تنفيذ مهمة نزع الألغام. ومن هذه المنطقة يقوم آمر الورشة بالتواصل الدائم مع رئيسه المباشر لتأمين حسن سير العمل. أما المنطقة الوسطى، فهي تتألف من الممر النظيف حيث تتمركز آلية الإسعاف التي تبقى جاهزة دائمًا لأي إخلاء طبي طارئ. وتتضمن أيضًا بقعة التجهيزات التي يستخدمها العسكريون في أثناء العمل، وتنتهي المنطقة عند مدخل الحقل حيث تبدأ المنطقة الأمامية أي المنطقة الخطيرة التي تحوي الألغام.
يقول آمر السرية: «الحقل الذي نعمل فيه هو LB729، تبلغ مساحته الإجمالية 3523 مترًا مربعًا. نتوقع أن نجد فيه نحو 655 لغمًا انتُزع منها نحو 444. ينزع العسكريون يوميًا بين 15 و20 لغمًا، فالعدد يختلف وفق طبيعة الأرض وما تفترضه تعليمات الحيطة ودقة العمل. فليس المهم أن ينزع العسكري عددًا كبيرًا من الألغام بل أن يكون بأمانٍ وهو ينزعها». ويضيف أنّ عديد عناصر العمل يوميًا هو 15 عسكريًا للفريق الواحد يرافقهم ضابط وآلية إسعاف مؤلفة من السائق والمسعف، وأحيانًا ينقص العدد بسبب تكليف عناصر بمهمات أخرى موازية.
الخرائط موجودة ولكن...
حصل الجيش من «اليونيفيل» على خرائط للحقل وضعها العدو الإسرائيلي، وهي تساعد النقّابين خلال عملهم، لكنّها «ليست واضحة تمامًا، كما أنّ العوامل الطبيعية أدت إلى تغيير أماكن الألغام». لذلك يعمل العسكريون وكأنّ الخرائط غير موجودة ويفتشون كل منطقة قبل الدخول إليها والتقدم فيها. ومن أهم تعليمات الحيطة التي يتّبعها العناصر، وجود مسافة 25 مترًا بين النقّاب والآخر أو بينه وبين المراقب. وهذا ما يستدعي أن يعمل أحيانًا نقّاب واحد ومراقب، وأحيانًا أخرى نقّابان ومراقب.
حدّدت الـ Standard Operation Procedures نوبات العمل في حقل نزع الألغام بـ 20 دقيقة عمل يليها 40 دقيقة استراحة على الأقل لتفادي تعب العسكري وما يترتّب عن ذلك من فقدان التركيز والدقة في العمل. ويشير الملازم أول أبو ضاهر إلى أنّ هذا الحقل من الحقول النظامية حيث تكون الألغام مصفوفة بشكلٍ متراصف، وفق مسافات موحدة تفصل بين اللغم والآخر.
الغلطة الأولى هي الأخيرة
من جهته، يخبرنا آمر الورشة في الحقل عن طريقة العمل: «بدايةً، يفتح النقّابون سليلًا بعرض متر ويباشرون تنظيفه ليتقدّموا فيه. بعدها يقومون بالكشف عن الألغام المتوقّع إيجادها».
من المتعارف عليه أنّ آخر خطوة في عملية نزع الألغام هي تفجيرها. وأكبر الصعوبات التي يواجهها المفجّر هي دقة العمل في أثناء وصل الحشوات المتفجّرة في الألغام وتذخيرها. «فالخطأ الأول يكون أيضًا الأخير وقد يُنهي مرتكبه فورًا» بحسب ما يقول آمر الورشة. ويضيف: «لنحمي أنفسنا نرتدي اللباس الواقي الذي يتألف من درع وخوذة ونطبّق التعليمات العالمية للتفجير بحرفيتها، فالعمل حسّاس والخطأ ممنوع».
سبق أن سقط للجيش شهداء خلال نزع الألغام، فالعمل بالغ الدقة والأخطاء التقنية يمكن أن تحدث. لكن منذ العام 2006، لم يحصل أي حادث مميت والحمدلله، وهذا ما ينوّه به المسعف المرافق للسرية، وهو يشير إلى أنّ رهط الإخلاء جاهز دومًا في أقرب مكان ممكن من الحقل.
تؤثّر بعض الظروف المناخية على سير العمل، فحين يتساقط المطر بغزارةٍ تتوقف العمليات كافة لأنّ الأرض تصبح موحِلة، لكن هذا لا يعني أنّ العمل يبقى متوقفًا طوال فصل الشتاء. فحين يكون الطقس صافيًا، يعمل العناصر بشكلٍ طبيعي.
سرية الهندسة لن تستريح إلا بعد تنظيف أرض لبنان من مخلفات العدو القاتلة. وفوج الهندسة بكامل سراياه المنتشرة على امتداد الوطن يواصل مهماته المتشعبة، مقدّمًا كل يوم نموذجًا في الحرفية والدقة والتفاني في العطاء.